12. [ نماذج لروايات «سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ» التي تكشف عن ضعفه وعدم وثاقته ]
6أَبُو سَعِيدٍ سَهْلُ بْنُ زِيَادٍ الآدَميُّ الرازيُّ من معاصري الأئمة التاسع والعاشر والحادي عشر - عليهم السلام - واعتبره النجاشيُّ وابنُ الغضائريّ والشيخ الطوسيُّ، وسائر علماء الرجال مثل ابن الوليد وَالصدوق وَابن نوح: شخصاً ضعيفاً جداً، فاسد الرواية والمذهب، ومن أهل الغلوّ وغير معتمد الحديث([1]). وكان أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري قد أخرجه من قم وأظهر البراءة منه ونهى الناس عن السماع منه والرواية عنه([2]).
واعتبره الفضلُ بن شاذان أحمقاً!([3]). وقال آية الله أبو القاسم الخوئي في كتابه معجم رجال الحديث: "وكيف كان فسهل بن زياد الآدمي ضعيف جزماً، أو أنه لم تثبت وثاقته."([4]).
أقول: وينبغي أن نعلم أنَّ اسم «سَهْلَ بْنَ زِيَادٍ» هذا يوجد في سند حوالي 2306 حديثاً، وأن كثيراً من روايات الكافي مَرْوِيَّةٌ عنه!!
وعلى كل حال مضمون رواياته بحد ذاته أفضل دليل على ضعفه وانحرافه. وسنذكر هنا بعض أحاديثه على سبيل المثال وغيض من فيض:
1- إحدى الأخطاء المشينة لـ«سهل» نقله لقصة «رد الشمس» التي أوردها الكُلَيْنِيّ في الكافي([5]). وقد ذكرت بعض الإيضاحات بشأن هذه الرواية في تحريري الثاني لكتابي «خرافات وفور در زيارات قبور»([6]) (أي الخرافات الوافرة في زيارات القبور) فلا داعي لتكرار ذلك هنا.
2- وفي هذا المجلّد ذاته من الكافي، في الباب 69، الخبر السادس، حديثٌ يرويه «سَهْلُ بْنُ زِيَادٍ» عن الإمام الصادق u يقول فيه: 7"إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ خَلَقَنَا فَأَحْسَنَ خَلْقَنَا وَصَوَّرَنَا فَأَحْسَنَ صُوَرَنَا وَجَعَلَنَا خُزَّانَهُ فِي سَمَائِهِ وَأَرْضِهِ وَلَنَا نَطَقَتِ الشَّجَرَةُ وَبِعِبَادَتِنَا عُبِدَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَلَوْلَانَا مَا عُبِدَ اللهُ"([7]).
8ونسأل هنا: هل الإمام يثني على ذاته ويمدح نفسه إلى هذا الحد؟ فلماذا إذن لم يكن جده النبي الأكرم o يفعل مثل ذلك [مع أنه أحق بالمدح من أي إنسان آخر]. ثم هل يتخذ الله خزائن من بني البشر؟! فلماذا إذن لم يشر الله تعالى في القرآن أدنى إشارة إلى هذه المسألة بل نجد أنه تعالى يأمر نبيه بصراحة أن يقول للناس: ﴿قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللهِ﴾ [الأنعام/50]. ثم الإشكال الآخر هو أنه متى تكلمت الشجرة مع الأئمة ولم يطلع على ذلك الأمر العجيب إلّا «محمد بن يحيى» وابنه الكذَّاب «زياد» وأمثالهما؟ وعلاوة على ذلك إذا كان هذان الكذابان قد سمعا شيئاً بشأن حضرة موسى u، فينبغي أن يعلما أن الذي تكلم مع موسى لم يكن الشجرة بل كان الله عز وجل هو الذي أوجد الصوت في تلك البقعة.
والسؤال الآخر أنه إذا كان الله لم يُعْبَد إلا بواسطة الأئمة فهل كان الأنبياء والصالحين يعبدون الله قبل ظهور الإسلام أم لا؟! حقاً لا يمكن إلَّا لعدو أن ينسب مثل هذه القصص للأئمة الكرام عليهم السلام.
