252. بَابُ مَوْلِدِ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ (ع)
بعد ذكر تاريخ ولادة الإمام الباقر (ع) وتاريخ وفاته أورد الكُلَيْنِيّ في هذا الباب ستة أحاديث، اعتبر المَجْلِسِيّ سندي الحديث 1 والحديثين 5 و6 ضعيفة، والحديث 3 حسناً والحديث 4 مَجْهُولاً، ورغم أنه اعتبر الحديث الثاني ضعيفاً لكنه قَبِلَ به كالصحيح!! أما الأستاذ البِهْبُودِيّ فلم يُصَحِّح أياً من أحاديث هذا الباب.
ß الحديث 1 - يقول: إن أُمَّ الإمام الباقر (ع) كانت قَاعِدَةً عِنْدَ جِدَارٍ فَتَصَدَّعَ الْجِدَارُ وَسَمِعْنَا هَدَّةً شَدِيدَةً فَقَالَتْ بِيَدِهَا: لَا وَحَقِّ الْمُصْطَفَى مَا أَذِنَ اللهُ لَكَ فِي السُّقُوطِ، فَبَقِيَ مُعَلَّقاً فِي الْجَوِّ حَتَّى جَازَتْهُ...!!
وأقول: يا تُرى هل يسمع الجدار أو يفهم شيئاً؟ ثم هل تثبت المعجزات لغير الأنبياء؟ لما وصل نبيُّ الله حضرة موسى كليم الله (ع) والعبد الصالح إلى جدار يريد أن ينقضَّ لم يُقسما عليه أن لا ينقض ولم يقولا له: إن الله لم يأذن لك بالسقوط بعد، بل شمَّرا عن ساعديهما وقاما بإصلاحه وإعادة إعماره، كما قال الله عز وجل: ﴿فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا﴾ [الكهف/77].
ß الحديث 2 - جاء ما يُشبه هذا الحديث أيضاً في «رجال الكِشِّيّ» (ص 43- 44). بناءً على هذا الحديث "كان جَابِرٌ يَتَرَدَّدُ ذَاتَ يَوْمٍ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْمَدِينَةِ إِذْ مَرَّ بِطَرِيقٍ فِيه كُتَّابٌ فِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِ قَالَ: يَا غُلَامُ! أَقْبِلْ. فَأَقْبَلَ. ثُمَّ قَالَ: لَهُ أَدْبِرْ. فَأَدْبَرَ. ثُمَّ قَالَ: شَمَائِلُ رَسُولِ اللهِ J، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، يَا غُلَامُ! مَا اسْمُكَ؟ قَالَ: اسْمِي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ يُقَبِّلُ رَأْسَه وَيَقُولُ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي! أَبُوكَ رَسُولُ اللهِ J يُقْرِئُكَ السَّلَامَ...". بل جاء في خبر آخر رواه الكِشِّيّ في رجاله (ص 44) أن حضرة السجاد قال لجابر: إني أرسلت ابني إلى الكُتَّابِ فهل أبعث إليه كي يأتي؟ فقلا جابر: لا، أنا سألتقي به بنفسي.
وأقول: تدلُّ هذه الأخبار علن أن الأئمة - ومن جملتهم حضرة الباقر - كانوا يذهبون إلى الكُتَّاب لتعلُّم العلم، وهذا يؤكّد ما ذكرتُه في الباب 90 من أن علم الإمام تحصيليٌّ وليس لَدُنِّـيَّاً.
وقال المَجْلِسِيّ مُعلِّقاً على هذا الحديث: طبقاً لهذا الحديث فإن حضرة السجَّاد تُوُفِّيَ قبل جابر، لكن هذا يُخالف ما ذَكَرَتْهُ التواريخ من تاريخ وفاتهما، إذ أن جابراً تُوفي باتفاق الفريقين قبل سنة 80 هجرية أما وفاة السجاد (ع) فكانت سنة 94 أو 95 هجرية.
إضافةً إلى ذلك، لما أراد جابر أن يأتي مرقد حضرة سيد الشهداء كان كفيف البصر، فكيف رأى حضرة الباقر وأدرك مشابهته للنبيّ؟!
ß الحديث 3 - يروي فيه «عليّ بن الحَكَم» الأحمق الذي روى أن القرآن كان 17 ألف آية، عن «أبي بصير» قَالَ: "دَخَلْتُ عَلَى أَبِي جَعْفَرٍ (ع) فَقُلْتُ لَهُ: أَنْتُمْ وَرَثَةُ رَسُولِ اللهِ J؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْتُ: رَسُولُ اللهِ J وَارِثُ الْأَنْبِيَاءِ عَلِمَ كُلَّ مَا عَلِمُوا؟ قَالَ لِي: نَعَمْ. قُلْتُ: فَأَنْتُمْ تَقْدِرُونَ عَلَى أَنْ تُحْيُوا الْمَوْتَى وَتُبْرِءُوا الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ؟ قَالَ: نَعَمْ بِإِذْنِ اللهِ!!".
