63. بَابُ الْأَخْذِ بِالسُّنَّةِ وَشَوَاهِدِ الْكِتَابِ
هذا الباب آخر أبواب فصل «كتاب فضل العلم»، ويشتمل على 12 حديثاً، اعتبر المجلسيّ الحديثين 3 و 8 منها صحيحةً، والحديثين 5 و6 بمنزلة الصحيح، أما الأستاذ البهبودي فأورد الأحاديث 2 و3 و4 في كتابه «صحيح الكافي».
في اعتقاد كاتب هذه السطور لو أن الشيعة عملوا حقيقةً بأحاديث هذا الباب، لما واجهنا قطعاً المشكلات التي نعاني منها اليوم، ولما اُبتُلِيَ شعبنا بالخرافات والأباطيل الكثيرة التي تُبَلَّغ اليوم على أنها من الدين، ولما أُصيبت الوحدة الإسلامية أيضاً بهذا الشرخ الكبير.
ويبغي أن نعلم أن الشيخ «مرتضى الأنصاري» قال في كتابه «فرائد الأصول» أن روايات مطابقة الأحاديث على القرآن تبلغ حد التواتر المعنوي. وقد صرَّح بعض العلماء الماضين مثل «الشيخ الطَّبْرَسي» مؤلِّف تفسير «مجمع البيان» بأن القرآن له الحكم الكامل على جميع الأحاديث. وقال في تفسيره للآية 180 من سورة البقرة: "إن الخبر لو سَلِمَ مِنْ كُلِّ قدح لكان يقتضي الظن، ولا يجوز أن يُنسَخ كتابُ الله تعالى الذي يوجب العلم اليقين، بما يقتضي الظن". ولكن للأسف فإن عدم اهتمام العلماء بأحاديث هذا الباب يفوق عدم اهتمامهم بأي أحاديث أخرى!!.
وسنذكر هنا كنموذج بعض الأحاديث التي تتناسب مع أحاديث هذا الباب وتشابهها، إضافةً إلى الحديث الذي ذكرناه فيما سبق نقلاً عن تفسير «العياشي» في الصفحة 39 من هذا الكتاب.
1- رُوِيَ عَنْ الإمام الباقر والإمام الصادق - عليهما السلام - أنهما قالا: "لَا تُصَدِّقْ عَلَيْنَا إِلَّا مَا وَافَقَ كِتَابَ اللهِ وَ سُنَّةَ نَبِيِّهِ J"([1]).
2- وَعَنْ كُلَيْبٍ الْأَسَدِيِّ قَالَ سَمِعْتُ الإمام جعفر الصادق (ع) يَقُولُ: "مَا أَتَاكُمْ عَنَّا مِنْ حَدِيثٍ لَا يُصَدِّقُهُ كِتَابُ اللهِ فَهُوَ زُخْرُفٌ"([2]).
3- ويروي الشيخ يوسف البحراني في كتابه «الحدائق الناضرة» عن الإمام الصادق u أنه قال: "لَا تَقْبَلُوا عَلَيْنَا حَدِيثَنَا إِلَّا مَا وَافَقَ الْقُرْآنَ وَالسُّنَّة"([3]).
4- رُوِيَ عَنْ الإمام الرضا (ع) أنه قال: "فَمَا وَرَدَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَبَرَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فَاعْرِضُوهُمَا عَلَى كِتَابِ اللهِ- فَمَا كَانَ فِي كِتَابِ اللهِ مَوْجُوداً حَلَالًا أَوْ حَرَاماً فَاتَّبِعُوا مَا وَافَقَ الْكِتَابَ- وَمَا لَمْ يَكُنْ فِي الْكِتَابِ- فَاعْرِضُوهُ عَلَى سُنَنِ رَسُولِ اللهِ J - فَمَا كَانَ فِي السُّنَّةِ مَوْجُوداً مَنْهِيّاً عَنْهُ نَهْيَ حَرَامٍ وَمَأْمُوراً بِهِ عَنْ رَسُولِ اللهِ J أَمْرَ إِلْزَامٍ فَاتَّبِعُوا مَا وَافَقَ نَهْيَ رَسُولِ اللهِ J وَأَمْرَهُ..."([4]).
5- وقال عليٌّ (ع) [في رسالة كتبها إلى أهل الكوفة]: "...فالزموا دينكم واهدوا بهدى نبيكم J واتبعوا سنَّتَه، واعرضوا ما أشكل عليكم على القرآن، فما عرفه القرآن فالزموه وما أنكره فردوه، وارضوا بالله عزَّ وجلَّ ربَّا وبالإسلام ديناً وبمحمَّد J نبيّاً وبالقرآن حَكَمَاً وَإمَامَاً... "([5]).
6- وقال الإمام الرضا (ع): "إِذَا كَانَتِ الرِّوَايَاتُ مُخَالِفَةً لِلْقُرْآنِ كَذَّبْتُهَا.."([6]).
7- و رُوِيَ عَنْ الإمام الباقر (ع): "... وَإِذَا جَاءَكُمْ عَنَّا حَدِيثٌ فَوَجَدْتُمْ عَلَيْهِ شَاهِداً أَوْ شَاهِدَيْنِ مِنْ كِتَابِ اللهِ فَخُذُوا بِهِ وَإِلَّا فَقِفُوا عِنْدَه"([7]).
8- و رُوِيَ عَنْ الإمام الصادق u أنه روى عن النبي o أنه قال: "إذا حدثتم عني بالحديث فانحلوني أهنأه وأسهله وأرشده، فإن وافق كتاب الله فأنا قلته، وإن لم يوافق كتاب الله فلم أقله"([8]).
