13. [عودٌ إلى نقد أحاديث «كتاب العقل والجهل» في المجلد الأول من أصول الكافي]

ß الحديث 3- حديثٌ مرسلٌ، وَمِنْ ثَمَّ فهو غير موثوق ولا يمكن اعتماده. أما متنه فيَنْسِب إلى الإمام الصادق u قولَه: "الْعَقْلُ مَا عُبِدَ بِهِ الرَّحْمَنُ وَاكْتُسِبَ بِهِ الْجِنَانُ". قَالَ (الراوي) قُلْتُ: فَالَّذِي كَانَ فِي مُعَاوِيَةَ؟؟ فَقَالَ الإمام الصادق u: "تِلْكَ النَّكْرَاءُ تِلْكَ الشَّيْطَنَةُ وَهِيَ شَبِيهَةٌ بِالْعَقْلِ وَلَيْسَتْ بِالْعَقْلِ ".

يبدو أن هذا الحديث وُضِعَ للدفاع عن معاوية، لأنه إذا كان لدى معاوية شيطنة، والشيطنة تشبه العقل لكنها ليست من سنخ العقل فمعنى ذلك أن معاوية لم يكن ذا عقلٍ وَمِنْ ثَمَّ فلن يكون مُكَلَّفاً ولن يكون مُعَاقَبَاً إذن!!  نعوذ بالله من الصديق الجاهل والعدو العالم.

ß الحديث 4- أحد رواته «مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى» وراويه الآخر «ابْنُ فَضَّالٍ» وهذا الأخير كان واقفيّاً. وسوف نُبَيِّن حال الراوي الأول عند كلامنا عن الحديث التالي، ونبيِّن حال الراوي الثاني في تعليقنا على الحديث الخامس عشر في هذا الباب. إن شاء الله تعالى.

ß الحديث 5- راويه الأول: «مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى» وسوف نتعرف عليه الآن قبل الانتقال إلى الحديث السادس. والراوي التالي له «أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ» شخصٌ مشتَرَكٌ ومجهولٌ. وقد رَوَى بدوره عن «ابْنِ فَضَّالٍ» الواقفيّ. أما متن الرواية فيتعارض مع القرآن إذْ يقول: "إِنَّ هناك قَوْماً لَهُمْ مَحَبَّةٌ للأئمَّة وَلكن لَيْسَتْ لَهُمْ تِلْكَ الْعَزِيمَة [أي لا يلتزمون بلوازم تلك المحبة] يَقُولُونَ بِهَذَا الْقَوْلِ. فَقَالَ: لَيْسَ أُولَئِكَ مِمَّنْ عَاتَبَ اللهُ!!".

هذا في حين أن القرآن يعتبر العقلاء البالغين من كل أمة أُرسِل إليهم رسولٌ مُعاتَبين ومسؤولين أمام الله ويقول: ﴿فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ﴾ [الأعراف/6]، كما أن المحبّة والرحمة وغفران الله تعالى مشروطة باتِّباع النبيَّ o، كما قال تعالى: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ﴾  [آل عمران/31].

هنا من المناسب أن نتعرَّف على الشخص الذي روى هذا الحديث للكُلَيْنِي:

14أبو جعفر محمد بن يحيى العطَّار القُمِّيّ من مشايخ الكُلَيْنِيّ، رغم أن النجاشي قال عنه([1]): "إنه يروي عن الضعفاء وَيعتمد المراسيل وَلا يبالي عمن أخذ..". لكن أغلب الرجاليين وثَّقه كما وثَّقوا «علي بن إبراهيم القُمِّيّ» ([2]) دون ملاحظة مروياته، مع أن انحرافاته كثيرة.



([1]) هذه إحدى هفوات المؤلف رحمه الله لأن الترجمة التي ذكرها عن رجال النجاشي ليست لـ "أبي جعفر محمد بن يحيى العطَّار القُمِّيّ" - من مشايخ الكُلَيْنِيّ، بل هي لشيخ آخر - من مشايخ الكُلَيْنِيّ أيضاً- هو "محمد بن أحمد بن يحيى بن عمران بن عبد الله بن سعد بن مالك الأشعري القُمِّيّ أبو جعفر". فهذا هو الذي قال عنه النجاشي (ص 348، الترجمة رقم 939): "كان ثقةً في الحديث. إلا أن أصحابنا قالوا: كان يروي عن الضعفاء ويعتمد المراسيل ولا يبالي عمن أخذ...". انتهى.

أما "أبو جعفر محمد بن يحيى العطَّار القُمِّيّ" فلم يُضَعِّفْهُ النجاشيُّ بل وَثَّقَهُ وترجم له في رجاله (ص 353، الترجمة رقم 946) بقوله: " شيخ أصحابنا في زمانه، ثقة، عين، كثير الحديث. له كتب، منها كتاب مقتل الحسين [عليه السلام‏]، و كتاب النوادر، أخبرني عدة من أصحابنا، عن ابنه أحمد، عن أبيه بكتبه.". (المُتَرْجِمُ)

([2])   وهو أيضاً من مشايخ الكُلَيْنِيّ، وراجع ترجمته في هذا الكتاب بعد حوالي عشرين صفحة.