181. بَابُ الرُّوحِ الَّتِي يُسَدِّدُ اللهُ بِهَا الْأَئِمَّةَ (ع)

ذُكرت في هذا الباب ستة أحاديث اعتبر المَجْلِسِيّ الحديثين 2 و5 مجهولين والحديث 4 حسناً والحديث 6 مُرْسَلاً  والحديثين 1 و3 صحيحين. ولم يُصحِّح البِهْبُودِيّ أي واحد من أحاديث هذا الباب.

استدل الإمام - في الأحاديث الأول والثاني والخامس-  بآية: ﴿وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ51 وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا﴾ [الشورى/51-52].

إن الروح الذي يُوحى به ليس سوى القرآن. وجاء في نهاية الآيات: "جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ "وهذه الهداية ليست سوى القرآن ذاته الذي كان يوحَى إلى النبي ولا علاقة للائمة بذلك. وقال أمير المؤمنين عليٌّ u أيضاً: "قَفَّى بِهِ الرُّسُلَ وخَتَمَ بِهِ الْوَحْيَ". (نهج البلاغة، الخطبة 133).

من هذا يتبين ما يلي:

أولاً: ليس الروح في هذه الآية بمعنى الملائكة، بل معناه القرآن الكريم، والإمام يعلم هذا الأمر بالطبع أفضل من الآخرين كما جاء في الحديث السادس من هذا الباب ذاته أن الإمام عليَّاً(ع) استدل بالآية الثانية من سورة النَّحْل([1]) وقال: «وَالرُّوحُ [في الآية] غَيْرُ الْمَلَائِكَةِ». وبمقارنة آية سورة النَّحْل مع الآية 52 من سورة الشورى يَتَبَـيَّنُ أن الروح التي وصفها الله بقوله: «رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا» والتي وصفها أيضاً بأن الملائكة -الذين يعملون تحت أمر جبريل- تنزل بها  عَلَى مَنْ يَشَاءُ الله مِنْ عِبَادِهِ، أي الروح التي تنزل على النبي ويوحَى بها إليه، ليست ملَكاً من الملائكة بل هي القرآن.

ثانياً: إن الكِذْبَةَ الأخرى في هذه الأحاديث أنها تقول إن المَلَك المذكور أكبر من جبرئيل وميكائيل -عليهما السلام-! في حين أن القرآن لم يعرف لنا أيَّ ملاكٍ أكبر من جبرئيل نزل على النبي، فينبغي ألا يكون هذا الموجود الذي يذكره الحديث من الملائكة!!

ثم في الحديث الخامس أنَّه لما سُئلَ الإمام u عَنِ الْعِلْمِ أَهُوَ عِلْمٌ يَتَعَلَّمُهُ الْعَالِمُ مِنْ أَفْوَاهِ الرِّجَالِ أَمْ فِي الْكِتَابِ عِنْدَكُمْ تَقْرَءُونَهُ فَتَعْلَمُونَ مِنْهُ؟ لم يُشِر الإمام إلى أي من الكتب التي جاءت في أحاديث أخرى كأحاديث الباب 98 التي ذكرت أن الإمام كان يرجع إلى الجفر والجامعة ومصحف فاطمة و.....، ولم يجب عن سؤال السائل.

وفي الحديثين الثالث والرابع استدل الإمام بآية: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا﴾ [الإسراء/85]. قال المَجْلِسِيّ في «مرآة العقول» أن الشيخ الطَّبْرَسِيّ ذكر في تفسيره «مجمع البيان» أقوالاً متعددة حول المقصود من «الروح» في تلك الآية، وأقوى الأقوال الذي رجَّحه الطبرسي على غيره من الأقوال هو: أن المقصود من «الروح» هو الروح الذي به قوام بدن الإنسان وهو المُشار إليه في الآية 14 من سورة المؤمنون([2]).

في هذه الحالة يتبين إذاً بطلان أحاديث الكُلَيْنِيّ.

والقول الثاني أن المقصود من «الروح» جبرئيل أو ملك من الملائكة. وفي هذه الحالة فليس الملَك لا في الرسول ولا في الإمام بل كما ذكرنا آنفاً هو ملَك ينزل على النبي ولا يكون في داخله أو في داخل أوصياءه. فكل حديث يقول إن الروح فينا باطلٌ بكل وضوح، لأنه يلزم عنه أن يكون للنبي والإمام روحاً أكثر مما لدى سائر الناس وهذا يخالف الآيات التي نصت على أن الأنبياء بشرٌ كسائر البشر وأن الأنبياء من جنس الناس تماماً. ثم إن الملائكة المذكورة لا يمكن أن تنزل على الأئِمَّة الذين لا يوحى إليهم. إضافة إلى ذلك فإن القرآن الكريم لم يشر أدنى إشارة إلى ملائكة أكبر من جبرئيل، وليس عندنا أي دليل على أن مثل هذا الكائن كان ينزل على النبي.

والقول الثالث هو أن المقصود من «الروح» الوحي والقرآن، وفي هذه الحالة يكون بطلان أحاديث الكُلَيْنِيّ في هذا الباب واضحاً تماماً. لأن الوحي القرآني لا علاقة له بالأئِمَّة. ومن هنا يَتَبَـيَّنُ أن الرواة لم يفهموا أنفسهم الكلام الذي لفقوه بل كان كل قصدهم تخريب الدين والتلاعب بمعاني القرآن وجاء الكُلَيْنِيّ وجمع رواياتهم في كتابه دون التفكير بمضامينها.



([1])   أي قوله تعالى: ﴿يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ....﴾ [النحل/2].

([2])   أي قوله تعالى: ﴿ ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ﴾ [المؤمنون/14]. (المُتَرْجِمُ)