235. بَابٌ فِيمَا جَاءَ أَنَّ حَدِيثَهُمْ صَعْبٌ مُسْتَصْعَبٌ

في هذا الباب خمسة أحاديث لم يُصحِّح المَجْلِسِيّ ولا الأستاذ البِهْبُودِيّ أياً منها. قال المَجْلِسِيّ إن الأحاديث 1 و2 و3 و5 ضعيفةً، والحديث 4 مُرْسَلٌ! حقاً لقد أبدع الكُلَيْنِيّ في جمع الأحاديث!

واعلم أن كلمة مُسْتَصْعَبٌ مبالغة من «صعب». بناء على روايات هذا الباب فإن أحاديث الأئِمَّة صعبةٌ عسيرة على الفهم بل شديدة الصعوبة جداً! ولن نناقش مضمون هذه الأحاديث ولكنَّنا نذكِّر بأن علماءنا يقولون إن القرآن صعبٌ وظنّيّ الدلالة، ولا بد من عرضه على أحاديث الأئِمَّة وأن نقبل كل ما روي عنهم في تفسيرهم لمعاني آيات القرآن. وَمِنْ ثَمَّ فنقول: إن أحاديث الأئِمَّة -طبقاً لرواياتكم- صعبة عسيرة على الفهم، بعكس كتاب الله تعالى الذي وصفه سبحانه بقوله: ﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ﴾ [القمر/17]. وقال: ﴿هُدًى لِلنَّاسِ﴾ [البقرة/185]. وقال: ﴿هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ﴾ [آل عمران/138]. وقال: ﴿هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ﴾ [الجاثية/20]. فهذه الآيات وأمثالها تبين بوضوح أن الناس يمكنهم أن يفهموا القرآن إذا تدبَّروه وتمعَّنوا بآياته، أما أحاديث الأئِمَّة فهي صَعْبةٌ مُسْتَصْعَبَةٌ على حدِّ قولكم ولا يفهمها "إِلَّا مَلَكٌ مُقَرَّبٌ أَوْ نَبِيٌّ مُرْسَلٌ أَوْ عَبْدٌ امْتَحَنَ اللهُ قَلْبَهُ لِلْإِيمَانِ!".  فالرجوع إليها لفهم القرآن بواسطتها مَثَلُهُ مَثَلُ من يرجع إلى الأمر الخفيَّ الصعب غير المفهوم ليفهم به الأمر السهل الواضح! فهو كمن يريد أن يرى الشمس بواسطة نور الشمعة!!  ولنعم ما قال الشاعر (بالفارسية):   

زهى نادان كه او خورشيد تابان                          به نــــور شمــع جويــد در بيابـان

ومعناه: ما أجهل من يبحث عن نور الشمس في البيداء بواسطة نور الشمعة!

والإشكال الآخر هو أنّه إذا كانت أحاديث الأئِمَّة على هذا القَدْر من الصعوبة بحيث لا يتحمَّلُها أحد سوى الملائكة والأنبياء وقليل من المؤمنين فقط، فموضوعاتها إذاً ليست فطرية وسائر الناس معذورون في عدم الرجوع إليها لأن الله الرحيم لم يُكلِّفْهم إلا ما في وسعِهم واستطاعتهم. فإذا كان هناك شيء صعب جداً ويعسر فهمه فإن الله لم يرد فهمه من عامة الناس! ونتيجة لذلك فإن مثل تلك الأحاديث لا فائدة فيها للناس.

ß الحديث 2 - يقول في الحديث الثاني: "وَاللهِ لَوْ عَلِمَ أَبُو ذَرٍّ مَا فِي قَلْبِ سَلْمَانَ لَقَتَلَهُ!". وهذا الحديث كذبٌ ومن تلفيقات الرواة المغرضين، لأن دين أبي ذرٍّ وسلمانَ دينٌ واحدٌ، فما عسى أن يكون في قلب سلمان من اعتقاد يجعله مستحقّاً للقتل؟ إن كان ما قلبه موافقاً لكتاب الله فلا يستوجب ذلك كفره واستحقاقه القتل، وإن كان غير موافق لما في كتاب الله فهذا خارج عن موضوعنا لأن سلمان كان قطعاً مسلماً وموافقاً لكتاب الله ومطيعاً لما فيه. إن القول بأن استنباط هذين الفردين لعلوم الشرع بعيدٌ الواحد عن الآخر كل هذا البعد إلى درجة اعتبار أحدهما الآخر كافراً زعمٌ باطلٌ ليس أكثر، لأن استنباط الشخص وفهمه لموضوع من موضوعات الشريعة إذا تم حسب القواعد والأصول الصحيحة، مهما كان عميقاً وذكياً وبارعاً، لا يمكنه أن يختلف ويتفاوت عن استنباط شخص آخر مهما كان سطحياً بنحو يكون فيه  الاستنباطان متضادَّين متناقضَين.

