163. تذكير حول الأحاديث التي يتعارض صدرها مع ذيلها
تذكير: قبل دراسة ونقد أحاديث هذا الباب لابُدَّ من ذكر بعض التوضيحات حول الروايات متعارضة الأجزاء، وهو موضوع لم يتم التنبُّه إليه إلا قليلاً مع الأسف.
إحدى القرائن الدالة على وضع الحديث أو ضعفه تضمُّنُه جانبين مختلفين ومخالفة بداية الحديث لنهايته. وقد أشار أحد الخرافيين ويُدعى «محمد باقر المحمودي» إلى هذا النوع من الأحاديث، وقال خلال بحثه في أحاديث «تاريخ دمشق» لابن عساكر ما نصُّهُ: "وهناك أحاديث ذات جانبين، صدرها شاهد لنا وذيلها شاهد لهم"([1]). وأقول إن هذا العيب لا يوجد في أحاديث «تاريخ دمشق» فقط، بل يُشاهد مثل هذا النوع من الأحاديث في «الكافي» أيضاً. لمّا كان وضّاعو الحديث لا يجدون حديثاً موافقاً لهواهم كانوا يضيفون إلى بداية حديثٍ ما أو إلى نهايته الأمور التي كانوا يريدونها، وينشرون الحديث بين الناس حتى إذا نقل الآخرون هذا الحديث بدا للناس أنهم بَتَرُوا الحديث واكتفوا بنقل جزء منه وأنهم تعمّدوا عدم نقل كل ألفاظ الحديث!
أحد النماذج على ذلك، الحديث الأول في الباب 96 والحديث الثالث في الباب 103 في «الكافي»، اللذَيْن نجد أن بدايتهما لا تتفقا مع نهايتهما. فمثلاً في بداية الحديث 103 جعل الراوي علم الغيب منحصراً بالله تعالى ولكن في نهاية الحديث ذاته قال ما يخالف هذه الحقيقة!! (فتأمَّل جداً).
ß الحديث 1- ذكر الكِشِّيّ أيضاً هذا الحديث في رجاله ذيل ترجمته لـ «سعيد الأعرج»، وجاء ما يشبهه في كتاب «بصائر الدرجات» أيضاً، وعلامات الكذب واضحة في متن الحديث. يقول «سعيدٌ السَّمَّانُ»:
"كُنْتُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللهِ u إِذْ دَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلَانِ مِنَ الزَّيْدِيَّةِ فَقَالَا لَهُ: أَفِيكُمْ إِمَامٌ مُفْتَرَضُ الطَّاعَةِ؟ قَالَ فَقَالَ [الإمام الصادق u]: لَا. قَالَ فَقَالَا لَهُ: قَدْ أَخْبَرَنَا عَنْكَ الثِّقَاتُ أَنَّكَ تُفْتِي وَتُقِرُّ وَتَقُولُ بِهِ وَنُسَمِّيهِمْ لَكَ فُلَانٌ وَفُلَانٌ وَهُمْ أَصْحَابُ وَرَعٍ وَتَشْمِيرٍ وَهُمْ مِمَّنْ لَا يَكْذِبُ. فَغَضِبَ أَبُو عَبْدِ اللهِ u فَقَالَ: مَا أَمَرْتُهُمْ بِهَذَا. فَلَمَّا رَأَيَا الْغَضَبَ فِي وَجْهِهِ خَرَجَا.".