3- 9وفي الباب 178 (أو 177) من الكافي، في الخبر العاشر، يروي «سَهْلُ بْنُ زِيَادٍ» عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ الْقَاسَانِيِّ قَالَ: "أَخْبَرَنِي بَعْضُ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ حَمَلَ إِلَى أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا u مَالًا لَهُ خَطَرٌ فَلَمْ أَرَهُ سُرَّ بِهِ. قَالَ فَاغْتَمَمْتُ لِذَلِكَ وَقُلْتُ فِي نَفْسِي: قَدْ حَمَلْتُ هَذَا الْمَالَ وَلَمْ يُسَرَّ بِهِ! فَقَالَ: يَا غُلَامُ! الطَّسْتَ وَالْمَاءَ. قَالَ: فَقَعَدَ عَلَى كُرْسِيٍّ وَقَالَ بِيَدِهِ وَقَالَ لِلْغُلَامِ: صُبَّ عَلَيَّ الْمَاءَ. قَالَ فَجَعَلَ يَسِيلُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ فِي الطَّسْتِ ذَهَبٌ. ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَيَّ فَقَالَ لِي: مَنْ كَانَ هَكَذَا لَا يُبَالِي بِالَّذِي حَمَلْتَهُ إِلَيْهِ!!".
ونسأل: حقاً لماذا فعل الإمام u مثل هذا الأمر؟ وهل الذي أتى بالمال قام بعملٍ سيِّئٍ حتى يتصرَّف معه الإمام على ذلك النحو ولا يشكره على ما فعل؟
ثم ما فائدة هذه المعجزة؟ إن الذي أتى بالمال لم يكن منكراً لشيء حتى يكفّ عن إنكاره ويؤمن بسبب رؤيته لتلك المعجزة! والأهم من ذلك: لماذا لم يُظْهِر الإمام هذه المعجزة لغير الشيعة حتى يهتدوا؟ ثم إن هذا الخبر لا يتفق مع القرآن لأن المشركين كانوا قد طلبوا من رسول الله o أن يظهر لهم معجزات إن كان صادقاً وقالوا: أرنا بيتاً من ذهب وافعل كيت وكيت فقال الله رداً على كلام المشركين: ﴿قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا 93 وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلَّا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللهُ بَشَرًا رَسُولًا﴾ [الإسراء/93-94].
إذن، لم يفعل رسول الله o مثل تلك الأعمال ولم يَـجْرِ الذهبُ أبداً من بين أصابعه لكن «سهل بن زياد» الكذَّاب ينسب إلى الإمام الرضا u القيام بهذا الأمر الخارق! ولا يمكننا أن نستبدل القرآن الكريم بكلام راوٍ غير موثوق مثل «سهل».
4- في الحديث الخامس من الباب 179 من أصول الكافي أثبت «سَهْلُ بْنُ زِيَادٍ» للإمام العلم بالغيب، خلافاً لآيات القرآن الكريم، ومن هذا الخبر الذي يرويه «سَهْلُ بْنُ زِيَادٍ» يَتَـبَيَّنُ أن الإمام كان عمله على الدوام إظهار المعجزات وخرق العادات للغلاة والكذَّابين!
5-10 وفي الباب 183 من أصول الكافي، في الخبر رقم 11، يروي «سَهْلُ بْنُ زِيَادٍ» بإسناده عن الإمام الجواد u : "أَنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ u قَالَ لِابْنِ عَبَّاسٍ: إِنَّ لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي كُلِّ سَنَةٍ. وَإِنَّهُ يَنْزِلُ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ أَمْرُ السَّنَةِ وَلِذَلِكَ الْأَمْرِ وُلَاةٌ بَعْدَ رَسُولِ اللهِ o. فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَنْ هُمْ؟ قَالَ: أَنَا وَأَحَدَ عَشَرَ مِنْ صُلْبِي أَئِمَّةٌ مُحَدَّثُونَ!!"([8]).
وأقول: إذا كان الأمر كما قال، فَلَكَ أن تسأل: مَنِ الوُلَاة الذين كانوا يتولَّوْنَ الأمور قبل عدَّة سنوات من مجيء النَّبِيِّ الأكرم o؟؟ ولن تجد إجابة عن سؤالك، لأن القرآن بيَّنَ لنا أنه حتى فترةٍ من الزمن قبل رسول الله o لم يكن هناك نبيٌّ ولا إمام، قال تعالى: ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ....﴾ [المائدة/19]([9]).
وكذلك في الخبر 12، يروي «سَهْلُ بْنُ زِيَادٍ» حديثاً لا يستقيم معناه، ومن البعيد أن ينطق النبيُّ عالي المقام o وأمير المؤمنين u بمثله.
