250. بَابُ مَوْلِدِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ (ع)
بعد أن ذكر الكُلَيْنِيّ تاريخ ولادة حضرة سيد الشهداء - عليه آلاف التحية والثناء - وتاريخ شهادته، أتى بتسعة أحاديث. اعتبر المَجْلِسِيّ الحديثين 1 و3 مختَلَفَاً فيهما، وذهب إلى تصحيح الحديث الأول واعتبر الحديث الثاني أيضاً صحيحاً والحديث 4 مُرْسَلاً والحديث 5 مرفوعاً والحديث 6 مُوَثَّقاً كالصحيح والحديث 7 حسناً والحديث 8 مَجْهُولاً والحديث 9 ضعيفاً. ولم يُصَحِّح الأستاذ البِهْبُودِيّ سوى الحديث الثاني فقط.
أغلب أحاديث هذا الباب غير معقولة وخارجة عن المنطق إلى درجة أن ذكر متونها يكفي في إثبات بطلانها ولا يحتاج إلى مزيد من التعليق والتوضيح.
ß الحديث 1 - يتَّفق مع التاريخ. ولكن المثير للاهتمام أنه ينسب إلى الإمام الصادق u قوله: إن الإمام الحسين تُوفي يوم عاشوراء ولا يقول استُشهد!!
ß الحديث 2 - هذا الحديث يردّ الحديثين 2 و6 من الباب 171 كما قلنا سابقاً.
ß الحديثان 3 و4 - الحديث الثالث نقل الآية 15 من سورة الأحقاف بشكل خاطئ - كالعادة - وبدلاً من كلمة «إحساناً» قال «حسناً»!
ثانياً: ادَّعى أن الآية المذكورة نزلت في الإمام الحسين (ع) ويبدو أن الراوي الجاهل لم يكن يعلم أن سورة الأحقاف مكية ولم يكن عليٌّ (ع) قد تزوَّج بعد في الفترة المكية ومن ثم لم يكن الإمام الحسين قد وُلد في هذه الدنيا بعد كي تنزل آيةٌ بشأنه! إضافةً إلى ذلك لا يجوز قصر آيات القرآن العامَّة على فرد خاص وحصر معناها به. والحمل ووضع الحمل شاقان وعسيران على كل أمٍّ ولا يختص ذلك بأمِّ الإمام.
ثالثاً: يقول في الحديث الرابع: إن جبريل عَرَجَ ثُمَّ هَبَطَ ثلاث مرات وفي المرة الثالثة قال للنبيّ: "يَا مُحَمَّدُ إِنَّ رَبَّكَ يُقْرِئُكَ السَّلَامَ وَيُبَشِّرُكَ بِأَنَّهُ جَاعِلٌ فِي ذُرِّيَّتِهِ الْإِمَامَةَ وَالْوَلَايَةَ وَالْوَصِيَّةَ" ونسأل: لماذا لم يقم جبريل بهذا الأمر منذ المرة الأولى؟ ولماذا عرج وهبط مرتين قبله؟!! هل عالَم الملكوت أيضاً - نعوذ بالله - مثل الدوائر الحكومية في عصرنا ليس فيها نظم ولا ترتيب صحيح؟
والأكثر إثارةً أن النبيّ o أيضاً لم يستفد من التجربة وأخبر مرَّةً رسالةَ جبريل هذه لفاطمة (ع) بصورة ناقصة فلم تقبلها فاطمة، ثم أخبر ابنته مرَّةً ثانيةً برسالة جبريل بصورتها الكاملة فقبلتها. ولا ندري لماذا لم يوصل النبيّ o من المرة الأولى الرسالة بصورة كاملة إلى حضرة الزهراء؟!
رابعاً: يقول: إن الإمام قرأ الآية 15 من سورة الأحقاف التي جاء فيها: ﴿أَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي﴾ [الأحقاف/15] وأنه لهذا السبب لم يُصبح جميع أبنائه أئمَّةً ولو لم يقل هذا الجملة لأصبح جميع أبنائه أئمَّةً!! فنسأل: هل عالَم الملكوت مضطرب وفاقد للحكمة بحيث أن مجرد قراءة جملة أو عدم قراءتها يؤدي - كما يُصوره هؤلاء الغلاة الكذابون- إلى زيادة أو إنقاص عدد أئمَّة الأُمَّة؟!
خامساً: أنتم تقولون: إن الإمام لا يخفى عليه ما كان وما يكون وما هو كائن، فكيف تقولون: إن الإمام لم يعلم هنا أن قول هذه الجملة سيحرم عدداً من أبنائه من الإمامة؟!
