119. بَابُ مَعْرِفَةِ الْإِمَامِ وَالرَّدِّ إِلَيْهِ

أورد الكُلَيْنِيّ في هذا الباب 14 حديثاً لم يعتبر الأستاذ البِهْبُودِيّ أياً منها صحيحاً سوى الحديثين الثالث والثامن. أما المَجْلِسِيّ فاعتبر أن الأحاديث 3 و8 و11 صحيحةً، والأحاديث 1 و2 و5 و6 و9 ز10 و14 ضعيفةً، و7 و12 مجهولين و4 مختلف فيه، والحديث 13 مُوَثَّقَاً.

مضمون هذه الأحاديث أن معرفة الأئمَّة واجبةٌ، وأنها من معارف الدين وركنٌ من أركان العقائد الإسلامية، وأنه لابُدَّ من إرجاع أي اختلاف ديني إلى الإمام!

هذا في حين أنّ الله تعالى بيّن أصول الدين وأركان الإيمان الإسلامية ولم يذكر شيئاً عن معرفة الإمام. هل القرآن الكريم هو الذي ينبغي أن يبيّن لنا المعارف الإلهية وأصول الإسلام، أم رواة الكُلَيْنِيّ؟ لقد بيّن القرآن في سورة البقرة، الآية 177 و285، وفي سورة النساء، الآية 136، جميع أصول الإسلام ولم يشر أي إشارة إلى الإمامة الإلهية. لم يأت في القرآن أي كلام عن موضوع معرفة الإمام. بل إن القرآن يقول إن كل عبد من عباد الرحمن يمكنه من خلال السعي وكسب العلم والعمل أن يصبح للمتقين إماماً (سورة الفرقان/74). في نظرنا، منذ أن صَرَفَ الوعّاظ همّتهم إلى تبليغ أكاذيب الرواة، وبدلاً من تعريفهم الناس بالإسلام انشغلوا بتعريفهم بأئمة الدين والإطناب في مقاماتهم ومدحهم وتمجيدهم، خفّت التربية الإسلامية. 

ليس معنى الإسلام معرفة أئمة الدين وزعمائه بل الإسلام هو الإيمان والعمل الصالح.

ß الحديثان 1 و2 - «مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ» المعدود من الضعفاء([1]) يقول: إن من تَبِعات ولوازم مَعْرِفَةُ اللهِ: مُوَالَاةُ عَلِيٍّ (ع) وَالِائْتِمَامُ بِهِ وَبِأَئِمَّةِ الْهُدَى عليهم السلام. وفي الحديث الثاني يُنسَبُ إلى الإمام أنه قَالَ: "لَا يَكُونُ الْعَبْدُ مُؤْمِناً حَتَّى يَعْرِفَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالْأَئِمَّةَ كُلَّهُمْ وَإِمَامَ زَمَانِهِ وَيَرُدَّ إِلَيْهِ وَيُسَلِّمَ لَهُ ثُمَّ قَالَ كَيْفَ يَعْرِفُ الْآخِرَ وَهُوَ يَجْهَلُ الْأَوَّلَ؟!".

فنقول: فلماذا لم يبين لنا القرآن هذا الأصل المهم الذي هو من شروط معرفة الله بشكل صحيح؟! إضافة إلى ذلك، فإن الله تعالى بيَّن لنا في القرآن أن المرجع في حل الخلافات والنزاعات بين المسلمين هو كتاب الله وسنة رسوله J (النساء/59) وكما قلنا سابقاً فقد فسَّرَ عليٌّ (ع) هذه الآية (نهج البلاغة، الرسالة 53، والخطبة 125) فلم يعرِّف في تفسيره أي مرجع لحلِّ الاختلافات ومعرفة الشريعة سوى القرآن والسنَّة ([2]) ولم يعتبر أن موالاته والاقتداء به شرط لمعرفة الله بل عرفنا بالله ورسوله فقط ولم يذكر شخصاً آخر.