6- 11وفي الباب ذاته، في الحديث 19، يروي «سَهْلُ بْنُ زِيَادٍ» بإسناده حديثاً آخر عن الإمام الصادق u يقول فيه: "...إِنَّ الْحُسَيْنَ u لَمَّا قُتِلَ عَجَّتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ عَلَيْهِمَا وَالْمَلَائِكَةُ فَقَالُوا: يَا رَبَّنَا! ائْذَنْ لَنَا فِي هَلَاكِ الْخَلْقِ حَتَّى نَجُدَّهُمْ عَنْ جَدِيدِ الْأَرْضِ بِمَا اسْتَحَلُّوا حُرْمَتَكَ وَقَتَلُوا صَفْوَتَكَ. فَأَوْحَى اللهُ إِلَيْهِمْ: يَا مَلَائِكَتِي وَيَا سَمَاوَاتِي وَيَا أَرْضِيَ اسْكُنُوا ثُمَّ كَشَفَ حِجَاباً مِنَ الْحُجُبِ فَإِذَا خَلْفَهُ مُحَمَّدٌ o وَاثْنَا عَشَرَ وَصِيّاً لَهُ -عليهم السلام- وَأَخَذَ بِيَدِ فُلَانٍ الْقَائِمِ مِنْ بَيْنِهِمْ فَقَالَ: يَا مَلَائِكَتِي وَيَا سَمَاوَاتِي وَيَا أَرْضِي بِهَذَا أَنْتَصِرُ لِهَذَا قَالَهَا ثَلَاثَ مَرَّات!!"([10]).
ونسأل: أين سيكون قتلة الحسين u في زمن الإمام القائم؟ ألن يكونوا قد ماتوا منذ قرون طويلة؟ ألم ينتقم المختار من كثير منهم. ثم أليس يوم القيامة يوم الجزاء والحساب، فما الداعي أن يعاقب الله أولئك القتلة وينتقم منهم قبل يوم القيامة؟!
7- وفي «الروضة من الكافي» أيضاً يروي «سَهْلُ بْنُ زِيَادٍ» في الحديث رقم 12 بسنده عن الإمام الصادق u أنه قال جواباً عمَّن سأله عن المقصود من الشمس والقمر والليل في سورة ﴿وَالشَّمْسِ وَضُحاها.....﴾: فقال: "الشَّمْسُ: رَسُولُ اللهِ o بِهِ أَوْضَحَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لِلنَّاسِ دِينَهُمْ. والْقَمَرُ: أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليُّ بنُ أبي طالبٍ u، وَاللَّيْلِ: أَئِمَّةُ الْجَوْرِ الَّذِينَ اسْتَبَدُّوا بِالْأَمْرِ دُونَ آلِ الرَّسُولِ o وَجَلَسُوا مَجْلِساً كَانَ آلُ الرَّسُولِ أَوْلَى بِهِ مِنْهُمْ فَغَشُوا دِينَ اللهِ بِالظُّلْمِ وَالْجَوْرِ!!..."([11]).
أقول: ويبدو أن الراوي لم يكن يعلم أن السورة المذكورة نزلت في مكة وفي ذلك الوقت لم يكن هناك خلفاء حتى تشير الآية إليهم، إضافة إلى أن القَسَم بالشيء يدل على أهميته وصلاحه وقدسيته فالله لا يقسم إلَّا بشيء مهم وذي قيمة، فهل كان الخلفاء مقدسين ومهمين إلى ذلك الحد حتى يقسم الله بهم؟ حاشا الإمام الجليل حضرة الصادق u الذي كان أعرف الناس بكتاب الله في زمنه أن يقول مثل هذا الكلام.
حقاً إنه لمن دواعي الأسف أن توجد مثل هذه الأحاديث والروايات الضعيفة والمتهافتة في كتب الحديث والتي توفر أرضية خصبة للادعاءات الباطلة والجزافية لأشخاص من مثل «سيد علي محمد باب الشيرازي» [مؤسس نحلة البابية]، فقد استند هذا الشخص إلى سورة القيامة المباركة وقوله تعالى فيها ﴿وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ ﴾ [القيامة/ 9]، وقال: المراد من الشمس محمد o ومن القمر علي u، ولذلك فالمقصود من وعد الله لهذين الشخصين بأنهما سيجتمعا هو ظهوري أنا لأن هذين الشخصين اجتمعا في اسمي «علي محمد»، والمراد من القيامة أيضاً قيامي!!!
