140. بحث حول حقيقة الآيات المحكمات والمتشابهات ومعنى التأويل في القرآن وحقيقة: «الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ»]
اعلم أن القرآن الكريم اعتبر جميع آياته - على معنى معيّن - آياتٍ محكمةً (هود/1)، أي أنه كتاب أُنزِلَت آياته بالحكمة والعلم الكامل والمعاني الصحيحة وليس فيه أي نقص أو ريب وهو مصدر لهادية البشر، ولكنه اعتبر في الوقت ذاته - وعلى معنى آخر - أن جميع آياته متشابهةٌ (الزمر/23) أي أنه كتاب تشابه بعض آياته بعضاً من ناحية الصحة والمتانة، وكون آياته متَّسقة بعضها مع بعض ومتناسبة ويكمّل بعضها بعضاً ويؤيد بعضها بعضاً ولا اختلاف بينها ولا تناقض.
وفي سورة آل عمران اُعتُبِرَت بعض آيات القرآن - على معنى معيّن - «مُحْكَمات» وبعضها الآخر «مُتَشَابِهَات». فمن جهة تُعْتَبَر بعض الآيات «مُحْكَمَات» على معنى أن منطوقها ومفهومها ودلالتها ونتائجها وتفاصيلها وكيفياتها واضحة بيّنة، أما «المُتَشَابِهَات» فهي غالباً الآيات المتعلقة بالعوالم الأخرى مثل عالم الغيب وعالم الملكوت والأمور المتعلقة بمستقل الكون، فهذه الآيات رغم أنها مثل الآيات «المُحْكَمات» معانيها ودلالاتها بيّنة واضحة ومفهومة تماماً ولكن مصداقها الخارجي والكيفية الدقيقة لتحقِّقها في عالم الخارج وتفاصيلها وسبب وقوعها والأجزاء المشكِّلة لها، خارجة عن حدود العلم البشري، ولا سبيل للإنسان إلى العلم التفصيلي بها علماً واضحاً ومتمايزاً ومفصَّلاً، بل الله تعالى وحده يعلم تأويلها والكيفية الدقيقة لوقوعها وظهورها.
ولا يخفى أنه قد قيلت أقوال كثيرة حول معنى المحكَم والمتشابه والفرق بينهما([1]). ولكن من الأفضل أن نرى ما هو موقف القرآن ذاته من ذلك وأي شيء جعله الله مميِّزاً وفارقاً بين المحكم والمتشابه. وهذا المميز الإلهي كافٍ لنا.
لقد بيّن القرآن الكريم نقطة التمايز بين المتشابه والمحكم بقوله إن المتشابه هو الذي ﴿مَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ﴾ [آل عمران/7]، فكل آية لا يعلم أحد سوى الله كيفيّة وجودها الخارجي بشكل كامل ومفصَّل, ولا يعلم إلا الله الكيفية الدقيقة لتحقُّقها في عالم الخارج هي من «المُتَشَابِهَات»، هذا رغم أن مثل هذه الآيات واضحة من ناحية معناها ومفهومها اللغوي.
وقبل أن نأتي بالآية 7 من سورة آل عمران وبترجمتها، دعونا نطّلع على بعض المسائل حول المعنى الصحيح لكلمة «التأويل»: