122. عودٌ إلى نقد أحاديث «كتاب الحجَّة» في المجلد الأول من أصول الكافي

الحديث 8 - قَبِلَ الأستاذ البِهْبُودِيُّ هذا الحديثَ رغم معاناة سنده من عيوب سند الحديث الذي قبله عينها! يقول متن الحديث: "سَأَلَ رَجُلٌ فَارِسِيٌّ أَبَا الْحَسَنِ [أي الإمام الكاظم] u فَقَالَ: طَاعَتُكَ مُفْتَرَضَةٌ؟ فَقَالَ: نَعَمْ. قَالَ: مِثْلُ طَاعَةِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ u؟ فَقَالَ: نَعَمْ!".

فنقول: إن طاعة أمير المؤمنين عليٍّ u كانت واجبةً لأن أكثرية المهاجرين والأنصار بايعوا ذلك الإمام الجليل، ولكن أحداً لم يبايِع الإمام الكاظِم (ع) حتى تجب طاعته.

ثم إننا نسأل: لماذا لم يُجِب الإمامُ السائلَ الفارسيَّ باللغة الفارسية أيضاً؟! لو فعل ذلك لروى رواةُ الحديث ذلك الأمر لنا قطعاً بوصفه إحدى معجزات الإمام وكراماته. خاصَّةً أن السائل لم يكن  يعرف الإمام بشكل كامل، لذلك سأله: هل طَاعَتُكَ مُفْتَرَضَةٌ مِثْلُ طَاعَةِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍu أم لا؟ ولو أجابه الإمام بالفارسية لكانت تلك الكرامة مفيدةً له في تقوية إيمانه بإمامته. هذا في حين أن الكُلَيْنِيّ أورد الحديث السابع في الباب 120 من الكافي وفيه أن الإمام الكاظم (ع) أجاب السائل الخراساني بلهجته الخراسانية، واعتبر الكُلَيْنِيُّ ذلك من علامات إمامة الإمام الكاظم! 

والأهم من ذلك أننا نسأل: لماذا لم يفعل النبي الأكرم J مثل ذلك بل كان يكتب رسائله إلى أمرائه في المناطق المختلفة باللغة العربية، ولم يكن يكتب لهم  بلهجاتهم ولغاتهم، ولا كان يتكلم مع ممثليهم و وفودهم بلغاتهم؟!

ß الحديث 9 - في سنده عيوب سندي الحديثَين قبل ذاتها، ولذلك فلم يصححه المجلسي ولا البهبودي، وصرَّح المَجْلِسِيّ بضعفه.

ß الحديث 10 - حديثٌ مجهولٌ وغير معتمد ولا اعتبار به، ينسب راويه إلى الإمام قوله بلا دليل: "النَّاسُ عَبِيدٌ لَنَا فِي الطَّاعَةِ!!".

ß الحديث 11 - أحد رواته يُدعى «صَالِحُ بْنُ السِّنْدِيُّ» ضعيفٌ وغير ثقة. ورواياته - ومن جملتها الحديث رقم 568 في روضة الكافي - تثير الفرقة بين  المسلمين وتخالف حقائق التاريخ([1]). ومتن هذا الحديث أيضاً معلول ومخدوش كمتن الحديث الثالث في هذا الباب تماماً، فهو يبتدع للمسلمين أصول دين جديدة، ويقول إن الإمام الصادق u قال: "لَا يَسَعُ النَّاسَ إِلَّا مَعْرِفَتُنَا وَلَا يُعْذَرُ النَّاسُ بِجَهَالَتِنَا مَنْ عَرَفَنَا كَانَ مُؤْمِناً وَمَنْ أَنْكَرَنَا كَانَ كَافِراً وَمَنْ لَمْ يَعْرِفْنَا وَلَمْ يُنْكِرْنَا كَانَ ضَالًّا...!".

لا شك أن هذا الكلام لا يتفق مع القرآن لأن القرآن الكريم بيَّن لنا موارد الكفر والإيمان بشكل كامل وتام فقال:

﴿وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾ [البقرة/177].

وكما تلاحظون ذُكِرَت في هذه الآية أصول الإيمان ونماذج عن الأعمال الصالحة، وهذه الآية، في الواقع، شارحة ومفسِّرة لآيات من مثل: ﴿مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ [البقرة/62، والمائدة/69، والأنعام/48، ومريم/60 وسائر الآيات].

