93. بيان حال «الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ» وذكر نماذج لرواياته التي تكشف ضعفه وعدم وثاقته
رغم أن علماء الرجال اعتبروا أَبَا عَلِيٍّ الْحَسَنَ بْنَ مَحْبُوبٍ بن وهب البِجلي ثقةً، لكن الضعفاء يروون عنه في أغلب الأحوال، وهو أيضاً - خلافاً للمشهور وكما سيثبت لنا - يروي أحاديث غير معقولة ولا مقبولة عن أفراد منحرفين وضعفاء، وهنا سنذكر عدة نماذج لأحاديثه:
1- جاء في حديث مرسل ينطوي متنه على غُلُوٍّ شديدٍ: "عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ [الإمام السجَّاد] (ع) قَالَ: مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُصَافِحَهُ مِائَةُ أَلْفِ نَبِيٍّ وَأَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ أَلْفَ نَبِيٍّ فَلْيَزُرِ الْحُسَيْنَ (ع) لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ يَسْتَأْذِنُونَ اللهَ فِي زِيَارَتِهِ فَيُؤْذَنُ لَهُمْ فَطُوبَى لِمَنْ صَافَحَهُمْ وَصَافَحُوه!"([1]).
ونسأل: وهل روح حضرة سيد الشهداء (ع) الطاهرة موجودة في قبره حتى يحضر الأنبياء عليهم السلام عند قبره لزيارته؟! أليس الإمام في دار السلام في جوار الأنبياء والملائكة، فكيف يستأذنون لزيارته في ليلة النصف من شهر شعبان، ثم يذهبون إلى لقائه عند قبره؟!
والسؤال الآخر : لو ذهب كل ظالم وفاجر ليلة النصف من شعبان إلى زيارة الإمام الحسين فهل سيصافحهم الأنبياء؟!
2- وَرَوَى الكُلَيْنِيّ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ مُقَاتِلِ بْنِ سُلَيْمَانَ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ (ع) كَمْ كَانَ طُولُ آدَمَ (ع) حِينَ هُبِطَ بِهِ إِلَى الْأَرْضِ وَكَمْ كَانَ طُولُ حَوَّاءَ؟ قَالَ: وَجَدْنَا فِي كِتَابِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (ع) أَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمَّا أَهْبَطَ آدَمَ وَزَوْجَتَهُ حَوَّاءَ (ع) إِلَى الْأَرْضِ كَانَتْ رِجْلَاهُ بِثَنِيَّةِ الصَّفَا وَرَأْسُهُ دُونَ أُفُقِ السَّمَاءِ وَأَنَّهُ شَكَا إِلَى اللهِ مَا يُصِيبُهُ مِنْ حَرِّ الشَّمْسِ فَأَوْحَى اللهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَى جَبْرَئِيلَ (ع) أَنَّ آدَمَ قَدْ شَكَا مَا يُصِيبُهُ مِنْ حَرِّ الشَّمْسِ فَاغْمِزْهُ غَمْزَةً وَصَيِّرْ طُولَهُ سَبْعِينَ ذِرَاعاً بِذِرَاعِهِ وَاغْمِزْ حَوَّاءَ غَمْزَةً فَيَصِيرَ طُولُهَا خَمْسَةً وَثَلَاثِينَ ذِرَاعاً بِذِرَاعِهَا"([2]).
يقول العلامة التستري (أو الشوشتري): "إن الله الحكيم الذي خلق كل شيء على أحسن وجه، والرب الرحمن الذي لا نجد في خلقه من تفاوت([3])، والذي راعى مصلحة كل دابة وطير وحفظها من كل ما يضرها، كيف يمكن أن يخلق خليفته في الأرض - الذي أسجد له الملائكة - على نحو غير متناسب وناقص، على نحو حسب ما يفيده هذا الحديث حتى بعد أن يضغطه يوصله إلى سبعين ذراعاً!! ولعل كل ذراعٍ يكون عدة أضعاف ذراعنا في الدنيا، وبالطبع لا يزال المحذور باقياً، لأنه بهذه القامة الطويلة لا يجد بناءً يحميه من إشعاع الشمس! إن راوي هذا الحديث الأول أي «مُقَاتِلُ بْنُ سُلَيْمَانَ» بتري المذهب ويُحتمل أن يكون هو الذي وضع هذا الحديث"([4]).
ويقول الأستاذ الشيخ «هاشم معروف الحسني» أيضاً:
"وبلا شك هذه المرويات من صنع القصَّاصين، أو من موضوعات كعب الأحبار و وهب بن منبه وغيرهما الذين أدخلوا الإسرائيليات على الحديث والتفسير كما ذكرنا في الفصول السابقة"([5]).
