31. بَابُ صِفَةِ الْعِلْمِ وَفَضْلِهِ وَفَضْلِ الْعُلَمَاءِ

ذُكِرَت في هذا الباب تسعة أحاديث، واعتبر المجلسيُّ -استناداً إلى قواعد علم الحديث - الحديث الثامن منها فقط صحيحاً، في حين اعتبر الأستاذ البهبودي الحديث التاسع فقط صحيحاً.

وأقول: بالنسبة إلى الحديث التاسع، رغم أن أحد الرواة في سنده «سَعْدَانُ بْنُ مُسْلِمٍ» غيرُ معروف، مما يجعل الحديث مجهولاً، ورغم أن الراوي التالي له هو «مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمَّارٍ» الذي لم يكن صاحب مذهب مستقيم وكان ضعيف العقل حسب قول اثنين من علماء الرجال (ابن داود والعقيقي)، رغم ذلك قَبِلَ جناب الأستاذ البهبودي هذا الحديث!

أما بالنسبة إلى الحديث الثاني في هذا الباب، الذي جاء فيه: "إِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ وَذَاكَ أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُورِثُوا دِرْهَماً وَلَا دِينَاراً "، فسنتكلم عنه بالتفصيل عند تعليقنا على الحديث الأوَّل من الباب الخامس، فليُراجَع ثمَّةَ.

ß الحديث 6- لم يُصَحِّحْه المجلسيُّ والبهبودي كلاهما.  فأحد رواته «مُحَمَّدُ بْنُ حَسَّانَ» اعتبره الغضائريُّ والعلامةُ الحلّيُّ وسائرُ الرجاليين ضعيفاً، وقال عنه النجاشيُّ: إنه يروي عن الضعفاء غالباً. وهذا الراوي روى عَنْ «إِدْرِيسَ بْنِ الْحَسَنِ» المهمل، وهو بدوره روى عَنْ «أَبِي إِسْحَاقَ الْكِنْدِيِّ» المهمل أيضاً، وهو روى عَنْ «بَشِيرٍ الدَّهَّانِ» المجهول أيضاً!!

بالله عليكم! انظروا إلى كتاب الكُلَيْنِيّ - الذي يحظى باحترام ملايين الشيعة وثقتهم واعتمادهم عليه - كيف يقول لكم: أيها المسلمون! روى لكم ضعيفٌ عن مهملٍ عن مهملٍ آخر عن رجل مجهول عن الإمام (ع) خبراً لا يفيد سوى بثّ الفرقة، وسوء ظن المسلمين بعضهم ببعض!!

ذلك أن هذا الحديث ينسب إلى الإمام قوله: "لَا خَيْرَ فِيمَنْ لَا يَتَفَقَّهُ مِنْ أَصْحَابِنَا. يَا بَشِيرُ! إِنَّ الرَّجُلَ مِنْهُمْ إِذَا لَمْ يَسْتَغْنِ بِفِقْهِهِ احْتَاجَ إِلَيْهِمْ فَإِذَا احْتَاجَ إِلَيْهِمْ أَدْخَلُوهُ فِي بَابِ ضَلَالَتِهِمْ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ!!".

إن أمثال هذه الأحاديث - وللأسف نظائرها ليست قليلة في كتب رواياتنا ومن جملتها الحديث السابع في الصفحة 437 من المجلد الأول من الكافي و...([1])-   أوجدت حالةً بين الأخوة في الإسلام عبَّرَ عنها ما قاله شخص من مشاهير علماء الشيعة وأعلامهم وآياتهم هو الميرزا محمد باقر الخوانساري (ت 1313هـ) صاحب كتاب "روضات الجنات في أحوال العلماء والسادات" ضمن ترجمته لـ «الخواجه نصير الدين الطوسي» إذ قال ما نصُّهُ:

"من جملة أخبار هذا الرجل المعروفة والمشهورة أنه جعل من نفسه وزيراً للسلطان المحتشم واتصل في مملكة إيران المحروسة بهولاكو خان الذي كان من أعظم سلاطين التتار والمغول الأتراك، وانْضَمَّ بكل شوق وجدارة إلى موكب السلطان المؤيد، وجاء نحو بغداد دار السلام لإرشاد عباد الله وإصلاح البلاد واقتلاع جذور الظلم والفساد وإطفاء جور الشيطان النسناس وإهلاك دائرة ملك بني العباس وقتل أتباعهم، حتى جرت من دمائهم الوسخة كالأنهار وجرت في ماء دجلة ومن هناك نحو جهنم دار البوار ومأوى الأشقياء والأشرار" (روضات الجنات، ص 578).

أيها القارئ العزيز! تأمَّل قليلاً في عبارات هذا المدّعي للعلم، وانظر كيف اعتبر في كتابه هجومَ المغول والتتار على بغداد "إرشاداً للعباد" و"إصلاحاً للبلاد!!"([2]).  وقد اعترفَ أن هذا الذي سمَّاه "إرشاداً" قد أدى إلى مذابح جماعية بحق المسلمين من أهالي مركز العالم الإسلامي ولم يتورَّع عن قوله عمَّن تعرَّضَ للذبح الجماعي الوحشي من المسلمين: إنهم ذهبوا إلى جهنم دار البوار؟!!  بئستِ العداوة والبغضاء هذه! وما أشدها من حماقة!([3]).

أحدُ أخلاف هذا الرجل في عصرنا، إمامُ جماعةِ أحد المساجد في طهران يعتبر أهل السنة نجسي العين؟!!  (بيت شعر بالفارسية):

إذا كان هذا معنى أن يكون الإنسان مسلماً                  فلا خوف على المجوس ولا النصارى!!



([1])   لقد ذكرنا هذا الحديث في الصفحة 160 من الكتاب الحالي.

([2])   إنهم أولئك المغول أنفسهم الذين كانوا على درجة من الوحشية وانعدام الثقافة والعلم، أنهم كانوا يربطون خيولهم في المساجد ويحرقون ما فيها من مصاحف وكتب لتكون وقوداً يتدفؤوا به!

([3])   لا يخفى أننا أيضاً ضد المذابح والأذى الذي تعرض له الشيعة زمن السلاطين العثمانيين، ولا نعتبر عمل أولئك السلاطين مشروعاً ولا مقبولاً بأي وجه من الوجوه.