راوي هذا الحديث كما رأينا هو «أبو بصير» وقد قال الأستاذ الشيخ «هاشم معروف الحسني»:
"والذين يُكَنَّوْنَ بأبي بصير أربعة لا غير، أبو بصير عبد الله بن محمد الأسدي، وأبو بصير علياء بن دارع، وأبو بصير ليث بن البختري، وأبو بصير يحيى بن أبي القاسم، وكلهم من المُتَّهمين، وأفضلهم كما يبدو من كتب الرجال أبو بصير ليث بن البختري، حيث وَثَّقَه جماعةٌ، وطعن فيه آخرون ونسبوا إليه ما يُشعر بفساد عقيدته"([1]).
ومتن الحديث أيضاً واضح البطلان. ونسأل:
أولاً: هل يُوحى للإمام حتى يأذن الله له أحياناً من خلال الوحي؟
ثانياً: إن معجزة إحياء الموتى وشفاء الأكمه والأبرص معجزةٌ لإثبات النُّبُوَّةِ وكانت خاصَّةً بحضرة عيسى (ع)، فبأيِّ دليل تنسبون مثلها إلى حضرة الباقر؟ هل تعتبرونه نبياً؟ وحتى ولو اعتبرتموه نبياً فلا يُمكن لكم أن تثبتوا له معجزة نبيّ آخر إلا بدليل، إذ كما قلنا مراراً (ص 155 و434 و853) لا يُمكن أن ننسب معجزات أحد الأنبياء إلى غيره من الأنبياء إلا بدليل شرعي.
ثالثاً: بيَّن القرآن أن إحياء الموتى وشفاء الأكمه والأبرص كان عمل الله أظهرَهُ استجابةً لدعاء عيسى - صلوات الله عليه - ولم تكن تلك الخوارق من فعل عيسى (ع) نفسه.
نقرأ في دعاء الجوشن الكبير (الفقرة 90) أن رسول الله o يقول: "لا يُحيي الموتى إلا هو". كما يُبيِّن القرآنُ الكريمُ لنا أن خزائن قدرة الله ليست عند رسوله ولا عند الإمام، فيقول اللهُ تعالى لنبيّه: ﴿قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ....﴾ [الأنعام/50].
وفي نهاية الحديث يقول أبو بصير الذي كان أعمى: "مَسَحَ عَلَى وَجْهِي وَعَلَى عَيْنَيَّ فَأَبْصَرْتُ الشَّمْسَ وَالسَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَالْبُيُوتَ وَكُلَّ شَيْءٍ ....... ثُمَّ مَسَحَ عَلَى عَيْنَيَّ فَعُدْتُ كَمَا كُنْتُ!".
يقوم بعض الناس في زماننا ممَّن يسمعون مثل هذه الأحاديث ويرغبون في خداع العوام بالتظاهر بالعمى ويذهبون إلى أحد قبور الأئمة أو ذراريهم وبعد مدة يصيحون ويضجون ويصيح معهم الناس: شُفي أعمى، شُفي أعمى! ويقول هو: لقد شفاني الإمام! كما حدث في زماننا أنه لما قام الناس بالصياح في حرم الإمام الرضا (ع) بحُجة أن أعمى قد نال الشفاء وأبصر، قام شخص يُدعى «فرهاد ميرزا» بفضح أولئك المخادعين (راجعوا كتاب زيارت و زيارتنامه ص 358).
في هذا الحديث يقول الإمام لأبي بصير: "أَتُحِبُّ أَنْ تَكُونَ هَكَذَا وَلَكَ مَا لِلنَّاسِ وَعَلَيْكَ مَا عَلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ أَوْ تَعُودَ كَمَا كُنْتَ، وَلَكَ الْجَنَّةُ خَالِصاً؟ قُلْتُ: أَعُودُ كَمَا كُنْتُ!".
ولست أدري ما هو التعارض بين أن يكون الإنسان بصيراً ويدخل الجنة؟ ولماذا جعل الإمام دخول أبي بصير الجنة مرهوناً ببقائه أعمى؟
في هذا الحديث نرى الإمام يضمن لأبي بصير الجنة بشرط أن يرضى بكف بصره، وفي الحديث الخامس من الباب 176 يضمن الإمامُ دخول جار أبي بصير الجنة بشرط أن يترك ما كان عليه من الأعمال السيئة.
هذا في حين أنه باستثناء الأشخاص الذين نص الله تعالى في القرآن على وعدهم بالجنة أو النار، لا يملك أحد من العباد أن يضمن دخول الجنة أو النار لأحد دون سند شرعي قطعي.
