148. بَابُ عَرْضِ الْأَعْمَالِ عَلَى النَّبِيِّ وَالْأَئِمَّةِ (ع)
في هذا الباب ستَّة أحاديث لم يُصحِّح الأستاذ البِهْبُودِيّ أيَّ واحدٍ منها، وَضعَّفَ المَجْلِسِيّ الأحاديث 1 و2 و5، واعتبر الحديث 3 حسناً مُوَثَّقَاً والحديث 4 مجهولاً.
يدَّعي رواة الكُلَيْنِيّ في هذا الباب أن أعمال جميع العباد فاسقهم وصالحهم تُعْرَض على النبيّ والأئِمَّة، وأنهم مُطَّلِعون على أعمال الناس القبيحة والحسنة وأفعالهم الصالحة والسيِّئة. وَلكن - كما ذكرنا سابقاً في فصل «علم الغيب والمعجزات والكرامات في القرآن» (ص 159 فما بعد) وفي الفصول الأخرى- لم يدَّعِ النبيُّ J ولا الأئِمَّةُ أبداً أنهم مُطَّلِعون على أعمال الناس وعالمون بأحوالهم. فأحاديث هذا الباب تخالف القرآن وتخالف أقوال الأئِمَّة ومنهم حضرة الإمام عليٍّu الذي قال: "أَمَرَهُ بِتَقْوَى اللهِ فِي سَرَائِرِ أَمْرِهِ وخَفِيَّاتِ عَمَلِهِ حَيْثُ لا شَهِيدَ([1]) غَيْرُهُ ولا وَكِيلَ دُونَهُ". (نهج البلاغة، الرسالة 26).
إنَّ اللهَ ستَّار العيوب ولم يجعل أحداً من عباده مُطَّلِعاً على أعمال الآخرين. أما موضوع شهادة الأنبياء والشهداء يوم القيامة فليس معناها أنهم كانوا مراقِبين ومشاهِدِين لأعمال الناس جميعها، بل إنهم يوم القيامة وأمام المحكمة الإلـهية سيشهدون بشأن الأمور التي شاهدوها حقيقةً، لا أنهم كانوا مراقِبين وشاهدين لأعمال أفراد أمتهم جميعها، سرِِّها وَعَلَنِها، وإلا فيلزم أن يكون الشهداء والصِّدِّيقون والصالحون أيضاً مطَّلِعِين على جميع أعمال العباد ومراقِبِين لها، لأنهم هم أيضاً سيشهدون يوم القيامة!
وقد تمَّ الاستنادُ في أحاديث هذا الباب الأربعة إلى الآية 105 من سورة التوبة ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ﴾ في حين أنّ كل من له علم بالقرآن يعلم أن السورة المذكورة نزلت في السنة التاسعة للهجرة وأنها تتحدَّث عن وقائع غزوة تبوك أي نزلت قبل حجَّة الوداع، وقبل واقعة غدير خم، وحتى قبل حادثة المباهلة. ولذلك، فلما نزلت لم تكن مسألة الإمامة والإمام معروفةً للناس بأي وجه من الوجوه. فكيف يمكن أن يقول القرآن للناس: أيها الناس! إن الأئمة - الذين لا يعرفهم أحد بعد - سيكونون شهداء على أعمالكم!
وقد سبق أن درسنا ونقدنا الأحاديث 1 حتى 6 في هذا الباب (في الصفحات 162، و149 -150).
والحديث الثاني أيضاً كالحديث الأول رواه «الحسين بن سعيد» الغالي، وفيه الإشكالات ذاتها التي بيّنّاها في الحديث الأول. والحديث الثالث رواه «عثمان بن عيسى» الذي كان شريكاً للبطائني في جريمة أكل أموال الإمام الكاظم (ع). ومن رواته أيضاً «سَمَاعة» الواقفيّ.
والحديث الرابع مجهولٌ من ناحية السند ويعاني الإشكالات ذاتها الموجودة في الحديث الأول والسادس.
والحديث الخامس رغم أن فيه تهمة لحضرة باقر العلوم (ع)، إلا أنه نقل ألفاظ الآية 105 من سورة التوبة بشكل صحيح، في حين أنه في الحديث 62 في الباب الفاضح 165 في الكافي، اُفتُرِيَ على الإمام الصادق (ع) بأنه قرأ الآية بشكل آخر إذْ جاء فيه، "قَرَأَ رَجُلٌ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللهِ (ع) ﴿قُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ﴾ فَقَالَ: لَيْسَ هَكَذَا هِيَ، إِنَّمَا هِيَ وَالْمَأْمُونُونَ فَنَحْنُ الْمَأْمُونُون!!".
وهنا، لا بد أن نحذّر القارئ من أن يخدعه المتاجرون بالمذهب وأن لا يغترّ بالتوجيهات والتأويلات التي يلفقونها من عند أنفسهم لمثل تلك الأحاديث. وأن ينتبه إلى أنهم لا يستطيعون من دون أي دليل أو قرينة أن يدّعوا كذباً أن مثل هذه الأحاديث [التي فيها تغيير لألفاظ الآيات] إنما تقصد تفسير الآية.
فهذا توجيه باطل لأنه لو كان المقصود تفسير الآية لكان على الإمام أن ينقل الآية كما هي عيناً - كما رأينا في الحديث 5 من الباب 87 وفي كثير من الأحاديث المشابهة - ثم يقول إن المراد منها كذا. أما هنا فأولاً: استخدم الإمام ضمير المؤنث «هي» مرجعاً لـ «الآية» لا للتفسير وإلا لاستخدم ضمير المذكّر.
ثانياً: إن القائل لم يفسِّر الآية كي يقول له الإمام «ليس هكذا» بل تلاها فقال له الإمام -حسب الحديث المذكور-: لَيْسَ هَكَذَا هِيَ، إِنَّمَا هِيَ وَالْمَأْمُونُونَ فَنَحْنُ الْمَأْمُونُون!! أي أن الإمام فسّر كلمة «مأمونون».
ولا يخفى أن الحديث المذكور مثله مثل الحديث الخامس في الباب الذي نحن فيه - أي الباب 87 -، رواه للكُلَيْنِيّ «أحمدُ بن مِهران». ودوَّن الكُلَيْنِيّ كلا الحديثين في كتابه [رغم تناقضهما الواضح] دون تفكير!