263. بَابٌ فِي أَنَّهُ إِذَا قِيلَ فِي الرَّجُلِ شَيْ‏ءٌ فَلَمْ يَكُنْ فِيهِ وَكَانَ فِي وَلَدِهِ أَوْ وَلَدِ وَلَدِهِ فَإِنَّهُ هُوَ الَّذِي قِيلَ فِيهِ

جاءت في هذا الباب ثلاثة أحاديث، اعتبر المَجْلِسِيّ الحديث الأول صحيحاً، والثاني مَجْهُولاً كالصحيح، والثالث ضعيفاً. وصحَّح الأستاذ البِهْبُودِيّ أيضاً الحديثين الأول والثاني!

في رأينا لما رأى واضعو الأحاديث التي أرادوا من خلالها أن يُعرِّفوا بالأئمة بوصفهم أشخاصاً يعلمون الغيب والتي وضعوا فيها أحاديث تتضمن قصصاً عن إخبارهم بالمُغيَّبات، لَمَّا رأوا أن تلك الأخبار لم تتحقق، قاموا بوضع أحاديث هذا الباب لتبرير عدم تحقُّق الأخبار التي وضعوها. فقالوا في أحاديث الباب إن الإمام الصادق u قال ما معناه أنه إِذَا أخْبَرَ الإمَامُ أَمْراً عَنْ رَجُلٍ فَلَمْ يَكُنْ فِيهِ، فلا تكذِّبوا الخبر ولا تُنكِرُوه، لأنه من الممكن أن يظهر هذا الخبر فِي وَلَدِهِ أَوْ وَلَدِ وَلَدِهِ!!

 وفي رأينا الحديث الأول لا اعتبار له لوجود «أبي بصير»([1]) في سنده الأول ووجود «علي بن إبراهيم» أيضاً الخرافي القائل بتحريف القرآن ووجود أبيه مجهول الحال أيضاً. وكما قلنا في الحديث الأول من هذا الباب، ذُكر أن اسم أمّ حضرة مريم (ع) «حنَّة» أما في الحديث 4 من الباب 177 فجاء أن اسم أمّ مريم كان «مرثى»!

في الحديث الأول يقول: "إِنَّ اللهَ تَعَالَى أَوْحَى إِلَى عِمْرَانَ أَنِّي وَاهِبٌ لَكَ ذَكَراً سَوِيّاً مُبَارَكاً يُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَيُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللهِ وَجَاعِلُهُ رَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فَحَدَّثَ عِمْرَانُ امْرَأَتَهُ حَنَّةَ بِذَلِكَ وَهِيَ أُمُّ مَرْيَمَ فَلَمَّا حَمَلَتْ كَانَ حَمْلُهَا بِهَا عِنْدَ نَفْسِهَا غُلَامٌ فَلَمَّا وَضَعَتْها قالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى‏... وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى‏ أَيْ لَا يَكُونُ الْبِنْتُ رَسُولًا يَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ وَاللهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ فَلَمَّا وَهَبَ اللهُ تَعَالَى لِمَرْيَمَ عِيسَى كَانَ هُوَ الَّذِي بَشَّرَ بِهِ عِمْرَانَ وَوَعَدَهُ إِيَّاهُ فَإِذَا قُلْنَا فِي الرَّجُلِ مِنَّا شَيْئاً وَكَانَ فِي وَلَدِهِ أَوْ وَلَدِ وَلَدِهِ فَلَا تُنْكِرُوا ذَلِكَ"

ونقول: إن الإمام لم يقُلْ قطعاً مثل هذا الكلام لأن الله تعالى - حسب قولكم - قال لعمران: "إِنِّي وَاهِبٌ لَكَ ذَكَراً" ([2])، ولكنه لم يهبه ابناً بل وهبه مريم (ع)، فهل مريم - نعوذ بالله - عمران؟ وهل الهِبَة لمريم هي الهِبَة لعمران؟!

ليس لدينا دليل على أن الله الذي هو عالم الغيب، لا يُخبر بخبر دقيق وكامل مطابق للواقع. إن الإخبار بتلك الصورة [المذكورة في الحديث] لم يتحقَّق بصورة دقيقةً تامَّة، مع أن الله تعالى أصدق القائلين [سورة النساء/ 78 و 122]. والله مُنزَّهٌ عن أن يكون خبره فاقداً للصدق الكامل والدقيق. إن الله أفصح القائلين وإذا كان يقصد في كلامه حفيد «عمران» لبيَّن ذلك بلا أيِّ شُبهة أو إبهام على نحو يُفهم منه هذا المقصود ذاته لا شيء آخر. (فتأمَّل)

وقد حاول المَجْلِسِيّ توجيه هذين الحديثين فلفَّق كلاماً فيما يلي نصُّه، قال:

"وحاصل الحديث أنه قد يحمل المصالح العظيمة الأنبياء والأوصياء صلوات الله عليهم على أن يتكلموا على وجه التوراة والمجاز، وبالأمور البدائية [أي الأمور التي سيقع فيها «البِداء»] على ما سطر في كتاب المحو والإثبات، ثم يظهر للناس خلاف ما فهموه من الكلام الأول فيجب أن لا يحملوه على الكذب، ويعلموا أن المراد منه كان غير ما فهموه كمعنى مجازي أو كان وقوعه مشروطا بشرط لم يذكروه.