ß الحديث 3 - راوي هذا الحديث «هشام بن سالم» أي ذلك الأحمق الذي روى أن القرآن الذي نزل به جبريل كان سبعة عشر ألف أية!!

في هذا الحديث جاء أن معرفة الإمام واجبة على كل مؤمن بالله والنبي J.

وقد قلنا في السطور السابقة إنه لو كانت معرفة الأئمَّة واجبةً على المؤمنين، لعرَّفهم الله لنا يقيناً في كتابه. إن الله الذي لم يُغْفِلْ حتى ذكر كلب أصحاب الكهف في كتابه، هل يضُنُّ بذكر الأئمَّة -الذين اُعتُبِرَت معرفة المؤمنين بهم واجبة بوصفها شرطاً لازماً لمعرفتهم الله على نحو أكمل- ولا يعرِّفنا بهم في القرآن؟

ثم إن الحديث يقول إنَّ الشَّيْطَانَ هُوَ الذي أَوْقَعَ فِي قُلُوبِ النَّاسِ معرفة الخليفتين الأول والثاني! فنقول: إن هذا الكلام المثير للتفرقة مخالف لسيرة عليٍّ u الداعي إلى الوحدة، ثم إنّه لو كان عمل أولئك الخليفتين مرضياً للشيطان وكان الشيطان هو الذي ألقى القبول بهما في قلوب مسلمي صدر الإسلام، فلماذا أثنى عليهم حضرة عليٍّ u وسمّى أولاده بأسمائهم([3]) وقبل الخليفة الثاني زوجاً لابنته ودعا له بالخير([4]) وتصرّف مع أعدائه الذين حاربوه والذين كانوا يعتقدون بخلافة ذينك الخليفتين تصرّفه مع المسلمين([5])، كما أن ابنه حضرة الإمام الصادق u اعتبر أن كثيراً من غير الشيعة من أهل النجاة([6]) وكانت علاقته طيّبةً مع أئمة أهل السنّة؟([7])

ß الحديث 4 - يقول: "يَقُولُ إِنَّمَا يَعْرِفُ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ وَيَعْبُدُهُ مَنْ عَرَفَ اللهَ وَعَرَفَ إِمَامَهُ مِنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ، وَمَنْ لَا يَعْرِفِ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ وَلَا يَعْرِفِ الْإِمَامَ مِنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ فَإِنَّمَا يَعْرِفُ وَيَعْبُدُ غَيْرَ اللهِ"([8]).

ونقول: حسناً جداً، بناء على ذلك فإن الغلاة الذين يعرفون الأئمَّة ولكنهم يغلون في حقّهم رغم نهي الأئمَّة لهم عن ذلك، محرومون من نعمة التوحيد ولا يعرفون الله على وجه صحيح بل هم ضالون، فلماذا أتيتم بأحاديثهم في كتبكم ونشرتموها؟ للأسف أكثر شعبنا اليوم جاهل بالتوحيد وبمعرفة الله ومعرفة الدين، وهم مشغولون ليل نهار بمعرفة الأئمَّة، وهذا العمل لا يفيد سوى الخسران والضلال.

ß الحديث 5 - ضعيفٌ كما ذكرنا.

ß الحديث 6 - ضعيفٌ حسب قول المجلسي. وقد روى الكُلَيْنِيّ هذا الحديث مرةً ثانيةً في المجلد الثاني من الكافي، ص 47 (باب خصال المؤمن) الحديث الثالث.

ß الحديث 7 - مجهولٌ حسب قول المَجْلِسِيّ. أحد رواته «الحسين بن سعيد» الغالي. وراويه الآخر «رِبْعِيُّ بنُ عبد الله» الذي سبق أن بيّنّا حاله([9]).

