101. بَابُ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ

لم يُصَحِّح جناب الأستاذ البِهْبُودِيّ أيَّ واحدٍ من أحاديث هذا الباب الثلاثة، أما المَجْلِسِيّ فاعتبر الحديث الأول صحيحاً والثاني حسناً والثالث مجهولاً.

ß الحديث 1 - رغم أنه من مرويات «البرقي» الذي لا يوثق برواياته، وأن في سنده «عَلِيَّ بْنَ الْحَكَمِ» الذي سبق أن عرفنا به و«مُعَاوِيَةُ بْنُ وَهْبٍ» المشترَك بين عدة أشخاص، ولا ندري أي راو منهم هو، إلا أن المَجْلِسِيّ صحح مثل هذا الحديث!!

ومتن الحديث صريح في الجبر أيضاً، ونسبة الظلم إلى الله تعالى - نعوذ بالله من الضلالة - وهو قطعاً من وضع وافتراء أصحاب مذهب الجبر، لأن الله في هذه الرواية يشبه الحاكم الظالم المتجبر الذي يقول: "أَنِّي أَنَا اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا خَلَقْتُ الْخَلْقَ وَخَلَقْتُ الْخَيْرَ وَأَجْرَيْتُهُ عَلَى يَدَيْ مَنْ أُحِبُّ فَطُوبَى لِمَنْ أَجْرَيْتُهُ عَلَى يَدَيْهِ وَأَنَا اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا خَلَقْتُ الْخَلْقَ وَخَلَقْتُ الشَّرَّ وَأَجْرَيْتُهُ عَلَى يَدَيْ مَنْ أُرِيدُهُ فَوَيْلٌ لِمَنْ أَجْرَيْتُهُ عَلَى يَدَيْهِ!!".

أولاً: ذَكَرَ اللهُ في هذه الرواية «الشرَّ» على نحو مطلق ولم يقيده، لذلك فإن السؤال الذي يطرح نفسه: إن الله كان قادراً على أن لا يخلق الشر، فلماذا أوجده؟ أليس هو حكيم ورؤوف؟ لأنه من المحال أن يوجد الله الحكيم الرؤوف الشر.

ثانياً: لو أن الله خلق الشرَّ وأجراه على يد من شاء، فما هو ذنب الذي أجرى اللهُ الشرَّ على يديه حتى يقول الله في حقِّه: "فَوَيْلٌ لِمَنْ أَجْرَيْتُهُ عَلَى يَدَيْهِ"؟! هل الله ظالم - نعوذ بالله -؟  لقد قلنا سابقاً: إن إلـه هذه الأحاديث غير الله في القرآن الكريم. إن كاتب هذه السطور يعتبر أن الله ليس خالقاً للشر، لذلك نظمت الأبيات التالية في ديواني «گلشن قدس» [حديقة أزهار القُدْس]: 

(قصيدة بالفارسية من 21 بيتاً):

مُنّزَّهةٌ ذات الله الرحمن
إن الذي تَعُدُّه أنتَ شَرَّاً
إن الذي شَــرِّاً تَعُدُّهُ
توجد في السُمّ ألفُ منفعة
لم يخلق اللهُ السُّمَّ ليشـربه الآكِلُ
لقد خلق الله السُّمَّ لدفع الآفات
خلق الله في النار ألف منفعة
أنت الذي حرقت ضيعتكَ
لم يقتل الحق ولم يشـرب ولا أَمَر

 

عن الظلم والجور والشـر والعدوان
هو ذاته نافع في كل مكان ولكل أمر
أنتَ لا تدرك منفعته ولا خيرهُ
لمنه يصبح عندما تشـربَه أنتَ مفجعة
أنت الذي شربتَهُ فقل: أنا القاتلُ!
فلا تشـربه ولا تنسب ذلك إلى الذات
لكن يقول إنها شرٌّ من حَرَقَتْ له الضيعة!
فلا تقل شراً قد خلق ربُّكَ
أنت الذي قتلتَ وأنت شربتَ ومنك الأمر

لا شرَّ في أصل وجود الأشياء وإنما عُرِضَ بالتزاحم

لمَّا خُلِقَ عالمُ الأضداد هذا
لو أصبح كل شيء من الضد خالصاً
لم يكن في أصل خلقته شرّاً
قدَّرَ اللهُ أن يخرج السُّمُّ من ذي ناب
لا تجعل الأسباب علةً أيها الخامة
لا تذهب برجليك إلى ذي الناب
لم يكن الكأس سكراناً ولا الشـراب
أنت الذي أوجدت الشـر في النهاية
أفادك الفأس في الحصول على الحطب
متى أوجد العالِمُ بالحق الشـرَّ؟
إن ذات الخالق مُنَزَّهةٌ عن الشرّ والفحشاء