كما تلاحظون، إلى هنا لايوافق الحديثُ مشربَ رُواةِ الكُلَيْنِيّ([2]). لهذا نقرأ في بقية الحديث:
"فَقَالَ [الإمام الصادق u] لِي: أَتَعْرِفُ هَذَيْنِ؟ قُلْتُ: نَعَمْ هُمَا مِنْ أَهْلِ سُوقِنَا وَهُمَا مِنَ الزَّيْدِيَّةِ وَهُمَا يَزْعُمَانِ أَنَّ سَيْفَ رَسُولِ اللهِ o عِنْدَ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحَسَنِ([3]). فَقَالَ: كَذَبَا لَعَنَهُمَا اللهُ وَاللهِ مَا رَآهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ الْحَسَنِ بِعَيْنَيْهِ وَلَا بِوَاحِدَةٍ مِنْ عَيْنَيْهِ وَلَا رَآهُ أَبُوهُ، اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يَكُونَ رَآهُ عِنْدَ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ فَإِنْ كَانَا صَادِقَيْنِ فَمَا عَلَامَةٌ فِي مَقْبِضِهِ؟ وَمَا أَثَرٌ فِي مَوْضِعِ مَضْرَبِهِ؟ وَإِنَّ عِنْدِي لَسَيْفَ رَسُولِ اللهِ o وَإِنَّ عِنْدِي لَرَايَةَ رَسُولِ اللهِ o وَدِرْعَهُ وَلَامَتَهُ وَمِغْفَرَهُ، فَإِنْ كَانَا صَادِقَيْنِ فَمَا عَلَامَةٌ فِي دِرْعِ رَسُولِ اللهِ o؟ وَإِنَّ عِنْدِي لَرَايَةَ رَسُولِاللهِ o الْمِغْلَبَةَ، وَإِنَّ عِنْدِي أَلْوَاحَ مُوسَى وَعَصَاهُ وَإِنَّ عِنْدِي لَخَاتَمَ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ، وَإِنَّ عِنْدِي الطَّسْتَ الَّذِي كَانَ مُوسَى يُقَرِّبُ بِهِ الْقُرْبَانَ، وَإِنَّ عِنْدِي الِاسْمَ الَّذِي كَانَ رَسُولُاللهِo إِذَا وَضَعَهُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ لَمْ يَصِلْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ إِلَى الْمُسْلِمِينَ نُشَّابَةٌ (!!). وَإِنَّ عِنْدِي لَمِثْلَ الَّذِي جَاءَتْ بِهِ الْمَلَائِكَةُ (؟). وَمَثَلُ السِّلَاحِ فِينَا كَمَثَلِ التَّابُوتِ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ؛ كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ فِي أَيِّ أَهْلِ بَيْتٍ وُجِدَ التَّابُوتُ عَلَى أَبْوَابِهِمْ أُوتُوا النُّبُوَّةَ، وَمَنْ صَارَ إِلَيْهِ السِّلَاحُ مِنَّا أُوتِيَ الْإِمَامَةَ. وَلَقَدْ لَبِسَ أَبِي دِرْعَ رَسُولِ اللهِ o فَخَطَّتْ عَلَى الْأَرْضِ خَطِيطاً وَلَبِسْتُهَا أَنَا فَكَانَتْ وَكَانَتْ وَقَائِمُنَا مَنْ إِذَا لَبِسَهَا مَلَأَهَا إِنْ شَاءَ اللهُ".
وفي الحديث الرابع في هذا الباب أيضاً قيل إن درع رسول الله J أطول من قامة الإمامين الباقر والصادق - عليهما السلام -.
هذا القسم الثاني من الحديث مليء بالإشكالات التي نشير إلى عددٍ منها فيما يلي:
أولاً: يقول «الممقاني» إن جناب «زيد بن علي» رحمه الله كان يقول: "لَيْسَ الْإِمَامُ مِنَّا مَنْ جَلَسَ فِي بَيْتِهِ وَأَرْخَى سِتْرَهُ وَثَبَّطَ عَنِ الْجِهَادِ، وَلَكِنَّ الْإِمَامَ مِنَّا مَنْ مَنَعَ حَوْزَتَهُ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللهِ حَقَّ جِهَادِهِ وَدَفَعَ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَذَبَّ عَنْ حَرِيمِهِ."([4]).
وبناء عليه، لم يكن الزيدية يعتقدون أنّ إمامة الإمام منوطة بوجود متاع رسول الله J وسلاحه عنده.
ثانياً: كان السائلان من الزيدية، أي من أتباع ومحبِّي أخ الإمام الباقر (ع)، ولم تكن بينهم وبين حضرة الإمام الصادق u أي خصومة أبداً، بل كانوا معارضين بشدة لبني أميَّة ولم يكونوا ميّالين إلى بني العبّاس، فلم يكن هناك مبرِّرٌ للتقية، خاصَّةً أنّ الحاضرين في الجلسة كانوا يعرفون ذينك الشخصين ولم يقولوا إنهما من مؤيدي الحكومة أو جواسيسها أو أنه لا يمكن الوثوق بهما. علاوة على ذلك، وكما يعترف علماء الشيعة، كان الإمام الصادق u يعيش في فترة انتقال الخلافة من بني أمية إلى بني العباس وكان حال الأمويين آيلٌ إلى الضعف في تلك الفترة كما لم يكن العباسيون قد أصبحوا ذوي قوّة كاملة وسيطرة تامة على الأوضاع، وَمِنْ ثَمَّ لم تكن هناك حاجة إلى التقية. وكما روى الكُلَيْنِيّ عن الإمام الكاظم (ع) أنه قال: لم يكن زمن الإمام الصادق زمن تقية. (الباب 129، الحديث 14).