سادساً: تقولون: إن الإمام الحسين لم يرضع من حضرة فاطمة ولا من أي امرأة أخرى بل كانوا يأتون به إلى رسول الله o فكان يضع إصبعه أو لسانه في فم حفيده فكان الحسين يمص ما يكفيه ليومين أو ثلاثة أيام من الحليب!! إن هذا الكذب فاضح إلى درجة تُغني عن التعليق عليه. إن مثل هذا الحدث لم يُروَ في أي كتاب موثوق.
ß الحديث 5 - حديث مرفوع سنكتفي بذكر متنه ونترك الحكم عليه للقُرَّاء: "عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (ع) فِي قَوْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ﴿إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ 85 أَئِفْكًا آلِهَةً دُونَ اللهِ تُرِيدُونَ 86 فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ 87 فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ 88 فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ 89 فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ 90﴾ [الصافات/85 - 91]، قَالَ: حَسَبَ، فَرَأَى مَا يَحُلُّ بِالْحُسَيْنِ (ع) فَقَالَ: إِنِّي سَقِيمٌ لِمَا يَحُلُّ بِالْحُسَيْنِ (ع)!!"
ß الحديثان 6 و 7 - تكلمنا على هذين الحديثين في الصفحة 99-100 من الكتاب الحالي. فَلْتُرَاجَعْ ثَمَّةَ. ونضيف هنا فقط بشأن الحديث 6 السؤال التالي: لماذا تضجّ الملائكة بالبكاء والعويل على وصول الإمام الحسين (ع) إلى أرقى مرتبة روحية، مرتبة الشهادة في سبيل الله ونيل لقائه؟ إنهم يعلمون حقيقة الشهادة التي تؤدي إلى الوصول إلى أعلى مقامات القرب من الله، وَمِنْ ثَمَّ فلا يضجون إلى الله بالبكاء والعويل على من بلغ هذه المرتبة! إن العويل والضجيج في البكاء يتناسب مع أهل الدنيا غير المطِّلعين على بواطن الأمور الذين يتأثَّرون من ظواهرها المؤلمة ويحزنون لها. ثم لقد قيل إن الله "لَمَّا شاهَدَ ضَجيجَ الْمَلَائِكَةِ إِلَيهِ بِالْبُكَاءِ وَقَولِهِم: يُفْعَلُ هَذَا بِالْحُسَيْنِ صَفِيِّكَ وَابْنِ نَبِيِّكَ؟ قَالَ: فَأَقَامَ اللهُ لَهُمْ ظِلَّ الْقَائِمِ (ع) وَقَالَ بِهَذَا أَنْتَقِمُ لِهَذَا".
قلنا سابقاً إنه ينبغي أن نسأل: هل سيكون قاتلو الإمام الحسين (ع) موجودين زمن ظهور القائم كي ينتقم الله به منهم؟ إن كنت من القائلين بِـ «الرجعة» واعتبرت هذا الحديث متعلِّقاً بمسألة «الرجعة» فاعلم أن الرجعة خرافة مخالفة لكثير من آيات القرآن، من ذلك قوله تعالى: ﴿ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ 15 ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ﴾ [المؤمنون/15-16]، ويقول تعالى كذلك: ﴿حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ 99 لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾ [المؤمنون/99-100]، ويقول أيضاً: ﴿لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى﴾ [الدخان/56]، وهناك آيات أخرى أيضاً تردُّ فكرة «الرجعة».
ß الحديث 8 - يشابه الجزء الأخير من الحديث 9 من الباب 96 والحديث 27 من الباب 168 والأحاديث 55 و 268 و 507 من «روضة الكافي» وحديث الباب 169. وكلها من الأحاديث التي يمكن لكل من نظر إليها أن يَقِفَ على مقدار عقل الكُلَيْنِيّ وفهمه!
يقول في هذا الحديث: "لَمَّا قُتِلَ الْحُسَيْنُ (ع) أَرَادَ الْقَوْمُ أَنْ يُوطِئُوهُ الْخَيْلَ فَقَالَتْ فِضَّةُ لِزَيْنَبَ: يَا سَيِّدَتِي! إِنَّ سَفِينَةَ كُسِرَ بِهِ فِي الْبَحْرِ فَخَرَجَ إِلَى جَزِيرَةٍ فَإِذَا هُوَ بِأَسَدٍ فَقَالَ يَا أَبَا الْحَارِثِ أَنَا مَوْلَى رَسُولِ اللهِ J فَهَمْهَمَ بَيْنَ يَدَيْهِ حَتَّى وَقَفَهُ عَلَى الطَّرِيقِ وَالْأَسَدُ رَابِضٌ فِي نَاحِيَةٍ فَدَعِينِي أَمْضِي إِلَيْهِ وَأُعْلِمُهُ مَا هُمْ صَانِعُونَ غَداً، قَالَ فَمَضَتْ إِلَيْهِ فَقَالَتْ: يَا أَبَا الْحَارِثِ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ، ثُمَّ قَالَتْ: أَتَدْرِي مَا يُرِيدُونَ أَنْ يَعْمَلُوا غَداً بِأَبِي عَبْدِ اللهِ (ع)؟ يُرِيدُونَ أَنْ يُوطِئُوا الْخَيْلَ ظَهْرَهُ. قَالَ: فَمَشَى حَتَّى وَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى جَسَدِ الْحُسَيْنِ (ع) فَأَقْبَلَتِ الْخَيْلُ فلَمَّا نَظَرُوا إِلَيْهِ قَالَ لَهُمْ عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ لَعَنَهُ اللهُ: فِتْنَةٌ لَا تُثِيرُوهَا؛ انْصَرِفُوا. فَانْصَرَفُوا".