فليس في كتاب الله أن معرفةَ الإمام واتِّباعَه مناطٌ للكفر والإيمان أو  الضلال والهداية. هذا مع أن الآية 177 من سورة البقرة المباركة بيَّنت -كما رأينا- أصولَ الإيمان ونماذج الأعمال الصالحة ولو كانت معرفة الإمام من أصول الإيمان لَمَا امتنع الله تعالى عن بيان ذلك لنا، وَلَمَا أوكل بيان هذا الأصل المهم من أصول الإيمان لأمثال الراوي «صَالِحِ بْنِ السِّنْدِيِّ»!

كما بيَّن القرآن الضلالة بوضوحٍ فقال: ﴿وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا﴾ [النساء/136].

ولو كان إنكار الإمام أو عدم معرفته موجِبَيْن للكفر والضلال لما أوكل الله تعالى بيان ذلك إلى «علي بن إبراهيم القمي» المعتقد بتحريف القرآن! وذلك لأن الكفر والإيمان والضلال والهداية من أهم موضوعات الدين  والشريعة، ولابُدَّ أن يبين القرآن نفسه وبشكل واضح أهم أصول الدين على الأقل، في حين أننا نجد أن القرآن لم يُشِر أية إشارة إلى لزوم الإيمان بالأئمَّة المعصومين المنصوبين منْ قِبَلِ الله!

ß الحديث 12 - وجود «مُحَمَّدِ بْنِ الْفُضَيْلِ» في سنده موجبٌ لضعفه([2]). ومتن هذا الحديث والحديث الذي قبله لا يتَّفقان مع أحاديث الباب 57 من الكافي. ولم يطرح القرآن مسألة إمامة الأئمَّة الاثني عشر، وَمِنْ ثَمَّ فإن الناس غير مسؤولين إذا لم يعرفوا الأئمَّة.

ß الحديث 13 - ماذا نقول عن حديثٍ ضعَّفه المَجْلِسِيّ نفسه؟!

ß الحديث 14 - متنه صالح ولا يخالف القرآن.

ß الحديث 15 - تحدثنا عن هذا الحديث في الصفحة 435 من الكتاب الحالي، فليُراجَع ثمَّةَ.

ß الحديث 17 - اعتبر المَجْلِسِيُّ هذا الحديث مجهولاً، فأحد رواته خائنٌ يُدعى «مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى» والراوي التالي له «يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ»  وقد تعرفنا على كلا الراويين([3]). روى هذان الإثنان عن «عَبْدِ الْأَعْلَى» الذي أغلب أحاديثه غير صالحة. وهو يدَّعي هنا أن الإمام الصادقu قال إنَّ إِمَامَ الْمُسْلِمِينَ تَمَّتْ حُجَّتُهُ وَاحْتِجَاجُهُ يَوْمَ يَلْقَى اللهَ عَزَّ وَجَلَّ، حيث يُنادي اللهُ الناسَ يوم القيامة بإمامهم. واستشهد على ذلك بقوله تعالى: ﴿يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ﴾ [الإسراء/71].

لكننا نقول إن الإمام لم ينطق بمثل هذا الكلام بل إن «عَبْدَ الْأَعْلَى» هو الذي احتالَ ولم يأتِ ببقية الآية. هذا وكلمة «الإمام» في هذه الآية ليست بالمعنى الاصطلاحي المعروف، بل بمعنى «صحيفة الأعمال».  لقد تلاعب رواة الكافي كثيراً بهذه الآية، ومن جملة ذلك ما ذكروه في هذا الحديث وفي الحديث الأول في الباب 83 والذي درسناه ونقدناه في الصفحات  319- 320 من هذا الكتاب.

إن الآية المذكورة تقول: ﴿يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولَئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا﴾  [الإسراء/71].

لست أدري! لماذا يتلاعب هؤلاء الرواة المخربين للقرآن، بالقرآن الكريم باسم الإمام؟! هل يريدون أن يقولوا لنا بشكل غير مباشر إن الأئمَّة لم يكن لهم علم بالقرآن؟!



([1])   رفض كلا المَجْلِسِيّ والبِهْبُودِيّ صحَّة الحديث رقم 568 في روضة الكافي.

([2])   لقد عرفنا به وبيَّـنَّا حاله في الصحفة 296- 297 من الكتاب الحالي.

([3])   راجعوا الصفحة 207- 208من الكتاب الحالي.