120. بَابُ فَرْضِ طَاعَةِ الْأَئِمَّةِ
أورد الكُلَيْنِيّ في هذا الباب سبعة عشر حديثاً أكثرها غير موثوق وساقط من الاعتبار. فالأستاذ البِهْبُودِيّ لم يقبل منها إلى الأحاديث 6 و7 و8 فقط. أما المجلسي فاعتبر الأحاديث 2 و3 و5 و9 و13 و16 ضعيفةً والحديث 4 مرسلاً، والحديث 14 مجهولاً، والحديثين 12 و15 مجهولين بمنزلة الصحيح، والحديث 17 مجهولاً كالحسن، والحديثين 6 و8 صحيحين، والحديث حسناً كالصحيح، ولم يبدِ رأيه في الحديثين 10 و11.
ß الحديث 1 - يقول «عليُّ بنُ إبراهيمَ» الخرافيُّ المعتقدُ بتحريف القرآن، و«حَرِيزٌ» الخُرَافيُّ أيضاً على لسان الإمام: "ذِرْوَةُ الْأَمْرِ وَسَنَامُهُ وَمِفْتَاحُهُ وَبَابُ الْأَشْيَاءِ وَرِضَا الرَّحْمَنِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى الطَّاعَةُ لِلْإِمَامِ بَعْدَ مَعْرِفَتِهِ". واُسْتُدِلَّ على ذلك بقوله تعالى: ﴿مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا﴾ [النساء/80].
فأقول: ينبغي أن نسأل الراوي: ما علاقة هذه الآية التي تتعلق بطاعة النبي بطاعة الإمام؟ إن الأئمَّة الكرام كانوا تابعين لكتاب الله وسنة رسول الله J أكثر من الآخرين ولم يكن لديهم سنة خاصة بهم، كما قال حضرة عليٍّ u: "فَلَمَّا أَفْضَتْ إِلَيَّ نَظَرْتُ إِلَى كِتَابِ اللهِ ومَا وَضَعَ لَنَا وأَمَرَنَا بِالْحُكْمِ بِهِ فَاتَّبَعْتُهُ ومَا اسْتَنَّ النَّبِيُّ (صلى الله عليه وآله) فَاقْتَدَيْتُهُ". (نهج البلاغة، الخطبة 205)
وقال u أيضاً: "أَمَّا وَصِيَّتِي فَاللهَ لا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئَاً ومُحَمَّدَاً (صلى الله عليه وآله) فَلا تُضَيِّعُوْا سُنَّتَهُ أَقِيمُوا هَذَيْنِ الْعَمُودَيْنِ وأَوْقِدُوا هَذَيْنِ الْمِصْبَاحَيْنِ". (نهج البلاغة، الرسالة 23، والخطبة 149).
وكتب إلى العاملين على جمع الزكاة يقول: "لِنَقْسِمَهَا عَلَى كِتَابِ اللهِ وسُنَّةِ نَبِيِّهِ". (نهج البلاغة، الرسالة25)، وقال كذلك: "وكُلٌّ قَدْ سَمَّى اللهُ لَهُ سَهْمَهُ ووَضَعَ عَلَى حَدِّهِ فَرِيضَةً فِي كِتَابِهِ أَوْ سُنَّةِ نَبِيِّهِ". (نهج البلاغة، الرسالة 53).
فكما تلاحظون لم يشر عليٌ u إلا إلى كتاب الله وسنة رسول الله J، ولم يذكر أي سنة أخرى بل اعتبر الهداية منحصرةً بذينك الأمرين فقط (أي كتاب الله وسنة رسوله).
علاوة على ذلك، فإن الآية التي استشهدتم بها، لا علاقة لها بطاعة الإمام، فكان الواجب عليكم أن تأتوا بآية تأمر بطاعة «الإمام المعصوم المنصوب والمُعيَّن مِنْ قِبَلِ الله»، وبالطبع لا توجد هكذا آية في القرآن الكريم. نعم تجب طاعة «أولي الأمر» الذين يقومون بتطبيق الكتاب والسنة، بعد مبايعة المسلمين لهم، وطالما لم يتخطَّوْا حكم الكتاب والسنة، وهذا الأمر لا ينحصر بالطبع بالأئمة الاثني عشر، ولا علاقة له بالطبع بما تقصدونه وهو اختراع إمام منصوب ومُعَيَّن مِنْ قِبَلِ الله.
ß الحديث 2 - كِلَا المَجْلِسِيّ والبِهْبُودِيّ اعتبراه غير صحيح، وصرح المَجْلِسِيّ بضعفه، ومتنه لا يتضمن شيئاً مفيداً سوى دعوى بلا دليل.
