2 . كلمةُ المؤلِّف إلى قُرَّاء الكتاب

 

 

اعلم أن كاتب هذه الأوراق مُؤمِنٌ ومُعتَقِدٌ بالله تبارك وتعالى وبِرُسُلِ اللهِ وبيومِ الجزاءِ وبأئمةِ الهُدَى، وبريءٌ من أئمة الضلالة ورؤساء الكفر والشرك والخرافات والظُّلم.

كان هذا العبد الفقير، ولمدة أربعين سنةً تقريباً، من الطبقة الأولى من علماء الشيعة الإمامية ومراجعهم ومن مُجتهديهم في الدين وقد حصلتُ على إجازة الاجتهاد من الحوزة العلمية في قم والنجف، وأصبحتُ من المُجتهدين في العلوم الإسلامية والدينية بشهادة مراجع الشيعة الإمامية في تينك الحوزتين وبتوثيقهم لي وتعريفهم الناسَ عليَّ، وأمضيتُ سنين طويلة في تدريس العلوم الشرعية والكتب الحوزوية.

كان كاتب هذه السطور منذ شبابه يشعر بالحزن والألم لانحطاط المسلمين وذُلِّهِم وتفرُّقِهم وكنتُ أبحث دائماً عن حلٍّ لمشاكل المسلمين الفكرية والعقائدية وكنت أرى أن أكبر مانعٍ يمنع رُقيَّ المسلمين وتقدّمهم وسعادتهم هو وجود أصحاب الدكاكين المذهبية المُسترزقين بالدين وكنت غالباً ما أترنم بهذين البيتين:

دردا  كـــه  دواى  درد  پنهـــــانــى مـــا                                افسوس كه چاره‌ی پريشانى ما

در دست كسانى است كه پنداشته‌اند                 آبــادى خويش را به ويرانى مــا

أي:

وا ألماه، دواء دائنا الخفيّ                        وا أسفاه، حل مشكلة اضطرابنا

بِيَدِ أشخاصٍ قد ظَنُّــوا                         أن عمرانهم لا يكون إلا بخرابنا

إن هؤلاء المتظاهرين بالعلم وأصحاب الحوانيت المذهبية من طُلَّاب الجاه، حجر عثرة أمام البحث والتحقيق والتأمل ورشد الناس ووعيهم ويقظتهم. إنَّهُم يريدون أن يكون المجتمع المحيط بهم مثل حيّ العميان؛ كي يقبلوا ادِّعاءاتهم التي لا دليل عليها وعقائدهم الموروثة عن آبائهم وخرافاتهم قبولاً أعمى، ولكي لا تظهر عيوبهم ونقائصهم بل تبقى خفيةً على الناس لا ينتبه إليها أحد.

ومن الضروري هنا أن أُؤكد أنني بتأليفي لهذا الكتاب لا أقصد أبداً تأييد أي مذهب محدَّد من المذاهب الفقهية في العالَم الإسلامي والدفاع عنه، لأن سائر المذاهب أيضاً، على اختلاف في الدرجة بالطبع، لا تخلو من الخرافات والأخطاء أيضاً، وإنَّما قمت بتأليف هذا الكتاب خدمةً لإخواني الشيعة. وقمت في هذه الأوراق بالبحث والتدقيق من بين مذاهب المسلمين، بالمذهب الجعفري الاثني عشري الذي يرى أتباعُهُ أن مذهبهم أفضل مذهب من مذاهب المسلمين وأنهم أتباع أهل بيت رسول الله o الكرام، وقد أمضيتُ سنوات عديدةً من عمري في دراسة هذا المذهب والتحقيق فيه واخترته للتأمل فيه وتمحيصه وانصرفت في هذا المجال إلى دراسة أهم كتب هذا المذهب يعني "أصول الكافي" الذي ألَّفه أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكُلَيْنِيُّ‏، وكما ستلاحظون، وجدنا هذا الكتاب يُناقض في كثير من موارده القرآن الكريم، ووجدناه مليئاً بالخرافات، كما وجدنا أن بعض ما فيه لا يتفق مع القواعد العقلية أيضاً. وإذا كان هذا حال هذا الكتاب، رغم كل المديح والثناء الذي يُغدقه عليه أتباعه، فحال كتب الأخبار الأخرى واضحٌ!

