199. بَابُ الْإِشَارَةِ وَالنَّصِّ عَلَى أَبِي الْحَسَنِ مُوسَى (ع)

جاء في هذا الباب 16 حديثاً، اعتبر المَجْلِسِيّ الأحاديث 1 و4 و5 و8 و11 و13 و15 ضعيفةً، والحديثين 3 و7 مجهولين، والحديث 10 مجهولاً أو حسناً، والحديث 14 مُرْسَلاً أو مجهولاً، والحديث 16 مُرْسَلاً، والحديثين 2 و6 حسنين، والحديث 9 مُوَثَّقَاً والحديث 12 صحيحاً.  أما الأستاذ البِهْبُودِيّ فلم يُصحِّح سوى الحديثين 2 و 12 فقط واعتبر سائر أحاديث هذا الباب غير صحيحة.

ß الأحاديث 1 و9 و16 - راويها «فَيْضُ بن مُخْتَار». قلنا إن المَجْلِسِيّ والبِهْبُودِيّ كلاهما لم يُصحِّحا الحديث 1، وصرَّح المَجْلِسِيّ بضعفه. والحديث 16 مُرْسَلٌ. والحديث 9 الذي وثَّقه المَجْلِسِيّ يتضمن متنُهُ علَّةً قادحةً، وقد أورد الكُلَيْنِيّ هنا نهاية الحديث فقط أما أصل الحديث الكامل فقد رواه الكِشِّيّ في رجاله (ص 312 و 303) ولكن ليس فيه جملة: «فَقَالَ لِي                أَبُو عَبْدِ اللهِu خُذْهُ إِلَيْكَ يَا فَيْضُ!». والحديث الأصلي (عند الكِشِّيّ) مرويٌّ عن «أبي نجيح» وهو شخص مجهول، ولعلَّ الكُلَيْنِيّ حذف «أبي نجيح» من السند كي يقلِّل من عيوب السند. وفي سند الحديث أيضاً: «أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْمِيثَمِيُّ» وهو رجلٌ واقفيٌّ!

يُفْهَم من الحديث الأول أن «فَيْضاً» كان يعتقد أنه لو لم يعرف مَن الإمام بعد الإمام الصادقu فسيكون من أهل النار. أما في الحديث التاسع - الذي رواه الكِشِّيّ بالطبع - فيقول «فَيْضُ» ما يفيد بأنه لو مات قبل الإمام الصادق ولم يعرف الإمام بعد الإمام الصادق، فلا يبالي، يعني أنه لا يرى خطراً أخروياً على نفسه، ولكنه يخشى أن يموت بعد الإمام ا لصادق وقبل أن يعرف من هو الإمام بعده لأنه يرى أن مصيره سيكون النار عندئذٍ!([1])

فنقول له: ألم تقرأ الأمور التي نصَّ القرآن الكريم على وجب الإيمان بها؟ (البقرة/177 و285، والنساء/136، والحديد/19 و.....)، أَوَلَا تعلمُ أن الله تعالى قال: ﴿مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ [البقرة/62].  فالذي يمنح ُالإنسانَ الأمان من النار إذاً، هو الإيمان بالله واليوم الآخر والعمل الصالح. ثم ما معنى ادِّعائك هذا بأنك لو مُتَّ قبل الإمام الصادق u ولم تعرف الإمام الذي بعده فأنت من أهل الثواب، أمّا لو متَّ بعد الإمام الصادق u ولم تعرف الإمام الذي بعده فأنت من أهل العقاب؟!  فهل أصول الدين قبل الإمام تختلف عنها بعد الإمام؟! ماذا كانت أركان الإيمان وأصوله لدى الإمام الصادق u نفسه؟ هل كان منها الإيمان بنفسه وبابنه حتى يكون المأموم مأموراً بالإيمان به وبابنه؟ هل أصول الدين يجب أن يبيّنها الله تعالى في كتابه أم يُترَك بيانها لعباد الله؟ لماذا لم يطلب اللهُ تعالى منَّا في كتابه الإيمان بالإمام؟!