ß الحديث 3 - تكلمنا فيما سبق على هذا الحديث الذي صرَّح المَجْلِسِيّ بضعفه. فلا نكرر هنا ما ذكرناه سابقاً([1]).
ß الحديث 4 - في هذا الحديث المرسل استند «الْحُسَيْنُ بْنُ سَعِيدٍ» الذي كان من الغلاة، و«الْحُسَيْنُ بْنُ الْمُخْتَارِ» الذي عُدَّ من الضعفاء إلى آية ﴿فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا﴾ [النساء/54] لإثبات وجوب طاعة الإمام. هذا مع أن الآية لا علاقة لها من قريب ولا من بعيد بالأئمَّة، بل تتعلق بأنبياء بني إسرائيل مثل داود وسليمان ويوسف. وحين نزلت هذه الآية لم تكن مسألة الإمامة مطروحة أصلاً. علاوة على ذلك فإن فعل «آتَيْنَا» فعل ماض ولا دلالة له على المستقبل. ليت شعري! هل يجهل الإمام الفرق بين الماضي والمضارع؟ أم أن الرواة الوضَّاعين افتروا ذلك على لسان ذلك الإمام الكريم؟ ثم إن الآية تقول إن الله آتى آل إبراهيم كتاباً سماوياً فهل أُعْطِيَ الأئمَّةُ أيضاً كتاباً سماوياً؟! أضِفْ إلى ذلك أنكم تقرؤون في أدعيتكم أحياناً: "مُنْتَظِرٌ لِأَمْرِكُمْ مُرْتَقِبٌ لِدَوْلَتِكُم....... وَنُصْرَتِي لَكُمْ مُعَدَّةٌ حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ لِدِينِهِ....... وَيُمَكِّنَكُمْ فِي أَرْضِه". فهذا يدل على إقراركم أن الأئمَّة لم يُمكَّن لهم في الأرض بعد، فكيف تدَّعون أن الإمام قال: إن الله آتانا مُلْكًا عَظِيمًا؟!
ß الحديث 5 - حديثٌ ضعيفٌ يدَّعي - دون دليل - أن طاعة الأئمَّة كطاعة الأنبياء.
ß الحديث 6 - من رواته «البرقي» الخرافي، و«سَيْفُ بْنُ عَمِيرَةَ» الذي لعنه الأئمَّة عليهم السلام([2]). تصحيح المجلسي لمثل هذا الحديث لا يثير العجب، لكن الذي يثير العجب تصحيح الأستاذ البِهْبُودِيّ لهذا الحديث وقبوله له!
يقول الإمام الصادق u في هذا الحديث: "نَحْنُ قَوْمٌ فَرَضَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ طَاعَتَنَا، لَنَا الْأَنْفَالُ وَلَنَا صَفْوُ الْمَالِ وَنَحْنُ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ وَنَحْنُ الْمَحْسُودُونَ الَّذِينَ قَالَ اللهُ: ﴿أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾ [النساء/54] ".
أيها القارئ المحترم! لو راجعت القرآن للاحظت أن الآيةَ 51 من سورة النساء الكريمة خطابٌ لليهود، وأن مرجع ضمير «الواو» في الآية 54 هو كلمة «الذين» في الآية 51. في الآية 51 بين الله تعالى أن اليهود - بسبب عدواتهم الشديدة للمسلمين - خضعوا أمام أصنام المشركين (الجب والطاغوت) وقالوا للمشركين إنهم أهدى من الذين آمنوا سبيلاً كي يستجلبوا نصرة قريش لهم في حربهم للنبيِّ ودينه. لذا قال تعالى بعد عدة آيات - الآية 54 - هل يحسد اليهود الذين آمنوا لأن نعمة النُّبُوَّة أُعطِيَت لغير اليهود؟! وقال: لقد آتينا آل إبراهيم (ع) - والعرب هم من آل إبراهيم إذْ ينتسبون إليه من طريق ابنه إسماعيل - النُّبُوَّة والحُكم أي الملك العظيم، كما وعدنا قديماً، وهذا النبيُّ هو أيضاً من آل إبراهيم.
وعلى كل حال فالآيات المذكورة خطابٌ مُوَجَّهٌ إلى اليهود، ولا علاقة لها أبداً بخلفاء النبيJ، ولم يكن اليهود حين نزول هذه الآيات يعرفون خلفاء النبي J أصلاً حتى يحسدوهم. وفي نهاية الآية يقول تعالى بصيغة الفعل الماضي: (وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيْمًا) مع أن أكثر الأئمَّة لم ينالوا الحُكْم والمُلْك.