سنطرح في هذه الأوراق الأسئلة التي طرحناها في كتبنا الأخرى، كسؤالنا: لماذا لم يُبيِّن الله تعالى لمسلمي صدر الإسلام أصول الدين التي تعتقدون بها بشكل صريح ولم يقل مثلاً إن «العدل» من أصول الدين أو أصول المذهب، إلى أن جاء علماء الإمامية بعد عدّة قرون واعتبروا «العدل» من أصول الدين في مواجهة الأشاعرة؟

لماذا اعتبر صُنَّاع المذاهبِ الأئمةَ الكرام عليهم السلام الذين كانوا أنفسهم تابعين للدين، اعتبروهم من أصول الدين واعتبروا عدم الإيمان بالأئمة ضلالاً، في حين أن أبا الأئمة حضرة عليٍّ u قال في دعائه: "اللَّهُمَّ إِنِّي أُشْهِدُكَ وَكَفَى بِكَ شَهِيداً، أَنِّي أَشْهَدُ أَنَّكَ أَنْتَ رَبِّي، وَأَنَّ رَسُولُكَ مُحَمَّداً نَبِيِّي، وَأَنَّ الدِّينَ الَّذِي شَرَعْتَ لَهُ دِينِي، وَأَنَّ الْكِتَابَ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَيْهِ إِمَامِي"([1]).

فلم يعتبر الإمام نفسه لا أصل الدين ولا فرعه بل لم يُشر أصلاً إلى أصل الإمامة.

هل كانت أصول دين حضرة عليّ u وفروع دينه: الإيمان بنفسه والإيمان بأبنائه؟ وإن لم يكن كذلك فهل هناك فرق بين أصول دين الإمام والمأموم؟ لماذا إذن اخترع الذين يدّعون اتِّباع عليّ u ومحبتهم له مذهباً خاصاً بأنفسهم؟

هل ادّعى الإمام الصادق u حقيقةً أنه جاء بمذهب؟ أم أن المُسترزقين بالدين أوجدوا مذهباً باسم ذلك الإمام؟

هل دين الله دينٌ واحدٌ وطريقٌ واحدةٌ ومسلكٌ واحد أم مئة مذهبٍ ومسلك؟ لماذا لا يَدَعُ علماءُ المذاهب هذه الأسماءَ والمذاهبَ المُفرِّقةَ جانباً؟

علاوةً على ذلك، نحن نرى أن كتاب «الكافي» هذا ذاته رَوَى عن الإمام الصادق u قوله: «مَا لَكُمْ وَلِلنَّاسِ كُفُّوا عَنِ النَّاسِ وَلَا تَدْعُوا أَحَداً إِلَى أَمْرِكُمْ..... كُفُّوا عَنِ النَّاسِ وَلَا يَقُولُ أَحَدٌ عَمِّي وَأَخِي وَابْنُ عَمِّي وَجَارِي»([2]).

لكن عدداً ممن يُسمَّون بمُروِّجي المذهب يدْعُونَ الناسَ إلى مذهب الشيعة [الإمامية]، ويسترزقون من هذا الباب وخاصةً بعد الثورة، إذْ أخذوا يصرفون أموالاً طائلةً في طريق دعوة المسلمين وغير المسلمين إلى مذهب التشيُّع!

لقد أردت في هذا الكتاب تحطيم الأصنام، لأن لِكُلِّ قومٍ صنمٌ خاصٌّ بهم. فأحياناً يكون هذا الصنم حجراً وأحياناً يكون حيواناً أو شجراً وأحياناً يكون إنساناً أو هوى نفس وَ......... وكل شيء يحرف الإنسان عن مسير العقل والتحقيق ويجعل الإنسان يتعصب له([3]) يُمكن اعتباره صنماً.