بل حتى حارس البدع ومروّج الخرافات «المجلسيّ» يقول عن هذا الحديث:
«اعلم إن هذا الخبر من المعضلات التي حيرت أفهام الناظرين والعويصات التي رجعت عنها بالخيبة أحلام الكاملين والقاصرين!»([6]).
3- 120طبقاً لما رواه الكُلَيْنِيّ في الباب 71 (الحديث الأول والرابع) فإن «الحسن بن محبوب» يدَّعي أن الإمام الباقر (ع) قال بشأن قوله تعالى: ﴿فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا﴾ [التغابن/8]: "النُّورُ وَاللهِ: الْأَئِمَّةُ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ o إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَهُمْ وَاللهِ نُورُ اللهِ الَّذِي أَنْزَلَ...".
ولكي نعلم ما هو النور الذي أنزله الله؛ نأتي أولاً بكلام الشيخ الطبرسي في تفسيره «مجمع البيان» إذ يقول:
"وهو القرآن، سمَّاهُ نوراً لما فيه من الأدلة والحجج الموصلة إلى الحق، فشُبِّهَ بالنور الذي يُهتَدى به إلى الطريق"([7]).
ثانياً: يجب أن نعلم أن الله تعالى لم يُشَبِّه في قرآنه الكريم أيَّ إنسان بالنور بل اعتبر الكتب السماوية نوراً (المائدة/44، والأنعام/91، وفاطر/25)، وَعَدَّ القرآنَ الكريم بشكل خاص نوراً فقال: ﴿قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ﴾ [المائدة/15]. وقال: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا﴾ [النساء/174]. وقال أيضاً: ﴿جَاءُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ﴾ [آل عمران/184].
وقال رسول الله J: "إنَّ هَذَا القُرْآنَ هُوَ حَبْلُ اللهِ الَّذِي أَمَرَ بِهِ... وَهُوَ النورُ الْمُبينُ...."([8]).
وقال حضرة الأمير عليُّ بن أبي طالب u أيضاً: "ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ نُوراً لا تُطْفَأُ مَصَابِيحُهُ، وسِرَاجاً لا يَخْبُو تَوَقُّدُهُ... وشُعَاعاً لا يُظْلِمُ ضَوْءُهُ... الخ"([9]).
وقال u أيضاً: "وَعَلَيْكُمْ بِكِتَابِ اللهِ فَإِنَّهُ الْحَبْلُ الْمَتِينُ، وَالنُّورُ الْمُبِينُ...."([10]).
وقال أيضاً "فَجَاءَهُمْ بِتَصْدِيقِ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ والنُّورِ الْمُقْتَدَى بِهِ، ذَلِكَ الْقُرْآنُ فَاسْتَنْطِقُوهُ"([11]).
وقال u أيضاً: "تَعَلَّمُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ أَحْسَنُ الْحَدِيثِ، وَتَفَقَّهُوا فِيهِ فَإِنَّهُ رَبِيعُ الْقُلُوبِ، وَاسْتَشْفُوا بِنُورِهِ فَإِنَّهُ شِفَاءُ الصُّدُورِ..."([12]).
وقال u أيضاً: "أَرْسَلَهُ بِالدِّينِ الْمَشْهُورِ والْعَلَمِ الْمَأْثُورِ والْكِتَابِ الْمَسْطُورِ والنُّورِ السَّاطِعِ والضِّيَاءِ اللامِعِ...."([13]).
وقال u أيضاً: "فَالْقُرْآنُ آمِرٌ زَاجِرٌ، وَصَامِتٌ نَاطِقٌ، حُجَّةُ اللهِ عَلَى خَلْقِهِ، ... أَتَمَّ نُورَهُ وَأَكْمَلَ بِهِ دِينَهُ.."([14]).
ولا يخفى بالطبع أن القرآن اعتبر النبيَّ J «سراجاً منيراً» لا نوراً، ولا شك أن نور القرآن يسطع من سراج نبوة النبي الأكرم J، لهذا السبب، لم يقل القرآن إنا أنزلنا النبي، بل قال إنا أرسلنا النبي، ولو كان المقصود من النور في الآية الأئمة لقال إنا أرسلناهم، ولما استخدم فعل أنزلنا.
إضافةً إلى ذلك، إذا كان الإمام هو «النور» فإن النبي الأكرم Jأولى بكثير بلقب «النور»، ولكننا كما نرى في الآية وُضِع النبي J إلى جانب النور وعُطِف عليه مما يدل على أن النبي شيءٌ والنور شيءٌ آخر.