8- وفي الخبر 13 من «روضة الكافي» يدَّعي «سَهْلُ بْنُ زِيَادٍ» بشأن سورة الغاشية في حديثٍ يُسنِدُه إلى الإمام الصادق u أن المقصود هو قيام حضرة القائم. مع أنه من الواضح أن سورة «الغاشية» مكّيَّة والكلام فيها عن يوم القيامة وَلا يوجد أي علاقة لها بالإمام الثاني عشر([12])!
9- وفي الخبر 176 من «روضة الكافي» يروي «سَهْلُ بْنُ زِيَادٍ» حديثاً مخالفاً للقرآن بشكل واضح إذْ يُسْنِدُ فيه إلى الإمام موسى الكاظم u أنه قال لـ«سَمَاعة»: "يَا سَمَاعَةُ! إِلَيْنَا إِيَابُ هَذَا الْخَلْقِ وَعَلَيْنَا حِسَابُهُمْ، فَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ ذَنْبٍ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ حَتَمْنَا عَلَى اللهِ فِي تَرْكِهِ لَنَا فَأَجَابَنَا إِلَى ذَلِكَ، وَمَا كَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ النَّاسِ اسْتَوْهَبْنَاهُ مِنْهُمْ وَأَجَابُوا إِلَى ذَلِكَ وَعَوَّضَهُمُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ!!"([13]).
وليت شعري! هل هذا هو معنى «الآثَار الصَّحيحة عن الصادقين» التي وعد الكُلَيْنِيّ، في مقدمة كتابه، صديقَه بها؟!
ألم يقرأ الكُلَيْنِيُّ في القرآن أن الله تعالى قال لنبيه الأكرم o: ﴿مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ...﴾ [الأنعام/52]، وقال: ﴿إِنْ حِسَابُهُمْ إِلَّا عَلَى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ﴾ [الشعراء/113]. وقال: ﴿إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ. ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ﴾ [الغاشية/25 - 26]([14]).
أولم يقل الله تعالى لنبيِّه الكريم: ﴿قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ...﴾ [الأحقاف/9] ؟؟، أو لم يَقُلْ لرسوله o في استفهام إنكاري: ﴿أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ﴾ [الزمر/19] ؟؟.
هل يُمكن للإمام الجليل موسى الكاظم u أن يقول مثل ذلك الكلام؟! هل كان الكُلَيْنِيّ الذي نقل مثل هذا الحديث عن «سهل بن زياد» مُحِبَاً حقَّاً للإمام؟
10- روى الحرّ العاملي في كتابه «الوسائل» عَنْ «سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ» أنه أسند إلى الإمام علي بن محمد النقي (الهادي) u قوله: "أَهْلُ قُمَّ وَأَهْلُ آبَةَ مَغْفُورٌ لَهُمْ لِزِيَارَتِهِمْ لِجَدِّي عَلِيِّ بْنِ مُوسَى الرِّضَا u بِطُوسَ. أَلَا فَمَنْ زَارَهُ فَأَصَابَهُ فِي طَرِيقِهِ قَطْرَةٌ مِنَ السَّمَاءِ حَرَّمَ اللهُ جَسَدَهُ عَلَى النَّارِ"([15]).
أقول: هل يمكن أن نجد مخالفةً لتعاليم القرآن وتعاليم الإسلام أكثر من هذا؟ هل يمكن أن يتفوَّه إمام الهداية بمثل هذا الكلام؟!
11- ويروي «سَهْلُ بْنُ زِيَادٍ» أن شخصاً سأل حضرة أَبِي الْحَسَنِ u قَائلَاً: جُعِلْتُ فِدَاكَ إِنَّا نَسْمَعُ الْآيَاتِ فِي الْقُرْآنِ لَيْسَ هِيَ عِنْدَنَا كَمَا نَسْمَعُهَا وَلَا نُحْسِنُ أَنْ نَقْرَأَهَا كَمَا بَلَغَنَا عَنْكُمْ فَهَلْ نَأْثَمُ؟؟ فَقَالَ الإمام: "لَا اقْرَءُوا كَمَا تَعَلَّمْتُمْ فَسَيَجِيئُكُمْ مَنْ يُعَلِّمُكُمْ"([16]).
