195. بَابُ الْإِشَارَةِ وَالنَّصِّ عَلَى الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ (ع)

جاءت في هذا الباب ثلاثة أحاديث لم يُصحِّح المَجْلِسِيّ ولا البِهْبُودِيّ أيَّ حديثٍ منها. وصرَّح المَجْلِسِيّ بضعف الأحاديث الثلاثة جميعاً!

ß الحديثان 1 و3 - يقول عدد من الرواة فاسدو العقيدة، وفي الواقع أعداء للإسلام:  إن الإمام الحسين u قال لعائشة: "قَدِيماً هَتَكْتِ أَنْتِ وَأَبُوكِ حِجَابَ رَسُولِ اللهِo!..." هذا مع أنه طبقاً لما نقلته لنا كتب التاريخ، رغم أن عائشة قاتَلَتْ عليَّاً بغير وجه حق، إلا أن حضرة الأمير (ع)، احتراماً لكونها من أمهات المؤمنين، غَضَّ الطَّرْفَ عنها بعد انتهاء معركة الجمل، رغم ما قامت به من عمل خاطئٍ غيرِ مُبَرَّرٍ، وعاملها باحترام كامل واستغفر لها([1])، ورغم أن إحدى صديقات عائشة واسمها «صفية بنت الحارث» وجَّهت كلمات ظالمة غير مقبولة إلى الإمام، تجاهل الإمام كلماتها بكرم أخلاقه، ولم يردَّ عليها، وعفا عنها([2]). (تاريخ الطبري، ج 4، ص 539 - 540). ولا شك أن ابن ذلك الإمام الهمام، الحسين (ع)، لا يقوم بعمل مخالف لسيرة أبيه. وبالنسبة إلى موقف الأئِمَّة من الخلفاء وأصحاب النبي J راجعوا ما ذكرناه في الصفحات 148، و161 - 163 من الكتاب الحالي.  إن هذين الحديثين من المظاهر البارزة لجهل الكُلَيْنِيّ الذي جمع في كتابه روايات أفراد كذَّابين ونفخ في نار الفرقة والاختلاف بين المسلمين.

ß الحديث 2 - لفَّق الرواة في هذا الحديث قضايا عجيبة وغريبة مضادَّة للعقل والشرع، وادَّعَوْا أن الإمام الحسن (ع) قال لأخيه «محمد بن الحنفيَّة»: "اجْلِسْ فَإِنَّهُ لَيْسَ مِثْلُكَ يَغِيبُ عَنْ سَمَاعِ كَلَامٍ يَحْيَا بِهِ الْأَمْوَاتُ وَيَمُوتُ بِهِ الْأَحْيَاءُ". ولا أعتقد أن الإمام الحسن (ع) الذي كان على علم كامل بالقرآن والسنَّة والأخلاق الإسلامية، يُثني على نفسه وعلى كلامه ويعظمهما بهذا النحو.  ثم قال لأخيه في جملة ما قاله: "لَوْ شِئْتُ أَنْ أُخْبِرَكَ وَأَنْتَ نُطْفَةٌ فِي ظَهْرِ أَبِيكَ لَأَخْبَرْتُكَ!!".  وأقول: إن مثل هذا الكلام لا يصدر عن الإمام، بل يدَّعيه فردٌ يحمله غروره الشديد على التكلُّم بكلام معارضٍ للقرآن، وذلك لأن القرآن يقول: ﴿إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا﴾ [لقمان/34]. وقد قال أمير المؤمنين عليٌّ u معلقاً على هذه  الآية: "فَهَذَا عِلْمُ الْغَيْبِ الَّذِي لا يَعْلَمُهُ أَحَدٌ إِلا اللهُ". (نهج البلاغة، الخطبة 128). أما الجاهل المغالي فيقول: إن الإمام الحسن كان يقول: إني لأعلم!

ثم ينسب واضع هذا الحديث إلى الإمام الحسن قوله لابن الحنفيَّة: "أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ u بَعْدَ وَفَاةِ نَفْسِي وَمُفَارَقَةِ رُوحِي جِسْمِي إِمَامٌ مِنْ بَعْدِي وَعِنْدَ اللهِ جَلَّ اسْمُهُ فِي الْكِتَابِ، وِرَاثَةً مِنَ النَّبِيِّo أَضَافَهَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ فِي وِرَاثَةِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ [أي فاطمة]".  وأقول: ألستم تعتقدون أن الإمامة تكون بالتعيين والنصب الإلـهي، فلماذا أصبحت هنا وراثيَّةً؟ ثم ما معنى أن الإمامة وراثةٌ من فاطمة؟ هل تعتقدون أن حضرة فاطمة - عليها  السلام - كانت إماماً أيضاً؟! 

ثم ينسب الراوي إلى الإمام الحسن قوله: "وَاخْتَرْتُ أَنَا الْحُسَيْنَ [أي للإمامة]". فنسأل: إذا كانت الإمامة تورثُ وراثةً فلا محل إذاً للانتخاب والاختيار، وإذا كانت تتمّ بالاختيار، فلماذا تقولون إنها وراثية؟!  وأساساً، لا معنى للإمامة الوراثية، وهذا من بدع الصوفية الذين يقولون بانتقال خرقة الإرشاد من الأب للابن!  أيها القرَّاء المحترمون! بالله عليكم، انظروا كيف لفَّق عدَّةٌ من العوامّ الغلاة ما شاؤوا أن يلفِّقوا من كلامٍ مفترىً وأنشؤوا لنا مذهباً بذلك!! ووضعوا على لسان «محمد بن الحنفيَّة» أنه قال: إن الإمام الحسن كان فقيهاً قبل الخِلْقة!



([1])   انظر تاريخ الطبري، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، وقائع سنة 36 هجرية، ج 4، ص 534-544. وكان الأئِمَّة عليهم السلام - أساساً - يحفظون حرمة عائشة، وقد سمى الإمام الهادي إحدى بناته باسم عائشة (الشيخ المفيد، الإرشاد، نشر دار المفيد، ج 2، ص 244 و312).

([2])   وهذا خلافاً لنهج مشايخنا في هذا العصر الذين يحكمون على كلِّ شخصٍ بالحبس والتعذيب لأدنى سبب، ويضع الناس ذلك -مع الأسف- على حساب الإسلام.