267. مشكلة وضع الحديث بين المسلمين

اعلم أن وضع الحديث انتشر بين المسلمين منذ قديم الأيام فكانت كل واحدة من الفرق الإسلامية تضع الحديث تأييداً لمذهبها! وكان العوام البُسطاء الذين لا علم لهم بالقرآن يصدقون تلك الأخبار والأحاديث وينشرونها بدورهم بين سائر المسلمين. وقد لاحظتم في الكتاب الحالي نماذج عديدة للأحاديث الموضوعة، وللأسف لم تقتصر هذه المصيبة الكبرى على القرون الماضية فحسب بل لا زال بعض الناس في زماننا يواصلون هذا العمل!

ومن نماذج وضع الحديث في زماننا مقالةٌ طُبعت في مجلة «مكتب اسلام»([1]) [أي دين الإسلام]. يبدو أن صاحب تلك المقالة شخصٌ يُدعى «مهدي ايماني» من أصفهان كتبها وأرسلها إلى المجلة. وبعد مدة من الزمن كتب فرد يُدعى الدكتور «رحيم هويدا» الذي يبدو أنه كان أستاذاً في جامعة تبريز مقالةً في المجلة ذاتها تؤيد التقرير السابق([2]) إذ يبدو أنه صدق ذلك الخبر وظنه حقيقةً!

وكتب أحد كُتَّاب مجلة «رنگين كمان نو» [أي قوس قزح الجديد] مقالة في نقد ذلك التقرير الذي نشرته مجلة مكتب اسلام([3]). كما قام بطباعة بيان (منشور) في صفحة واحدة ووزعه بين الناس كي لا يُخدع الناس بمثل تلك الأخبار الموضوعة. وسنذكر فيما يلي لفائدة القراء ذلك التقرير الخبري ثم المقالة التي ذُكرت تعليقاً عليه وتأييداً له بشيء من التصرف اليسير ثم نذكر نص البيان الذي أصدره الدكتور رحيم هويدا كي يكون في ذلك عبرة وموعظة للناس إن شاء الله تعالى. فاعتبروا يا أولي الأبصار.

«تقرير خبري مثير للغاية ذكرته مصلحة علم الآثار السوفييتية بشأن سفينة حضرة نوح (ع):  نشرت مجلة «اتفادنيزوب» السوفييتية الرسمية، ذات الانتشار الواسع والتي تصدر شهرياً، التقريرَ العجيب التالي وهو تقرير ذو قيمة كبيرة من ناحية علم الآثار من جهة ومثير وملفت للنظر من الناحية الدينية بوصفه من أقوى الأدلة على عظمة القرآن وعقائدنا الدينية وعلى إثر نشر ذلك المقال قام عدد من الكُتَّاب: إنجليزي ومصري وباكستاني و...... بترجمة ذلك المقال والتقرير الخبري عن الروسية إلى الإنجليزية والعربية والأردية و.... ونشروه في المجلات والصحف المحلية. وفيما يلي نذكر خلاصة عن ذلك التقرير الخبري مع توضيحات بشأن قيمته العلمية والدينية. كتبت المجلة المذكورة في عددها الصادر في تشرين الثاني من عام 1953 تقول:

((اكتشاف الحكومة السوفيتية لآثار سفينة نوح وتوسّله إلى الله بمحمد وأهل بيته: وقد شاء الله بقدرته وحكمته أن يظهر هذه البشائر ويحققها لعباده باكتشاف جديد في قرننا هذا، اكتشفته الحكومة السوفيتية، وأعلنته بعض مجلاتهم ومجلات وصحف بعض الدول الأخرى، من توسل نوح شيخ المرسلين – أثناء غرق قومه المكذبين ونجاة سفينته – بأهل البيت وأن يساعده لأجلهم ولأجل أسمائهم المباركة فيوجهه تعالى نحو الطريق المستقيم.

