95. بيان حال «عَبْدِ اللهِ بْنِ سِنَانٍ» وذكر نماذج لرواياته التي تكشف ضعفه وعدم وثاقته
وثَّق علماء الرجال للأسف: «عَبْدَ اللهِ بْنَ سِنَانٍ»، في حين أنه كان - طبقاً لما نقله الممقاني - أمين الخزانة لدى الخلفاء العباسيين بما في ذلك المنصور والمهدي والهادي والرشيد. وكل عاقل يعلم أنه مالم يثبت الشخص ولاءه وطاعته وخدماته المخلصة والوافرة للخلفاء، لن ينال ثقتهم، ولن يوكلوا إليه مسؤولية بيت المال أو خزانة الأموال. ورغم أن الأئمة نهوا الناس - كما جاء في روايات متعددة عنهم - عن الدخول في حكومة الأمويين، والعباسيين وخدمتهم، إلا أن هذا الرجل كان في خدمة خلفاء الجور عملياً، ومن الجهة الأخرى كان يظهر نفسه على أنه من محبي الأئمة، ويروي عنهم روايات تبقي نار الخلاف مشتعلةً بين المسلمين!
فقد رُوِيت عن «عَبْدِ اللهِ بْنِ سِنَانٍ» روايات غير معقولة تطفح بالغلو. ولو كان مؤمناً حقيقةً بولاية الأئمة ويعتبرهم من المنصوص عليهم والمُعَيَّنِين مِن قِبَل الله في هذا المنصب، وأنهم كانوا أصحاب معجزات وكرامات، فلماذا صرف عمره في خدمة خلفاء بني العباس الذين كانوا في نظر علماء الشيعة غاصبين لمقام الأئمة؟ أم أنه كان يقصد من روايته لأمثال تلك الروايات إيقاع الفرقة بين المسلمين وإضعافهم؟ وبعض رواياته تؤيد مذهب الجبر الذي لا يتفق مع عقائد الشيعة. وقد رأيتم في الصفحات السابقة نموذجين لرواياته([1]). ونذكر هنا بعض النماذج الأخرى من رواياته أيضاً:
1- يروي الكُلَيْنِيّ "عَنْ «عَبْدِ اللهِ بْنِ سِنَانٍ» قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللهِ (ع): جُعِلْتُ فِدَاكَ! إِنِّي لَأَرَى بَعْضَ أَصْحَابِنَا يَعْتَرِيهِ النَّزَقُ وَالْحِدَّةُ وَالطَّيْشُ فَأَغْتَمُّ لِذَلِكَ غَمّاً شَدِيداً وَأَرَى مَنْ خَالَفَنَا فَأَرَاهُ حَسَنَ السَّمْتِ! قَالَ: لَا تَقُلْ حَسَنَ السَّمْتِ فَإِنَّ السَّمْتَ سَمْتُ الطَّرِيقِ وَلَكِنْ قُلْ: حَسَنَ السِّيمَاءِ فَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ. قَالَ قُلْتُ: فَأَرَاهُ حَسَنَ السِّيمَاءِ وَلَهُ وَقَارٌ فَأَغْتَمُّ لِذَلِكَ. قَالَ: لَا تَغْتَمَّ لِمَا رَأَيْتَ مِنْ نَزَقِ أَصْحَابِكَ وَلِمَا رَأَيْتَ مِنْ حُسْنِ سِيمَاءِ مَنْ خَالَفَكَ، إِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَمَّا أَرَادَ أَنْ يَخْلُقَ آدَمَ خَلَقَ تِلْكَ الطِّينَتَيْنِ ثُمَّ فَرَّقَهُمَا فِرْقَتَيْنِ فَقَالَ لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ: كُونُوا خَلْقاً