ß الحديث 3 - جاء في متنه: "إِنَّ اللهَ أَخَذَ مِنْ شِيعَتِنَا الْمِيثَاقَ كَمَا أَخَذَ عَلَى بَنِي آدَمَ!".

ونسأل: هل الشيعة غير بني آدم؟ ثانياً: إن الله - طبقاً للآية 172 من سورة الأعراف - أخذ العهد من بني آدم على إقرارهم بربوبيّته، فأرونا من فضلكم آيةً من كتاب الله تقول إن الله أخذ العهد من الشيعة؟!

ß الحديث 4 - سُئل فيه الإمام الهادي (ع) سؤالاً خاطئاً في حد ذاته، ولو كان الإمام فعلاً هو الذي أجاب عن هذا السؤال لكان بيَّن خطأ السؤال ذاته قبل كل شيء. لكن الحديث يذكر أن الإمام أجاب إجابةً مبهمةً.

يقول الحديث إن سائلاً سأل الإمام (ع): "جُعِلْتُ فِدَاكَ! مَا مَعْنَى قَوْلِ الصَّادِقِ (ع) حَدِيثُنَا لَا يَحْتَمِلُهُ مَلَكٌ مُقَرَّبٌ وَلَا نَبِيٌّ مُرْسَلٌ وَلَا مُؤْمِنٌ امْتَحَنَ اللهُ قَلْبَهُ لِلْإِيمَانِ؟!". 

هذا في حين أن الحديث المنسوب إلى الإمام الصادق والذي أشار إليه السائل يتضمن حرف «إِلَّا» ونصُّهُ: حَدِيثُنَا لَا يَحْتَمِلُهُ إِلَّا مَلَكٌ مُقَرَّبٌ و... الخ. فالراوي الجاهل حذف حرف «إِلَّا»!  ثم إن الجواب أيضاً معيبٌ إذ قال: "فَجَاءَ الْجَوَابُ‏ إِنَّمَا مَعْنَى قَوْلِ الصَّادِقِ (ع) أَيْ: لَا يَحْتَمِلُهُ مَلَكٌ وَلَا نَبِيٌّ وَلَا مُؤْمِنٌ؛ إِنَّ الْمَلَكَ لَا يَحْتَمِلُهُ حَتَّى يُخْرِجَهُ إِلَى مَلَكٍ غَيْرِهِ، وَالنَّبِيُّ لَا يَحْتَمِلُهُ حَتَّى يُخْرِجَهُ إِلَى نَبِيٍّ غَيْرِهِ...!!".

ونسأل إلى أي نبيٍّ آخر يخرجه رسول الله J؟!

ß الحديث 5 - أراد الراوي في هذا الحديث أن يثبت أن الشيعة طينة مختلفة عن سائر الخلق، كي يخدعهم بهذا المديح وهذا التمجيد لهم، ويجعلهم مبتهجين لقبولهم التشيُّع. ﴿كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ﴾ [المؤمنون/53]. في هذا الحديث رفع الراوي مقام الأئِمَّة فوق مقام رسول الله J إذْ نسب إلى الإمام قوله: "إِنَّ عِنْدَنَا وَاللهِ سِرّاً مِنْ سِرِّ اللهِ وَعِلْماً مِنْ عِلْمِ اللهِ وَاللهِ مَا يَحْتَمِلُهُ مَلَكٌ مُقَرَّبٌ وَلَا نَبِيٌّ مُرْسَلٌ.... وَاللهِ مَا كَلَّفَ اللهُ ذَلِكَ أَحَداً غَيْرَنَا!!".

ونقول: هل كان رسول الله J سوى نبيٍّ مُرسلٍ؟! ألم يقل الله تعالى: ﴿سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا﴾  [الإسراء/93].