وكتاب «أصول الكافي» الذي يُخالف كثيرٌ مما فيه العقلَ والقرآنَ أصبحَ صنماً وأصبح بعض الناس يعتبرون ما فيه وكأنه وحيٌ إلهيٌّ، بل يهتمُّون به عملياً أكثر من اهتمامهم بكتاب الله. وإن اعتبروا أن كتاب الوحي (القرآن) ليس كافياً، فإنهم يعتبرون كتاب «الكُلَيْنِيّ» كافياً للعمل ولنيل السعادة (!) ويتعصبون له ويُذعنون لما فيه من مطالب اتِّباعاً للذين يُعظّمون من شأن هذا الكتاب دون أن يقوموا هم أنفسهم بدراسة هذا الكتاب وتمحيص رواياته بتجرُّدٍ ودون تعصُّب!!

لقد قمنا بالتحقيق في كتاب «الكافي» وتمحيص أخباره ونعتبر أن من الواجب علينا أن نُعلن أن هذا الكتاب يتضمن أموراً متناقضةً يُناقض بعضها بعضاً كما يتضمن خرافاتٍ كثيرةً وأموراً مخالفةً للقرآن الكريم، لذا نُقدِّم هذا التأليف الحالي إلى القراء الكرام بهدف نقد «أصول الكافي».

نأمل أن يعود المُتدينون والمُنصفون من طُلَّاب الحق إلى أنفسهم ويُفكروا قليلاً دون تعصب وأحكام مسبقة ويُزيلوا العوائق التي تمنعهم من الوصول إلى العقيدة الصحيحة والتقدم والرُّقيّ.

ولا يخفى أنني قمت بتأليف عدد من الكتب بهدف توضيح حقائق الدين المبين وإزالة الخرافات منها: «درسى از ولايت» (أي درسٌ حول الولاية) و«خرافات وفور در زيارات قبور» (أي الخرافات الوافرة في زيارات القبور) و«تابشى از قرآن» (أي تفسير شعاعٌ من القرآن)، وَ«بررسى علمى در احاديث مهدى» (أي تحقيق علمي في أحاديث المهدي) وَ...... وألَّفْتُ هذا الكتاب الحاضر وليس لي من هدف سوى كسب رضا الحق وأداء واجبي الشرعي وخدمة إخوتي في الدين ونجاتهم، ولكن للأسف منع المسؤولون، الذين يدَّعون تمسكهم بالإسلام الأصيل ويُنادون بالحرية والتنوير والثقافة، طبع هذا الكتاب ونشره! إلى درجة أنني قمت بنفسي بمراجعة الموظفين المسؤولين وقلت لهم: إن وجدتم في هذا الكتاب أي إشكال أو أمر مخالف للواقع أو مخالف لأصول الإسلام فأخبروني عنه حتى أقوم بتصحيحه وإصلاحه لكنهم أجابوني قائلين: نحن لم نقم بالثورة حتى نُجيب أمثالك!! وتعاملوا معي بكل بغض وعداء وتعصب وجهل. بل حاول بعضهم اغتيالي بجرم تأليفي لمثل هذه الكُتُب وتعرضتُ أكثر من مرَّة للحبس والنفي وتمَّ توقيفي واستجوابي عدة مرَّات وتعرضت لكثير من الإهانة والسبّ والأذى وشعرتُ أن الخرافيين أحسُّوا أن في هذه الكتب خيراً وفائدةً حتى اضطربوا كل هذا الاضطراب وغضبوا من تأليفها كل هذا الغضب ووصل بهم الأمر إلى أنهم لم يستنكفوا عن محاولة قتلي، ولهذا السبب وبعد السجن للمرَّة الثالثة ومنعي وحرماني من إقامة صلاة الجمعة في بيتي ومنعي من الخطابة ومن أن أعقد حلقات تدريس تفسير القرآن للناس، وطبقاً للمثل القائل: "قد يكون العدو سبباً للخير إن أراد الله"([4])، فقد وفر لي ذلك المنع وتلك الحدود الوقتَ اللازم كي أستخدم قلمي على الأقل ولا أدعه يسكت ويُمارس التقية خلال تلك المدة، فقمت بتنقيح بعض مؤلفاتي ومن جملتها هذا الكتاب الذي كنت قد ألفته في المرّة الأولى على عجل مع شعوري في ذلك الوقت باليأس من استيقاظ الناس فكانت هناك نواقص وعيوب كثيرة في نسخته الأولى، فقمت بقدر المستطاع بإصلاحات كثيرة فيه وأجريت تغييرات وأضفت تفاصيل وتوضيحات أكثر على ما فيه، فأضفت مثلاً تخريج أرقام آيات القرآن والترجمة الفارسية لما فيه من آيات قرآنية أو أحاديث كانت مدرجة باللغة العربية فقط، إضافةً إلى إصلاحي لبعض أخطائي فيه، كما أنني أوردتُ في بعض المواضع الحوارات التي جرت بيني وبين بعض الخرافيين دون ذكر لأسمائهم، وأشرتُ في مواضع أخرى أيضاً إلى ما يذكرونه من تأويلات باردة لا تصحّ بأي وجه من الوجوه، كي يعلم القارئ المحترم أي تعصب يمارسه من أرادوا الدفاع عن الأباطيل المذكورة في كتاب «الكافي»، وبتعبير آخر ما نسبه الرواة الكذَّابون في الواقع من اتهامات إلى الأئمة الكرام زوراً وبهتاناً.

