14. [ نماذج لروايات «مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى» التي تكشف ضعفه وعدم وثاقته ]

سنذكر هنا كنموذج فقط بضعة أحاديث رواها «مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى» هذا:

1- في الحديث رقم 439 من «روضة الكافي» نجد «مُحَمَّدَ بْنَ يَحْيَى» في سند حديث يقول راويه إنه سمع الإمامَ الصادقَ u يقرأ الآية 214 من سورة البقرة على هذا النحو: "وَ زُلْزِلُوا، ثُمَّ زُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ‏" ([1]).

وهذا جعل المجلسي يقول في «مرآة العقول» في شرحه لهذا الحديث: "يدل على أنه سقط عن الآية قوله: "ثُمَّ زُلْزِلُوا"!!

2- وفي الحديث رقم 569 من «روضة الكافي» ينسب الراوي ذاته إلى الإمام الباقر u أنه لما سمع أبا بصير يقرأ قوله تعالى: ﴿التَّائِبُونَ الْعابِدُون﴾َ قَالَ: لَا، اقْرَأِ التَّائِبِينَ الْعَابِدِينَ إِلَى آخِرِهَا. فَسُئِلَ عَنِ الْعِلَّةِ فِي ذَلِكَ؟؟ فَقَالَ: "اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ التَّائِبِينَ الْعَابِدِينَ"!!

3- ونقل «مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى» أيضاً الرواية التالية:

15"... عَنْ سَالِمِ بْنِ سَلَمَةَ قَالَ: قَرَأَ رَجُلٌ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ u وَأَنَا أَسْتَمِعُ حُرُوفاً مِنَ الْقُرْآنِ لَيْسَ عَلَى مَا يَقْرَأُهَا النَّاسُ؟! فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ u: كُفَّ عَنْ هَذِهِ الْقِرَاءَةِ اقْرَأْ كَمَا يَقْرَأُ النَّاسُ حَتَّى يَقُومَ الْقَائِمُ (ع) فَإِذَا قَامَ الْقَائِمُ (ع) قَرَأَ كِتَابَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى حَدِّهِ. وَأَخْرَجَ الْمُصْحَفَ الَّذِي كَتَبَهُ عَلِيٌّ u وَقَالَ: أَخْرَجَهُ عَلِيٌّ u إِلَى النَّاسِ حِينَ فَرَغَ مِنْهُ وَكَتَبَهُ فَقَالَ لَهُمْ: هَذَا كِتَابُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ كَمَا أَنْزَلَهُ اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ o وَقَدْ جَمَعْتُهُ مِنَ اللَّوْحَيْنِ. فَقَالُوا: هُوَ ذَا عِنْدَنَا مُصْحَفٌ جَامِعٌ فِيهِ الْقُرْآنُ لَا حَاجَةَ لَنَا فِيهِ. فَقَالَ: أَمَا وَاللهِ مَا تَرَوْنَهُ بَعْدَ يَوْمِكُمْ هَذَا أَبَداً إِنَّمَا كَانَ عَلَيَّ أَنْ أُخْبِرَكُمْ حِينَ جَمَعْتُهُ لِتَقْرَءُوهُ"([2]).

لاحظوا أي خيانة للإسلام العزيز ارتكبها هؤلاء الرواة:

أولا: لا يقول الإمام الصادق u للقارئ، في هذه الرواية، لقد أخطأتَ في القراءة والآيةُ القرآنيةُ ليست كما قرأتَ، بل يقول له: كُفَّ عن هذه القراءة إلى يوم قيام القائم! ثم إنه يُفْهَم من كلام الإمام أن القرآن الموجود بين يدي المسلمين ليس على حدِّه وحَجْمِهِ الواقعيَّيْن بل سيظهر حدُّهُ وحجمُهُ الحقيقيان في زمن قيام القائم! وفي هذه الحال يمكن القول إن الحجة لم تتم على الناس حتى ذلك الزمن، لأن الحجة إنما تتم عندما يُعْرضُ القرآن على الناس كما أنزله الله على محمد o !! والأهم من ذلك هو السؤال: لماذا رضي الله أن يَبقَى الناسُ محرومين من آخر الكتب السماوية إلى ما قبل قيام القائم؟! وأن لا يصل حتى كتابه السماوي الأخير هذا إلى الناس كما أنزل الله؟ هل هناك وسيلة لاجتثاث الإسلام من جذوره أفضل من هذا الكلام ؟