أقول: أولاً: أصحاب النبي o وعلي u لم يكونوا يخاطبوهما بعبارة «جعلت فداك»، ولم يكن ذينك الشخصين الجليلين يرضيان أو يسمحان لأصحابهما بذلك فكيف يسمح الأئمة الذين يُعَرِّفُهُم كتاب «الكافي» لنا بأن يخاطبهم الآخرون بمثل هذا الخطاب؟!
ثانياً: نسأل: ما ذنب الشيعة الذين لم يروا حضرة القائم وماتوا قبل ظهوره حتى يُحرموا من القرآن الأصلي ولا تتم الحجة عليهم؟
ثالثاً: ليست رواية «سَهْلِ بنِ زِيَادٍ» هذه التي تدل على تحريف القرآن هي روايته الوحيدة في هذا المجال، بل قد نُقِلَت عنه روايات عديدة تُشَمّ منها رائحة القول بتحريف القرآن([17]) من جملتها الحديث التالي الذي رواه الكُلَيْنِيّ في الكافي:
12يروي «سَهْلُ بْنُ زِيَادٍ» إسناداً إلى «الْهَيْثَمِ بْنِ عُرْوَةَ التَّمِيمِي» أنَّهُ قالَ: سألتُ حضرة الصادقu عن آية: ﴿فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِق﴾ [المائدة/6]؟ فقال u: "لَيْسَ هَكَذَا تَنْزِيلُهَا، إِنَّمَا هِيَ ﴿فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ مِنَ الْمَرَافِقِ﴾. ثُمَّ أَمَرَّ يَدَهُ مِنْ مِرْفَقِهِ إِلَى أَصَابِعِهِ!!"([18]).
والسؤال الذي يَطرح نفسه: لماذا لم يذكر الله تعالى نفسه حرف «من» بدلاً من حرف «إلى» وأوكل بيان ذلك إلى الإمام الصادق u؟ هل من الصحيح أن يقول الله «إلى» ويقصد منها «مِنْ»، ثم يرسل الإمام ويأمره أن يقول لعباده: رغم أنني قلت «إلى» لكن مقصودي كان «مِنْ»؟!! فَسُبْحَانَ اللهِ عَمَّا يَقُولُ الظَّالِمُونَ([19]).
ونسأل: لماذا لم يُعَلِّمْ عليٌّ u في زمن حكومته الأمَّةَ الحقيقةَ بشأن هذه الآية ولم يبين لهم صورتها الصحيحة؟ ثم نسأل أيضاً هل للحروف ظاهر وباطن أيضاً حتى نقول مثلاً إن باطن «إلى» هو «من» وأن على الإمام u أن يبين لنا تأويلها؟ إن هذه الرواية فاضحة إلى درجة أن المجلسي نفسه اعترف في شرحه لهذا الحديث في كتابه «مرآة العقول» بأنه استناداً إلى هذه الرواية فإن قراءة الأئمة للآية كانت على ذلك النحو.
13 - إحدى تُحَف (!) أحاديث «سهل» أيضاً رواية مضمرة([20]) أثبتها الكُلَيْنِيّ في «الكافي»([21]) على هذا النحو: "عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَسْبَاطٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ بَعْضِ مَنْ رَوَاهُ قَالَ قَالَ: إِذَا أَحْزَنَكَ أَمْرٌ فَقُلْ فِي آخِرِ سُجُودِكَ: يَا جَبْرَئِيلُ يَا مُحَمَّدُ يَا جَبْرَئِيلُ يَا مُحَمَّدُ تُكَرِّرُ ذَلِكَ اكْفِيَانِي مَا أَنَا فِيهِ فَإِنَّكُمَا كَافِيَانِ وَاحْفَظَانِي بِإِذْنِ اللهِ فَإِنَّكُمَا حَافِظَان"([22]).
لقد ذكرتُ مراراً في خطبي وكتبي أن مثل هذه الروايات متعارضة تماماً مع القرآن ومضادة له. فالله تعالى يقول: ﴿أَلَيْسَ اللهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ؟﴾ [الزمر/36]. وينبغي أن ننتبه إلى أن الاستفهام هنا إنكاريٌّ وتوبيخيٌ يهدف إلى إثبات كفاية الخالق لعباده ودلالة هذا النحو في التعبير أشد من دلالة الجملة الخبرية وأكثر قطعيةً. وقال تعالى أيضاً لعباده: ﴿وَكَفَى بِاللهِ نَصِيرًا﴾ [النساء/45]، إذن كفاية العباد صفة من صفات الحق تعالى، لكن هذا الدعاء يعتبر غير الله كافياً للعباد أيضاً!! وقال تعالى لنبيه الأكرم o: ﴿وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ﴾ [الأنعام/107] أو قال تعالى: ﴿إِنَّ رَبِّي عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ﴾ [هود/57]. فهل من الممكن أن يقول الإمام ما يخالف القرآن؟ ورغم ذلك كله نرى أشخاصاً من أمثال «سهل بن زياد» وأضرابه ينسبون إلى الإمام أنه يدعو غير الله بما في ذلك دعاء جبريل والنبيّ وعليّ ويعتبرون أنهم حافظوه وكافوه ويعارض القرآن بكلامه هذا!!