وفي نظرنا إن تعصب هؤلاء المُتظاهرين بالعلم هو الذي سبَّب ضلال الناس البسطاء!

كما أنني نقلتُ بعض الموضوعات التي كنتُ قد دوَّنتُها في النسخة الأولى من كتابي «خرافات وفور در زيارات قبور» (أي الخرافات الوافرة في زيارات القبور) إلى هذا الكتاب لأنها أكثر تناسباً مع موضوعه. كما أنني ذكرتُ اسم المصادر التي استفدتُ منها والتي قصَّرْتُ في ذكرها والتعريف بها في النسخة الأولى من هذا الكتاب، لأن لِمُؤَلِّفيها - أيدهم الله تعالى- حقٌّ على هذا العبد الفقير، خاصةً أن القسم الأعظم من المجلد الأول لكتاب «الكافي» أي «كتاب الحُجَّة»، يتعلَّق بمسألة «الولاية والإمامة»، لذلك استفدتُ كثيراً في نقد وتمحيص روايات هذا القسم من الكتاب القيّم الذي ألفه الأستاذ «قلمداران» رحمه الله بعنوان "شاهراه اتحاد يا بررسى نصوص امامت" (أي طريق الاتحاد أو تمحيص نصوص الإمامة)، إضافةً إلى أنني استفدت كثيراً، في هذا التنقيح الجديد لكتابي هذا، من كتاب «الموضوعات في الآثار والأخبار» الذي ألفه أحد علماء لبنان المشهورين([5]).