"في تموز عام 1951 حينما كان جماعة من العلماء السوفييت المختصين بالآثار القديمة ينقبون في منطقة بوادي قاف [طبقاً لما جاء في القرآن الكريم بشكل صريح فإن المكان الذي رست فيه سفينة نوح بعد الطوفان هو «الجودِيّ»، وهو - حسب ما ذكره صاحب «مراصد  الاطّلاع» و «منجد العلوم»- جبلٌ يقع على بعد 40 كيلومتراً في الجهة الشمالية الشرقية من جزيرة «ابن عمر» وهي مدينة صغير في سوريا تقع على نهر دجلة بناها الحسن بن عمر الخطاب الثعلبي عام 961 هـ.. وحسب ما رواه آخرون ومنهم المؤلف الجليل لـ«تفسير  الميزان» فإن «الجودِيّ» هو جبل «آرارات» من جبال أرمينية بين إيران و تركستان روسيا، ويقع في ديار بكر من نواحي الموصل. وبالطبع فإن جميع هذه الآراء يمكن أن تنطبق على وادي قاف في موسكو محل اكتشاف الألواح الخشبية، إذْ إنها لو لم تكن قريبة منه الآن، فمن الممكن أن تكون تلك اللواح الخشبية قد استقرت في أعماق الأرض في تلك المنطقة بمرور الزمان، وعلى إثر أمواج البحر والتحولات التي وقعت على مدى عدة آلاف من السنين]، عثروا على قطع متناثرة من أخشاب قديمة مُتَسَوِّسَة وبالية مما دعاهم إلى التنقيب والحفر أكثر وأعمق، فوقفوا على أخشاب أخرى مُتَحَجِّرة وكثيرة كانت بعيدة في أعماق الأرض.[وقد تبيَّن لاحقاً أن هذه الألواح قطع انفصلت عن سفينة نوح([4]) وعلى إثر التحولات البحرية والبرية طيلة 5000 سنة بقيت في باطن الأرض].

ومن بين تلك الأخشاب التي توصلوا إليها نتيجة التنقيب خشبة على شكل مستطيل طولها (14) عقداً وعرضها (10) عقود سببت دهشتهم واستغرابهم، حيث لم تتغير ولم تتسّوس، ولم تتناثر كغيرها من الأخشاب الأخرى.

وفي أواخر سنة 1952 أكمل التحقيق حول هذه الآثار، فظهر أن اللوحة المشار إليها كانت ضمن سفينة نوح(عليه السلام) وأن الأخشاب الأخرى هي أخشاب جسم سفينة نوح(عليه السلام).

ومما يذكره المؤرخون أن سفينة نوح(عليه السلام) استوت على قمة جبل قاف.

وشهد أن هذه اللوحة قد نقشت عليها بعض الحروف التي تعود إلى أقدم لغة. وهنا ألفت الحكومة السوفيتية لجنة بعد الانتهاء من الحفر عام 1953 قوامها سبعة من علماء اللغات القديمة ومن أهم علماء الآثار، وهم:

1)    البروفسور سولى نوف: أستاذ الألسن القديمة في جامعة موسكو.

2)    ايفاهان خنيو: عالم الألسن القديمة في كلية لولوهان بالصين.

3)    ميشانن لوفارنك: مدير الآثار القديمة.

4)    تانمول كورف: أستاذ اللغات في كلية كيفزو.

5)    البروفسور دي راكن: أستاذ الآثار القديمة في معهد لينين.

6)    ايم أحمد مولاد: مدير التنقيب والاكتشافات العام في الاتحاد السوفييتي.

7)    ميچر كولتوف: رئيس كلية ستالين.