ومن جملة تلك الأمور زمان قيام القائم وتعيينه من بين الأئمة عليهم السلام [أي فيُمكن أن يُخبر الإمام بخبر ولكنه لا يقع بشكل مطابق تماماً وبدقَّة لما أخبر، وهذا لكي]  لئلا ييأس الشيعة وينتظروا الفرج ويصبروا ويُسَلُّوا أنْفُسَهُمَ فيما يرد عليهم من خلفاء المخالفين وسلاطينهم، فربما قالوا فلان القائم أي القائم بأمر الإمامة، وفهمت الشيعة أنه القائم بالسيف، أو أرادوا أنه إن أذن الله له في ذلك يقوم به، أو إن عملت الشيعة بما يجب عليهم من الصبر وكتمان السر وطاعة الإمام يقوم به، أو قال الصادق عليه السلام مثلا ولدي القائم والمراد به السابع من ولده لا الولد بلا واسطة، ومثَّلَ عليه السلام ذلك بأن الله أوحى إلى عمران إني واهب لك ذكراً، وكان المراد ولد الولد، وفهمت حنة أنه الولد بلا واسطة"([3]).

في هذا الكلام التوجيهي الذي لفَّقَهُ المَجْلِسِيُّ عيوبٌ ونقاطٌ كَثِيرةٌ تستحق النقد، ولكننا سنكتفي بذكر بعض النقاط تجنُّباً للإطالة:

أولاً: لم يكن الشيعة زمن الأئمة يعيشون أبداً في ضيق وشدة مشابهة للضيق والشدة التي عاشها المسلمون في صدر الإسلام في العهد المكي لاسيما في شعب أبي طالب، ورغم ذلك لم يتكلَّم النَّبِيُّ الأَكْرَمُ o مع أتباعه بتلك الصورة الملتوية بل كان يحول دون تسرب السأم والإحباط واليأس إلى قلوبهم من خلال قراءة القرآن عليهم وتوصيتهم بالدعاء والتحمل والصبر الجميل.

وثانياً: بيان الشريعة بيانٌ عُرفيٌّ، أمَّا تلك الطريقة المزعومة من التكلم فهي مخالفة للعرف.

وثالثاً: يقول عنوان الباب: إن ما لم يتحقق في الشخص يتحقق في ولده أو حفيده، ولم يقل إنه سيتحقق في ابن ابن ابن ابن ابنه!! فبأي مُجوِّز يقول المَجْلِسِيّ: إذا قال الإمام ابني هو القائم فيُحتمل أن يكون مراده حفيد حفيد حفيده؟!! هل يُمكن لأي إنسان منصف أن يقول مثل هذا الكلام! ألا يتلاعب هؤلاء بالدين!  حسب قولهم لو قال الإمام شيئاً بحق شخص ولم يتحقق ما قاله فمن الممكن أن يتحقق في ابن ذلك الشخص أو حفيده. وعليكم أن تعتبروا أن قصد الإمام من البداية كان ابن ذلك الشخص أو حفيده! مثلاً لو قال الإمام: إن زيداً خائن أو خادم فيُحتمل أن لا يكون زيدٌ ذاته خائناً أو خادماً بل يكون ابنه أو حفيده هو الخائن أو الخادم!!

فنقول: لو كان للإمام الحق في أن يقول عن شخص شيئاً مخالفاً للواقع فيجب أن يكون للمأمومين أيضاً مثل هذا الحق، لأن الإمام أُسوة للمأمومين! وفي الحديث الثالث رُوي عن الإمام الصادق u أنه قال: "قَدْ يَقُومُ الرَّجُلُ بِعَدْلٍ أَوْ بِجَوْرٍ وَيُنْسَبُ إِلَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ قَامَ بِهِ فَيَكُونُ ذَلِكَ ابْنَهُ أَوِ ابْنَ ابْنِهِ مِنْ بَعْدِهِ فَهُوَ هُوَ!!".

فليت شعري! هل نستطيع القول: بما أن ابن حضرة نوح -عليه آلاف التحية والثناء- كان شخصاً غير صالح، فيجوز أن نقول إن نوحاً غير صالح، ويكون مرادُنا أن ابنه غير صالح؟!! أو أن نقول: إن «آزر» صالح ثم نقول: إن مرادنا أن ابنه حضرة إبراهيم (ع) هو الصالح؟!! إن مثل هذا الأمر مخالف للحق والعدل! كيف يجوز أن نُحمِّل شخصاً صفةً أو لقباً ليس أهلاً لها ولا مستحقاً لها؟!  ألا يخالف مثل هذا العمل القرآن الكريم الذي يقول: ﴿لَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾ [الأنعام/164]،([4]) ويقول: ﴿كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ﴾ [المدثر/38]، ويقول أيضاً: ﴿لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ﴾ [المائدة / 105]؟  لا يجوز أن يُحَمَّلَ شخصٌ نتائج أعمال شخص آخر، ومن ذلك أن يحمل صفته أو لقبه. قال تعالى: ﴿وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ﴾ [الحجرات/11]. في حين أنه حسب قاعدة هذا الباب يُمكن أن نُلقِّب أباً بلقبٍ هو في الأصل لابنه أو لحفيده!!



([1])   راجعوا ما ذكرناه بشأنه في الصفحة 1060 من الكتاب الحالي.  

([2])   أي أنه خاطب مخاطَبه بصيغة المفرد ولم يقل: أعطيكم ابناً، كي نقول: إن قصده آل عمران، ولم يُخبر «عمران» بالرؤيا حتى نقول: إنه لم يُفسر حلمه تفسيراً صحيحاً.

([3])   المَجْلِسِيّ، مرآة العقول، دار الكتب الإسلامية (طهران)، ج 6، ص 237.

([4])   جاءت الآية المذكورة في سور الإسراء وفاطر والزمر والنجم أيضاً.