4- طبقاً لما رواه الكُلَيْنِيّ فإن الحسن بن محبوب ادَّعى أن أبَانَ بنَ تَغْلِب سَأَلَ الإمامَ الصادقَu فقال: "سَأَلْتُهُ عَنِ الْأَرْضِ عَلَى أَيِّ شَيْءٍ هِيَ؟ قَالَ: هِيَ عَلَى حُوتٍ. قُلْتُ: فَالْحُوتُ عَلَى أَيِّ شَيْءٍ هُوَ؟ قَالَ: عَلَى الْمَاءِ. قُلْتُ: فَالْمَاءُ عَلَى أَيِّ شَيْءٍ هُوَ؟ قَالَ: عَلَى صَخْرَةٍ. قُلْتُ: فَعَلَى أَيِّ شَيْءٍ الصَّخْرَةُ؟ قَالَ: عَلَى قَرْنِ ثَوْرٍ أَمْلَسَ. قُلْتُ: فَعَلَى أَيِّ شَيْءٍ الثَّوْرُ؟ قَالَ عَلَى الثَّرَى. قُلْتُ: فَعَلَى أَيِّ شَيْءٍ الثَّرَى؟ فَقَالَ: هَيْهَاتَ! عِنْدَ ذَلِكَ ضَلَّ عِلْمُ الْعُلَمَاءِ. "([15]).
كما أن الحديث 63 في روضة الكافي الذي يتحدث عن الرياح، هو مما نقله «الْحَسَنُ بْنُ مَحْبُوبٍ» أيضاً، وهو كذلك راوي الحديث 313 في روضة الكافي الذي يزعم أن الإمام السجاد (ع) أقرّ ليزيد أنه عَبْدٌ مُكْرَهٌ له وقال: فَإِنْ شِئْتَ فَأَمْسِكْ وَ إِنْ شِئْتَ فَبِع!!
5- 121و ادَّعَى «الْحَسَنُ بْنُ مَحْبُوبٍ» - كما في الحديث الرابع من الباب 82 من أصول الكافي - أن الإمام الصادق u سُئِلَ عَنْ قَوْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ﴾ [البقرة/121]؟ فَقَالَ: هُمُ الْأَئِمَّةُ u.([16])
وأقول: إذا انتبهنا إلى سياق الآية والآيات التي جاءت قبلها وبعدها اتَّضَح لنا أن مقصود الآية هو أنه إن لم يؤمن اليهود والنصارى بالقرآن، فإن هناك - حتى من أهل الكتاب - من تدبر القرآن وتأمل فيه كما يستحق، فأدرك أنه حقٌّ وآمن به.
لكن رواةَ الكافي يقولون إن المقصود من الآية هم الْأَئِمَّةُ u فقط! مع أن هذا المعنى مخالف بكل وضوح للمشهود و للقرآن الكريم، لأنه:
أولاً: إننا نرى أن الإيمان بالقرآن لا ينحصر بالأئمة لا في الماضي ولا في الحاضر، بل قد آمن بالقرآن آلاف البشر، وتدبروه وتلوه حق تلاوته، وآمنوا به، وكتب بعضهم تفاسير عليه.
ثانياً: ذكر الله تعالى في عديد من آيات القرآن أهلَ الكتاب فأثنى على من آمن بالقرآن منهم، من ذلك قوله تعالى: ﴿وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِـلَّهِ﴾ [آل عمران/199]. وقال عن اليهود: ﴿لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ﴾ [النساء/162]. وقال عن النصارى: ﴿وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ﴾ [المائدة/83].
ولذلك نقول: إن الإمام الصادق u كان على علم تام بهذه الآيات ولذلك لا يمكن أبداً أن يقول مثل ذلك الكلام بل الكاذبون اتهموا الإمام به.
6- 122طبقاً لرواية الكُلَيْنِيّ في الحديث الأول من الباب 81 من أصول الكافي، روى «الْحَسَنُ بْنُ مَحْبُوبٍ» عن «جَابِرِ بْنِ يَزيدٍ الْجُعْفِيِّ» الغالي الضعيف([17]) عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ u قَالَ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ ﴿يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ﴾ [الإسراء/71] قَالَ الْمُسْلِمُونَ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَلَسْتَ إِمَامَ النَّاسِ كُلِّهِمْ أَجْمَعِينَ؟ قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ o: أَنَا رَسُولُ اللهِ إِلَى النَّاسِ أَجْمَعِينَ، وَلَكِنْ سَيَكُونُ مِنْ بَعْدِي أَئِمَّةٌ عَلَى النَّاسِ مِنَ اللهِ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي يَقُومُونَ فِي النَّاسِ فَيُكَذَّبُونَ وَيَظْلِمُهُمْ أَئِمَّةُ الْكُفْرِ وَالضَّلَالِ وَأَشْيَاعُهُمْ؛ فَمَنْ وَالَاهُمْ وَاتَّبَعَهُمْ وَصَدَّقَهُمْ فَهُوَ مِنِّي وَمَعِي وَسَيَلْقَانِي أَلَا وَمَنْ ظَلَمَهُمْ وَكَذَّبَهُمْ فَلَيْسَ مِنِّي وَلَا مَعِي وَأَنَا مِنْهُ بَرِيءٌ!"([18]).