وبعد ثمانية أشهر من دراسة تلك اللوحة والحروف المنقوشة عليها، اتفقوا على:

1- أن هذه اللوحة كانت مصنوعة من نفس الخشب الذي صنعت منه سفينة نوح(عليه السلام) [إلا أنها لم  تكن قد بليت وسوَّست كما حصل لسائر قطع الألواح الخشبية بل بقيت سالمة على نحو يمكن معه قراءة الخطوط التي كتبت عليها). وأن النبي نوحاً(عليه السلام) كان قد وضع هذه اللوحة في السفينة للحفظ والتبرك.

2- وكانت حروف هذه اللوحة باللغة السامانية أو السامية، وهي أم اللغات على ما حقق ذلك صاحب كتاب (إيليا) عن كثير من المحققين وهي لغة نوح وأبنائه، ونسبت إلى ابنه (سام).

3- وقد ترجمها العلماء الروس المختصون باللغات القديمة إلى اللغة الروسية، وهذا نصها مع تعريبها: (يا إلهي ويا معيني - برحمتك وكرمك ساعدني -  ولأجل هذه النفوس المقدسة(عليه السلام) - محمد إيليا alia (علي) - شبر (الحسن) - شبير (الحسين) - فاطمة - الذين جمعيهم عظماء ومكرمون -  العالم قائم لأجلهم  - ساعدني لأجل أسمائهم - أنت فقط تستطيع أن توجهني نحو الطريق المستقيم).

ثم ترجمها إلى الإنكليزية العالم البريطاني (اين ايف ماكس) أستاذ الألسن القديمة في جامعة (مانچستر). وانتشرت بعينها في هذه المجلات والصحف التالية:

1)    مجلة (ويكلي ميرر) الأسبوعية Weekly Mirror اللندنية بعددها الصادر في 28 كانون الأول 1953.

2)    مجلة (أستار) اللندنية Britania Star في عددها/ كانون الثاني 1954.

3)    جريدة (سن لايت) Sunlight الصادرة في مانـچسـتر 23 كانون الثاني 1954.

4)    جريدة (ويكلي ميرر) اللندنية Weekly Mirror في 1/ شباط/ 1954.

5)    جريدة (الهدى) القاهرية في 3 مارس 1954.([5])

ثم العالم والمحدث الباكستاني القدير «حكيم سيد محمود گيلاني» الذي كان فيما سبق مديراً لتحرير صحيفة «أهل الحديث» في باكستان، والذي كان في البداية من أهل السنة ثم تشيَّعَ عن علم وبصيرة، بترجمة ذلك التقرير إلى اللغة الأردية ونشره في كتاب باسم (كتاب «إيليا مركز نجاة أديان العالم»، في 45 صفحة بعنوان الكتاب صغير الحجم الثاني والخمسين من نشرات دار المعارف الإسلامية في لاهور، باكستان، سنة 1381 هـ.)

ثم قامت مجلة (البذرة) النجفية، في العددين: الثاني والثالث، لشَهْرَي شوال وذي العقدة سنة 1385، السنة الأولى ص78-81 تحت عنوان: (أسماء مباركة توسل بها نوح) بترجمة ذلك المقال من الأوردية إلى العربية

وأرى الآن من الضروري أن ألفت نظر القراء المحترمين - بشكل مختصر - إلى بعض النقاط كي يدركوا بشكل أفضل القيمة العلمية والتاريخية لهذا الاكتشاف الأثري:

1- اكتشاف تلك الألواح الخشبية وهذا اللوح المنقوش عليه، أحد الدلائل على أصالة وحقيقة قصص القرآن المجيد والأحاديث الدينية التي ذكرت بالتفصيل قصة سفينة نوح وغرقها كما كتب عنها المؤرخون الإسلاميون وغير الإسلاميين.

2- أن معتقدات الشيعة في أهل البيت ليست مبنية على أهواء زعماء الشيعة ومؤلفيهم ومبالغاتهم، بل مبنيّة على جملة من الحقائق العلمية والوقائع التاريخية التي وجدت الشيعة نفسها مضطرة إلى التسليم بها، ونتيجة لذلك اختارت اتّباع أهل البيت.