ثانياً: لماذا منع الإمام القارئ من قراءة القرآن الأصلي والأصيل؟ إن ذلك القارئ لم يكن منكراً ولا أظهر استغناءه عن القرآن الأصيل، فلماذا يُبْقيه الإمام محروماً من القرآن الأصلي؟!

ثالثاً: من أين أتى القارئ بذلك القرآن؟ إن كان الإمام نفسُهُ قد أعطاه القرآن المذكور كي يستفيد من القرآن الأصلي فلماذا منعه من قراءته، وإن لم يكن الإمام قد أعطاه إياه فمن أين حصل عليه؟

  ولا يخفى أنه على الرغم من أن علماء الشيعة الكبار بما في ذلك «السيد المرتضى علم الهدى» و«الشيخ الطبرسي» في مقدمة تفسيره مجمع البيان اعتبرا الروايات التي تدل على تحريف القرآن من وضع فرقة «الحشوية» وأن هذه الروايات تسربت إلى كتب الإمامية وهي أحاديث غير معتبرة ولا قيمة لها ولا يُعَوَّل عليها ومرفوضة تماماً، إلا أن كثيراً من العلماء للأسف دافع عن صدور هذه الروايات وسعوا إلى تأويلها بتأويلات اخترعوها من عند أنفسهم لا دليل عليها ولا برهان، فمثلاً يقولون إن المراد من الرواية المذكورة أعلاه وأمثالها أنه قد ذُكر  في المصحف المذكور توضيح الآيات الإلهية وتفسيرها إضافة إلى القرآن؟ هذا في حين أنه لو كان الأمر كذلك لوجب على عليٍّ u أن يُذَكِّر الناس بخطئهم ويقول: ولكن مصحفي هذا معه التفسير، لكنه لم يقل شيئاً من ذلك بل سكت! ولو كان ذلك التفسير مفيداً لهداية الناس فلماذا غضب علي u بسرعة واعتزلهم، وَحَرَمَ الأمة الإسلامية منه، وحتى في عهد خلافته، رغم أن أقبلوا الناس عليه برغبة شديدة، لم يقم بالتعريف بمصحفه المفَسَّر ذاك، بل لم يُظْهِرْهُ لأتباعه المقرَّبين أمثال سَلْمَان وأبي ذر والمقداد وعمّار!

والأهم من هذا، لماذا لم يوصِ النبيُّ o بهذا القرآن في غدير خم وفي غيرها من الخطب التي ألقاها في أواخر عمره بل أبقى الناس جاهلين بهذا التفسير القيِّم؟

ومن تأويلاتهم الأخرى أنهم يقولون إن ترتيب آيات السور في مصحفِ عليٍّ  المذكور كان مختلفاً عن ترتيبها في المصحف الحالي. ولكن هذا الادّعاء لا يفتقر إلى الدليل فحسب بل مخالفٌ لشواهدَ وَمستنداتٍ كثيرةٍ كما ذكر ذلك أبو عبد الله الزنجاني في «تاريخ القرآن»، وآية الله السيد أبو القاسم الخوئي في تفسير «البيان» أو «الشيخ الطبرسي» في مقدمة تفسيره «مجمع البيان» نقلاً عن «السيد المرتضى» الذي قال:

"إن القرآن كان على عهد رسول الله o مجموعاً مؤلَّفَاً على ما هو عليه الآن، واستدلَّ على ذلك بأن القرآن كان يُدرَّس ويُحفَظ جميعه في ذلك الزمان حتى عيّن على جماعة من الصحابة في حفظهم له، وأنه كان يُعرض على النبي o ويُتْلى عليه وأن جماعةً من الصحابة مثل عبد الله بن مسعود وأبى بن كعب وغيرهما ختموا القرآن على النبي o عدّة ختمات. وكل ذلك يدل بأدنى تأمّل على أنه كان [في أواخر عُمْر النبي o] مجموعاً مرتّباً غير مبتور ولا مبثوث."([3]).