ß الحديث 8 - لا عجب أن يصحِّح المَجْلِسِيّ مثل هذا الحديث لكن العجيب أن يعتبره الأستاذ البِهْبُودِيّ صحيحاً. أحد رواته «صفوان بن يحيى» الذي سبق أن بينا حاله([10]). وراويه الآخر «محمد بن مسلم» مشترك بين الثقة والمجهول والضعيف. ويظهر من الحديث الثاني في الباب 52 أنه كان -خلافاً لمذهب الشيعة-جبرياً! إنه يدعي أن حضرة باقر العلوم قال: "كُلُّ مَنْ دَانَ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ بِعِبَادَةٍ يُجْهِدُ فِيهَا نَفْسَهُ وَلَا إِمَامَ لَهُ مِنَ اللهِ فَسَعْيُهُ غَيْرُ مَقْبُولٍ وَهُوَ ضَالٌّ مُتَحَيِّرٌ وَاللهُ شَانِئٌ لِأَعْمَالِهِ وَمَثَلُهُ كَمَثَلِ شَاةٍ ضَلَّتْ عَنْ رَاعِيهَا وَقَطِيعِهَا!".

ثم قال: "مَنْ أَصْبَحَ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ لَا إِمَامَ لَهُ مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ظَاهِرٌ عَادِلٌ أَصْبَحَ ضَالًّا تَائِهاً وَإِنْ مَاتَ عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ مَاتَ مِيتَةَ كُفْرٍ وَنِفَاقٍ!".

ونقول: إذا كان الأمر كما تدَّعون، فكيف يمكن لِـلَّهِ الرؤوف الرحيم أن يعرِّف نبيَّه للناس ويوضِّح لنا أصول الدين، لكنه يمتنع عن التعريف بالإمام الذي قام هو نفسه بنصبه لنا، فلا يعرِّفه لأمة الإسلام بصورة واضحة تماماً حتى يتم الحجة على الناس بذلك، بل يوكل هذه المهمَّة إلى حديث الغدير ورواة الكليني!؟

ثم إنه لو كان من الواجب أن يكون الإمام ظاهراً فلماذا هو غائب منذ قرون ومختف قد ترك الناس بلا إمام كالغنم بلا راعٍ؟!

ß الحديث 9 - سنده ضعيفٌ جداً لوجود «مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ» ([11]) و«مُحَمَّدِ بْنِ جُمْهُورٍ» ([12]) في سنده.

ß الحديث 10 - ضعيفٌ.

ß الحديث 11 - اعتبره المَجْلِسِيّ صحيحاً. لكن راويه «علي بن إبراهيم» الذي يعتقد بتحريف القرآن. وراويه الآخر «محمد بن عيسى» الذي يروي الخرافات ولا يُعْتَمَدُ على حديثه.

ß الحديث 12 - اعتبره المَجْلِسِيّ مجهولاً. أحد رواته «علي بن الحكم» الأحمق الذي روى أن القرآن كان يضم سبعة عشر ألف آية!

ß الحديث 13 - يقول المَجْلِسِيّ إنه مُوَثَّقٌ. ولكنه في نظرنا ضعيف لا يُعْتَمَدُ عليه لوجود «منصور بن يونس» الواقفي و«محمد بن إسماعيل»([13]) و«البرقي» في سنده.

ß الحديث 14 - سنده في غاية الضعف. أحد رواته «مُحَمَّدُ بْنُ أُورَمَةَ القُمِّيّ» الذي قال النجاشي عنه: "ذكره القميون وغمزوا عليه ورموه بالغلو حتى دُسَّ عليه من يَفْتِكُ به، فوجدوه يصلي من أول الليل إلى آخره فتوقفوا عنه. وحكى جماعة من شيوخ القميين عن «ابن الوليد» [أستاذ الشيخ الصدوق] أنه قال: محمد بن أورمة طُعِنَ عليه بالغلوّ"([14]).

وقد عدَّه الشيخ الطوسي [في الفهرست] والعلامة الحلي، في عداد من لا تُقبل روايتهم([15]). وقد روى ثمانية أحاديث من أحاديث الباب 165 الفاضح من الكافي([16]).