بِإِذْنِي فَكَانُوا خَلْقاً بِمَنْزِلَةِ الذَّرِّ يَسْعَى، وَقَالَ لِأَهْلِ الشِّمَالِ: كُونُوا خَلْقاً بِإِذْنِي، فَكَانُوا خَلْقاً بِمَنْزِلَةِ الذَّرِّ يَدْرُجُ، ثُمَّ رَفَعَ لَهُمْ نَاراً فَقَالَ: ادْخُلُوهَا بِإِذْنِي فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ دَخَلَهَا مُحَمَّدٌ J ثُمَّ اتَّبَعَهُ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَأَوْصِيَاؤُهُمْ وَأَتْبَاعُهُمْ، ثُمَّ قَالَ لِأَصْحَابِ الشِّمَالِ: ادْخُلُوهَا بِإِذْنِي فَقَالُوا رَبَّنَا خَلَقْتَنَا لِتُحْرِقَنَا فَعَصَوْا، فَقَالَ لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ: اخْرُجُوا بِإِذْنِي مِنَ النَّارِ لَمْ تَكْلِمِ النَّارُ مِنْهُمْ كَلْماً وَلَمْ تُؤَثِّرْ فِيهِمْ أَثَراً فَلَمَّا رَآهُمْ أَصْحَابُ الشِّمَالِ قَالُوا رَبَّنَا نَرَى أَصْحَابَنَا قَدْ سَلِمُوا فَأَقِلْنَا وَمُرْنَا بِالدُّخُولِ. قَالَ: قَدْ أَقَلْتُكُمْ فَادْخُلُوهَا فَلَمَّا دَنَوْا وَأَصَابَهُمُ الْوَهَجُ رَجَعُوا فَقَالُوا: يَا رَبَّنَا لَا صَبْرَ لَنَا عَلَى الِاحْتِرَاقِ، فَعَصَوْا فَأَمَرَهُمْ بِالدُّخُولِ ثَلَاثاً كُلَّ ذَلِكَ يَعْصُونَ وَيَرْجِعُونَ، وَأَمَرَ أُولَئِكَ ثَلَاثاً كُلَّ ذَلِكَ يُطِيعُونَ وَيَخْرُجُونَ، فَقَالَ لَهُمْ: كُونُوا طِيناً بِإِذْنِي فَخَلَقَ مِنْهُ آدَمَ. قَالَ: فَمَنْ كَانَ مِنْ هَؤُلَاءِ لَا يَكُونُ مِنْ هَؤُلَاءِ وَمَنْ كَانَ مِنْ هَؤُلَاءِ لَا يَكُونُ مِنْ هَؤُلَاءِ وَمَا رَأَيْتَ مِنْ نَزَقِ أَصْحَابِكَ وَخُلُقِهِمْ فَمِمَّا أَصَابَهُمْ مِنْ لَطْخِ أَصْحَابِ الشِّمَالِ وَمَا رَأَيْتَ مِنْ حُسْنِ سِيمَاءِ مَنْ خَالَفَكُمْ وَوَقَارِهِمْ فَمِمَّا أَصَابَهُمْ مِنْ لَطْخِ أَصْحَابِ الْيَمِينِ"([2]).
من الواضح أن قصَّة ابن سنان هذه تدلُّ على الجبر ولا تتسق مع عقائد الشيعة.
2- 127ورُوِيَ "عَنْ «عَبْدِ اللهِ بْنِ سِنَانٍ» قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ (ع) عَنِ الْحَوْضِ؟ فَقَالَ لِي: حَوْضٌ مَا بَيْنَ بُصْرَى إِلَى صَنْعَاءَ أَتُحِبُّ أَنْ تَرَاهُ؟ قُلْتُ: نَعَمْ جُعِلْتُ فِدَاكَ! قَالَ: فَأَخَذَ بِيَدِي وَأَخْرَجَنِي إِلَى ظَهْرِ الْمَدِينَةِ ثُمَّ ضَرَبَ رِجْلَهُ فَنَظَرْتُ إِلَى نَهَرٍ يَجْرِي لَا تُدْرِكُ [نُدْرِكُ] حَافَتَيْهِ إِلَّا الْمَوْضِعَ الَّذِي أَنَا فِيهِ قَائِمٌ فَإِنَّهُ شَبِيهٌ بِالْجَزِيرَةِ، فَكُنْتُ أَنَا وَهُوَ وُقُوفاً، فَنَظَرْتُ إِلَى نَهَرٍ يَجْرِي مِنْ جَانِبِهِ هَذَا مَاءٌ أَبْيَضُ مِنَ الثَّلْجِ وَمِنْ جَانِبِهِ هَذَا لَبَنٌ أَبْيَضُ مِنَ الثَّلْجِ وَفِي وَسَطِهِ خَمْرٌ أَحْسَنُ مِنَ الْيَاقُوتِ، فَمَا رَأَيْتُ شَيْئاً أَحْسَنَ مِنْ تِلْكَ الْخَمْرِ بَيْنَ اللَّبَنِ وَالْمَاءِ، فَقُلْتُ لَهُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ مِنْ أَيْنَ يَخْرُجُ هَذَا وَمِنْ أَيْنَ مَجْرَاهُ؟ فَقَالَ: هَذِهِ الْعُيُونُ الَّتِي ذَكَرَهَا اللهُ فِي كِتَابِهِ أَنْهَارٌ فِي الْجَنَّةِ عَيْنٌ مِنْ مَاءٍ وَعَيْنٌ مِنْ لَبَنٍ وَعَيْنٌ مِنْ خَمْرٍ تَجْرِي فِي هَذَا النَّهَرِ. وَرَأَيْتُ حَافَتَيْهِ عَلَيْهِمَا شَجَرٌ فِيهِنَّ حُورٌ مُعَلَّقَاتٌ بِرُءُوسِهِنَّ شَعْرٌ مَا رَأَيْتُ شَيْئاً أَحْسَنَ مِنْهُنَّ وَبِأَيْدِيهِنَّ آنِيَةٌ مَا رَأَيْتُ آنِيَةً أَحْسَنَ مِنْهَا لَيْسَتْ مِنْ آنِيَةِ الدُّنْيَا فَدَنَا مِنْ إِحْدَاهُنَّ فَأَوْمَأَ إِلَيْهَا بِيَدِهِ لِتَسْقِيَهُ فَنَظَرْتُ إِلَيْهَا وَقَدْ مَالَتْ لِتَغْرِفَ مِنَ النَّهَرِ فَمَالَ الشَّجَرُ مَعَهَا فَاغْتَرَفَتْ ثُمَّ نَاوَلَتْهُ فَشَرِبَ ثُمَّ نَاوَلَهَا وَأَوْمَأَ إِلَيْهَا فَمَالَتْ لِتَغْرِفَ فَمَالَتِ الشَّجَرَةُ مَعَهَا فَاغْتَرَفَتْ ثُمَّ نَاوَلَتْهُ فَنَاوَلَنِي فَشَرِبْتُ فَمَا رَأَيْتُ شَرَاباً كَانَ أَلْيَنَ مِنْهُ وَلَا أَلَذَّ مِنْهُ وَكَانَتْ رَائِحَتُهُ رَائِحَةَ الْمِسْكِ، فَنَظَرْتُ فِي الْكَأْسِ فَإِذَا فِيهِ ثَلَاثَةُ أَلْوَانٍ مِنَ الشَّرَابِ، فَقُلْتُ لَهُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ قَطُّ وَلَا كُنْتُ أَرَى أَنَّ الْأَمْرَ هَكَذَا. فَقَالَ لِي: هَذَا أَقَلُّ مَا أَعَدَّهُ اللهُ لِشِيعَتِنَا. إِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا تُوُفِّيَ صَارَتْ رُوحُهُ إِلَى هَذَا النَّهَرِ وَرَعَتْ فِي رِيَاضِهِ وَشَرِبَتْ مِنْ شَرَابِهِ، وَإِنَّ عَدُوَّنَا إِذَا تُوُفِّيَ صَارَتْ رُوحُهُ إِلَى وَادِي بَرَهُوتَ فَأُخْلِدَتْ فِي عَذَابِهِ وَأُطْعِمَتْ مِنْ زَقُّومِهِ وَأُسْقِيَتْ مِنْ حَمِيمِهِ فَاسْتَعِيذُوا بِاللهِ مِنْ ذَلِكَ الْوَادِي"([3]).
فنقول: إن النبي الأكرم J لم يقم بمثل هذا الأمر لأصحابه، ولم يريهم الجنة، ولم يسقهم من شراب الجنة، ثم لماذا لم يظهر الإمام هذه المعجزة الباهرة أمام عدد أكبر من الناس كي يهتدوا، ويعرفوا قَدْرَ ولايته؟ إضافةً إلى ذلك فإن السائل سأل عن حوض الجنة لكن الإمام أراه أنهار الجنة!