تدلُّ كل هذه الحقائق على أن القرآن دُوِّن في أواخر عمر النبيِّ المبارك بشكل كتاب مجموع مُنظَّم وأنه لم يكن مُتفرِّقاً مُتناثراً وغير مُرتَّب. ولو كان ترتيب الآيات الحالي وتقديمها وتأخيرها لا يحظى بتأييد النبي o وقبوله لقام حضرته حتماً ودون أي شك بتذكير أصحابه بذلك الأمر.

في المصادر المذكورة وفي سائر الكتب ذُكِرَت أسماء الأشخاص الذين كانوا يكتبون سور القرآن زمن النبي o [أي كُتَّاب الوحي] وهذا في حد ذاته دليل قاطع على أن ترتيب الآيات في كل سورة كان يتم تحت إشراف النبيo) ([4])، فكلام الذين يدّعون أنه قد حصل تقديم وتأخير في آيات السور في مصحف عليٍّ u ادعاء لا أساس له من الصحة بل مخالف للحقائق التاريخية.

أما لو اُدُّعِي أن اختلاف القرآن الذي جمعه علي u عن القرآن الحالي كان فقط في ترتيب السور وأن القرآن الحالي لو رُتِّبَت سوره طبقاً لترتيب النزول لساعد ذلك على فهم حقائقَ مِنَ القرآن المجيد لا تُفهَم الآن، ففي هذه الصورة أيضاً - كما قلنا سابقاً - كان من الواجب أن لا يجلس الإمامُ عليٌّ u ولا يهدأ له بال حتى ينشر ذلك القرآن، لا أن يُخفِيَ ذلك المصحف المذكور لمجرد أن الصحابة أبدَوا استغناءهم عنه، وعلى أقل تقدير كان عليه أن يدعو الناس إلى ذلك المصحف خلال فترة حكومته كي يستفيد من مزاياه المسلمون الذين يمتلكون الأهلية لذلك. أليست الوظيفة الأساسية لإمام الهداية حفظ الإسلام كما أنزله الله تعالى وكما جاء به النبي o؟ فكيف يمكن لإمام الهداية أن يسكت في مثل هذه الموارد وألا يُرشدَ الناس نحو الإسلام والقرآن الذي يرضاه الله؟ إن هذا يدلُّ على أن مثل ذلك الأمر لم يكن مطروحاً أصلاً أي لم تكن مثل تلك الوظيفة واجبة على الإمام وأنه أدى واجبه تجاه القرآن على أحسن وجه. كما أنه من المسلَّمات التاريخية أن الإمام عليّاً u دعا الناس إلى هذا القرآن ذاته الذي بين يدي الأمة. بناء على ما تقدم، لا شك أن القرآن الفعلي الذي هو في متناول أيدي مليار مسلم اليوم هو على النحو ذاته وعينه الذي أمر به رسول الله o وهو القرآن ذاته الذي أُعِدَّ بإشراف علي u وتأييده وتصويبه وتصويب سائر أهل بيت النبي o وأصحابه.

4- وروى «مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى» بسنده عَنْ أَبِي أُسَامَةَ قَالَ سَمِعْتُ الإمامَ أَبَا عَبْدِ اللهِ الصادق (ع) يَقُولُ: "مَنْ قَرَأَ قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ مِائَةَ مَرَّةٍ حِينَ يَأْخُذُ مَضْجَعَهُ غُفِرَ لَهُ مَا عَمِلَ قَبْلَ ذَلِكَ خَمْسِينَ عَاماً". وَقَالَ يَحْيَى: فَسَأَلْتُ سَمَاعَةَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو بَصِيرٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ (ع) يَقُولُ ذَلِكَ. وَقَالَ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ! أَمَا إِنَّكَ إِنْ جَرَّبْتَهُ وَجَدْتَهُ سَدِيداً!! ([5])" ([6]).

هذه الرواية نسبها مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى مَرَّةً إلى الإمام الصادق u ومرَّةً إلى النبي o من طريق الإمام الصادق([7]).