ثم كيف يمكن أن نعتبر التعريف بالإمام من موارد التقيّة، في حين أنّ الكُلَيْنِيّ يقول في الأحاديث الأول والثاني والخامس في الباب 120 إن الإمام مشهور إلى درجة أنه إِذَا قَدِمْتَ الْمَدِينَةَ سَأَلْتَ الْعَامَّةَ وَالصِّبْيَانَ إِلَى مَنْ أَوْصَى فُلَانٌ؟ فَيَقُولُونَ: إِلَى فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ.([5])
ثالثاً: لقد سأل الشخصان الزيدِيَّان المذكوران: أَفِيكُمْ إِمَامٌ مُفْتَرَضُ الطَّاعَةِ؟؟ وكلمة «أَفِيكُمْ» تشمل الإمام الصادق u الذي كان في المجلس، لكن إمام الأمّة وهاديها قال: لا! دون أن توجد أي قرينة في كلام الإمام تبين أنه كان يعتبر نفسه خارجاً عن شمول تعبير «أَفِيكُمْ» له. لذلك لا يمكننا أن نلفِّق الكلام من عند أنفسنا ونقول إن قصد الإمام كان كذا وكذا. حتى المَجْلِسِيّ الذي يسعى دائماً إلى تأويل الأحاديث وتوجيهها اعترف هنا قائلاً: "لكن ظاهره يوهم إنكار أصل القول!".
ولكن المَجْلِسِيّ والملا صالح المازندراني ادَّعَيا بالطبع - دون دليل - أن الإمام ورَّى في كلامه وأجاب بالنفي قاصداً أنه ليس في أولاد فلان من أولاد عليٍّ (ع) إمامٌ مفترضُ الطاعة، أو أنّه نوى أنه لا يوجد بيننا إمام مفتَرَض الطاعة بزعمكم!!
وليت شعري! كيف اطّلع المَجْلِسِيّ والملا صالح على ما في قلب الإمام؟ وإذا كان الأمر هكذا فيمكننا أن نؤوِّل كل كذب بمثل هذه الحيلة. فمثلاً، إذا سُئِلْتُ هل أنت البرقعي؟ فأجبت بالنفي، لا يمكنكم أن تقولوا لي إنك كذبت، لأنني سأقول لكم أنتم تتهمونني بأنني وهّابي وأنا قصدتُ في نفسي أني لست ذلك البرقعي الوهّابي الذي لا وجود له في عالم الخارج! أو إذا سألتموني هل أنت قُمّيٌّ؟ وأجبت النفي، لا يمكنكم أيضاً أن تقولوا لقد كذبت، إذْ يمكنني أن أقول أنتم تعتبرون القميين مؤيدين للمشايخ وأنا لست قمّيّاً مؤيداً للمشايخ.....الخ، وفي هذه الحالة سيصبح الكذب مفهوماً لا مصداق له!
رابعاً: إن جواب الإمام بالنفي الصريح سبب لضلال الناس وعدم إتمام الحجة عليهم، وهذا أمر لا يُحتَمَل وقوعه من هادي الأمة.
خامساً: لم يلعن النبيّ الأكرم J حتى المشركين الذين جرحوه في معركة أحد، لكن الإمام في هذه الرواية لعن السائلَيْن([6])، مع أنهما لم يرتكبا ما يستحقان لأجله اللعن، بل رغم كونهما من أنصار عبد الله بن الحسن رجعا إلى حضرة الإمام الصادق u لمزيد من البحث والتحقيق وسألاه: "أَفِيكُمْ إِمَامٌ مُفْتَرَضُ الطَّاعَةِ؟"، وكان الجدير بالإمام ألا يمتنع عن هدايتهما أو على الأقل بدلاً من لعنهما أن يدعو لهما بالهداية، خاصَّةً أنّ مخاطِبِي الإمام قالوا له إنهما من أهل سوقنا ومن الزيدية ولم يقولوا إنهما من جواسيس الحكومة أو أنهما غير موثوقَين أو لا نعرفهما.