يدَّعي هذا الحديث أن حضرة عليٍّ (ع) قال: إن المقصود من «الحَسَنَة» في الآية 89 من سورة النمل [أي قوله تعالى: ﴿مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ﴾]: "مَعْرِفَةُ الْوَلَايَةِ وَحُبُّنَا أَهْلَ الْبَيْتِ". وأن المقصود من «السَّيِّئَةِ» في الآية 90 [أي قوله تعالى: ﴿وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾]: "إِنْكَارُ الْوَلَايَةِ وَبُغْضُنَا أَهْلَ الْبَيْتِ"!

هذا في حين أن سورة النمل مكية وفي حينها كان المشركون ينكرون رسالة النبي J نفسه ويؤمنون بأنواع الخرافات، ولذلك فلم يكن من المعقول في ذلك الحين أن يُدْعَى المشركون إلى معرفة أهل البيت وحبهم! إن هذا الكلام هو ادعاءات الباطنية الباطلة ذاتها ولا علاقة له بالقرآن الكريم.



([1])   راجعوا الصفحة  145من هذا الكتاب.

([2])   راجعوا الصفحات  365- 366 من هذا الكتاب.

([3])   راجعوا الصفحة 148من هذا الكتاب.

([4])   راجعوا نهج البلاغة، الخطبة 134 والخطبة 146، وراجعوا كتاب «راهى به سوى وحدت اسلامى» [طريق نحو وحدة إسلامية]، صفحة 173.

([5])   راجعوا الصفحة 301- 302 من هذا الكتاب.

([6])   راجعوا الصفحة 161من هذا الكتاب.

([7])   راجعوا الصفحة 208- 209 من هذا الكتاب.

([8])   لا يخفى أن بعضهم ذكر عبارة الكافي (ج 1، ص 181) بصورة: "وَمَنْ لَا يَعْرِفِ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ وَلَا يَعْرِفِ الْإِمَامَ"، أي بنفي الفعل الثاني، ولكن لا دليل على هذا العمل. لأنه لم يُذكَر في نسخ الكافي المختلفة مثل هذا الوجه، ولم يُشِر المصحِّح أي إشارة إلى اختلاف النسخ هنا. ولو أصررنا أن ثمة سهواً وقع هنا فالاحتمال المعقول أكثر أن نقول إن هناك أربعة وجوه قابلة للتصور لمتن هذه الرواية: معرفة الله والإمام كليهما، عدم معرفة الله والإمام كليهما، معرفة الله وعدم معرفة الإمام، عدم معرفة الله ومعرفة الإمام. فقد ذكر الوجهين الأول والثالث - اللذين يتوافقان مع سائر روايات هذا الباب وينسجمان معها - وصرف النظر عن بيان الوجه الثاني والرابع لأن نتيجتهما بديهية، ولا تحتاج إلى ذكر. لكن الكُلَيْنِيّ نفى سهواً الفعل الأول وأثبت الفعل الثاني (الوجه  الرابع)، وسائر كُتَّاب نسخ الكافي اتَّبعوه في ذلك، وإلا فإن مجرّد نفي الفعل الثاني (الوجه الثاني) يجعل الجملة الثانية كلها زائدةً وحشواً لأن نتيجتها كما قلنا من البديهيات فلا حاجة لنا أن نقول إن الذي لا يعرف الله ولا يعرف الإمام ضالٌّ!!

([9])   راجعوا الصفحة 294من الكتاب الحالي.

([10]) راجعو الصفحة 294 من الكتاب الحالي.

([11])  راجعوا الصفحة 144من الكتاب الحالي لمعرفة حاله.

([12])  راجعوا الصفحة 310-311 من الكتاب الحالي لمعرفة حاله.

([13])  راجعوا الصفحة 309من الكتاب الحالي لمعرفة حاله.

([14])  رجال النجاشي، ص 253. (المُتَرْجِمُ)

([15])  وصفه العلامة الحلي في رجاله (ص 252) بتلك الصفات السيئة التي ذكرها النجاشي والغضائري عنه وخَلُصَ إلى القول: "والذي أراه التوقف في روايته".  (المُتَرْجِمُ)

([16])  راجعوا بشأنه ما جاب في كتاب «معرفة الحديث» تأليف الأستاذ البِهْبُودِيّ، الصفحة 193-194.