240. بَابٌ نَادِرٌ

أورد الكُلَيْنِيّ في هذا الباب أربعة أحاديث لم يُصحِّح المَجْلِسِيّ ولا البِهْبُودِيّ أياً منها! وقال المَجْلِسِيّ عن الحديثين 1 و3 إنهما ضعيفان، وعن الحديثين 2 و4 إنهما مجهولان.

وقد تكلَّمنا سابقاً عن الحديث الثالث (ص 153-154) فَلْيُرَاجَعْ ثَمَّةَ.

في الحديث الثاني يروي «إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدِّينَوَرِيُّ» - وهو مهملٌ ومجهولٌ- عن مجهول ومهمل آخر يُدعى «عُمَرُ بْنُ زَاهِرٍ» أن شخصاً مجهولاً سأل الإمام الصادق u "عَنِ الْقَائِمِ يُسَلَّمُ عَلَيْهِ بِإِمْرَةِ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَ: لَا ذَاكَ اسْمٌ سَمَّى اللهُ بِهِ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ (ع) لَمْ يُسَمَّ بِهِ أَحَدٌ قَبْلَهُ‏ وَلَا يَتَسَمَّى بِهِ بَعْدَهُ إِلَّا كَافِرٌ! قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ! كَيْفَ يُسَلَّمُ عَلَيْهِ؟! قَالَ: يَقُولُونَ السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا بَقِيَّةَ اللهِ ثُمَّ قَرَأَ ﴿بَقِيَّتُ اللهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ‏﴾ [هود/86]!!

لاحظوا كيف ينسب مجموعة من الرواة مجهولي الهوية إلى الإمام كلاماً ينضح بالجهل من جميع جوانبه ويخالف العقل والتاريخ.

أولاً: أين سمَّى الله تعالى حضرة عليٍّ u بأمير المؤمنين؟

ثانياً: هذا الادِّعاء مخالفٌ للعقل، لأن كلَّ من انتخبه المسلمون وجعلوه أميراً عليهم، يصبح تلقائياً أميراً للمؤمنين. كما خاطب عليٌّ u نفسه الناس قائلاً: "أيها الناس عن ملأٍ وأُذُنٍ أمْرُكُم هذا، ليس لأحد حقٌّ إلا من أمَّرتم([1])".([2])

طبقاً للغة العربية كلُّ من أمَّرَه المؤمنون على أنفسهم وجعلوه أميراً يقال له «أمير المؤمنين» مثل «أمير المؤمنين» المدفون في «مزار شريف» في بلخ (أفغانستان) ومن ذرية الإمام الحسن المجتبى (ع). إذا كان الأمر كذلك فإذا قام المؤمنون برسول الله J بتأمير شخص عليهم وتلقيبه بأمير المؤمنين فلماذا يُعَدُّ من لقَّبه بذلك كافراً؟ ولماذا يكون من خوطب بهذا اللقب كافراً أيضاً؟ لماذا لم يبيِّن الله لنا هذا الكفر في القرآن الكريم؟

من الواضح بالطبع أن الغرض الأصلي للأفراد المجهولين الذين لفقوا هذا الحديث إيجاد الفرقة بين المسلمين، وأرادوا أن يقولوا إن الخلفاء الذين خوطبوا بلقب أمير المؤمنين -ما عدا علي بن أبي طالب- كانوا كُفَّاراً! أضف إلى ذلك أن واضع هذا الحديث الجاهل لم يكن يعلم أن «أمير المؤمنين» ليس اسماً بل لقبٌ. كان اسمُ الإمامِ: «عليّاً» ولم يكن اسمه «أميرَ المؤمنين»!

ثالثاً: سأل واضع الحديث الجاهل الإمامَ كيف نسلِّم على الإمام القائم؟ فليت شعري! هل كان هناك في زمن الإمام الصادق u إمام قائم حتى يقول الإمام: سلموا عليه بقولكم: «السلام عليك يا بقية الله»؟! هل يمكن التسليم على إمام لم يولد هو ولا آباؤه ولم يأتوا إلى الدنيا بعد؟ هذا في حين أن أصحاب الأئِمَّة لم يكونوا يعرفون من هو الإمام بعد إمامهم الحالي. من هذا يتبين أن هذا الحديث وُضِعَ زمن الغيبة ثُمَّ دوَّنه الكُلَيْنِيُّ في كتابه دون أن يستخدم عقله، على أنه «الآثار الصحيحة عن الصادِقِين»!!