نعم، لقد وثَّقوا مثل هذا الشخص؟!! وكثير من روايات الكافي منقولة عن هذا الرجل!

5- ويروي مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى هذا روايةً طويلةً، كَذِبُهَا أظهر من الشمس. في تلك الرواية([8]) يقسم أمير المؤمنين علي u قائلاً: وَالَّذِي بَعَثَ مُحَمَّداً o بِالْحَقِّ وَأَكْرَمَ أَهْلَ بَيْتِهِ مَا مِنْ شَيْ‏ءٍ تَطْلُبُونَهُ مِنْ حِرْزٍ مِنْ حَرَقٍ أَوْ غَرَقٍ أَوْ سَرَقٍ أَوْ إِفْلَاتِ دَابَّةٍ مِنْ صَاحِبِهَا أَوْ ضَالَّةٍ أَوْ آبِقٍ إِلَّا وَهُوَ فِي الْقُرْآنِ!! فَمَنْ أَرَادَ ذَلِكَ فَلْيَسْأَلْنِي عَنْهُ.    .................

قَالَ فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! إِنَّ أَرْضِي أَرْضٌ مَسْبَعَةٌ وَإِنَّ السِّبَاعَ تَغْشَى مَنْزِلِي وَلَا تَجُوزُ حَتَّى تَأْخُذَ فَرِيسَتَهَا. فَقَالَ u: اقْرَأْ ﴿لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ﴾ [التوبة/128-129]!! فَقَرَأَهُمَا الرَّجُلُ فَاجْتَنَبَتْهُ السِّبَاعُ.

ثُمَّ قَامَ إِلَيْهِ آخَرُ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! إِنَّ فِي بَطْنِي مَاءً أَصْفَرَ فَهَلْ مِنْ شِفَاءٍ؟ فَقَالَ u: نَعَمْ بِلَا دِرْهَمٍ وَلَا دِينَارٍ وَلَكِنِ اكْتُبْ عَلَى بَطْنِكَ آيَةَ الْكُرْسِيِّ وَتَغْسِلُهَا وَتَشْرَبُهَا وَتَجْعَلُهَا ذَخِيرَةً فِي بَطْنِكَ فَتَبْرَأُ بِإِذْنِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ!! [أقول: هنا يُفْتَقَدُ الأطباء، فعليهم أن يأتوا ويتعلَّموا طريقة معالجة أمراض المعدة من هذا الحديث!!]. ".

وهكذا يقوم عدة أشخاص وكل واحد يسأل الإمام عن الدعاء المفيد لحل مشكلة ما، فواحد يسأله عَنِ استرجاع ضالَّتِهِ [أي الدابَّة التي فقدها]، وآخر يسأله عَنْ عَوْدَةِ عَبْدِهِ الْآبِقِ، وآخر يسأله عن كيفية النجاة من الحريق ... الخ.  ويجيب حضرة الإمام كلَّ واحدٍ منهم.  والطريف أنه كلهم يرجعون إلى أماكن معيشتهم ويقرؤون الآيات التي تعلموها، فهذا يجد دابَّته الضالَّة والآخر يجد عبدَه الآبق، والثالث الذي سأل عن الحريق ينجو من الحرق، ... إلى آخره. [من أين عرف الراوي هذه الحوادث، اللهم إلا أن يكون قد تعقَّب كلَّ واحدٍ من السائلين، كي يعلم ماذا حدث لهم، ويراقب: هل قرؤوا الآية ذات العلاقة أم لا؟].