من البديهي أن استمداد نوح النبي (ع) من أهل بيت الرسالة ونقش أسمائهم على سفينة قبل نزول القرآن بعدة آلاف من السنين ثم ظهور الإسلام وافتراق المسلمين إلى فرقتين مختلفتين ومتضادّتين: الشيعة والسنة، لا يمكن تفسيره إلا بالإلهام الصادر من مبدأ أعلى وبالإشارة الغيبية. صحيح أن حضرة نوح (ع) نَقَشَ على اللوح الأسماء المقدسة لمحمد وعلي والحسن والحسين وفاطمة بعنوان الدعاء والتبرّك ولكن في الحقيقة كان ذلك الأمر تنبؤاً عجيباً عن عهود بعيدة جداً سيظهر فيها أهل بيت الوحي والرسالة، الذين ظهروا بعد حوالي 5000 سنة من وقوع الطوفان.

والملفت للنظر اكتشاف مثل هذه الآثار التاريخية القديمة جداً في بلد غير ديني وعلى يد أفراد غير مسلمين، وفي النهاية وقوع ذلك في بيئة كان قد تخلت عن الدين والإيمان بالمبدأ والمعاد والوحي والرسالة منذ نصف قرن ولا تنظر إلى العالم وما فيه إلا بمنظار المادية المحدود.

ولا يخفى أن حادثة هذا اللوح بمقدار أهميتها وقيمتها من ناحية علم الآثار في دنيا اليوم، هي مهمّةٌ أيضاً دينياً ومذهبياً للمسلمين بشكل عام وللشيعة بشكل خاص.

تذكير: مطالب هذه المقالة مأخوذة من ترجمة مجلة "بذرة" الصادرة في النجف ومن كتاب "قبس من القرآن في صفات الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله)" تأليف الشيخ عبد اللطيف البغدادي، طبع عام 1389 ه.ق في النجف)).  انتهى كلام مجلة "مكتب اسلام".

كما قلنا كتبت مجلة «رنگين كمان نو» بشأن ذلك التقرير الخبري ما يلي:

((إن قراءة ذلك المقال في مجلة «مكتب اسلام» القيّمة يُثير العجب لأنه طبقاً لكتابات السيد «مهدي ايماني» من أصفهان فإن اكتشاف ألواح سفينة نوح الذي نُشر في مجلة «اتفادنيزوب» المطبوعة، يتعلق بسنة 1953 أي قبل تسعة عشر عاماً والذي يُثير العجب لدينا هو تساؤلنا عن السبب في عدم اطِّلاع الشعب الإيراني الشيعي على قصة بهذه الأهمية لفتت إليها أنظار الإنجليز فكتبت أربع صحف إنجليزية عنها في تلك السنة، كما نشرتها صحيفة مصرية، ورغم أن جارتنا باكستان ترجمت ذلك المقال في ذلك التاريخ ذاته من الإنجليزية إلى الأردية، لم يطِّلع شعبنا في إيران حتى السنة الماضية على هذه القصة؟! هذا مع أنه منذ أن اختُرعت وسائل الاتصالات السريعة خاصةً في فترة الحرب العالمية الأولى انتشرت الأخبار في كل زاوية من زوايا الدنيا، وإن لم تصل الأخبار بشكل فوري، فعلى الأقل كانت تصل إلى أقصى نقاط الدنيا خلال أقل من 24 ساعة.