9- و روى ثوبان عن النبي الأكرم o أنه قال: "اعْرِضُوا حَدِيثِي على كِتابِ اللهِ فإِنْ وَافَقَهُ فَهُوَ مِنِّي وأنا قُلْتُهُ "([9]).
10- وعن الإمام الصادق u أنه قال: "فاتقوا الله ولا تقبلوا علينا ما خالف قول ربنا تعالى وسنة نبينا صلى الله عليه وآله"([10]). وقال الإمام الرضا (ع) أيضاً: "فلا تقبلوا علينا
11- وقال رسول الله o: "إذا جاءكم عنّي حديث فاعرضوه على كتاب اللهِ فما وافق كتاب اللهِ فاقبلوه، و ما خالفه فاضربوا به عرض الحائط"([13]).
12- وقال رسول الله o: "إنه سيجيئُكُم رواةٌ، فما وَافَقَ القرآنَ فخذوا به وما كان غير ذلك فَدَعُوهُ»([14]).
13- وقال رسول الله o: "إِنَّهُ سَيُكْذَبُ عَلَيَّ كَمَا كُذِبَ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلِي فَمَا جَاءَكُمْ عَنِّي مِنْ حَدِيثٍ وَافَقَ كِتَابَ اللهِ فَهُوَ حَدِيثِي وَ أَمَّا مَا خَالَفَ كِتَابَ اللهِ فَلَيْسَ مِنْ حَدِيثِي"([15]).
14- وقال رسول الله o: "إذا رُوِيَ عنِّي حديثٌ فاعرُضُوهُ على كتابِ اللهِ فإن وافقه فاقبلوه وإلا ذروه"([16]).
لقد لاحظنا في هذه الأحاديث -سواءً كانت مذكورةً في الكافي أم جاءت في مصادر أخرى- النقاطَ التالية:
أولاً: لا يقول الشارع اقبلوا حديث الفرد الموثوق، بل جعل ملاك قبول الأحاديث والأخبار أو رفضها، وجود مؤيد ومصدق لها في القرآن الكريم أو في سنَّة النبي o القطعية.
ثانياً: لقد عيَّن الشارعُ القرآنَ الكريمَ حَكَمَاً في قبول الأحاديث أو ردِّها، ثم بعد ذلك عرَّف بسنَّة النبِّي الأكرم o بوصفها المرجع الثاني في قبول الحديث أو رفضه. في هذا المجال لا بد من أن ننتبه إلى أن المراد من سنة النبي o هو ما عبَّر عنه عليٌّ (ع) بعبارة: "السنة الجامعة غير المفرِّقة" -يعني السنة القطعية-. لأنه من البديهي أنه في غير هذه الصورة فإن إرجاع الحديث إلى الخبر الذي هو في حد ذاته غير قطعي ولا يفيد العلم ليس سوى إحالة مجهول إلى مجهول آخر، أو اسناد أمر غير قطعي وغير مُسَلَّم به على وجه اليقين إلى أمر آخر غير مُسَلَّم به أيضاً، ومن المؤكد أن مثل هذا الأمر لا يُحتَمل وجوده في الشريعة.
([1]) الحديث رواه مُحَمَّدُ بْنُ مَسْعُودٍ الْعَيَّاشِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ سَدِيرٍ - ونقله الحر العاملي عنه في وسائل الشيعة، ج 18، ص 89، حديث 47.
([2]) حيدر علي قلمداران، ارمغان آسمان [أي هدية السماء]، ص 184. قلتُ (المترجم) والحديث في مستدرك الوسائل للنوري الطبرسي، الطبعة الجديدة، ج 17، ص 304 - 305.
([3]) حيدر علي قلمداران، ارمغان آسمان [أي هدية السماء]، ص 184. قلتُ (المترجم) والحديث في رجال الكشي، طبعة مشهد المحققة، ص 224. وعنه المجلسي في بحار الأنوار، ج 2، ص 249 - 250.
([4]) الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج 18، ص 82، حديث 21. (وفي طبعة قم الأحدث لوسائل الشيعة: ج 27، ص115).
([8]) المحاسن للبرقي، ج 1، ص 221. و الجواهري، جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، ج 13، ص 110 - 101. (المُتَرْجِمُ).
([9]) رواه السيوطي في الجامع الصغير، رقم 1151، وضعَّفه. وأخرجه الطبراني في المعجم الكبير، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: "فيه يزيد بن ربيعة وهو متروك منكر الحديث". (المُتَرْجِمُ)
([12]) رجال الكشي، طبع كربلاء، ص 195. بعد أن ذكر المرحوم قلمداران في كتابه (ارمغان آسمان) أي هدية السماء، عدة نماذج لأحديث عرض الروايات على القرآن قال: "لا أظن أحداً عنده أدنى نصيب من الوجدان والإنصاف يمكنه بعد هذه البيانات أن يعتمد ويُعَوِّل على الأحاديث التي تتضمن ما يخالف القرآن أو التي لا تتفق مع تعاليم القرآن أو التي لا يصدِّقها القرآن، مهما كان رواتها رجال مؤمنون وإماميون وكانوا فلاناً أو فلاناً، ومهما كانت تلك الأحاديث من حيث ميزان الدراية صحيحةً ". (ارمغان آسمان، ص 184).
([13]) الطبرسي، مجمع البيان، ج 1، ص 13. و أيضاً الفاضل جواد الكاظمي (ت 1065)، مسالك الأفهام إلى آيات الحكام، ج 1، ص 12.