ولا يفوتني أن أذكر أنني عندما قمت بإصلاح هذا الكتاب وتهذيبه عَلِمْتُ أن أحد العلماء واسمه الشيخ محمد باقر البهبودي([6])، - وهو الذي كان قد قام بتحقيق الطبعة الجديدة من كتاب «بحار الأنوار» وكتابة التعليقات عليها، كما ألف كتاباً بعنوان «معرفة الحديث» - ألف أخيراً كتاباً بعنوان: «صحيح الكافي، من سلسلة صحاح الأحاديث عند الشيعة الإمامية» ونشره في لبنان (في ثلاثة مجلدات)، فأوردتُ آراءه أيضاً في كتابي هذا، ولكن لابدّ أن أذكر أن كتاب الشيخ البهبودي تعرّض إلى اعتراض المسترزقين بالخرافات وهجومهم العنيف عليه، حتى أنه لما أراد مؤلفه أن ينشر الترجمة الفارسية لكتابه في إيران أثار بعض المُعمَّمين (أي الشيوخ) ضجةً ضدَّ ذلك وأجبروه على تغيير عنوان كتابه إلى «گزيده‌ىِ كافى» أي (مُنْتَخَب الكافي) كي يظن العوام أن كتابه مُجرَّد انتخاب لبعض الروايات من كتاب الكافي ولا يعرفوا أنه اعتبر بقية أحاديث الكافي غير صحيحة!

فإن كان الأستاذ البهبودي قد واجه إيذاء الخرافيين والمُتعصبين واعتراضهم ومخالفتهم، فمن البديهي أن الشيوخ المُستبدين لن يسمحوا بطبع ونشر هذا الكتاب الحاضر وسيمنعون بكل ثمن تعرُّف الناس على محتويات هذا الكتاب. ولكن كاتب هذه السطور لديه أملٌ كبيرٌ بفضل الله ورحمته الكبيرة، وإنِّي على يقين أنني لمَّا كتبتُ هذا الكتاب ابتغاء رضوان الله ويَقَظَة الأمة الإسلامية، فإن الحقَّ تعالى سوف يُهيئ وسائل نشره ويُزيل الموانع التي تمنع من ذلك.

وقبل الختام، من اللازم أن يعلم القارئ المحترم أن نسخة "الكافي" التي اعتمدنا عليها وقمنا بدراستها وتمحيص أخبارها هي النسخة المؤلفة من ثمانية مجلدات والتي نشرتها مؤسسة دار الكتب الإسلامية في طهران، بتصحيح واهتمام السيد علي أكبر غفاري والتي قدَّم لها السيد حسينعلي محفوظ. وتلك النسخة كما ذُكر في الصفحة الأولى منها، قوبلت على سبع نسخ موثوقة وقورنت بها وذُكرت في الحاشية الاختلافات التي وُجِدَتْ بين النسخ.

والأمر الآخر الذي أودّ ذكره هنا أنه لما كانت بعض أبواب «أصول الكافي» طويلةً جداً وكانت الإحالة إليها صعبة، وضعتُ في فهرس كتابي الحاضر أمام كل باب من أبواب المجلد الأول من "الكافي" رقماً متسلسلاً، ولذلك سأُحيلُ في متن هذا الكتاب إلى ذلك الرقم عند اللزوم بدلاً من ذكر عنوان الباب الطويل، وعلى القارئ أن يرجع إلى الفهرس الموجود في نهاية هذا الكتاب لكي يعرف الرقم الخاص بكل باب.

إن هدفنا من كتابة هذا الكتاب المختصر أن نُبيِّن أن عدداً من المنافقين المجاهيل، أي مجهولي المذهب أو مجهولي الدين، والمُنحرفين، نسبوا إلى الإسلام كل ما أرادوه، باسم الإسلام وبحُجَّة إظهار محبة أهل بيت النبيّ o، ووضعوا ما شاؤوا من أحاديث تتضمَّن الكفر والشرك والزندقة ومخالفة القرآن والعقل وتؤدي إلى هدم الإسلام وانحطاط المسلمين وتفرُّقهم، وقد سَرَتْ أحاديثهم الموضوعة والمُفتراة إلى كتب الحديث والرواية شوهوا بهذا صورة الإسلام وعرَّفوا الإسلام العزيز بأنه عبارة عن مجموعة من الخرافات والأوهام والتملُّق والمدح والثناء لأئمة الإسلام العظام، وأبعدوا الناس عن أصل الدين وعن القرآن الكريم بحُجَّة ذكر الكرامات والمعجزات وفضائل أئمة الدين العظام، وأبقوا الناسَ جاهلين بمعارف الإسلام والقرآن وشغلوهم بتعظيم النبيّ o والأئمة وتمجيدهم وأغفلوهم، ووضعوا لهم ثواباً عظيماً وأجراً لا حساب له على الذهاب إلى القبور وزيارة المزارات مما لا يقبله عقلٌ، ومما يتنافى مع تعاليم القرآن وسيرة النبيّ o القطعية، فشغلوا الناس بأعمال لا فائدة منها وسرقوا منهم دينهم ودنياهم، وقدَّموا للناس الخرافات باسم الدين.