وفي آخر الحديث يقول عليٌّ دون أن يسأله أحد عن ذلك:

"مَنْ بَاتَ بِأَرْضٍ قَفْرٍ فَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى‏ عَلَى الْعَرْشِ إِلَى قَوْلِهِ تَبارَكَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ حَرَسَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَتَبَاعَدَتْ عَنْهُ الشَّيَاطِينُ قَالَ‏: فَمَضَى الرَّجُلُ فَإِذَا هُوَ بِقَرْيَةٍ خَرَابٍ فَبَاتَ فِيهَا وَلَمْ يَقْرَأْ هَذِهِ الْآيَةَ فَتَغَشَّاهُ الشَّيْطَانُ وَإِذَا هُوَ آخِذٌ بِخَطْمِهِ فَقَالَ لَهُ صَاحِبُهُ: أَنْظِرْهُ وَاسْتَيْقَظَ الرَّجُلُ فَقَرَأَ الْآيَةَ؛ فَقَالَ الشَّيْطَانُ لِصَاحِبِهِ: أَرْغَمَ اللهُ أَنْفَكَ احْرُسْهُ الْآنَ حَتَّى يُصْبِحَ. [كيف كان ذلك الرجل يسمع حوار الشيطان مع صاحبه؟!] فَلَمَّا أَصْبَحَ رَجَعَ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ u فَأَخْبَرَهُ وَقَالَ لَهُ: رَأَيْتُ فِي كَلَامِكَ الشِّفَاءَ وَالصِّدْقَ، وَمَضَى بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ فَإِذَا هُوَ بِأَثَرِ شَعْرِ الشَّيْطَانِ مُجْتَمِعاً فِي الْأَرْض!!". [وهل الشيطان قابلٌ للرؤية حتى يُرى شعره على الأرض، هذا إن كان للشيطان شعر من الأساس!!].

هذا مع أن القرآن أوضح لنا أننا لا نرى الشياطين فقال تعالى: ﴿إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ...﴾ [الأعراف/27].

أيها القارئ العزيز ! لو أن شخصاً صدَّق أسطورة مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى هذه ثم عمل بإحدى الموارد التي ذُكِرَت في حديثه (مثلاً في موضوع معالجة البطن وأمثالها) ولم يحصل على النتيجة المطلوبة المذكورة في الحديث فما هو الأثر السلبي الذي سيحل بنفسه؟ ألن يشك بأصل الدين؟ لا يَبْعُدُ أن تكون هذه الروايات قد وُضِعَت أصلاً لتحقيق هذا الهدف. لاحظوا كيف تم التلاعب بكتاب الله الذي نزل لأجل هداية الناس.

6- ومُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى أيضاً هو راوي الحديث التالي المعارض للقرآن:

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ u قَالَ قَالَ رَسُولُ اللهِ o: "إِذَا رَأَيْتُمْ أَهْلَ الرَّيْبِ وَالْبِدَعِ مِنْ بَعْدِي فَأَظْهِرُوا الْبَرَاءَةَ مِنْهُمْ وَأَكْثِرُوا مِنْ سَبِّهِمْ وَالْقَوْلَ فِيهِمْ وَالْوَقِيعَةَ وَبَاهِتُوهُمْ كَيْلَا يَطْمَعُوا فِي الْفَسَادِ فِي الْإِسْلَامِ وَيَحْذَرَهُمُ النَّاسُ وَلَا يَتَعَلَّمُوا مِنْ بِدَعِهِمْ، يَكْتُبِ اللهُ لَكُمْ بِذَلِكَ الْحَسَنَاتِ، وَيَرْفَعْ لَكُمْ بِهِ الدَّرَجَاتِ فِي الْآخِرَةِ !!!"([9]).

أولاً: هذه الرواية تخالف تماماً الآية المباركة: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِـلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى﴾ [المائدة /8]. فهذه الآية الكريمة تنهانا بصراحة عن ظلم العدو.

وثانياً: إذا قمنا ببهتان المخالفين وسبِّهم وشتمهم والوقيعة بهم فإنهم سيرون أن لهم الحق أن يردُّوا علينا بالمثل وعندئذٍ سوف يسبُّون مقدساتنا ويهينونها، وهذا ما نهتنا عنه الآية الكريمة التي تقول: ﴿وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾   [الأنعام/108].

ثالثاً: البهتان والافتراء من أنواع الكذب وهو عملٌ مُنكَرٌ ومُحرَّمٌ.