3- روى الكُلَيْنِيّ أيضاً "عَنْ «عَبْدِ اللهِ بْنِ سِنَانٍ» عَنْ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ قَيْسٍ الْهَمْدَانِيِّ قَالَ: نَظَرْتُ يَوْماً فِي الْحَرْبِ إِلَى رَجُلٍ عَلَيْهِ ثَوْبَانِ [أي لم يكن يلبس درعاً ولا خوذةً] فَحَرَّكْتُ فَرَسِي فَإِذَا هُوَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (ع) فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! فِي مِثْلِ هَذَا الْمَوْضِعِ [أي الخطير حضرت بهذا اللباس]؟ فَقَالَ: نَعَمْ يَا سَعِيدَ بْنَ قَيْسٍ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ عَبْدٍ إِلَّا وَلَهُ مِنَ اللهِ حَافِظٌ وَوَاقِيَةٌ مَعَهُ مَلَكَانِ يَحْفَظَانِهِ مِنْ أَنْ يَسْقُطَ مِنْ رَأْسِ جَبَلٍ أَوْ يَقَعَ فِي بِئْرٍ، فَإِذَا نَزَلَ الْقَضَاءُ خَلَّيَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ كُلِّ شَيْءٍ"([4]).
من الواضح أن الراوي كان بعيداً عن العقائد القرآنية وجاهلاً بالعقائد الإسلامية الصحيحة، ولم يكن يعلم المعنى الصحيح للتوكل، لأن التوكل ليس معناه أبداً ترك الأسباب، ورفض العوامل الطبيعية والعادية التي وضعتها مشيئة الله في متناول البشر. ولا بد من توضيح أن الوسائل، والأسباب الموصلة للمقصود في العالم على نوعين: الأول: الأسباب والعوامل التي وضعها الله تعالى بمشيئته في متناول البشر، ويجب على الناس أن يستعملوها. والثاني: العلل والعوامل التي لا تقع تحت متناول البشر، وهي بيد الله تعالى وحده، وهي خارجة عن حدود علم الإنسان واختياره.
إن واجب المؤمن أن يبذل أقصى ما يستطيعه من سعي وجهد في الاستفادة من الوسائل من النوع الأول، ثم يتوكل بعد ذلك على الذات الأحدية المقدسة. وبعبارة أخرى، فإن التوكل يبدأ بعد سعي المؤمن وبذله الجهد في الاستفادة من الأسباب والعوامل الطبيعية والعادية التي سخرها الله له، وليس التوكل بأي حال من الأحوال حجةً للكسل وراحة النفس، أو الإقدام على أعمال ما بشكل متهور وغير معقول وخارج عن الإطار العادي. في الواقع إن عدم الاستفادة من الوسائل العادية والطبيعية هو نوعٌ من كفران النعمة والتنكر لسنن الله، فالنقطة المهمة هي أن على المسلم أن يستفيد من الوسائل الموجودة وفي الوقت ذاته عليه أن لا يعتمد اعتماداً كاملاً وتاماً على الأسباب، وأن لا يتكئ ويطمئن إليها فقط، ويعتبرها علةً تامةً وسبباً كافياً وقطعياً لحفظ نفسه أو حصول مُراده، بل يعتبر أن تأثيرها منوط بإذن الله تعالى، ولهذا السبب فإن القرآن الكريم يخاطب النبي ويدعوه إلى أن يشاور أصحابه في بداية الأمر، أي عليه أن يستخدم الأعمال والسنن المفيدة التي تعين الإنسان بإذن الله على الحصول على نتائج أفضل، ثم أمره بالتوكل بعد ذلك (آل عمران/159) فالتوكل في نظر القرآن الكريم يبدأ بعد بذل الجهد والسعي ولا يكون بديلاً عنهما بل مكملاً لهما. (فتأمل).