لنفرض أن وسائل الاتصال كالراديو والتلفاز والتلغراف وكل وسائل نشر الأخبار لم تكن موجودة في ذلك الحين، وقد تحدثنا في الأعداد السابقة من هذه المجلة عن نشر الأخبار وإذاعتها ونشر الشائعات وأن ذلك أصبح رائجاً إلى درجة أنه عندما يُخْبِرُ شخصٌ شخصاً آخر خبراً في مدة ربع ساعة ثم يقوم كل واحد من الشخصين إضافةً إلى صاحب الخبر الأصلي الذين يُشكِّلون مع بعضهم ثلاثة أشخاص، كل واحد منهم يقوم بنشر الخبر لدى شخصين آخرين في ربع ساعة فيكون المجموع سماع تسعة أشخاص لذلك الخبر، فلو واصل الناس نشر الأخبار خلال ربع الساعة الثالثة على هذا النحو وقام كل واحد من الأشخاص التسعة بنقل ذلك الخبر إلى شخصين آخرين كان عدد المُطَّلعين على ذلك الخبر 27 شخصاً فلو تواصل نشر الأخبار على هذا النحو فإنه خلال مدة خمس ساعات على أقصى تقدير سيطَّلع جميع أهل الكرة الأرضية الذين يبلغ عددهم ثلاثة مليارات على ذلك الخبر. إن ما نذكره ليس ادَّعاءً بل خُذْ قلماً واحسب أنه في الساعة التي تتكون من أربعة أرباع، إذا ضربتَ العدد 27 بالعدد 3 يكون عدد الأشخاص 81 شخصاً، اضرب هذا العدد برقم 3 إلى آخره كي ترى أنه مع انتهاء الربع العشرين أي الخمس ساعات سيكون الخبر قد انتشر بين أكثر من ثلاثة مليارات شخص.

إن تعجبنا هو من جهة أن مسألةً بأهمية اكتشاف سفينة نوح -التي تكلمت عنها كل المذاهب اليهودية والمسيحية والمسلمة- لاسيما أنها مسألة تتعلق بكتابة فوق لوح خشبي خاص بالسفينة قرأها عالم الآثار الروسي، وهي مهمة جداً بالنسبة إلى الشيعة. استغرقت 19 سنة حتى وصل خبرها إلينا!

يُمكن أن يقول الناس: إن الروس ماديين لا دين لهم ويُنكرون وجود الله كما يُنكرون الأنبياء والدين والمذهب ولذلك لما اكتشفوا هذا الاكتشاف لم يرفعوا صوتهم ولم يُحدثوا أي ضجيج كي لا يتخلى الشعب الروسي البلشفي (الشيوعي) عن إلحاده. ولكن بالنظر إلى أن السيد «مهدي ايماني» كتب في مقاله أن ذلك الخبر نُشر قبل تسعة عشر عاماً في مجلة «اتفادنيزوب» الرسمية الواسعة الانتشار، فإننا ننصرف عن هذا التفكير لاسيما بالنظر إلى أنه في تلك الأيام نفسها تسرَّب هذا الخبر من ثنايا الستار الحديدي الذي أُحيطت به روسيا السوفييتية وأُدرج في عدد من المجلات والصحف البريطانية ثم انتقل إلى باكستان وانتشر باللغة الأردية، ونصل إلى هذه النتيجة ونسأل أنفسنا: كيف بقينا نحن الشعب الإيراني الشيعي جاهلين بهذا الخبر تماماً رغم كل ما لدينا من مراكز دينية ومذهبية؟ وما الذي حدث حتى لفت هذا الموضوع المهم نظر السيد «مهدي ايماني» للمرة الأولى فقام بترجمة المقال المذكور وإرساله إلى قم ليتم نشره في مجلة «مكتب اسلام»؟

وعلى كل حال، لما كان الموضوع مهماً قررت أن أقوم بالتحقيق فيه. انطلاقاً من ارتباط هذا الاكتشاف بموضوع علم الآثار، رجعت إلى مديرية الآثار والمتاحف لدينا لأبحث هل لديهم معرفة بهذا الاكتشاف المهم؟ هل كُتب عنه أي شيء في الكتب التي انتشرت خلال مدة التسعة عشر عاماً الماضية؟ بعد الدراسة الدقيقة للموضوع تبيَّن أنه لم يُكتب أي شيء عن هذا الموضوع أصلاً. في النهاية قررت أن أرجع إلى المصدر الأصلي لهذه القصة لأحصل على المعلومات منه، لهذا السبب رجعت إلى الملحق الإعلامي التابع لسفارة «اتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية» في إيران وطلبت منه أن يبحث لي عن هذا الموضوع ويُعطيني الجواب. لم تطل المدة إلا واستلمت منه جواباً أنقله لكم هنا بعين ألفاظه: قال لي:

إجابةً عن رسالة جنابكم أود إعلامكم بما يلي:

1- لا وجود للوح خشبي متعلق بسفينة نوح في متحف موسكو.

2- لم تهتم مصلحة علم الآثار السوفييتية أبداً ولا بأي شكل من الأشكال في مجال البحث عن بقايا «سفينة نوح».

3- لم تُطبع في الاتحاد السوفييتي أصلاً أي مجلة باسم «اتفادنيزوب».

مع التقدير والاحترام

آسيرا يجكين، الملحق الإعلامي في سفارة «اتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية» في إيران.

 

تلك كانت المعلومات حول اكتشاف الألواح الخشبية لسفينة نوح التي كتبوا لنا عنها. إنني أطلب من مجلة «مكتب اسلام» التي نشرت مقال السيد «مهدي ايماني» أن تتصل بذلك السيد الذي قام بترجمة تلك المطالب وإرسالها إلى المجلّة الكريمة - إن كان بإمكانها الوصول إليه - وتطلب منه أن يُرسل إليها الوثائق والمستندات التي أشار إليها في مقاله وأن يبحثوا ضمن ذلك ويلاحظوا أنه: أليس هل الهدف من نشر مثل هذه الأخبار أن تسود الفرقة بين فرق المسلمين المختلفة وأن تبقى بينهم العداوة والاختلافات كما كانت من قبل؟

في الختام يرى الكاتب أنه من الضروري التذكير بنقطة مهمَّة وهي - كما يعلم الكُتَّاب المحترمون في مجلة «مكتب اسلام»-: أن أعداء الدين قاموا بوضع أخبار وأحاديث وروايات اشتُهرت باسم «الإسرائيليات». وكان هدفهم إبعاد المسلمين بواسطة هذه الأخبار والأحاديث والروايات عن القرآن الذي هو وحي الله الذي نزل على محمد المصطفى J. أليس وضع مثل تلك الأخبار الذي يترافق في تاريخه مع تأسيس دولة اليهود في فلسطين هو أيضاً من جملة الإسرائيليات؟

ولا يفوتني أن أقول: إنه قبل أن يصل إليَّ جواب الملحق الإعلامي السوفييتي كنت قد أدركت من خلال قراءة ذلك المقال الخبري والتوضيحات التي أُعطيت فيه ورغم المهارة التي بُذلت في تنظيم ذلك المقال، أن هناك أخطاءً جغرافيةً في أصل المقال. ومن جملتها أنه تمَّ التوفيق والتطبيق بين مدينة «الموصل» التي تقع في أرض العراق وجبال أرارات التي تقع بين تركستان الروسية وإيران ووادي قاف الذي يقع [حسب ادِّعاء كاتب المقالة] في موسكو في حين أن تلك المناطق والمدن تبعد عن بعضها بمسافات شاسعة، هذا بالإضافة إلى تآكل واهتراء وتسوس الخشب خلال خمسين قرن من الزمن وعدم وجود الخط والكتابة في زمن نوح وكثير من التفاصيل الأخرى.......... ورغم ذلك رجعت إلى منشأ الخبر الذي هو روسيا السوفييتية.