رابعاً: لماذا لم يلجأ رسول الله o  إلى مثل هذا الأمر حتى بحق المتنبِّئين بالباطل في زمنه، ولماذا أبى عليٌّ u أن يقوم بمثل هذا الأمر أثناء مواجهته لجيش معاوية، وليس هذا فحسب بل قام بعكس ما تفيده تلك الرواية إذْ نهى أصحابَه وجُنْدَه عن سب معاوية وأنصاره وقال: "إِنِّي أَكْرَهُ لَكُمْ أَنْ تَكُونُوا سَبَّابِينَ" (نهج البلاغة، الخطبة 206)، ألم يكن عليٌّ u يرغب بحصول جُنْده على الثواب والحسنات ورفع الدرجات في الآخرة؟!

خامساً: لماذا إذن روى الكُلَيْنِيُّ في الكافي عن الإمام الباقر u أنه قال: "إِنَّ اللهَ يُبْغِضُ الْفَاحِشَ الْمُتَفَحِّش‏"([10]). وروى عن الإمام الصادق u عن رسول الله o قال: "إِنَّ الْفُحْشَ لَوْ كَانَ مِثَالًا لَكَانَ مِثَالَ سَوْءٍ"([11]). أو روى عن الإمام الصادق u قوله: "الْبَذَاءُ مِنَ الْجَفَاءِ وَالْجَفَاءُ فِي النَّارِ"([12])

والأطرف من كل ذلك أن «مُحَمَّدَ بْنَ يَحْيَى» ذاته روى عن الإمام الصادق u قوله: "إِنَّ الْفُحْشَ وَالْبَذَاءَ وَالسَّلَاطَةَ مِنَ النِّفَاقِ"([13]).

أيها القارئ العزيز! هذه هي هدية مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى إلى كتب الحديث، إنها رواية مُفْتَضَحة إلى درجة أن بعض مترجمي الكافي أو كتّاب الحواشي عليه أو شُرَّاح الكافي اضطروا إلى تفسير فعل «بَاهِتُوا» على معنى «ابْهَتُوا» وأن يقولوا أن المقصود منه هو: (اجعلوهم مبهوتين بالدلائل القوية التي تحاجّونهم بها)، ولكن بمعزل عن أنّ هذا المعنى لا يتناسب كثيراً مع سياق الجمل التي جاءت قبله وبعده فإنه من اللازم أن نعلم أنه رغم أن مادة «بَهَتَ» اُستُخدِمَت أيضاً بمعنى مُطلَق «الحيرة والبهت والتعجب»([14])، ولكن - كما جاء في كتب المعاجم واللغة - إذا استُخدِمَت هذه المادة على وزن المُفاعَلة فإن معناها يكون الافتراء على الآخر واتهامه والبهتان في حقه.

قال ابن منظور في لسان العرب: "وباهَتَه: اسْتَقْبَلَهُ بأَمْرٍ يَقْذِفُه به وهو منه بريء لا يعلمه فَيَبْهَتُ". وجاء في أقرب الموارد أيضاً: "باهَتَ: أتَى بالبُهْتانِ فلاناً: حيَّره بما يفتري عليه من الكذب"([15]).

وثمَّةَ نقطةٌ مُهِمَّةٌ هنا أود لفت انتباه القراء الكرام إليها وهي أن هذا الحديث الفاضح المذكور أعلاه، ليس في سنده أية علة!! أو بعبارة أوضح: سنده في غاية الصحة!!  إن عدم الانتباه إلى مشكلات المتن جعل عالماً مشهوراً كالشيخ مرتضى الأنصاري يستند إلى هذا الحديث في كتابه المكاسب الذي هو من الكتب الدراسية لطلاب الدراسات الدينية [في الحوزات العلمية]!! فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ!!  ولهذا السبب لابد في دراستنا للحديث - كما ذكرتُ في المقدمة - من تقديم تمحيص المتن على تمحيص السند. (فتدبَّر جِدَّاً).



([1])   الكُلَيْنِيُّ، روضة الكافي،  8، 290. (المُتَرْجِمُ)

([2])   الكُلَيْنِيّ، أصول الكافي، ج2، ص 633، حديث 23. وبالطبع، لا تنحصر تُحَف وروائع «مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى» بالأحاديث الثلاثة المذكورة أعلاه بل لهذا الراوي 18 حديثاً من أحاديث الباب 165 من أبواب أصول الكافي!!