لهذا السبب كان النبي J - الذي كان يتمتع بأعلى درجات التوكل - يأخذ بالأسباب والوسائل الدنيوية ويستفيد منها كمال الاستفادة، ولكنه لم يكن يركن إليها بشكل تام. إن الذين لهم علم بسيرة النبي الأكرم J يعلمون أنه كان يلبس الدرع في الحروب، ويأخذ كل الاحتياطات اللازمة، وينظر إلى بعيد ويعتمد المحاسبات المعقولة والمناسبة، وفي الوقت ذاته يتوكل على الله. وكذلك كان عليٌّ (ع) يلبس الدرع في الحروب، وكان يعلم أفضل من أي أحد آخر أن هذا الأمر لا يتنافى بأي شكل من الأشكال مع التوكل على الله المتعال، أو مع الإيمان بحفظ الملائكة للإنسان.
ولذلك لما سأل رجلٌ رسولَ الله J فقال: هَلْ أَعْقِلْ نَاقَتِي وَأَتَوَكَّلُ أَوْ أُطْلِقُهَا وَأَتَوَكَّلُ؟ فقَالَ J: «اعْقِلْهَا وَتَوَكَّلْ»([5]).
في نظرنا إن راوي ذلك الحديث لم يكن يعلم معنى التوكل بشكل صحيح، ولم يكن مطلعاً بشكل صحيح على القرآن الكريم وسيرة النبي الكريم J وإلا لما نسب مثل ذلك الحديث إلى أمير المؤمنين علي u .
وكما ستلاحظون فإن الأحاديث التي نُقِلت عن أمثال «عَبْدِ اللهِ بْنِ سِنَانٍ» وجمعها الكُلَيْنِيّ في كتابه، لا تعين الناس على فهمٍ أفضلَ للعقائد القرآنية والإسلامية وليس هذا فحسب، بل إنها تمنع الإدراك الصحيح وتسبب في أغلب الأحوال ضلال المسلمين!
4- 128ويروي الكُلَيْنِيّ (في الباب 49 من المجلد الأول من أصول الكافي، الحديث الثالث): عَنْ «عَبْدِ اللهِ بْنِ سِنَانٍ» عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (ع) قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: أَمَرَ اللهُ وَلَمْ يَشَأْ وَشَاءَ وَلَمْ يَأْمُرْ، أَمَرَ إِبْلِيسَ أَنْ يَسْجُدَ لآِدَمَ وَشَاءَ أَنْ لَا يَسْجُدَ، وَلَوْ شَاءَ لَسَجَدَ، وَنَهَى آدَمَ عَنْ أَكْلِ الشَّجَرَةِ وَشَاءَ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا وَلَوْ لَمْ يَشَأْ لَمْ يَأْكُلْ!".
129ومتن هذا الحديث يشابه متن الحديث الرابع من الباب 49 من المجلد الأول من أصول الكافي أيضاً الذي ينسب الراوي فيه إلى الإمام الرضا (ع) قوله: "قَالَ: إِنَّ لِـلَّهِ إِرَادَتَيْنِ وَمَشِيئَتَيْنِ: إِرَادَةَ حَتْمٍ وَإِرَادَةَ عَزْمٍ يَنْهَى وَهُوَ يَشَاءُ وَيَأْمُرُ وَهُوَ لَا يَشَاءُ؛ أَوَمَا رَأَيْتَ أَنَّهُ نَهَى آدَمَ وَزَوْجَتَهُ أَنْ يَأْكُلَا مِنَ الشَّجَرَةِ وَشَاءَ ذَلِكَ وَلَوْ لَمْ يَشَأْ أَنْ يَأْكُلَا لَمَا غَلَبَتْ مَشِيئَتُهُمَا مَشِيئَةَ اللهِ تَعَالَى وَأَمَرَ إِبْرَاهِيمَ أَنْ يَذْبَحَ إِسْحَاقَ وَلَمْ يَشَأْ أَنْ يَذْبَحَهُ وَلَوْ شَاءَ لَمَا غَلَبَتْ مَشِيئَةُ إِبْرَاهِيمَ مَشِيئَةَ اللهِ تَعَالَى!!".