123أقول: لكي نفضح كذب الرواة نأتي أولاً بنصّ الآية الكامل - التي جاءت مبتورة في هذا الحديث -، وهي قوله تعالى: ﴿يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولَئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا﴾ [الإسراء/71]. إن المقصود من كلمة «الإمام» في هذه الآية هو - بقرينة جملة: ﴿فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ﴾ - صحيفة الأعمال. وجملة: «يَقْرَؤونَ كِتَابَهُمْ» قرينة أخرى على أن المقصود بالإمام هذا المعنى، كما نجد في سورة يس قوله تعالى أيضاً: ﴿إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ﴾ [يس/12].
نعم يُقال لصحيفة أعمال الإنسان التي توضع أمامه، وللمكتوب والكتاب: «إمام» كما نجد ذلك في قوله تعالى: ﴿وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً﴾ [هود/17].
وقال أمير المؤمنين عليٌّ u: "إني أَشْهَدُ....... أنَّ الكتابَ الذي أُنْزِلَ إليه إمامي"([19]). وقال الإمام عليٌّ u أيضاً للذين لا يتخذون القرآن إماماً لهم: «كَأَنَّهُمْ أَئِمَّةُ الْكِتَابِ ولَيْسَ الْكِتَابُ إِمَامَهُمْ»([20]). وقال مثنياً على من اتخذ القرآن إمامه: «قَدْ أَمْكَنَ الْكِتَابَ مِنْ زِمَامِهِ فَهُوَ قَائِدُهُ وإِمَامُهُ يَحُلُّ حَيْثُ حَلَّ ثَقَلُهُ ويَنْزِلُ حَيْثُ كَانَ مَنْزِلُهُ.»([21]).
هنا ينبغي أن ننتبه إلى أن سورة «الإسراء» مكية والآية التي نتكلم عنها تتحدَّث عن القيامة وصحيفة الأعمال، ولا علاقة لها من قريب ولا من بعيد بالأئمة بعد النبي J. لكن الضعفاء والكذَّابين نقلوا الآية مبتورةً، ونسبوا معناها إلى الإمامة كذباً، وقد أورد الكُلَيْنِيُّ روايات أمثال هؤلاء الأفراد في كتابه للأسف!
7- طبقاً لما رواه الكُلَيْنِيّ فإن «الْحَسَنَ بْنَ مَحْبُوبٍ» روى "عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ غَالِبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ (ع) يَقُولُ: إِنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (ع) فَقَالَ: أَخْبِرْنِي إِنْ كُنْتَ عَالِماً عَنِ النَّاسِ وَعَنْ أَشْبَاهِ النَّاسِ وَعَنِ النَّسْنَاسِ؟ فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (ع): يَا حُسَيْنُ! أَجِبِ الرَّجُلَ. فَقَالَ الْحُسَيْنُ (ع): أَمَّا قَوْلُكَ أَخْبِرْنِي عَنِ النَّاسِ، فَنَحْنُ النَّاسُ([22])، وَلِذَلِكَ قَالَ اللهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ فِي كِتَابِهِ: ﴿ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ﴾ [البقرة/199]؛ فَرَسُولُ اللهِ J الَّذِي أَفَاضَ بِالنَّاسِ. وَأَمَّا قَوْلُكَ أَشْبَاهُ النَّاسِ فَهُمْ شِيعَتُنَا وَهُمْ مَوَالِينَا وَهُمْ مِنَّا، وَلِذَلِكَ قَالَ إِبْرَاهِيمُ (ع): ﴿فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي﴾ [إبراهيم/36]. وَأَمَّا قَوْلُكَ النَّسْنَاسُ، فَهُمُ السَّوَادُ الْأَعْظَمُ وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى جَمَاعَةِ النَّاسِ ثُمَّ قَالَ: ﴿إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا﴾ [الفرقان/44]."([23]).
كما تلاحظون: طبقاً لهذا الحديث فإن المقصود من «الناس» في الآية المذكورة هم «أهل بيت النبي»، لذا قال الإمام الحسين في الرواية: "فَنَحْنُ النَّاسُ"!
عندئذٍ فلنا أن نسأل: هل المقصود من «الناس» في الآيات 24 و 243 من سورة البقرة، والآية 14 من سورة آل عمران والآية 61 من سورة النحل، والآية 1 من سورة الأنبياء، وعشرات الآيات المشابهة الأخرى هو «أهل بيت النبي» أيضاً؟! هل فهم راوي الحديث ما لفقه؟!