أولاً: لم يثبت حضور فضَّة في كربلاء بل هو موضع شك.
ثانياً: من أين عَرَفَتْ فضة أن جيش كربلاء ينوي القيام بذلك الأمر؟ هل كانت تعلم الغيب هي أيضاً؟
ثالثاً: أين كانت توجد جزيرة في كربلاء أو قرب منها حتى تذهب فضة إليها؟ والعجيب من الكُلَيْنِيّ الذي عاش في العراق سنين عديدة ولا يدْرِي أنه لا يوجد في كربلاء ولا حولها أي بحر أو جزيرة.
رابعاً: ألم يكن في مقدور الجيش الذي كان عدد أفراده - حسب قولكم - عشرات الآلاف أن يصوِّبوا سهامهم أو حرابهم إلى ذلك الأسد فيقتلوه على الفور؟!
خامساً: كيف تكلَّمت فضّة مع الأسد؟! هل كانت تعلم لغة الحيوانات مثل حضرة سليمان (ع)؟ إن الكذّابين والغلاة ينسبون المعجزات لكل من شاؤوا من الناس!
سادساً: لم تُسْتَخْدَم جملة «يُوطِئُوا الْخَيْلَ» - التي ذُكِرَت مرَّتين في الحديث - بصورة صحيحة بل صورتها الصحيحة أن يُقال «توطِّئوه الخيل». من هذا يَتَبَـيَّنُ أن بضاعة الكُلَيْنِيّ من العربية كانت مُزجاة.
سابعاً: لم ينتبه الكُلَيْنِيّ إلى أن «إدريس بن عبد الله» روى الحديث عن «فضّة» مباشرةً ولا ندري شيئاً عن الواسطة بينه وبين فضة!
ثامناً: إن «عبد الله بن إدريس» و «أبو سعيد الأشج» و «أبو كُرَيْب» من رواة أهل السنة. والكُلَيْنِيّ وأمثاله لا يروون روايات «البخاري» و«مسلم» - مع أن كثيراً منها أفضل حالاً من هذا الحديث وأمثاله - ولا يعتنون برواياتهما ولا يثقون بها بل لا يروون حتى أحاديث «عبد الرزاق الصنعاني» مؤلف كتاب «المُصنَّف» الذي لم يكن من أهل السنة([1])، فكيف قبلوا هنا رواية أهل السنة؟!!
تاسعاً: يقول هذا الحديث إن جنود كربلاء انصرفوا عن توطئة خيولهم جثامين الشهداء الطاهرة، أما الشيخ المفيد فيقول: "داسوا الحسين (ع) بخيولهم حتى رضُّوا ظهره"([2]). وهذا الأمر رواه أيضاً الطبري وابن الأثير والمسعودي في «مروج الذهب»، فأيُّ القولَين نُصَدِّق!
عاشراً: لماذا روى الكُلَيْنِيّ هذا الحديث مع أن سنده لا يصل إلى الإمام؟! في رأينا إن الكُلَيْنِيّ بنقله لأمثال هذه القصص يجعل كل ذي عقل وفكر ينظر بعين الريبة إلى الدين!
ß الحديث 9 - عددٌ من الكذَّابين والمجهولين رووا حديثاً، قال عنه حتى شخصٌ متعصِّبٌ وخرافيٌّ كالمَجْلِسِيّ: "وبالجملة الخبر لا يخلو من تشويش واضطِّراب لفظاً ومعنىً"([3]). وأقول: لا فائدة من هذا الحديث سوى تشجيع الناس وحثهم على البكاء والعويل وإقامة المآتم المخالفة لسنة الإسلام.
تذكير:
أيها القارئ المحترم! كما لاحظت فإن أغلب أحاديث هذا الباب بعيدة عن العقل السليم والمنطق القويم إلى درجة أن إثبات بطلانها لا يحتاج إلى كثير من التوضيح. فاحكم بنفسك! هل من الإنصاف أن يُمْتَدَحَ مَنْ دَوَّنَ في كتابه أمثال هذه الأخبار دون أن يُبدي أيَّ ملاحظةٍ عليها أو شكٍّ بشأنها، وينال من علمائنا كل هذا القَدْر من الإجلال والإكبار والثقة الكبيرة؟!