وأقول: إن الفرق بين المشيئة وعدم المنع واضحٌ تماماً، ولذلك فإن الادعاء بأن الله ينهى عن الفعل، ولكنه يشاؤه، أو يأمر بالفعل ولكنه لا يشاؤه ليس صحيحاً بأي وجه من الوجوه. وبالنسبة إلى نهي آدم (ع) وزوجته عن الشجرة الممنوعة، فإن الله نهى ولم يشأ أن يأكلا من الشجرة، ولكنه في الوقت ذاته لم يسلب منهما حرية الاختيار، ولم يمنعهما عن القيام بما يريداه جبراً وبالإكراه والقوة. فالقول بأن الله تعالى كان يريد أن يعصيا النهي الإلهي، ادعاءٌ بلا دليل وافتراء على الذات الإلهية القدسية، ومن الذنوب الكبيرة، وإلا فيمكن ادعاء مثل هذا الظن الباطل في حق كل آثم. سبحان الله عما يصفون.
أما بالنسبة إلى ذبح إبراهيم عليه السلام لابنه، فإن خطأ ما جاء في متن الحديث واضح جداً، لأن الله تعالى لم يأمر أبداً بذبح إسماعيل عليه السلام، وطبقاً لما صرح به القرآن لم ير إبراهيم (ع) في منامه أنه قد ذبح إسماعيل (ع)، بل رأى أنه يريد أن يذبح إسماعيل، والشيء الذي أراه الله تعالى لخليل الله قد تحقق، لأن إبراهيم الخليل قصد واقعاً وحقيقةً وعزم على أن يذبح ابنه، ولهذا السبب قال الله تعالى: ﴿يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا﴾ [الصافات/104- 105]. أي أن الأمر والمشيئة الإلهية كانا متطابقين ومتوافقين تماماً. (فتأمل).
وقد اعترف المَجْلِسِيّ أيضاً بعد أن ذكر هذا الحديث الذي يوافق مذهب الجبرية، بأن تأويل مثل هذه الأخبار لا يخلو من إشكال وصعوبة بناءً على أصول العدلية. ثم ذكر حديثاً ننقله هنا:
يروي الصدوق [في كتابيه التوحيد وعيون أخبار الرضا (ع)] "عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ عَلِيِّ بْنِ مُوسَى الرِّضَا u قَالَ: قُلْتُ لَهُ: يَا ابْنَ رَسُولِ اللهِ! إِنَّ النَّاسَ يَنْسِبُونَا إِلَى الْقَوْلِ بِالتَّشْبِيهِ وَالْجَبْرِ لِمَا رُوِيَ مِنَ الْأَخْبَارِ فِي ذَلِكَ عَنْ آبَائِكَ الْأَئِمَّةِ -عليهم السلام-؟ فَقَالَ: يَا ابْنَ خَالِدٍ! أَخْبِرْنِي عَنِ الْأَخْبَارِ الَّتِي رُوِيَتْ عَنْ آبَائِيَ الْأَئِمَّةِ -عليهم السلام- فِي التَّشْبِيهِ وَالْجَبْرِ أَكْثَرُ أَمِ الْأَخْبَارُ الَّتِي رُوِيَتْ عَنِ النَّبِيِّ J فِي ذَلِكَ؟ فَقُلْتُ: بَلْ مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ J فِي ذَلِكَ أَكْثَرُ. قَالَ: فَلْيَقُولُوا إِنَّ رَسُولَ اللهِ J كَانَ يَقُولُ فِي التَّشْبِيهِ وَالْجَبْرِ إِذاً. فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّ رَسُولَ اللهِ J لَمْ يَقُلْ مِنْ ذَلِكَ شَيْئاً وَإِنَّمَا رُوِيَ عَلَيْهِ. قَالَ: فَلْيَقُولُوا فِي آبَائِيَ الْأَئِمَّةِ -عليهم السلام- إِنَّهُمْ لَمْ يَقُولُوا مِنْ ذَلِكَ شَيْئاً وَإِنَّمَا رُوِيَ عَلَيْهِمْ. ثُمَّ قَالَ (ع): مَنْ قَالَ بِالتَّشْبِيهِ وَالْجَبْرِ فَهُوَ كَافِرٌ مُشْرِكٌ وَنَحْنُ مِنْهُ بُرَءَاءُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. يَا ابْنَ خَالِدٍ! إِنَّمَا وَضَعَ الْأَخْبَارَ عَنَّا فِي التَّشْبِيهِ وَالْجَبْرِ الْغُلَاةُ الَّذِينَ صَغَّرُوا عَظَمَةَ اللهِ تَعَالَى فَمَنْ أَحَبَّهُمْ فَقَدْ أَبْغَضَنَا وَمَنْ أَبْغَضَهُمْ فَقَدْ أَحَبَّنَا ........ يَا ابْنَ خَالِدٍ! مَنْ كَانَ مِنْ شِيعَتِنَا فَلَا يَتَّخِذَنَّ مِنْهُمْ وَلِيّاً وَلَا نَصِيراً"([6]).