هل يُعقل أن يعتبر الإمام المضحِّي حضرة سيد الشهداء - سلام الله عليه - أتباعه ومحبيه: «أشباه الناس»؟! والإشكال الآخر في هذا الحديث أنه اعتبر غير الشيعة: «نسناس» واستشهد على ذلك بالآية 44 من سورة الفرقان. ولكن يلزم أن نعلم أنه: أولاً: لم يعتبر القرآن الكريم جميع غير المسلمين أضل من الأنعام، بل لو لاحظنا الآيات التي جاءت قبل الآية موضع البحث، لرأينا بكل بساطة أن القرآن عنى بهذا التعبير غير المسلمين الذين لا يسمعون كلام من يكلمهم، ويسخرون من النبي J وشريعته، ويتعصبون بلا دليل لدينهم ويصرون على باطلهم لا لشيء إلا اتباعاً لأهواء أنفسهم، ولا يتبعون العقل والمنطق. أما الحديث فعمَّمَ الحكم على غير الشيعة جميعهم وكَنَسَهُم جميعاً بمقشَّةٍ واحدةٍ بلا تمييز!
ثانياً: كيف يمكن للإمام علي (ع) أن يكتب إلى مالك الأشتر قائلاً: "فَإِنَّهُمْ [أي الناس] صِنْفَانِ إِمَّا أَخٌ لَكَ فِي الدِّينِ وإِمَّا نَظِيرٌ لَكَ فِي الْخَلْقِ"، ثم يأتي ابنه الكريم فيقول إن شيعتنا أشباه الناس، وغير شيعتنا نسناس؟! هل يمكن أن يكون الإمام متكبراً إلى هذا الحد؟! هل كان «ابن محبوب» الذي نقل لنا هذه الرواية من محبي حضرة سيد الشهداء (ع) فعلاً؟
8- يروي الكُلَيْنِيّ في الكافي "عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ سَيْفِ بْنِ عَمِيرَةَ([24]) عَنْ رَجُلٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (ع) قَالَ: مَنْ قَرَأَ ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ﴾ [القدر/1] يَجْهَرُ بِهَا صَوْتَهُ كَانَ كَالشَّاهِرِ سَيْفَهُ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَمَنْ قَرَأَهَا سِرّاً كَانَ كَالْمُتَشَحِّطِ بِدَمِهِ فِي سَبِيلِ اللهِ وَمَنْ قَرَأَهَا عَشْرَ مَرَّاتٍ غُفِرَتْ لَهُ عَلَى نَحْوِ أَلْفِ ذَنْبٍ مِنْ ذُنُوبِهِ"([25]).
هل تُبْقِي أمثال هذه الأحاديث أيَّ دافعٍ لتحمُّل مصاعب الجهاد ومشقاته في سبيل الله؟! ما هو الخير والفائدة التي يأتي بها «ابن محبوب» للمسلمين بمثل هذه الأحاديث؟ هذه الأحاديث تفيد أنه بدلاً من تحمُّل البَرد والحَرّ في ميادين الجهاد، يمكننا أن نستريح في منازلنا ونقرأ سورة القَدْر بصوت منخفض فنحصل على ثواب الشهادة في سبيل الله؟!!
ومن العجائب الأخرى لهذا الحديث أنه يفيد أننا لو قرأنا سورة القدر مرة حصلنا على ثواب شهيد، أما لو قرأناها عشر مرات، فلا نحصل على ثوابٍ أكثر فحسب (مثلاً ثواب الاستشهاد عشر مرات) بل يُمحى حوالي ألف ذنب من ذنوبنا!!
9- 124ويروي الكُلَيْنِيّ في الكافي عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ «عَبْدِ اللهِ بْنِ سِنَانٍ» عَنْ «مَعْرُوفِ بْنِ خَرَّبُوذَ» عَنِ «الْحَكَمِ بْنِ الْمُسْتَوْرِدِ» عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ (ع) قَالَ: إِنَّ مِنَ الْأَقْوَاتِ الَّتِي قَدَّرَهَا اللهُ لِلنَّاسِ مِمَّا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ الْبَحْرَ الَّذِي خَلَقَهُ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، قَالَ: وَإِنَّ اللهَ قَدْ قَدَّرَ فِيهَا مَجَارِيَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالنُّجُومِ وَالْكَوَاكِبِ، وَقَدَّرَ ذَلِكَ كُلَّهُ عَلَى الْفَلَكِ ثُمَّ وَكَّلَ بِالْفَلَكِ مَلَكاً وَمَعَهُ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ فَهُمْ يُدِيرُونَ الْفَلَكَ فَإِذَا أَدَارُوهُ دَارَتِ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْكَوَاكِبُ مَعَهُ فَنَزَلَتْ فِي مَنَازِلِهَا الَّتِي قَدَّرَهَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهَا لِيَوْمِهَا وَلَيْلَتِهَا، فَإِذَا كَثُرَتْ ذُنُوبُ الْعِبَادِ وَأَرَادَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنْ يَسْتَعْتِبَهُمْ بِآيَةٍ مِنْ آيَاتِهِ أَمَرَ الْمَلَكَ الْمُوَكَّلَ بِالْفَلَكِ أَنْ يُزِيلَ الْفَلَكَ الَّذِي عَلَيْهِ مَجَارِي الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالنُّجُومِ وَالْكَوَاكِبِ فَيَأْمُرُ الْمَلَكُ أُولَئِكَ السَّبْعِينَ أَلْفَ مَلَكٍ أَنْ يُزِيلُوهُ عَنْ مَجَارِيهِ قَالَ فَيُزِيلُونَهُ فَتَصِيرُ الشَّمْسُ فِي ذَلِكَ الْبَحْرِ(!!) الَّذِي يَجْرِي فِي الْفَلَكِ، قَالَ: فَيَطْمِسُ ضَوْؤُهَا وَيَتَغَيَّرُ لَوْنُهَا، فَإِذَا أَرَادَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُعَظِّمَ الْآيَةَ طَمَسَتِ الشَّمْسُ فِي الْبَحْرِ عَلَى مَا يُحِبُّ اللهُ أَنْ يُخَوِّفَ خَلْقَهُ بِالْآيَةِ. قَالَ: وَذَلِكَ عِنْدَ انْكِسَافِ الشَّمْسِ. قَالَ: وَكَذَلِكَ يَفْعَلُ بِالْقَمَرِ. قَالَ: فَإِذَا أَرَادَ اللهُ أَنْ يُجَلِّيَهَا أَوْ يَرُدَّهَا إِلَى مَجْرَاهَا أَمَرَ الْمَلَكَ الْمُوَكَّلَ بِالْفَلَكِ أَنْ يَرُدَّ الْفَلَكَ إِلَى مَجْرَاهُ فَيَرُدُّ الْفَلَكَ فَتَرْجِعُ الشَّمْسُ إِلَى مَجْرَاهَا. قَالَ: فَتَخْرُجُ مِنَ الْمَاءِ وَهِيَ كَدِرَةٌ. قَالَ: وَالْقَمَرُ مِثْلُ ذَلِكَ. قَالَ: ثُمَّ قَالَ: عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ (ع): أَمَا إِنَّهُ لَا يَفْزَعُ لَهُمَا وَلَا يَرْهَبُ بِهَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ إِلَّا مَنْ كَانَ مِنْ شِيعَتِنَا فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَافْزَعُوا إِلَى اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- ثُمَّ ارْجِعُوا إِلَيْهِ"([26]).
وأقول: هل يحتمل شخصٌ أن يقول الإمام السجاد u مثل هذا الكلام؟!
10 - 125ويروي الكُلَيْنِيّ "عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ «عَبْدِ اللهِ بْنِ سِنَانٍ» قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ (ع) يَقُولُ: إِنَّ اللهَ خَلَقَ الْخَيْرَ يَوْمَ الْأَحَدِ وَمَا كَانَ لِيَخْلُقَ الشَّرَّ قَبْلَ الْخَيْرِ وَفِي يَوْمِ الْأَحَدِ وَالْإِثْنَيْنِ خَلَقَ الْأَرَضِينَ، وَخَلَقَ أَقْوَاتَهَا فِي يَوْمِ الثَّلَاثَاءِ، وَخَلَقَ السَّمَاوَاتِ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ، وَخَلَقَ أَقْوَاتَهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ﴾ [الفرقان/59]".([27])
ينبغي أن ننتبه إلى أن المقصود من الأيام الستة: ست دورات زمنية، لأن كلمة «اليوم» لا تستخدم فقط في اليوم المعروف المكون من 24 ساعة، بل كما يقول صاحب كتاب «لسان العرب»: "وقد يُراد باليوم، الوقت مطلقاً". وقال علي (ع): "وَاعْلَمْ بِأَنَّ الدَّهْرَ يَوْمَانِ: يَوْمٌ لَكَ ويَوْمٌ عَلَيْكَ"([28]). وقال أيضاً: "وإِنَّ الْيَوْمَ عَمَلٌ ولا حِسَابَ وغَداً حِسَابٌ ولا عَمَلَ."([29]).
ثم إنه لم يكن لليوم المعروف في دنيانا وجود قبل خلق السموات والأرض وأثناء خلقها، فلم يكن في ذلك الوقت ليل ولا نهار، لأنه لم تكن المجموعة الشمسية قد تكونت بعد. من هنا اتفق أكثر المفسرين على أن المراد باليوم هنا هو الدورة الزمنية لا اليوم المعروف من أيام الأسبوع المكون من 24 ساعة! لكن الراوي الجاهل، أولاً: فسر كلمة «اليوم» في الآية المذكورة على معنى اليوم العادي! ثانياً: أنه لما كان متأثراً باليهود لم ينسب خلق أي شيء إلى يوم السبت الذي هو يوم عطلة اليهود! ثالثاً: لقد نسي الراوي أن يبين في أي يوم من أيام الأسبوع خُلِقَ «وَمَا بَيْنَهُمَا»! رابعاً: لم ينتبه الراوي إلى كثير من آيات القرآن التي جاءت فيها كلمة «اليوم» مثل آيات: 47 من سورة الحج، و3 من سورة المعارج.
