180. بَابٌ فِيهِ ذِكْرُ الْأَرْوَاحِ الَّتِي فِي الْأَئِمَّةِ (ع)
في هذا الباب ثلاثة أحاديث لم يُصحِّح البِهْبُودِيّ أياً منها. واعتبر المَجْلِسِيّ الحديثين الثاني والثالث ضعيفين، ولكنه اعتبر الحديث الأول صحيحاً! مع أنّ في سند الحديث الأول «جابراً الجعفيَّ» الذي عرّفنا به فيما سبق([1])، و «إبراهيم بن عمر اليماني» الذي اعتبره ابن الغضائري ضعيفاً جداً، و «حمّاد بن عيسى» الذي لم يكن يثق إلا بعشرين حديثاً من رواياته التي رواها بنفسه، و «الحسين بن سعيد» الذي يُعَدُّ من الغلاة ولا يُعَوَّل على حديثه.
وينبغي أن نعلم أنّ الدين الصحيح هو الذي تكون عقائده وتعاليمه مطابقة للعقل والفطرة، ومن المُتَّفَق عليه أنّ "كلما حكم به العقل حكم به الشرع". والمذاهب الخرافية كثيرة، ومن جملة العقائد الخرافية المخالفة للعقل والقرآن ما جاء في هذا الباب من أحاديث.
تدّعي متون أحاديث هذا الباب "أنّ رُسُلُ اللهِ (ع)، وَخَاصَّةُ اللهِ مِنْ خَلْقِهِ [يقصد الأوصياء] جَعَلَ اللهُ فِيهِمْ خَمْسَةَ أَرْوَاحٍ!"
هذا في حين أنّ القرآن بيّن لنا أن الأنبياء بشر مثلنا كسائر أفراد البشر. ولو كان للأنبياء روحاً غير روح سائر الأفراد لقال عنهم القرآن "بشر غيركم".
ثم إنّه يقول في الحديث الأول إنهم (أي الأنبياء) "أَيَّدَهُمْ اللهُ بِرُوحِ الشَّهْوَةِ فَبِهِ اشْتَهَوْا طَاعَةَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَكَرِهُوا مَعْصِيَتَهُ". أما في الحديث الثالث فيقول: "وَرُوحَ الشَّهْوَةِ فَبِهِ أَكَلَ وَشَرِبَ وَأَتَى النِّسَاءَ مِنَ الْحَلَالِ"؟!
علاوة على ذلك، من المعلوم إن الإنسان الذي يؤمن بصفات الجلال والجمال لِـلَّهِ تعالى يطيع الله الذي يؤمن به ويخاف من عذابه ويرجو رحمته، ولا يلزم لأجل ذلك أن يكون له روحان، كما لا يلزم أن نلفق الكلام ونقول إنه بروح القوة يقدر على طاعة الله وبروح الإيمان يؤمن بالله! لأن الإيمان ذاته يستتبع الطاعة أيضاً. إن الأئِمَّة لا يقولون مثل هذا الكلام.
وفي الحديثين الثاني والثالث اُدُّعِيَ أن الأئِمَّة يعلمون الغيب. وقد تكلمنا بما يكفي في إبطال هذه الدعوى في فصل «علم الغيب والمعجزات والكرامات في القرآن» (الصفحة 159 وما بعد) وفي سائر فصول هذا الكتاب. ونذكر هنا بضعة نماذج:
تخلَّفَتْ أهل رسول الله J عن القافلة ولم يعلم رسول الله J بذلك. قُتِلَ أصحاب النبيJ في بئر معونة ولم يعلم النبي بذلك حتى جاءه شخص فأخبره بالخبر . فكيف تقولون إن الإمام يعلم بكل شيء؟ ويستفاد من «نهج البلاغة» أن أمير المؤمنين علي u لو لم يقم مأموروه وجواسيسه في أطراف البلاد وأكنافها بإطْلَاعه على ما يحدث في الأمصار لما علم بذلك.
يريد الوضَّاعون الجهلة أن يثبتوا بهذه الأحاديث علمَ الأئِمَّة بالغيب، مع أن مثل هذا العلم ليس فضيلة لأولئك الكرام الأجلاء، فمثلاً لو كان إبراهيم (ع) يعلم أنه لن يذبح ابنه إسماعيل(ع) في نهاية المطاف، ولو كان أمير المؤمنين علي u يعلم أنه لن يصيبه مكروه عندما بات في فراش النبي ليلة الهجرة، فإن عملهما لن يكون فيه أي فضيلة، لأن أهمية عملهما تكمن في عدم علمهما بعاقبة ما قاما به من عمل طلباً لرضا الله وعملاً بواجبهما في طاعة الله.
والطريف أن «الْمُفَضَّلَ بْنَ عُمَرَ» الكذَّاب يزعم أن الإمام الصادق u قال: "وَرُوحَ الْقُدُسِ فَبِهِ حَمَلَ النُّبُوَّةَ فَإِذَا قُبِضَ النَّبِيُّ o انْتَقَلَ رُوحُ الْقُدُسِ فَصَارَ إِلَى الْإِمَامِ".
مع أن انتقال الروح من بدن إلى بدن آخر هو التناسخ بعينه الذي قال عنه حضرة الرضا (ع): "من قال بالتناسخ فهو كافر". ثم إن روح القدس لم يكن في النبي أبداً بل كان ينزل عليه بأمر الحق لكن واضع الحديث الجاهل لم يكن بفهم ما يلفق من كلام! علاوة على ذلك ماذا كان يفعل روح القدس مع الأئِمَّة الذين لا يوحى إليهم ؟! ولماذا لم يشر القرآن إي إشارة إلى هذا الموضوع؟