إن أمثال هؤلاء الرواة ينطبق عليهم قول القرآن الكريم: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللهِ وَاللهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ [الجمعة/5]. والطريف أن نعلم أن الكُلَيْنِيّ ذاته الذي روى عن «سهل بن زياد» تلك الرواية التي يُدْعَى فيها غير الله، روى الرواية التالية أيضاً التي لا ينتبه إليها شعبنا كثيراً:
"عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ u قَالَ: "إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ كَرِهَ إِلْحَاحَ النَّاسِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْمَسْأَلَةِ وَأَحَبَّ ذَلِكَ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يُحِبُّ أَنْ يُسْأَلَ وَيُطْلَبَ مَا عِنْدَهُ"([23]).
يجب أن نعلم أنه بصرف النظر عن أصول الكافي وروضة الكافي فإنه يوجد حوالي 1034 رواية في فروع الكافي منقولة عن «سهل بن زياد» هذا، ولذلك من الضروري على طلاب العلم الشرعي - كي لا يُخْدَعوا بعلماء السوء المتعصبين المفرقين بين المسلمين الذي يسترزقون بالدين - أن يحذروا ولا يعتمدوا في استنباط الأحكام الشرعية على «سهل بن زياد». وهنا من الضروري أن أذكر توضيحاً مهماً: لقد ضعَّف قدماء الشيعة جميعهم «سهل بن زياد» هذا، لكن المتأخرين للأسف يقولون: رغم أن «سهلاً» ضعيفٌ إلا أنه إذا كان الرواي عنه هو «عَلِيَّ بْنَ مُحَمَّد بْنِ إبراهيم عَلَّان» أو «محمد بن جعفر بن محمد بن عون الأسدي» المعروف بـ«محمد بن أبي عبدالله» أو «محمد بن الحسن الصفار» أو «محمد بن عقيل الكليني» فإن ضعف «سهل» يُجْبَر عندئذٍ!!
وأقول إن بطلان هذا الكلام واضحٌ، لأنه لا أحد من أولئك الأفراد كان يعلم الغيب ولا أحد منهم كان معصوماً، ولذلك فمن الممكن جداً أن يُخدعوا بظاهر راوٍ ظاهر الصلاح ويصدِّقوا كلامَه، فعلى سبيل المثال، كما ذكر أخينا المحقق جناب الأستاذ «قلمداران»([24])، قال الرجاليون بشأن «محمد بن جعفر الأسدي»: "كان ثقةً، صحيحَ الحديث، إلا أنه روى عن الضعفاء.... وكان يقول بالجبر والتشبيه!!"([25]). أو «محمد بن عقيل الكليني» الذي لم يُذكر في شأنه في كتب الرجال مدحٌ ولا ذمٌّ فحاله مجهولٌ. أو «محمد بن الحسن الصفار» ذاته الذي لا خلاف في كونه ثقة([26])، لكنه لم يمتنع عن الرواية عن شخص مثل «أحمد بن محمد البرقي» - وَكِلا الأب والابن ضعيفان - ومن جملة ذلك روايته لهذه الرواية التالية الفاضحة: "........ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ قال حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الصَّفَّارُ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللهِ البرقيِّ قالَ في رواية إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ u قال سمعته يقول: "
13مَنْ مَضَتْ لَهُ جُمْعَةٌ وَلَمْ يَقْرَأْ فِيهَا قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ثُمَّ مَاتَ مَاتَ عَلَى دِينِ أَبِي لَهَبٍ!"([27]).
هذه النماذج كافية لإبطال كلام المتأخرين وهي تُثبت أن الرواة الثقاة أيضاً يمكنهم أن يُخْدَعوا وَيرووا روايات باطلة وموضوعة.