كانت هذه الأحاديث نماذج لمرويات «الحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ»، ولابُدَّ من التذكير بأن عشرة أحاديث من أحاديث الباب الفاضح رقم 165 من أصول الكافي، وثلاثة أحاديث من الباب 166، والحديث الأول من الباب 93 كلها من مروياته.
ولا يخفى أن جماعة ممن يُسَمَّى بالعلماء لدينا اعتبروا «الحَسَنَ بْنَ مَحْبُوبٍ» واحداً من 18 فرداً أُطلِق عليهم لقب «أصحاب الإجماع»!
في عقيدة أشباه العلماء هؤلاء لو وصلت روايةٌ ما بسند صحيح إلى أحد هؤلاء الأفراد الثمانية عشر فحتى لو كان الراوي بعده (أي بينه وبين الإمام) ضعيفاً فإن الحديث المذكور يعتبر صحيحاً ومقبولاً!! (فتأمل جداً) انظر ماذا فعل أشباه العلماء بدين الله!
رغم أنني لم أقصد الدخول في مثل هذه المباحث في هذا الكتاب، ولكنني لما لم يبق لديَّ فرصة طويلة للقاء الحق - جل وعلا - سأذكر هنا باختصار من باب أداء الواجب، بعض الأمور المتعلقة بالمسألة غير القويمة التي يُطلق عليها «أصحاب الإجماع»:
إن ادعاء «صحة وقبول» روايات «أصحاب الإجماع» على فرض أن الرواة الذين هم بينهم وبين الإمام مجهولون أو ضعفاء، ادعاءٌ - كما يوافقني في ذلك بعض العلماء أيضاً - غير مستقيم، لأن أقصى ما يمكن قوله عن هؤلاء الرواة الثمانية عشر أنهم ثقاة، أي أنهم لم يقوموا بوضع الكلام الذي رووه لنا وافترائه، بل قد سمعوا حقيقةً وفعلاً ما رووه لنا. مثلاً إذا قال «زيد»: سمعتُ «عَمْرواً» يقول: قال النبي كيت وكيت. فإن هذا الأمر لا يُثبت ولا يضمن صدور الكلام المنقول - في الواقع وفي نفس الأمر - عن الشارع، بل أكثر ما يفيده هو الاطمئنان إلى أن «زيدا» سمع الكلام المذكور من «عَمْروٍ» ولم يفتر من عند نفسه هذا الكلام. وكلام المرحوم الكشي (رجال الكشي، طبع كربلاء، ص 206، 322، 466) لا يدل على أكثر من ذلك، وأقصى ما يفيده هو أن أولئك النفر موثوقون.
أما ادعاء أن أصحاب الإجماع لصدقهم ودقتهم واحتياطهم، لا يروون إلا عن ثقاة، فهو ادعاء لا دليل عليه، لأننا كما قلنا سابقاً (في الصفحة 19 و 68 فارسي من هذا الكتاب) لم يكونوا معصومين ولا عالمين بسرائر الناس، ولربما غرهم زهد شخص وتقواه الظاهرة، فظنوه صادقاً وثقةً فرووا عنه، إضافةً إلى ذلك لم يكونوا قادرين على أن يوقنوا أن الشخص الذي وثقوا به، لم يقع في سهو أو نسيان، أو اشتباه([30]).
والتحقيق أيضاً يثبت خلاف ذلك الادعاء المذكور، وكما صرَّح آية الله الخوئي في مقدمة كتابه «معجم رجال الحديث» هناك حالات روى فيها أصحاب الإجماع عن الضعفاء، فمن ذلك أن «زرارة» الذي كان من كبار أصحاب الإجماع روى عن شخص ضال هو «سالم بن أبي حفصة» وعن «حماد بن عيسى» وعن «الحسن بن محبوب» والأخيران من أصحاب الإجماع أيضاً. وروى عن «عمر بن شمر» الذي كان فرداً ضعيفاً وهكذا ......
وطبقاً لما نقله «الكشي» (ص 489) فإن جماعةً اتهموا «الحسن بن محبوب» بسبب روايته عن «ابن أبي حمزة».
ولم يكن «ابن الوليد» (أستاذ الشيخ الصدوق) و «أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري» يقبلان الرواية عن «الحسن بن محبوب».