ß الحديثان 7 و 16- من رواتهما «عَلِيُّ بْنُ الْحَكَم» الأحمق راوي حديث أن القرآن كان سبعة عشر ألف آيةً! ([3]). و«أحمدُ البرقيُّ» وأبوه، وكلاهما من رواة الخرافات. و«الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجَوْهَرِيُّ» الذي لم يُوَثَّق وكان واقفياً وحسب قول الممقاني، فإن عدداً من الفقهاء، من جملتهم المحقق الحِلِّيّ، ردُّوا رواياته([4])، كلهم رَوَوْا عَنِ «الْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي الْعَلَاء» غير الموثَّق([5]) أنه قال للإمام الصادق u: "الْأَوْصِيَاءُ طَاعَتُهُمْ مُفْتَرَضَةٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، هُمُ الَّذِينَ قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ [النساء/59]، وَهُمُ الَّذِينَ قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُون﴾ [المائدة/55] ".
و مِمَّا يستدعي العجب قبول الأستاذ البِهْبُودِيّ للحديث السابع هذا!
وقبل دراسة متن هذا الحديث ونقده، نُذَكِّر بأنه تم وضع بعض الأحاديث في كُتُب الحديث تقول إن المقصود من ﴿والَّذِينَ آمَنُوا﴾ في الآية 55 من سورة المائدة - رغم أن العبارة بصيغة الجمع - هو الإمام علي (ع)! في أكثر تلك الأحاديث ذُكِر أنَّ عليَّاً u تصدَّق - بعنوان الزكاة - أثناء ركوعه في الصلاة، بخاتمه - وفي بعض الروايات أنه تصدَّق بحُلَّةٍ كانت على كتفه([6]) - وأن الآية المذكورة من سورة المائدة نزلت بعد هذه الحادثة. وقد أُشِير في هذا الحديث السابع من هذا الباب وفي الأحاديث المشابهة له، إلى هذه القصة.
إن الذين لهم علم بالقرآن الكريم يعلمون أن الإمام لم يقل قطعاً مثل هذا الكلام، لأنه من الواضح أن المُراد من «الولاية» في عبارة «إِنَّما وَلِيُّكُمُ» الموالاة أي «المحبة والصداقة والنصرة والتضامن» مع المؤمنين، واجتناب مصادقة المتظاهرين بالإسلام [المنافقين] والكفار والاعتماد عليهم، ولا علاقة لها بوجوب طاعة أحد، لأن الآية المذكورة جاءت في وسط آيات تنهى المسلمين عن مصادقة الكفار ومناصرتهم والتحالف معهم والاتِّكاء عليهم. ففي الآية 51 يقول تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ﴾ [المائدة/51]. ثم يقول تعالى في الآية 57: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [المائدة/57].
فكما تلاحظون، جاءت الآية موضع البحث - أي الآية 55 من سورة المائدة - وسط آيات تتعلَّق بنهي المسلمين عن موالاة الكفَّار وأهل الكتاب أي عن مصادقتهم ومناصرتهم والاتِّكاء عليهم والاستنصار بهم، وَتحثُّ المؤمنين على أن يُوَالوا بعضهم بعضاً أي يصادقوا ويناصروا ويحالفوا بعضهم بعضاً ويتضامنوا بعضهم مع بعض.
إذن، بملاحظة الآيات السابقة واللاحقة، من الواضح أن الآيةَ الكريمةَ خطابٌ للمؤمنين يقول الله لهم فيه: إن غير المسلمين ليسوا أصدقاء وأنصار لكم، بل صديقكم وناصركم وحليفكم: اللهُ ورسولُهُ، وكذلك المؤمنون الذين يُصَلُّون ويُزَكُّون، لا مع كراهة ذلك [كالمنافقين] بل يفعلون ذلك بخضوع ورغبة، خلافاً للمنافقين الذين وصفهم الله بقوله: ﴿لَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ﴾ [التوبة/54]. فالمؤمنون الحقيقيون صفتهم أنهم يؤدون الصلاة ويؤتون الزكاة وَهُمْ راكِعُون، أي يُؤدُّون طاعة الله بخضوع وخشوع([7]).
قال بعض المتعصِّبين خداعاً للعوام: بما أن الآية 55 بدأت بكلمة «إنَّمَا» التي تُستخدم للتخصيص والانحصار، فالمُراد من «الذين آمنوا»، التي جاءت بصيغة الجمع، الانحصار بفردٍ خاصٍّ محدّد فقط.