هذا ولمَّا كان المؤلفون من الشيعة القدماء مُحبين لآل محمد o، وكانوا يسعون إلى ترويج أخبارهم، كانوا يجمعون في كتبهم كل ما نُسب إلى الأئمة من أهل البيت من أخبار سواءً كان رواتها من الثقاة أو غير الثقاة، لاسيما الأخبار التي تنتَقِدُ الخلفاء، خاصةً تلك الأخبار المخالفة لأهل السنة، لأن أولئك المؤلفين كانوا يكرهون حكومة بني العباس ويُعارضونها فأرادوا الطعن بها بكل وسيلة ممكنة وصرف أنظار الناس عنها وأن يؤسِّسوا مذهباً كبيراً في مواجهتها. ثم جاء مَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ المؤلفين فنقلوا أخبار السابقين اعتماداً على حسن ظنهم بهم واعتمدوا أحياناً على أصل «التسامح في أدلة السنن» فلم يُولُوا مُتُونَ تلك الأحاديث وأسانيدَها العنايةَ والدقَّةَ الكافيتين، وسكت بعض العلماء الواعين مع الأسف عن هذا الأمر أيضاً، ولم يكتفوا بعدم مخالفتهم واعتراضهم على تلك الأخبار بل أيدوا كثيراً من تلك الانحرافات بشكل ضمنيّ من خلال سكوتهم عليها!!

في الختام أطالب المشايخ وعلماء الدين: إما أن يردُّوا على ما كتَبْتُهُ بأجوبة منطقية مُستدَلَّةٍ، فإن لم يكن لديهم جوابٌ فلا يَحُولُوا بين الناس وبين التحقيق والتدبُّر ولا يلجَؤوا إلى المغالطة والسفسطة أو التفسيق والتكفير أو السبّ والافتراء.

نأمل أن يستيقظ الناس وأن يتمتعوا بالوعي وأن ينجوا بأنفسهم من التقليد والتعصب وأن يتعرَّفوا على حقائق الدين المبين وشريعة الإسلام المُنوَّرة بشكل صحيح: إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا باللهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ([7])، وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى.

 

خادم الشريعة المطهَّرة:  سيد أبو الفضل بن الرضا (البرقعي)



([1]) الصحيفة العلوية، الدعاء 63.

([2]) أصول الكافي، 1، 165، باب الهداية أنها من الله عز و جل، الحديث الأول. و 2، 213، باب ترك دعاء الناس، الحديث الثاني.

([3]) لدينا روايات عديدة في ذمّ التعصب منها: قول النبيّ o: "مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ حَبَّةٌ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ عَصَبِيَّةٍ بَعَثَهُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ أَعْرَابِ الْجَاهِلِيَّة". (أصول الكافي، 2، 308، باب العصبية).

وقال الإمام الصادق u: "مَنْ تَعَصَّبَ أَوْ تُعُصِّبَ لَهُ فَقَدْ خَلَعَ رِبْقَةَ الْإِيمَانِ مِنْ عُنُقِهِ". (أصول الكافي، 2، 307، باب العصبية). وقال u أيضاً: "مَنْ تَعَصَّبَ عَصَبَهُ اللهُ بِعِصَابَةٍ مِنْ نَار". (أصول الكافي، 2، 308، باب العصبية).