 

وقع التزاحم في كل مكان وعلا الصراخ والصياح
لم يوجد شرٌّ ولم يكن أي شيء ناقصاً
التزاحم جعله شرّاً وأظهر النقص
عَلَّقَ كلَّ شَرٍّ بالأسباب
 لأن الشـر يقع عندما تصبح العلة تامَّة
 فإنه سيلدغك لخوفه منك بالناب
 أنت أحدثت السُّكْر لما شربت الشراب
لم يوجِدْهُ الحقُّ ولا العصير ولا الكأس
 فلماذا استخدمته في تحطيم جدار الآخر
 نعم أوجده الشخص الأحمق الجاهل
 فلا تنسب الشـرَّ للحق ولا تخرج عن جادَّة الصواب

وينبغي أن نعلم أنه رغم أن الشرور في العالم كانت ولا تزال موجودة، ولكن تقديرها كان من الحق، وتحقُّقها كان من الخَلْق، ولذلك نخاطب الله تعالى في دعاء الجوشن الكبير: "يا مُقَدِّر الخَيْرِ والشَّرِّ". وبالطبع تقدير الشر غير خلقه وتحققه. مثلاً: الله تعالى قدَّر النار وحرارتها ومقدارها، فإذا قرَّبتها من يدك أو من لباسٍ أحرقته، لكن حرق اللباس أو اليد الذي هو أمر مؤلم وغير مرغوب، لم يُرِدْهُ الله ولم يوجده، بل البشر بسبب عدم احتياطهم أوصلوا النار إلى اللباس فسببوا حرقه. وبعبارة أوضح نقول: إن وجود إبراهيم (ع) خير، وكذلك وجود نمرود في نفسه ليس شراً، وكان يمكنه أن يقوم بكثيرٍ من أعمال الخير، لكنه أصبح مزاحماً لسيدنا إبراهيم (ع)، فأوجد الشر بمزاحمته هذه.

وعلى كل حال يمكننا أن نستنتج من وجود مثل هذه الأحاديث في «الكافي» أن الكُلَيْنِيّ لم يكن من أهل التحقيق، وكان يُدَوِّن في كتابه كلَّ حديث يصل إليه، والعجب ممن يدعي العلم والتحقيق فيقلِّدُ الكُلَيْنِيَّ ويثني عليه ويصفه بمدائح لا يستحقها، فينخدع العوام به نتيجة ذلك.

ß الحديث 2 - اعتبره المَجْلِسِيّ في درجة «الحسن» لكنه في الواقع حديث غير معتمد ولا يوثَقُ بصحته لوجود «البرقي» و«محمد بن الحكيم» في سنده. ومتنه فاسد أيضاً، ويدل - كالحديث الذي قبله - على الجبر.

ß الحديث 3- اعتبره المَجْلِسِيّ مجهولاً،  لكن الواقع أنه ينبغي اعتباره ضعيفاً لوجود «مُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ» في سنده، الذي كان من الغلاة ويُعَدُّ من الضعفاء([1])، ووجود «عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ» «مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى» في سنده أيضاً، وهما من رواة الخرافات.

أما متن الحديث فيتضمَّن الجبر كالحديثين الذي قبله. والطريف أنه قِيلَ في نهاية الحديثين الثاني والثالث: "وَوَيْلٌ لِمَنْ يَقُولُ كَيْفَ ذَا وَكَيْفَ ذَا!"، أي ويل لمن ينكر هذا الحديث استناداً إلى عقله وفهمه!  يتبين من هذا أن الراوي كان منتبهاً إلى العيب الذي في حديثه لكنه أراد أن يُخيف المخاطب ويمنعه من التساؤل والاستفهام!

هذا في حين أن القرآن الكريم دعانا دائماً إلى التفكُّر والتأمُّل ولم يطلب من الناس أبداً أن يضعوا عقلهم وفهمهم جانباً، ويقبلوا أي كلام قبولاً أعمى، بل نهانا عن اتباع أي أمر دون علم بحقيقته (الإسراء/36).



([1]) للاطلاع على حاله راجعوا ص 165فما بعد من الكتاب الحالي.