هذا وكان عَبْدُ اللهِ بْنُ سِنَانٍ ممن يعتقد بتحريف القرآن و الحديث 23 من الباب 165 من الكافي هو من روايته.
ß الحديثان 10 و 11 - ليسا مخالفان لتعاليم الإسلام.
ß الحديث 12 - مجهول.
ß الحديث 13 - مرسل.
ß الحديث 14 - مرسل ومتنه مخالف للقرآن الكريم لأن فيه: "عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ u قَالَ: إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ أَخْبَرَ مُحَمَّداً J بِمَا كَانَ مُنْذُ كَانَتِ الدُّنْيَا وَبِمَا يَكُونُ إِلَى انْقِضَاءِ الدُّنْيَا، وَأَخْبَرَهُ بِالْمَحْتُومِ مِنْ ذَلِكَ وَاسْتَثْنَى عَلَيْهِ فِيمَا سِوَاهُ ".
هذا في حين أن هناك عشرات الآيات في القرآن تُكذِّب هذا الحديث منها:
أولاً: قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوت﴾ [لقمان/34].
وقد قال أمير المؤمنين عليٌّ u مشيراً إلى هذه الآية: "فَهَذَا عِلْمُ الْغَيْبِ الَّذِي لا يَعْلَمُهُ أَحَدٌ إِلا اللهُ". (نهج البلاغة، الخطبة 128). أي العلم بتلك الأمور خاص بالله ولا يشاركه في ذلك أحد وحتى الأنبياء والأولياء لا يعلمون هذه الأمور.
ثانياً: آية: ﴿وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ﴾ [الأحقاف/9].
ثالثاً: يقول تعالى عن الأمم السابقة: ﴿قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللهُ﴾ [إبراهيم/9].
رابعاً: يقول تعالى لنبِيِّه الكريم عن أصحاب الكهف: ﴿قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ﴾ [الكهف/22].
وقد وردت آيات عديدة فيها جملة ﴿وَمَا أَدْرَاكَ﴾ أو قوله تعالى: ﴿لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا﴾ [الطلاق/1] ونحو ذلك.
ولست أدري! لماذا يتم جمع أحاديث مخالفة لكتاب الله في كتب المسلمين؟ هل كان رواة تلك الأحاديث جاهلون بالقرآن؟ أم كان لهم هدفٌ غير إسلامي؟
ß الحديث 15 - اعتبر المَجْلِسِيّ هذا الحديث حسناً، ولكنه في نظرنا ضعيف لوجود «علي بن إبراهيم» في سنده.
ß الحديث 16 - ضعيف حسب قول المَجْلِسِيّ.
([3]) محمد بن الحسن الصفار، بصائر الدرجات، الطبعة الحجرية، الجزء الثامن، الباب 13 (باب في الأئمة أنهم يسيرون في الأرض من شاؤوا من أصحابهم بالقدرة التي أعطاهم الله)، الحديث الثالث.
([4]) الكُلَيْنِيّ، أصول الكافي، ج 2، ص 58 - 59، الحديث 8. وكلا البِهْبُودِيّ والمَجْلِسِيّ لم يصحِّحا هذا الحديث، لكن المجلسي اعتبره حسناً.
([5]) انظر سنن الترمذي، دار الكتب العلمية ج 4، ص 576، الحديث 2517. والجامع الصغير، جلال الدين السيوطي، ج 1، ص 47. باب القاف. وقد نقل الرواية عن البيهقي أيضاً. وانظر الإمام الغزالي، إحياء علومالدين، ج 4، ص 199.
وقال جلال الدين الرومي مقتبساً من هذا الحديث في الدفتر الأول من ديوانه «المثنوي»:
قالها النبي J بصـوت عــال اعقــــل نــاقتـــــك و تــوكـــل
اسمع رمز الكاسب حبيب الله ولا تخلد إلى الدعة باسم التوكل