وقال أمير المؤمنين عليّ u: "فَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ مِنَ الْعَصَبِيَّةِ فَلْيَكُنْ تَعَصُّبُكُمْ لِمَكَارِمِ الْخِصَالِ وَمَحَامِدِ الْأَفْعَالِ وَمَحَاسِنِ الْأُمُورِ الَّتِي تَفَاضَلَتْ فِيهَا الْمُجَدَاءُ وَ النُّجَدَاءُ مِنْ بُيُوتَاتِ الْعَرَب..". [نهج البلاغة، الخطبة رقم 194 المعروفة بالخطبة القاصعة، ص 295]، و(سفينة البحار، للشيخ عباس القمي، 2، 199).

([4])   يشابهه في العربية "وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم" أو "رُبَّ ضارَّةٍ نافعةٍ". (المُتَرْجِم)

([5])   هو العلامة الفقيه: القاضي الجعفري السيد هاشم معروف الحسني. ولد عام 1919م في جنوب لبنان، ودرس في الحوزة العلمية في النجف، وعاد إلى جبل عامل في لبنان ليمارس عمله كعالم دين، ثم عمل قاضياً في المحاكم الشـرعية الجعفرية في لبنان، وتوفي عام 1403هـ. ق.، وترك آثاراً عديدةً تتسم بالعلمية والتحقيق والنقد، منها كتابه «دراسات في الحديث والمحدِّثين»، ومنها الكتاب الذي أشار إليه المؤلف وعنوانه الكامل: «الموضوعات في الآثار والأخبار عرض و دراسة»، الذي طُبع أوَّلَ مرَّةٍ في بيروت، دار الكتاب اللبناني، عام 1973م، ثم أعيدت طباعته عدة مرات آخرها طبعة دار الملاك في بيروت بتحقيق أ. أسامة الساعدي وتقديم الباحث أ. حيدر حب الله. [ولمعرفة مساهمة السيد هاشم معروف الحسني ودوره في نقد الحديث الشيعي راجع ما كتبه الأستاذ حيدر حب الله في كتابه: "نظرية السنة في الفكر الإمامي الشيعي التكوُّن والصيرورة" تحت عنوان: "المساهمة الشيعية العربية في نقد السنة، مشـروع هاشم معروف الحسني"، الصفحات من 549 إلى 563]. (المُتَرْجِمُ)

([6])   هو المحقق الإيراني المعاصر الأستاذ الشيخ محمد باقر البهبودي، ولد عام 1329م، ودرس في الحوزة العلمية في مشهد، وأمضى عشر سنوات في دراسة العلوم الشرعية ثم انتقل إلى طهران، وعمل في تحقيق الكتب والمخطوطات، ثم زار مدينة "قُم" عام 1954م وتلقى قليلاً من الدروس على بعض علمائها ثم ذهب في العام ذاته إلى "النجف" وأمضى سنتين في الدراسة على أيدي كبار المراجع، وأخيراً استقر في طهران منذ عام 1958م لينصرف إلى تحقيق الكتب التراثية ونشر المؤلفات لاسيما تحقيق كتب الحديث الإمامية ونقدها، كما عمل أستاذاً جامعياً، ورغم كونه من خريجي الحوزات العلمية إلا أنه بقي يلبس البذلة العصرية ولم يتعمَّم بعمَّة علماء الدين. [ولمعرفة مساهمة أ. الشيخ محمد باقر البهبودي ودوره في نقد الحديث الشيعي راجع ما كتبه أ. حيدر حب الله في كتابه: "نظرية السنة في الفكر الإمامي الشيعي التكوُّن والصيرورة" تحت عنوان : "مشـروع محمد باقر البهبودي وتهذيب الكتب الأربعة"، الصفحات 564 إلى 577]. (المُتَرْجِمُ)

([7])   هود،  88.