([3])   انظر تفسير مجمع البيان (مقدمة الكتاب)، طبع بيروت الصفحة 30 -31 (أو في الصفحة 15 من طبعة بيروت عام 1379هـ). (المُتَرْجِمُ)

([4])   لقد ذكرتُ في الفقرات من الأولى وحتى الحادية عشر من مقدمة تفسير «تابشى از قرآن» مطالب مفصَّلة حول جمع القرآن وتأليفه، آمل أن تحظى باهتمام القراء الأعزاء ومطالعتهم. كما أنه من المفيد جداً مطالعة كتاب «راهى به سوى وحدت اسلامي» [وقد تُرجِمَ إلى العربية بعنوان "الطريق نحو الوحدة الإسلامية"، نشر دار الأوئل في دمشق] ص95 فما بعد، تأليف أخينا المفضال جناب السيد مصطفى الحسيني الطباطبائي - أيده الله تعالى -.

([5])   إذا كان الأمر كما يقول الحديث فالسؤال الطبيعي الذي يطرح نفسه: كيف يمكن لفرد غير معصوم أن يجد ذلك سديداً أي أن يدرك حقيقةَ أن ذنوبه قد غُفِرَت؟ الله العالم! بالطبع واجه المجلسي هذا الإشكال ذاته في شرحه للكافي، فَتَمَحَّلَ له بعض التأويلات لكنه اعترف في النهاية أن ما ذكره من احتمالات بعيدٌ.

([6]) الكُلَيْنِيّ، أصول الكافي، ج 2، ص 539، حديث 15.

([7]) كلا الروايتين في المجلد الثاني من أصول الكافي، فالرواية الأولى هي الحديث 15 من أحاديث باب الدعاء عند النوم والانتباه ص539، والرواية الثانية هي الحديث 4 من باب فضل القرآن، ص620.

([8])   الكُلَيْنِيّ، أصول الكافي، ج 2، ص 624 فما بعدها، باب فضل القرآن، حديث 21.

([9])   الكُلَيْنِيّ، أصول الكافي، باب مجالسة أهل المعاصي، ج2، ص 375، حديث 4.  واعتبر الأستاذ البهبودي هذا الحديث غير صحيح.

([10]) الكُلَيْنِيّ، أصول الكافي، باب البذاء، ج2، ص 324، حديث 4.

([11])  المصدر نفسه، باب البذاء، ج 2، ص 324، حديث 6، و ج 2، ص 325، حديث 12.  وصحيح الكافي للبهبودي، ج 1، ص 112، حديث 365.

([12])  الكُلَيْنِيّ، أصول الكافي، باب البذاء، ج 2، ص 324، حديث 9.

([13]) المصدر نفسه ، باب البذاء، ج 2، ص 325، حديث 10.

([14])  استُعمِلَت مادة بَهَتَ أيضاً بمعنى الاتهام، كما نجد مُحَمَّدَ بْنَ يَحْيَى هذا ذاته يروي الحديثين الخامس والسادس في المجلَّد الثاني من أصول الكافي في باب الغيبة والبهت في الصفحتين 357-358، استُخدِم فعل بَهَتَ في كلٍّ من الحديثين بمعنى الافتراء والبهتان في حق الآخر:

1- من بهت مؤمناً أو مؤمنةً بما ليس فيه...

2 - ..... من ذكره بما ليس فيه فقد بَهَتَه.

وفي لسان العرب (ج2، ص12) أيضاً نقرأ من معاني «بهت»: بهت الرجل: قال عليه ما لم يفعله فهو مبهوت. وفي أقرب الموارد أيضاً (ج1، ص63): بَهَتَهُ: قذفه بالباطل وافترى عليه الكذب، وبَهَتَ فلانٌ فلاناً: كذب عليه.

([15]) المُعَلِّم سعيد الخوري الشرتوني اللبناني (ت 1912م)، أقرب الموارد في فُصَحِ العربية والشوارد، قم، منشورات مكتبة آية الله المرعشي النجفي، 1403هـ. ق.، ج 1، ص 63. (المُتَرْجِمُ)