نحن لا نُنكر قصة نوح لأنها حقيقة واقعة واستناداً إلى هذا الأصل أعلنا عن مسابقة حول هذه القصة في الأعداد السابقة من هذه المجلة ذاتها «رنگين كمان» وأدرجنا فيها أفضل الأجوبة التي وصلت إلينا. لكن الكلام هو في أن مثل تلك الأمور والمطالب كانت مثار استغراب وتعجب لدينا وفي الوقت ذاته الذي قرأنا فيه تلك المقالة في مجلة «مكتب اسلام» المحترمة ورغم أنه لم يصلنا أي خبر رسمي، أشرنا إليها قبل عدة أعداد وبيَّنا الغرض من وضع وافتراء وتلفيق مثل تلك الأخبار.

صدّقوني أننا عندما ننتبه ونحسب بالأعداد والأرقام بأنه يوجد في العالم اليوم 100 مليون مسلم عربي وحوالي 400 مليون مسلم غير عربي كلهم يؤمنون بالله ويعتبرون محمداً رسول الله ويؤمنون بالقرآن وحياً إلهياً، فإن السؤال الذي يطرح نفسه ماذا لو اتّحد هذا الجمع الغفير جميعاً في سبيل الله تحت لواء لا إله إلا الله واتّفقوا على العمل لله هل كان من الممكن لجماعة صغيرة من الناس متشرّدة وتائهة لا يزيد عددها بعد سنوات من المتابعة والعمل عن ثلاثة ملايين شخص أن يهزموا المسلمين ويخضعوهم؟ لو لم تكن هناك تفرقة وعداوة بين المسلمين، ولو لم يُخدَع المسلمون الحقيقيون ولم يقاتلوا بعضهم بعضاً على أمور فرعية وأخبار وأحاديث موضوعة متأثرين بإثارة أعداء الإسلام في تركستان الروس وإيران ووادي قاف هل كان من الممكن أن تبقى الشعوب الإسلامية قروناً طويلةً أسيرةً في قبضة استعمار الدول المسيحية، والآن عندما رأينا أوضاع العالم تتغير وأن المسلمين نهضوا لاستعادة أراضيهم نجدهم يتوسّلون إلى الدول الشيوعية المنكرة لوجود الله والمعادية للمؤمنين بالأديان بما في ذلك المسلمين؟

إخوتي في الإسلام! أيها المواطنون الإيرانيون الأعزاء! هل يصحّ أن نتقاتل على مسائل فرعية ونُفرح بذلك قلوب أعداء الإسلام المعادين لبلادنا؟ هل يصحّ أن نهدر قدراتنا الإبداعية وقوانا الفعّالة على استنباطات غير صحيحة واستنتاجات في غير محلّها، ونحقد بعضنا على بعض ويعادي بعضنا الآخر بسبب كلمات وجمل وأخبار موضوعة؟ ....الخ.)). (انتهى)

يقول كاتب هذه السطور إن أفضل وسيلة للنجاة من الوقوع في أسر الخرافات وعدم الاغترار والانخداع بالأخبار الموضوعة هي معرفة القرآن الكريم.

فمثلاً جاء في ذلك التقرير الخبري أن «العالَم قائم لأجلهم [أي لأجل أولئك الأشخاص الخمسة: محمد وعلي والحسنَين وفاطمة  عليهم السلام]» مع أنّ كل إنسان عالِم بالقرآن يعلم أنه من المحال أن يعتقد حضرة نوح u مثل ذلك الاعتقاد، لأن الله تعالى قال لرسوله الأكرم - صلوات الله ورضوانه عليه -: ﴿قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ﴾  [الأحقاف/9]. كما قال القرآن عن حضرة عيسى عليه السلام - ولا أحد يدّعي أن العالَم قد قام لأجله وببركته - : ﴿مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ ...﴾  [المائدة/75]، وقال عن حضرة خاتم النبيين أيضاً: ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ﴾ [آل عمران/144]، وقال للنبي J: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ﴾ [الأنعام/90].