فنقول: إن التخصيص الذي تفيده كلمة «إنَّمَا» واقع على مفهوم كلمة «وَلِيُّكُم» لا على مصداقها([8])، بمعنى أن صديقكم وحليفكم وحبيبكم - إضافةً إلى الله ورسوله - هم فقط الذين يطيعون اللهَ ويعبدونه - ومن جملة ذلك إقامتُهُم الصَّلاةَ وإيتاؤُهُم الزَّكاةَ- بخضوع وخشوع. ولا تريد الآية أن تقول إن وليكم شخص واحد، ولا يلزم أن يشمل هذا الحصر والقصر فرداً واحداً بل يمكن أن يشمل جماعة موصوفة بصفة محدَّدَة هي الإيمان وطاعة الله بخضوع وخشوع. وتقول الآية التي بعدها، مشجِّعةً وحاثَّةً المؤمنين على أن يوالي بعضهم بعضاً: ﴿وَمَنْ يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغَالِبُونَ﴾ [المائدة/56].
وعلى كل حال فاستناداً إلى تناسب الآيات التي جاءت قبل الآية المذكورة وبعدها، وسياق الكلام، يظهر أن المقصود من «الولاية» في آيات هذا الجزء من سورة المائدة هو الصداقة والتضامن والتحالف، ولا يجو لنا أن نتجاهل ارتباط الآيات بعضها ببعض وما بينها من تناسب، تأييداً لحديثٍ راويه «علي بن الحكم» الأحمق وأمثاله، ونصوِّرَ كلامَ الله بصورة كلام غير مترابط لا يتناسب بعضه مع بعض.
كيف يمكن أن يُنَزِّل الله في كتاب الهداية القرآن المبين، آياتٍ في النهي عن الثقة باليهود النصارى وموالاتهم ومحبتهم والتحالف معهم والاتِّكاء عليهم، ثم فجأةً وفي وسط الآيات المذكورة ومن دون أي تناسب مع المقام والمقال ودون مقدّمات، يأتي بآية يشير فيها إلى خلافة النبيّ بلا فصل ورئاسة الأمة وزعيمها في المستقبل وأنه رجل واحد لا أكثر، رغم أن الإشارة المزعومة إليه تمَّت بلفظ الجمع، ثم يوكلُ بيانُ بقية التوضيحات المتعلقة بمعرفة هذا الوليّ إلى أحاديث تَصَدُّق ذلك الشخص بخاتمه أثناء الركوع، التي رواها أشخاص من قبيل «البرقي» الخرافي و«علي بن الحكم» الأحمق وأمثالهما، بحيث يُناطُ الفهم الكامل للآيات المذكورة على مثل هذه الروايات ويعتمد عليها؟!! ألم يكن من الممكن التعريف برئيس الأمة المستقبلي وحاكمها بصورة أوضح وأفضل من هذا؟!
لو كان فهم الآية يحتاج إلى ذلك الحديث إلى هذا الحدّ، فإن هذا سيُعَقّد فهم الآية أكثر، لأنه قد ذُكِرَ لهذه الآية سبب نزول آخر أكثر تناسباً مع سياق الآية ومع ظاهرها، أشار إليه الشيخ الطبرسي في تفسيره «مجمع البيان» حيث قال ذيل تفسيره للآية 55 من سورة المائدة:
"وقال الكلبيّ نزلت في عبد الله بن سلام وأصحابه لما أسلموا فقطعت اليهود موالاتهم فنزلت الآية................ وأقبل عبد الله بن سلام ومعه نفر من قومه ممن قد آمنوا بالنبي J فقالوا: يا رسول الله! إن منازلنا بعيدة وليس لنا مجلس ولا متحدث دون هذا المجلس وإن قومنا لما رأونا آمنا بالله ورسوله وصدقناه رفضونا و آلوا على نفوسهم أن لا يجالسونا ولا يناكحونا ولا يكلِّمونا، فشقَّ ذلك علينا فقال لهم النبي J «إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا.....» الآية"([9]).
([4]) وهو الذي روى الحديث رقم 4 في الصفحة 250 - 251 من الكتاب الحالي. والحديث 87 من الباب 165 الفاضح، في الكافي.
([6]) في أغلب الاحتمالات إن الذين انتبهوا إلى الإشكالات في قصة التصدُّق بالخاتم، غيروا الحديث إلى التصدُّق بالحلَّة كي يقللوا من الإشكالات في الحديث. راجعوا الكافي، الباب 122، الحديث 3.
([7]) استناداً إلى التوضيحات التي ذكرناها يَتَبَـيَّنُ أن كلمة «راكع» في هذه الآية استُخدِمت بمعناها اللغوي الأصلي، لا بمعناها المنقول والاصطلاحي (ركن من أركان الصلاة). مثلما جاءت كلمة «راكعاً» في الآية 24 من سور «صاد» بمعناها اللغوي أيضاً، فقال تعالى: ﴿فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ﴾ [ص/ 24] أي طلب من ربه الغفران وخرَّ ساجداً لِـلَّهِ بتواضع وخضوع، وإلا فكيف يمكن أن يخر الإنسان ساجداً إلى الأرض وهو راكعٌ؟!