سادساً: إذا كانت - كما يقول الحديث - رَايَةُ رَسُولِ اللهِ o الْمِغْلَبَةُ عند الإمام، فلماذا لم يستفد منها الإمام عليٌّ والحسنان - عليهم السلام - الذين كانت عندهم تلك «الرايةُ الْمِغْلَبَةُ» قَبْلَ الإمام الصادق u للانتصار بواسطتها على أعدائهم كي لا يحرموا الناس من إمامتهم وحكمهم؟؟
سابعاً: لقد حاجج القرآن الكريم في آيات متعدّدة اليهودَ ودعاهم إلى الإسلام وأشار إلى تابوت بني إسرائيل، فإذا كان تابوت بني إسرائيل وعصا موسى وخاتم سليمان لدى النبي فلماذا لم يُشِرْ رسولُ الله J في دعوته اليهودَ إلى الإسلام، إلى امتلاكه هذه الأمور كدليل على إثباته نبوته؟! ولماذا لم يُشِرْ عليٌّ u في موضوع استحقاق الخلافة ومحاجَّة خصومه إلى وجود هذه الأشياء عنده.
ثامناً: لا تتّفق هذه الرواية مع علم الإمام بالغيب وما يذكره الكُلَيْنِيّ من أن الإمام يعلم وقت وفات كل إنسان، ويعلم ما كان وما يكون. فكيف يمكن للإمام الذي لم يكن يعلم هوية السائلَيْن بل سأل عنهما قائلاً: "أَتَعْرِفُ هَذَيْنِ؟" فقال الحاضرون في المجلس: نَعَمْ هُمَا مِنْ أَهْلِ سُوقِنَا وَهُمَا مِنَ الزَّيْدِيَّةِ؟
إذن، ما فائدة علم الإمام بالغيب الذي لم يسعفه حتى في معرفة هوية السائلين وأنهم من الزيدية ومن محبي عمِّه ومعارضي الحكم القائم. وأنه لا حاجة إلى التقية معهم.
ويَتَبَـيَّنُ من هذا الحديث أنه لم يكن في ذلك المجلس أي شخص غير موثوق سوى السائلَيْن لأن الإمام قال كل ما أراد قوله بعد ذهابهما! فإذا كان الإمام يعمل بالتقية لأدنى سبب، فمتى يرشد الناس ويهديهم؟ متى يعلِّم الناس ويوعيهم بحقائق الدين؟ متى يُتمُّ الحجَّةَ على الناس؟ أصلاً ما هي فائدة إمام يعمل بالتقية إلى هذا الحد؟
تاسعاً: يقول الكُلَيْنِيّ في الحديث الثامن من الباب 150 في الكافي: لِلْإِمَامِ عَشْرُ عَلَامَاتٍ ....وَ إِذَا لَبِسَ دِرْعَ رَسُولِ الله J كَانَتْ عَلَيْهِ وَفْقاً وَ إِذَا لَبِسَهَا غَيْرُهُ مِنَ النَّاسِ طَوِيلِهِمْ وَ قَصِيرِهِمْ زَادَتْ عَلَيْهِ شِبْراً...". في حين أن الراوي يقول في أحاديث هذا الباب إنَّ درعَ النبيِّ كانت أطول قليلاً من حضرات الصادقَين -عليهما السلام- ؟! فما قصد رواة الكُلَيْنِيّ من رواية هذا الحديث؟
والسؤال الأهم من كل ما سبق: لماذا لم يقل القرآن الكريم للمسلمين ابحثوا عن الإمام لدى من عنده درعُ النبيِّ وخاتم سليمان وعصا موسى وطسته و.....؟
عاشراً: يدَّعي الحديثُ أنه كان عند النبي J الاسم الذي إِذَا وَضَعَهُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ لَمْ يَصِل مِنَ الْمُشْرِكِينَ إِلَى الْمُسْلِمِينَ نُشَّابَةٌ! فنسأل أولاً: كيف يوضع الاسم بين المسلمين والمشركين؟! ثانياً: أي غزوة لم يصب المسلمين فيها أي سهم! لماذا لم تُشِرْ كتبُ السيرة المعتمدة إلى هذه المسألة المهمة؟
من الواضح أن هذا الكلامَ مجرَّدُ أكاذيبٍ، لأن رسول الله J لم يكن لديه مثل هذا الاسم الذي يمنع وصول النشابة (السهام) إلى المسلمين وإلا لما ترك أسهم المشركين تصل إلى المسلمين في معركة أحد وفي سائر الغزوات، ولا مات أحدٌ منهم، لكن الله عز وجل قال -كما في الآيتين 140 و141 من سورة آل عمران والآية 73 من سورة النساء- ﴿إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ﴾ [آل عمران/140].
إن إشكالات هذا الحديث أكثر مما ذكرناه ولكننا نكتفي بما قلنا. حقاً إنه لممَّا يبعث على الأسف أن يكون كتاب مذهبنا مليئاً بهذه الخرافات والأكاذيب الفاقعة!
ß الحديث 2 - سنده في غاية الضعف ومتنه خرافيٌّ. يقول: "إِنَّ سِلَاحَ رسول الله J لَوْ وُضِعَ عِنْدَ شَرِّ خَلْقِ اللهِ لَكَانَ خَيْرَهُمْ!!". ونقول إذا كان الأئِمَّة أفضل خلق الله فهل كان ذلك ببركة امتلاكهم سلاح النبيّ أم بسبب فضلهم الذاتيّ؟ إذن لعلَّ ذلك الحَدَّاد الذي صنع سيف رسول الله J كان أفضل خلق الله! انظروا أي تُرَّهات وأباطيل يقدمونها للناس باسم الدين. وقد ذكر الشيخ المفيد هذا الحديث في كتابه «الإرشاد» (ج 2، ص 188). حقاً، هل يفيد الاستناد إلى حديثٍ واهٍ ضعيفٍ سوى خداع العوام؟!
ß الحديث 3 - يقول: "تَرَكَ رَسُولُ اللهِ o فِي الْمَتَاعِ سَيْفاً وَدِرْعاً وَعَنَزَةً وَرَحْلًا وَبَغْلَتَهُ الشَّهْبَاءَ فَوَرِثَ ذَلِكَ كُلَّهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ u". هذا في حين أنه لما كان للنبي بناتٌ وزوجاتٌ يرثنه فإن علياً (ع) لا يرث منه، وإنْ كان رسول الله J قد وهبه تلك الأشياء قبل رحيله فعندئذ لا يُقال إن علياً (ع) وَرِثَهَا.
ß الحديث 4 - تكلّمنا على هذا الحديث في الصفحة 151 من الكتاب الحالي فَلْيُرَاجَعْ ثَمَّةَ.
ß الحديث 5 - يقول المَجْلِسِيّ يبدو أنه حصل اشتباه في هذا الحديث لأن «أحمد بن أبي عبدالله البرقي» لا يروي عن الإمام الرضا (ع)، كما أن «محمد بن عيسى العبيدي» من الرواة الذين هم قبل البرقي فكيف يمكنه أن يروي عنه؟!
ß الحديث 6 - متنه كمتن الحديث الثاني في هذا الباب.
ß الحديثان 7 و 8 - اُدُّعِيَ في هذين الحديثين أن علياً u ورث علم النبيِّ J، وهذا كذب لأن العلم لا يورث، بل العلم يحصل بالكسب والتحصيل أو بالوحي. إن رواة الكافي لم يكونوا يفهمون ما يُلَفِّقُونَهُ!([7])
ß الحديث 9 - هذا الحديث يخالف عقائد الشيعة لأنه يقول إن النبي J حين رحيله أراد أن يختار وصياً لنفسه فاقترح الأمر مرتين على عمه العباس فلما اعتذر العباس عن ذلك لكبر سنه وكثرة عياله، أوصى النبيُّ J عندئذ إلى عليٍّ u أن ينجز عِدَاتِه ويَقْضِي دَيْنَهُ وَيَقْبِضُ تُرَاثَهُ. هذا في حين أنه لو كان عليٌّ u إماماً منصوصاً عليه مِنْ قِبَلِ الله لما كان ذلك العمل مُوَجَّهاً. ثم إنه ليس في هذا الحديث أي كلام عن خلافة عليٍّ وحُكْمِهِ.
وقد جاء في نهاية هذا الحديث حديثٌ مرسلٌ مرويٌّ عن أمير المؤمنين علي u وهو حديث فاضح جداً يبدو أنه وُضِع بقصد الإساءة إلى المقام الرفيع لذلك الإمام الهمام. ويجب أن نسمي هذا الحديث بحديث «سلسلة الحمار» لأن كل رواته من الحمير!! إنني -كاتب هذه السطور- لم أترجم في الإصدار الأول من كتابي هذا، هذا الحديثَ كي لا يكون سبباً لسخرية الأعداء منا، ولكني لما رأيت أن المجلدين الأول والثاني من الكافي تُرجِما إلى الفارسية وطبعت الترجمة مرَّات عدَّة وأصبحت في متناول أيدي جميع الناس، رأيت أن أنقل هنا نص الحديث وإني لآسَفُ فعلاً على كل هذا المديح والثناء الذي يُكَال لدى العوام إلى كتاب «الكافي». حقاً لو استخدمَ الكُلَيْنِيُّ مقدارَ نصفَ حبة شعير من عقله لما روى مثل هذا الحديث في كتاب أهداه إلى صديقه بوصفه كتاباً يضم «الآثار الصحيحة عن الصادِقِين»!