إضافةً إلى ذلك فقد ضُعِّف «يونس بن عبد الرحمن» لعدم اشتراطه السماع في رواية الحديث! أضف إلى ذلك تحريم علماء قم لروايات «الحسن بن محبوب»، وأيضاً وجود اختلاف بشأن أولئك النفر الثمانية عشر، فبعضهم عد «أبا بصير الأسدي» وبعضهم «أبا بصير المرادي» مكانه، وجماعةٌ عدوا «الحسن بن محبوب» في حين عد جماعة آخرون «الحسن الفضال» مكانه، واعتبر بعضهم «فضالة بن يعقوب» أو «عثمان بن عيسى» بدلاً من « ابن محبوب» من أصحاب الإجماع، وهذا إن دل على شيء، فإنه يثبت أنه لابدّ من اعتماد جميع أصول وشروط القبول والصحة في روايات الأفراد المذكورين أعلاه تماماً كما تُعتَمد تلك الشروط لقبول روايات غيرهم، ولا يمكننا أن نُعطي امتيازاً خاصاً لروايات هؤلاء الثمانية عشر شخصاً. (فتأمل).
([3]) يشير إلى قوله تعالى في سورة الملك: ﴿مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ﴾ [الملك/3].
([8]) مجمع البيان، دار المعرفة، ج 1، ص 85، الفن السادس. أقول (المُتَرْجِمُ): وهو أيضاً في نهج البلاغة، الخطبة 156. وفي: وسائل الشيعة، ج 6، ص 168، حديث رقم (7648). وفي: بحار الأنوار، ج 89، ص 17-18. أما في مصادر أهل السنة فرواه ابن أبي شيبة في المُصنَّف، 7، 165، والحاكم في المستدرك على الصحيحين، ج 1، ص 555، وَقَالَ: صَحِيح الْإِسْنَاد وَلم يُخَرِّجَاهُ.
([17]) كان «جابر» من الغلاة وقد ضعَّفه علماء الفريقين، وقال عنه النجاشي (ص 12): "روى عنه جماعةٌ غُمِزَ فيهم وضُعِّفُوا... وكان في نفسه مختلطاً... وقلَّ ما يورد عنه شيءٌ في الحلال والحرام." ووصفه بالكذب أيضاً. وروى الكِشِّيّ في رجاله (ص 191، طبع مشهد) في ترجمته لجابر بن يزيد الجعفي "عن زرارة، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن أحاديث جابر فقال: ما رأيته عند أبي قط إلا مرّةً واحدةً! وما دخل عليَّ قط!". هذا مع أننا نجد في كتب الحديث أحاديث كثيرة منسوبة إليه يرويها عن الصادقَيْن - عليهما السلام -!! بعضها واضح البطلان كالحديث الذي رواه عنه جبرئيل بن أحمد. (رجال الكِشِّيّ، ص 171)
([18]) لم يقبل الأستاذ البهبودي هذا الحديث ولم يعتبره صحيحاً، أما المَجْلِسِيّ فقد صحَّح مثل هذا الحديث!!
([22]) كان سادة قريش المتكبرون المغرورون لا يسلكون في عودتهم إلى مكة أثناء الحج الطريق الذي يسلكه جميع الناس أي السير من عرفات إلى المشعر الحرام ثم إلى منى، بل يختارون طريقاً أخرى، لذا أمرت الآية الكريمة المسلمين أن يفيضوا من الطريق الذي يفيض منه عامَّة الناس.
فكما تلاحظون، الآية تتعلق بمناسك الحج ولا اختصاص لها بأئمة أهل البيت. حتى المَجْلِسِيّ أقرَّ أنه من البعيد أن يكون المقصود من الناس في الآية المذكورة أهل بيت النبي.
([23]) الكُلَيْنِيّ، الروضة من الكافي، الحديث رقم 339، ج 8، ص 344 - 345. وكلا المَجْلِسِيّ والبِهْبُودِيّ اعتبرا هذا الحديث غير صحيح.
([24]) روى «الحسن بن محبوب» حديثه هذا عن «سيف بن عميرة» الذي لَعَنَهُ الأئمة. و قد عرَّفْنَا به في ص 127 - 128 من الكتاب الحالي، كما يمكنكم الرجوع إلى الصفحة 42 فما بعد من الكتاب الحالي حول الأحاديث الموضوعة حول ثواب قراءة سور القرآن.
([27]) الكُلَيْنِيّ، روضة الكافي، الحديث 117. ولم يصحِّح البِهْبُودِيّ هذا الحديث، بينما حكم المَجْلِسِيّ بصحَّته!
([30]) لست مصراً أبداً على أن «ابن محبوب» وضاعٌ وكاذبٌ، بل ما رميت إليه من ذكر نماذج من الأحاديث التي يوجد «الحسن بن محبوب» في سندها هو التأكيد على أنه لم يكن شخصاً خبيراً بالأحاديث بل كان ينقل عن غير الثقاة أيضاً، أي أن ادعاء أنه لم يكن يروي إلا عن ثقاة، ادعاء مخالف للواقع، ولا يمكننا أن نذهب إلى أن هناك فرقاً في ذلك بين حديثه وحديث الآخرين.