نعم، لو تاب إنسان فإن الله يقبل توبته، ولكن على أي حال يبقى قبول التوبة أو ردها أمراً خاصَّاً بالله تعالى فلا يملك أحد أن يضمن قبولها أو عدم قبولها لأحد آخر! وقد قال الله تعالى لرسوله o: ﴿لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ﴾ [آل عمران/128].
وأساساً فإن الإسلام جعل المؤمنين - باستثناء عدد قليل جداً - يعيشون في حالةٍ بين الخوف والرجاء، ولا شك أن الإمام يعلم هذا الموضوع جيداً ولا يقول أمراً يُخالفه.
ß الحديث 4 - يقول الراوي: "عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (ع) قَالَ: كُنْتُ عِنْدَهُ يَوْماً إِذْ وَقَعَ زَوْجُ وِرْشَانَ([2]) عَلَى الْحَائِطِ وَهَدَلَا هَدِيلَهُمَا. فَرَدَّ أَبُو جَعْفَرٍ (ع) عَلَيْهِمَا كَلَامَهُمَا سَاعَةً ثُمَّ نَهَضَا، فَلَمَّا طَارَا عَلَى الْحَائِطِ هَدَلَ الذَّكَرُ عَلَى الْأُنْثَى سَاعَةً ثُمَّ نَهَضَا. فَقُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ! مَا هَذَا الطَّيْرُ؟ قَالَ: يَا ابْنَ مُسْلِمٍ! كُلُّ شَيْءٍ خَلَقَهُ اللهُ مِنْ طَيْرٍ أَوْ بَهِيمَةٍ أَوْ شَيْءٍ فِيهِ رُوحٌ فَهُوَ أَسْمَعُ لَنَا وَأَطْوَعُ مِنِ ابْنِ آدَمَ. إِنَّ هَذَا الْوِرْشَانَ ظَنَّ بِامْرَأَتِهِ، فَحَلَفَتْ لَهُ مَا فَعَلْتُ، فَقَالَتْ: تَرْضَى بِمُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ؟ فَرَضِيَا بِي، فَأَخْبَرْتُهُ أَنَّهُ لَهَا ظَالِمٌ، فَصَدَّقَهَا!!".
والسؤال الذي يطرح نفسه هو: أولاً: هل تعقد الحيوانات عقد الزواج بينها وبين قرنائها وهل تتعاهد الحيوانات بالوفاء بعهد الزواج حتى تكتفي الحمامة الأنثى بحمام ذكر واحد فقط؟!
ثانياً: إن جدّ الإمام الأكرم أي الرسول الأكرم o لم يكن يعلم لغة اليهود (العبرية) [البقرة/ 104] فكيف عرف أحد أحفاده لغةَ الحيوانات؟!
ثالثاً: لقد لدغت العقرب يد النبيّ o (راجعوا حاشية الصفحة 173 من الكتاب الحالي) فكيف أصبحت جميع الحيوانات مطيعة للإمام؟! لو كانت جميع الحيوانات مطيعة للإمام لوجب على جميع الجراثيم أن تُطيعه أيضاً ومن ثم لوجب أن لا يمرض الإمام مع أن الإمام كان يمرض، كما يُصَرِّحُ بذلك الشيخ الصدوق (راجعوا ص 127من الكتاب الحالي).
رابعاً: لما نسبوا إلى زوجة الرسول الأكرم o ذلك الإفك لم يكن النبيّ في البداية مُطلعاً على براءة زوجته وطهارتها، ولما شاور النبيُّ J علياً (ع) في الأمر اقترح حضرة الأمير أيضاً على النبيّ ترك عائشة لأنه لم يكن مُطلعاً على براءتها، إلى أن نزلت الآيات من 11 إلى 18 من سورة النور وبرَّأت عائشة. فكيف اطلع الإمام الباقر حتى على عِفَّة الطيور أو خيانتهم؟
إن هذا الحديث وضعه الغلاة والوضَّاعون الجاهلون بالقرآن. وليت شعري هل يُمكننا أن نحصل على مستند ديني بأقوال أمثال هؤلاء الأفراد؟! هل كان الكُلَيْنِيّ يستخدم عقله فعلاً عندما كان يُدوِّن مثل هذه الأحاديث.
ß الحديث 5 - يقول إن الإمام الباقر (ع) اعتبر نفسه «بقيَّة الله»! وقد تكلمنا فيما سبق حول هذه الآية (ص 737فما بعد)، وقد اتضح خطأ هذا الادّعاء للقارئ وأصبح يعلم أن مثل هذا القول اتّهام لحضرة باقر العلوم الذي كان على علم كامل بالقرآن ولا يمكن قطعاً أن يقول مثل هذا الكلام.
ß الحديث 6 - يقول المَجْلِسِيّ عن الجملة الأخيرة في هذا الحديث: "هذا لا يوافق شيئاً من التواريخ المتقدِّمة التي عيّنت فيها الشهور و الأيام إلا ما نقله في «روضة الواعظين»...."([3]).