([1]) انظر مثلاً قول النجاشي في رجاله (ص 185) عنه: "490 - سهل بن زياد أبو سعيد الآدمي الرازي: كان ضعيفاً في الحديث، غير معتمد فيه. وكان أحمد بن محمد بن عيسى يشهد عليه بالغلو والكذب وأخرجه من قم إلى الري وكان يسكنها". (المُتَرْجِمُ)
([2]) انظر مثلاً ما قاله عنه المرحوم ابن الغضائري: "سهل بن زياد أبو سعيد الآدمي الرازي: كان ضعيفاً جداً فاسد الرواية والمذهب، وكان أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري أخرجه من قم وأظهر البراءة منه ونهى الناس عن السماع منه والرواية ويروي المراسيل ويعتمد المجاهيل". أحمد بن الحسين بن الغضائري، رجال ابن الغضائري، طبع قم، مؤسسه اسماعيليان، 1364هـ. ق.، ج3 ، ص 179. (المُتَرْجِمُ).
([3]) انظر رجال الكشي (ص 566) ذيل الترجمة رقم (1068) الخاصة بـ"أبي الخير صالح بن أبي حماد الرازي" وفيها: "قال عليُّ بن محمد القتيبي... كان أبو محمد الفضل [بن شاذان] يرتضيه وَيمدحه وَلا يرتضي أبا سعيد الآدمي وَيقول هو الأحمق". (المُتَرْجِمُ)
([9]) المذكور في المتن هو الآية 15 من سورة المائدة، دون ذكر نص الآية بل المعنى، مع أنه ليس في الآية 15 المعنى الذي يريده المؤلف، بل هو في الآية 19 التي ذكرتُها أعلاه، وأعتقد أنه تصحيف من المنضِّد. (المُتَرْجِمُ)
([14]) كما تلاحظون تأخير الفعل عن الجار والمجرور المتعلقين به في الآية يفيد الحصـر أي أن إياب الخلق وحسابهم على الله وحده فقط لا غيره.
([19]) راوي الحديث الفاضح رقم 11 من روضة الكافي، الذي سنذكره لاحقاً في هذا الكتاب، هو «سَهْلُ بْنُ زِيَادٍ» الكذَّاب ذاته.
([20]) المقصود من الرواية المضمرة عدم تصريح الكُلَيْنِيّ بشيخه الذي أخذ الرواية عنه بل قوله: "عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا". (المُتَرْجِمُ)
([22]) ولقد تم استبدال هذا الدعاء في الزيارات والأدعية الموضوعة المخترعة إلى عبارة: "يا محمد يا علي، يا علي يا محمد!!" وقد ذكَّرْتُ دائماً في خطبي وكتبي بمخالفة هذا الدعاء ومعارضته التامَّة للقرآن الكريم و لتعاليم الإسلام. يُراجَع في ذلك ص 167 من كتاب «زيارت و زيارتنامه» [أي زيارة المزارات وأدعية الزيارات]. في التعليق على أحوال «حسن مثلة الجمكراني» الذي تم بيان حاله تحت رقم 102. أو يُراجع كتابنا «تضاد مفاتيح الجنان با قرآن» [أي مخالفة كتاب مفاتيح الجنان للقرآن]، وكتابنا: «دعاهايى از قرآن» [أي أدعية من القرآن].
([26]) اعتبره الأستاذ البهبودي متساهلاً في نقل الحديث. ومن المُلفِت أن جناب «الصفَّار» رغم أنه لا يعتبر «البرقي» ثقةً، إلا أنه يروي عنه الرواية المذكورة أعلاه! راجع كتاب «معرفة الحديث»، انتشارات علمى و فرهنگى، ص 109.
([27]) الشيخ الصدوق، ثواب الأعمال وعقاب الأعمال، ص 510. وبالطبع فقد وقع الكُلَيْنِيّ في مثل هذا الخطأ أيضاً إذْ روى نحو هذا الحديث الفاضح في المجلد الثاني من كتابه الكافي، باب «فضل القرآن»، ص 622 !!. هذا مع أن علماء الشيعة مجمعون على عدم وجوب قراءة هذه السورة، فضلاً عن أن يكون ترك قراءتها سبباً في بطلان الصلاة أو الخروج من الدين؟!! ومن هذه الموارد يمكننا أن نقف على مدى علم الكُلَيْنِيّ والشيخ الصدوق وفهمهما! (فتأمَّل)