فالنبيُّ الذي عليه أن يهتدي بهدى الأنبياء السابقين ويسير على طريقهم الربَّاني ويتَّبِعَ هداهم -ومن جملتهم حضرة نوح u - كيف يمكن أن يكون العالَم قد أُقيم لأجله؟  النبي الذي لم يكن يعرف بعض الأنبياء (النساء/164 وغافر/78) كيف يمكن أن يكون العالَم قد أُقيم لأجله؟

إن القرآن الذي يخاطب جميع البشر قائلاً: ﴿خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا﴾ [البقرة/29]، فكيف لم يُشِر إلى ذلك الأمر أدنى إشارة؟ لماذا لم يُشِر القرآن الذي أثنى على النبيّ‌الأكرم J أعظم الثناء إلى ذلك الموضوع المهمّ أدنى إشارة؟ إن النبي الذي - حسب رواية الكافي التي تتفق مع القرآن أيضاً (الحديث 5 من الباب 114) - لم يكن يعلم قبل بعثته ما الكتاب ولا الإيمان؟ (الشورى/52) كيف يمكن أن يكون العالم قد أُقيم لأجله؟

ثم إن القرآن يقول إن حضرة نوح u قال لأتباعه: ﴿ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [هود/41]؛ فكان نوحٌ u يعلم قطعاً أن الله كافٍ لعباده (الزمر/36) ولم يكن يرى أي لزوم قطعاً لذكر اسم غير الله وحفره على السفينة، كما أنّه لما طلب النجاة لابنه طلب ذلك من الله وحده فقط ولم يذكر اسم غير الله في دعائه ولم يقسم على الله باسم أي شخص.

ثم إن ذلك التقرير الخبري ذكر لحضرات علي والحسنَين عليهم السلام ثلاثة ألفاظ ترجمها الكاتب إلى علي والحسن والحسين، ولكن لماذا لم يذكر لمحمد وفاطمة اللفظين في تلك اللغة  التي كُتِب فيها التقرير الأصلي؟ إضافة إلى ذلك أنه من المثير للانتباه أنّه ذُكِر في الإنجيل لرسول‌اللهJ اسم «أحمد» الذي يمكن أن نعتبره اسم النبي الثاني، أما في سفينة نوح فقد تم التعريف بنبيّنا باسمه «محمد»!

وفي النهاية لماذا لم يذكر الله في القرآن إلا اسم النبي ولم يذكر أسماء الأشخاص الآخرين؟ ألم يكن من الأفضل بدلاً من أن يُكتَب أسماء تلك الشخصيات الكريمة على لوح سفينة نوح أن يُذكَروا في القرآن كي تسهل أكثر معرفتهم على الناس؟



([1])   مكتب اسلام، السنة الثانية عشرة، عدد شهر آبان 1350، الصفحة 26 إلى 29.

([2])   مكتب اسلام، السنة الثالثة عشرة، عدد شهر بهمن 1350، (ذي الحجة 1391هـ)، الصفحة 17 فما بعد.

([3])   «رنگين كمان نو»، السنة الخامسة، العدد 26، الصفحة 7 فما بعد.

([4])   كيف عرفوا أن تلك الألواح متعلقة بسفينة نوح؟

([5])   لماذا نشرت جريدة (ويكلي ميرر) الخبر بعد شهر من نشر مجلة (ويكلي ميرر) له؟ لماذا امتنعت عن نشر الخبر مدة شهر كامل؟ ألم  يكن من الأفضل أن يتم نشر الخبر بشكل منتظم أكثر وهو أن تقوم أولاً جريدة (ويكلي ميرر) بنشر الخبر، وبعد أسبوع تقوم مجلة (ويكلي ميرر) بطباعة الخبر في عددها الجديد ونشره؟.

ثم إن الجريدة المصرية (الهدى) نشرت الخبر قبل تسعة أشهر من الصحف البريطانية، في حين نشرت المجلة العربية «البذرة» الصادرة في النجف الخبر بعد أربعة سنوات من ترجمة تلك  المقالة في باكستان من العربية إلى الأردية!