يمكننا أن نستنتج من رواية «فَيْضِ بْنِ مُخْتَار» المذكورة في رجال الكِشِّيّ أن فيضاً لم يكن شخصاً صادقاً لأنه ادّعى أن الإمام الصادق u قال له: إن الله لم يأذن بعد أن يبيِّن له مَن الإمام من بعده! وادَّعى «فيض» أنه بعد أن أصرَّ على الإمام إصراراً شديداً وبعد أن قبّل ركبته واسترحمه، بين له الصادق إمامة موسى بن جعفر. كما ذكر «فيض» أنّ الإمام الصادق عرّفه بالإمام من بعده في بداية الأمر بشكل غير مباشر ولكن بعد أن طلب فيض أربع مرات من الإمام أن يوضِّح له الأمر بشكل أكبر، أشار الإمام إلى ابنه الذي كان له من العمر خمس سنوات وقال «هو صاحبك الذي سألت عنه»!

يبدو أنه لا عِلْمَ لِهَؤلاء الرواة أبداً بمنهج الإسلام في تبليغ الأحكام، وبالنصوص الإسلامية، وإلا لعلموا أن القرآن يبيّن المسائل المتعلِّقة بأصول الدين بأوضح بيان وببلاغة تامَّة، كما أن النبيَّ J - الذي كان حريصاً جداً على هداية الناس وسعادتهم - كان يُبيِّن أصول الدين بأفضل صورة وأوضح بيان كي يفهمه جميع الناس وتتمَّ الحجة عليهم، ولا شك أن الإمام أيضاً كان يتَّبع سنّة رسول الله J في إرشاد الناس وتعليمهم خاصة في إظهار أصول الدين وبيانها. وأساساً ما هي فائدة الإبهام في بيان الإمام؟ ثم إنّه لا يجوز التعريف بالإمام المنصوص عليه من الله لِعَدَدٍ محدودٍ من الأفراد بل لا بد من أن يُعرَّف ذلك الإمام بشكل علني للأمة جمعاء. ولعل هذا العيب هو الذي جعل الكُلَيْنِيّ يحذف بداية حديث «فَيْض».

يقول الكُلَيْنِيّ في هذا الحديث نقلاً عن «فَيْض» إن الإمام قال له: إن الله لم يأذن له في بداية الأمر بالتعريف بالإمام الذي من بعده، مع أنه جاء في الحديث الثالث من الباب 183 أنه منذ زمن حضرة الزهراء - عليها السلام - كانت أسماء الأئمَّة جميعاً معلومة، وكان لدى فاطمةَ لوحٌ كُتِبَتْ فيه أسماءُ جميعِ الأئمَّة، وقد أَرَتْهُ لجابر. من هذا يَتَبَـيَّنُ أن الكُلَيْنِيّ لم يكن ينتبه إلى تناقض الأحاديث التي يُدَوِّنُها في كتابه، أو توافقها!

ورُوِيَ عن رسول الله J أنه قال: "يُعرَف المرء بجليسه"([2]). في هذا الباب نجد أن أفراداً غير موثوقين من أمثال «عَبْدِ اللهِ الْقَلَّاءِ» و«أبي نَـجِيْحٍ» وأمثالهما يروون عن «فَيْضِ بْنِ مُخْتَار»، ومن البيِّن أنَّ الأخيرَ وأصدقاءَه لم يكونوا أفراداً ذوي وجاهةٍ اجتماعيةٍ. ولذلك - بناءً على نقل الكِشِّيّ - لم يكن الإمام الصادق u يعتبر نفسه إماماً لِفَيْض وأمثاله (رجال الكِشِّيّ، ص 301 - 302). ومن أصدقاء «فَيْضِ بْنِ مُخْتَار» الآخرين وجلسائه: «المُفَضَّل بن عُمَر» الذي يُعَدُّ من الضعفاء([3]).

صدق من قال: "المَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ"([4]). ومن جملة أصدقاء «فَيْضِ بْنِ مُخْتَار»: «يُونُسُ بْنُ ظَبْيَانَ» الذي كان من الغلاة والكذابين المعروفين.



([1])   رجال الكِشِّيّ، طبعة جامعة مشهد، ص 354 - 355. (المُتَرْجِمُ)

([2])   لم أجده بهذا اللفظ. واللفظ المعروف هو :"الرَّجُلُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ"، أخرجه أبو داود والترمذي وحسنه من حديث أبي هريرة. (المُتَرْجِمُ)

([3])   للتعرف على حاله راجعوا الصفحة 212 فما بعد من الكتاب الحالي.

([4])   حديث شريف. انظر الحاشية قبل السابقة. (المُتَرْجِمُ)