154. بَابُ أَنَّ الْأَئِمَّةَ وَرِثُوا عِلْمَ النَّبِيِّ وَجَمِيعِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْأَوْصِيَاءِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ

ذكر الكُلَيْنِيّ في هذا الباب سبعة أحاديث جميعها يخالف القرآن ورواتها من الغلاة والضعفاء. لم يُصحِّح الأستاذ البِهْبُودِيّ أي واحد منها، لكن المَجْلِسِيّ اعتبر الحديث 1 حسناً والحديث 2 ضعيفاً والأحاديث 4 و5 و6 صحيحةً والحديث 7 مجهولاً وسكت عن الحديث 3. وأحاديث هذا الباب تعاني من إشكالات أحاديث الباب السابق ذاتها.

ß الحديث 1 - روى هذا الحديث «عليُّ بن إبراهيم» القائل بتحريف القرآن! وادّعي فيه أنّ الإمام الرضا (ع) قال: ".... وَإِنَّا لَنَعْرِفُ الرَّجُلَ إِذَا رَأَيْنَاهُ بِحَقِيقَةِ الْإِيمَانِ وَحَقِيقَةِ النِّفَاقِ".

وهذا الادّعاء يخالف القرآن لأن الله تعالى قال لنبيّه: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ﴾ [البقرة/204]. وقال أيضاً: ﴿وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ﴾ [التوبة/101].

فهل يمكن أن يقول الإمامُ كلاماً مخالفاً للقرآن؟

كما يدَّعي الحديث أن الإمام قال: "..... وَنَحْنُ الْمَخْصُوصُونَ فِي كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ". هذا مع أنّ القرآن قال مراراً وتكراراً: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ﴾ [البقرة/21] أو ﴿بَيَانٌ لِلنَّاسِ﴾ [آل عمران/138] أو ﴿هُدًى لِلنَّاسِ﴾ [البقرة/185] أو ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ﴾ [سبأ/28]، ولم يقل للأئمَّة.  وليت شعري! هل هدف هؤلاء الرواة من وضعهم هذه الأكاذيب أن يجعلوا القرآن كتاباً خاصَّاً بعدة أفرادٍ فقط وَيُبْعِدُوا الناس عن القرآن؟!

في هذا الحديث آيةٌ من القرآن تمَّ نقلُها بصورة مخالفة لما في القرآن إذ قال الراوي إن الإمام قال: "وَنَحْنُ الَّذِينَ شَرَعَ اللهُ لَنَا دِينَهُ فَقَالَ فِي كِتَابِهِ (شَرَعَ لَكُمْ) يَا آلَ مُحَمَّدٍ (مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً) قَدْ وَصَّانَا بِمَا وَصَّى بِهِ نُوحاً (وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ) يَا مُحَمَّدُ (وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى‏ وَعِيسى)‏ فَقَدْ عَلَّمَنَا وَبَلَّغَنَا عِلْمَ مَا عَلِمْنَا وَاسْتَوْدَعَنَا عِلْمَهُمْ.  نَحْنُ وَرَثَةُ أُولِي الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ (أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ) يَا آلَ مُحَمَّدٍ (وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ) وَكُونُوا عَلَى جَمَاعَةٍ (كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ) مَنْ أَشْرَكَ بِوَلَايَةِ عَلِيٍّ (ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ) مِنْ وَلَايَةِ عَلِيٍّ (إِنَّ اللهَ) يَا مُحَمَّدُ (يَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ)!!".

أيها القارئ المنصف! افتح المصحف الشريف وانظر إلى الآية 13 من سورة الشورى المكية وقارنها بما جاء في الكافي. عندما نزلت تلك السورة لم يكن حضرة عليٍّ (ع) قد تزوّج بعد، ولم تكن مسألة الوصيّة والإمامة مطروحة أصلاً حتى يعتبر مشركو مكة أحداً شريكاً لعلي في الولاية والخلافة أو لا يعتبرون ذلك. إنّ الخلاف بين أهل مكّة والنبيّ في عهد الرسالة كان حول مسألة «التوحيد» لا مسألة «الإمامة».

أنا متأكد أن هؤلاء الكذَّابين لم يكونوا يؤمنون لا بالله ولا بالقيامة وإلا لما افتروا كل هذه الأكاذيب على الله والأئمَّة. إن كاتب هذه السطور عندما قمت بدراسة وتمحيص أحاديث الباب 80 (= بَابُ أَنَّ الرَّاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ هُمُ الْأَئِمَّةُ) تساءلت في نفسي: لماذا يُصرّ هؤلاء الرواةُ الكذَّابون كلَّ هذا الإصرار على أنْ يجعلوا الأئِمَّةَ وحدَهم «الراسخون في العلم»؟ ولكنني الآن فهمت أن السر في إصرارهم ذاك هو أن ينسبوا كل ما يريدون من أكاذيب إلى القرآن فإذا استشكل أحدٌ عليهم واعترض على كلامهم، أغلقوا فمه بحجة أن ما يقولَه تأويلٌ للآيات والإمام وحده هو الذي يعلم تأويل الآيات وأنتم لا تعلمون!

ولكنهم غفلوا - كما قلنا في الباب المذكور - أو تغافلوا عن أن معرفة تأويل الآيات ليست في متناول «الراسخين في العلم» أيضاً، وأنّ هذه المسألة لا علاقة لها بمعنى الآيات وترجمتها، وأنه إذا أراد أحد أن يتلاعب بمعاني آيات القرآن فمن الممكن بل من الواجب فضحه. والحمدُ لِـلَّهِ.