75. بيانُ حالِ «بَكْرِ بْنِ صَالِحٍ الرازيِّ» وذكر نماذج لرواياته التي تكشف ضعفه وعدم وثاقته

الحديث الخرافي الشركي الذي أشرنا إليه (هو في ص144 من أصول الكافي) رواه «بَكْرُ بْنُ صَالِحٍ» عن شخص مجهول يُدعى «الْهَيْثَمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ» الذي روى بدوره عن مهمُلٍ آخر باسم «مَرْوَانَ بْنِ صَبَّاحٍ» الذي قال إن الإمام الصادق u قال: "إِنَّ اللهَ خَلَقَنَا فَأَحْسَنَ خَلْقَنَا وَصَوَّرَنَا فَأَحْسَنَ صُوَرَنَا، وَجَعَلَنَا عَيْنَهُ فِي عِبَادِهِ وَلِسَانَهُ النَّاطِقَ فِي خَلْقِهِ وَيَدَهُ الْمَبْسُوطَةَ عَلَى عِبَادِهِ بِالرَّأْفَةِ وَالرَّحْمَةِ، وَوَجْهَهُ الَّذِي يُؤْتَى مِنْهُ، وَبَابَهُ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ، وَخُزَّانَهُ فِي سَمَائِهِ وَأَرْضِهِ، بِنَا أَثْمَرَتِ الْأَشْجَارُ وَأَيْنَعَتِ الثِّمَارُ وَجَرَتِ الْأَنْهَارُ، وَبِنَا يَنْزِلُ غَيْثُ السَّمَاءِ وَيَنْبُتُ عُشْبُ الْأَرْضِ، وَبِعِبَادَتِنَا عُبِدَ اللهُ، وَلَوْ لَا نَحْنُ مَا عُبِدَ اللهُ".

ونحن نقطع بأن الإمام الصادق u لم يقل مثل هذه الأمور المَشُوبة بالشرك في مدح ذاته وأجداده الكرام، لأنه يعلم جيداً أن الله تعالى غنيٌّ عن العالمين، وأن تلك الأمور الطبيعية كانت تتحقق في الطبيعة بأمر الله قبل قرون من وجود الأئمة عليهم السلام، وليس هناك أي دليل على أن الله غيَّر سُنَّتَهُ في زمن الأئمة. ثانياً: لقد ذكر الله في القرآن أن الملائكة هم المأمورون بتنفيذ أوامر الله في الكون، فلو كان للأئمة دورٌ أيضاً في ذلك - كما يقول هذا الحديث - فلماذا لم يأتِ لهم أيُّ ذِكْرٍ في القرآن؟

ثالثاً: يقول الحديث إن الإمام قال: "وَبَابَهُ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ".

100وينبغي أن نسأل هؤلاء الرواة العلماء: إذا كان لِـلَّهِ بابٌ وبوابٌ، فلماذا قال أمير المؤمنين عليu: "لَيْسَ لَهُ بَابٌ وَلا لَهُ بَوَّابٌ" أو قال في دعائه: "يَا مَنْ لَيْسَ لَهُ بَوَّابٌ يُنَادَى"([1]).

بالطبع لا تُسْتَبْعَدُ مثل هذه الأباطيل من «بَكْرِ بْنِ صَالِحٍ»، لأن المرحوم الغضائري والعلامة الحلِّي قالا عنه: "ضعيفٌ جدّاً، كثير التفرّد بالغرائب"([2]).‏ أي يروي روايات غريبة عن الأئمة لم يروها الآخرون. كما ضعَّفه النجاشي وابن داود، وقال العلامة الممقاني عنه: كل رواية في سندها «بَكْرُ بْنُ صَالِحٍ» فهي ساقطة من الاعتبار. وبالمناسبة فهذا الراوي هو من رواة حديث «لوح جابر» أيضاً.

101نعم لقد أتى الكُلَيْنِيُّ وأمثاله بروايات مثل هذا الراوي في كتبهم، ومن الكافي سرت تلك الروايات إلى أدعية الزيارات والكتب الأخرى. عندئذٍ جاء ضالٌّ مُضِلٌّ يُطْلِقُ على نفسه لقب آية الله العظمى فألَّف كتاباً باسم «أمراء هستي» [أي أمراء الوجود] استناداً إلى مثل هذه الأكاذيب، واعتبر فيه 14 نفراً من عباد الله أمراءَ الوجود! وأنشأ شركة سهام متحدة إلهية بينهم وبين الله!!! يروي هذا المُتَسَمِّي بآية الله العظمى في الصفحة 249 من كتابه نقلاً عن كتاب «الخرائج والجرائح» للقطب الراوندي المملوء بالخرافات روايةً عن «داودَ الرَّقِّـيِّ» الضعيفِ وفاسد المذهب أن الإمام الصادق u قال له: "يَا دَاوُدُ! لَوْلَا اسْمِي وَ رُوحِي لَمَا اطَّرَدَتِ الْأَنْهَارُ وَلَا أَيْنَعَتِ الثِّمَارُ وَلَا اخْضَرَّتِ الْأَشْجَارُ!!"([3]).

أي أراد أن يقول إن الله تعالى لا يفعل تلك الأمور دون وجود الأئمة! لا ندري لماذا لا يرجع الآيات العظام في زماننا في عقائدهم إلى القرآن، بل يأخذون عقائدهم من الغلاة. وجزى الله المنَّان أخينا الفاضل المرحوم قلمداران الذي ألَّف كتابه «راه نجات از شر غلاة» [طريق النجاة من شر الغلاة] الذي بيَّن فيه جميع الإشكالات الموجودة في كتاب «أمراء هستي» المليء بالخرافات من أوله إلى آخره.

أما بقية أحاديث هذا الباب فكلها ضعيفة من ناحية سندها، والحديث 11 الذي قبل به كلا المجلسيّ والبهبودي مجهولٌ في الواقع. أما متون الأحاديث المذكورة فحسنة جداً وموافقة للقرآن اللهم إلا ما جاء في آخر الحديث الثالث من "أن رَسُولَ اللهِ‏ o حِينَ نَظَرَ إِلَى عَظَمَةِ رَبِّهِ كَانَ فِي هَيْئَةِ الشَّابِّ الْمُوَفَّقِ‏ وَسِنِّ أَبْنَاءِ ثَلَاثِينَ"([4]). وهذا النص يتعارض مع التاريخ القطعي ولا ينسجم مع آيات القرآن. ولقد نهت أحاديث هذا الباب عن وصف الله بأي صفة لم يأت ذكرها بالوحي ولم يصف الله بها نفسه، لكن الحكماء والفلاسفة وشعراء الشيعة عملوا على عكس هذه الأحاديث، فيا ليت أولئك المجموعة من العلماء الذين يصفون الكافي بأنه أفضل كتب الحديث يلتزمون على الأقل بمُفاد أحاديث هذا الباب.



([1])   النوري الطبرسي، مستدرك الوسائل، الطبعة الحجرية، ج 1، ص 251. أو ج 4، ص 31 من الطبعة الجديدة. وهو أيضاً في بحار الأنوار، ج 81، ص 181.

([2]) رجال ‏ابن ‏الغضائري، ج 1، ص 274. و رجال العلامة الحلي، ص 207 - 208. (المُتَرْجِمُ)

([3]) الخرائج والجرائح، ج2، ص 622. و بحار الأنوار، ج 47، ص 100. (المُتَرْجِمُ)

([4])   الكُلَيْنِيّ، أصول الكافي، ج 1، ص 101-102.