رابعاً: والأكثر فضيحةً من كل ما سبق ما جاء في آخر الحديث إذ ادَّعى واضعه أن الإمام الصادق u استدل على كلامه بالآية 86 من سورة هود مع أنه لا علاقة لها بأي وجه من الوجوه بالإمام!  وسنذكر هنا سياق الآية بشكل كامل كي يفتضحَ أمرُ أهلِ الباطل:

تتكلَّم الآيات التالية عن قصة حضرة شعيب u فتقول:

﴿وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلَا تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ 84 وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ 85 بَقِيَّتُ اللهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ 86 قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ﴾ [هود/84 - 87].

فكما تلاحظون، يقول حضرة شعيب (ع) لقومه إن ما يبقى لكم من الرزق الحلال الذي تكسبونه دون تطفيف وخيانة في الكيل والوزن، أفضل لكم من الكسب الحرام. إذاً، لا علقة للموضوع بالإمام القائم أبداً. وحتى الشيخ الطَّبْرَسِيّ الذي ينقل غالباً روايات الكُلَيْنِيّ حول تفسير الأئمة للآيات في تفسيره «مجمع البيان»، لم يعتنِ مطلقاً بهذا الحديث في تفسير الآية المذكورة. كما أن المَجْلِسِيّ اعترف أن المفسِّرين فسَّروا عبارة «بَقِيَّتُ اللهِ» بما أبقاه الله لكم من رزق بعد إتمامكم الوزن والكيل (أي الرزق الحلال).

أضِفْ إلى ذلك، هل من المعقول أن يقول اللهُ لأمَّةِ شُعَيْبٍ (ع) ومخاطبيه الذين لم يكونوا رأووا نبيَّ الإسلام حتى أجيال عديدة بعدهم وفي وسط الكلام عن موضوع العدل في المعاملات: إن كنتم مؤمنين فإن الإمام القائم أفضل لكم!! هل فهم واضع الحديث ما لفَّقه من كلام؟ ألم تكن هناك طريقة أفضل لتعريف الأمة بالإمام القائم؟

هل من المعقول أن يخاطب الله في سورة هود المكّيّة التي نزلت في وقت لم تكن فيه مسألة الإمامة مطروحةً على الإطلاق، ولم تكن له سابقة بأي وجه من الوجوه: إن كنتم مؤمنين فإن الإمام القائم أفضل لكم؟

هل لِـلَّهِ تعالى أصلٌ وبقيّةٌ حتى نقول إن الإمام القائم هو بقية الله؟! لماذا لا يحارب علماء الإسلام هذه الخرافات بل يلزمون الصمت أمامها؟!

الحديث الرابع موهِمٌ لوقوع التحريف في القرآن إذ ينقل إحدى آيات القرآن بشكل مختلف عما في القرآن الكريم إذ فيه إضافة عدة كلمات على ما في القرآن! يقول المَجْلِسِيّ في ذلك: "الظاهر أن كلمة «أَمِيرِ الْمُؤْمِنِين» كانت في القرآن ولكنَّهم حذفوها!!! ". وقد ادَّعى واضع هذا الحديث الجاهل أن الإمام قال: "هَكَذَا أَنْزَلَ فِي كِتَابِهِ: (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى‏ أَنْفُسِهِمْ أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولِي وَأَنَّ عَلِيّاً أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ)".

وسنتحدث بالتفصيل في الباب التالي عن مسألة التحريف في القرآن في كتاب «الكافي»، ونُذَكِّر هنا فقط بأن راوي هذا الحديث هو «أَبُو الرَّبِيعِ الْقَزَّازُ» وهو رجل مجهول لا نجد لاسمه ذِكْراً في كتب الرجال.

حقاً إنه لسؤال مُحَيِّرٌ: ما الذي كان يحمل الكُلَيْنِيّ على أن يدوِّن في كتابه أقوال أفراد مجهولين؟



([1])   راجعوا كتاب «شاهراه اتِّحاد» [طريق الاتِّحاد] للأستاذ قلمداران، (ص 29).

([2])   الطبري، تاريخ الأمم والملوك، ج 4، ص 435، وابن الأثير، الكامل في التاريخ، ج 4، ص 127، والمجلسي، بحار الأنوار،  ج 8، ص367 . (المُتَرْجِمُ)