طبقاً للحديث المذكور "كَلَّمَ حِمَارٌ رَسُولَ اللهِ o فَقَالَ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي إِنَّ أَبِي حَدَّثَنِي عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ مَعَ نُوحٍ فِي السَّفِينَةِ فَقَامَ إِلَيْهِ نُوحٌ فَمَسَحَ عَلَى كَفَلِهِ ثُمَّ قَالَ: يَخْرُجُ مِنْ صُلْبِ هَذَا الْحِمَارِ حِمَارٌ يَرْكَبُهُ سَيِّدُ النَّبِيِّينَ وَخَاتَمُهُمْ؛ فَالْحَمْدُ لِـلَّهِ الَّذِي جَعَلَنِي ذَلِكَ الْحِمَارَ !!".
وقد حاول مروِّج الخرافات وحارس البدع المَجْلِسِيّ -طبقاً لعادته- أن يتمحَّل التأويلات والتوجيهات لهذا الحديث، فقال: "ولا يستبعد من كلام الحمار من يؤمن بالقرآن وبكلام هدهد والنمل وغيرهما"([8]).
ونقول إن كلام الحيوانات وفهم كلامهم أمرٌ خاصٌّ بحضرة سليمان u ونسبته إلى الأنبياء الآخرين يحتاج إلى إقامة الدليل الشرعي عليه. وثانياً: كما قال مصحِّح كتاب «مرآة العقول» في حاشية الكتاب: إن الاستبعاد في هذا الحديث المرسَل ليس من جهة تكلم الحمار حتى يُستشهد على ذلك بكلام الهدهد والنملة، بل من جهة أنه كيف كان الحمار يعرف أباه وجدَّه حتى ينقل الحديث عنهم [لأن الذي يلزم عن ذلك هو علم كل واحد من الحمير السابقين بآبائه وأجداده أيضاً وأنَّ كلَّ حمار كان يتلقَّى الحديث عن أبيه وينقله إلى الأجيال اللاحقة من الحمير حتى وصل الحديث إلى «عُفَير»]. وقال أحد الأفاضل لا يمكننا أن نجد أي معنى صحيح يمكن حمل هذا الحديث المُرْسَل عليه. ولعل الزنادقة الذين كانوا يضعون أحاديث كثيرة بهدف تشويه صورة الدين، وضعوا هذا الحديث بهدف الاستهزاء من المحدثين السذج الضعفاء. والله أعلم (مرآة العقول، ج 3، صفحة 52).
([2]) هذا الموضوع لا ينحصر بالحديث المذكور أعلاه بالطبع، بل جاء حديث في رجال الكِشِّيّ ذيل ترجمة «هشام بن سالم مولى بشر بن مروان» يفيد أن الإمام لم يكن يحب أن يُعرَّف به بوصفه إماماً مفتَرَض الطاعة ومنصوصاً عليه مِنْ قِبَلِ الله (ص 238-239).
([4]) الكُلَيْنِيّ، أصول الكافي، كتاب الحجة، باب ما يفصل به بين دعوى..، ج 1، ص357، الحديث 16. (المُتَرْجِمُ)
([5]) كلا المَجْلِسِيّ و البِهْبُودِيّ اعتبرا الحديث الأول في الباب 120 صحيحاً. واعتبر المَجْلِسِيّ الحديث الخامس أيضاً صحيحاً والحديث الثاني حسناً.
([7]) هذه في الواقع إحدى هفوات المؤلف رحمه الله، إذْ نسي المؤلف أنه هو نفسه ذكر أن للوراثة معانٍ متعددة (يُرجع ما ذكره في فصل «الإرث في القرآن» في الصفحات 666 فما بعد) ومنها استخدام فعل «التوريث» في بعض الحالات التي كان نبيٌّ من الأنبياء يترك فيها تعاليمه وكتابه في أمته، على معنى أن فاعل التوريث هو الله والوارثون هم أفراد الأمة. (المُتَرْجِمُ)