25. نماذج لروايات «الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْأَشْعَرِي‏ القُمِّيّ» التي تكشف عن ضعفه وعدم وثاقته

لم يكن جناب55«الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْأَشْعَرِيّ‏» هذا يأبى الرواية عن كذَّاب مثل «السيَّاريّ»([1])، والنقطة الأهم من ذلك والتي تثير العجب والريب أنه هو وحده الذي يروي عن فرد «مضطرب الحديث والمذهب» يُدعى «مُعَلّى بن محمد البصري» الذي يُعَدُّ من الضعفاء. يعني أن مروّج أباطيله هو هذا الراوي «الحسين الأشعري»! فعلى سبيل المثال، من بين الـ 35 حديثاً التي يرويها «الحسين الأشعري» في باب 165 الفاضح من أصول الكافي: 32 حديثاً منها مرويٌّ عن «المُعَلّى بن محمد». إن هذا العمل يطعن بلا شك بروايات «الأشعري» ويضعِّفها، ولكن مع الأسف فإن المتعصِّبين المذهبيين يوثّقونه!!

ونأتي هنا بثلاث روايات عنه كنموذج ولكي تكون شاهداً على كلامنا:

1- 56المثال الأول: الرواية الرابعة من الباب 46 من الكافي التي رواها كل من «الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْأَشْعَرِي‏» و«مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى العطَّار» أي رواها شيخان من شيوخ الكُلَيْنِيّ، فقالا: إن الإمام الصادق u قال عن آية: ﴿وَلِلهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا﴾  [الأعراف/180]: "57نَحْنُ وَاللهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى الَّتِي لَا يَقْبَلُ اللهُ مِنَ الْعِبَادِ عَمَلًا إِلَّا بِمَعْرِفَتِنَا"([2]).

في الواقع في هذا الحديث اعتُبرَت عدم معرفة الإمام أمراً مساوياً للكفر، لأن الكفر أيضاً لا يُقْبل معه أي عمل.

هذا في حين أن الله تعالى بيَّن لنا أسماءه الحسنى في القرآن الكريم كما في قوله تعالى مثلاً: ﴿قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى﴾ [الإسراء/110]. فكما تلاحظون حدَّد الله تعالى لنا أسماءه الحسنى في هذه الآية الكريمة وبين أنها «الله» و«الرَّحْمَن».  وقال تعالى أيضاً: ﴿هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ 22 هُوَ اللهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ 23 هُوَ اللهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى﴾  [الحشر/22 - 24].

ولم يُشِرْ أي إشارة إلى أسماء الأئمَّة.

وأصلاً هل يُعقَل أن يقول الله ادعوني بأسماء أشخاص معظمهم لم يولَدوا بعد؟! ثم إن الله تعالى لم يُسمِّ نفسه بالقرآن أبداً باسم «محمد» و «أحمد» ولكنه سمّى نفسه باسم «الحميد» فكيف يمكننا أن ندعو الله - عز ذكره - باسم «محمد» أو «أحمد»؟ كيف يمكننا تسمية الله بـ «الكاظم» أو «الحسين» أو «التقي» أو «المهدي» أو .... ؟! ولماذا لم يفعل النبي o مثل ذلك؟ لماذا لم يذكر علي u في «نهج البلاغة» أو «الصحيفة العلوية»، ولم يذكر زين العابدين في «الصحيفة السجادية» حتى مرة واحدة - لتعليم الأمة على الأقل - تلك الأسماء؟! هل فهم الراوي ما نسجه خياله فعلاً؟ ألا يَعْتَبِرُ الكُلَيْنِيُّ وأمثالُه أسماءَ الله توقيفيةً؟!

ثم إنه لو كان شرط قبول الأعمال معرفة الأئمة، فلماذا لم يُشِر الله تعالى في القرآن الكريم الذي هو «هُدَىً لِلْمُتَّقين» أدنى إشارة واضحة إلى هذا الأمر المهم للغاية كي يُتِمَّ بذلك الحجةَ على أمّته؟

2- 58المثال الثاني لأحاديث «الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْأَشْعَرِي‏» الرواية السابعة من روايات الباب 166 من كتاب الكافي ومتنها كما يلي:

59"قَالَ الإمام الباقر (ع): إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ نَصَبَ عَلِيّاً u عَلَماً بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَلْقِهِ فَمَنْ عَرَفَهُ كَانَ مُؤْمِناً وَمَنْ أَنْكَرَهُ كَانَ كَافِراً وَمَنْ جَهِلَهُ كَانَ ضَالًّا وَمَنْ نَصَبَ مَعَهُ شَيْئاً كَانَ مُشْرِكاً وَمَنْ جَاءَ بِوَلَايَتِهِ دَخَلَ الْجَنَّة"([3]).

وأقول: إن النقطة الهامة في هذين الحديثين الأخيرين أن عمل أكثرية المسلمين في العالم - أي غير الشيعة الاثني عشرية -، طبقاً للحديثين، لن يكون مقبولاً عند الله المتعال، وعدم قبول الأعمال معناه الخسران الأبدي في الآخرة واعتبار كل أولئك المسلمين بمنزلة الكفّار والمشركين والضالين. لهذا السبب نرى من الضروري أن نقارن هذين الحديثين ونظائِرَهُمُا مع الدعاء الرابع من أدعية الصحيفة السجادية كي يتبيّن على نحو أفضل أيَّ هديةٍ وتُحفةٍ قدّمها هذان الراويان والشيخان من شيوخ الكُلَيْنِيّ إلى المسلمين!

60يقول حضرة سيد الساجدين u :

"اللَّهُمَّ وَأَصْحَابُ مُحَمَّدٍ خَاصَّةً الَّذِينَ أَحْسَنُوا الصَّحَابَةَ وَالَّذِينَ أَبْلَوُا الْبَلَاءَ الْحَسَنَ فِي نَصْرِهِ، وَكَانَفُوهُ، وَأَسْرَعُوا إِلَى وِفَادَتِهِ، وَسَابَقُوا إِلَى دَعْوَتِهِ، وَاسْتَجَابُوا لَهُ حَيْثُ أَسْمَعَهُمْ حُجَّةَ رِسَالَاتِهِ. (4) وَفَارَقُوا الْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ فِي إِظْهَارِ كَلِمَتِهِ، وَقَاتَلُوا الْآبَاءَ وَالْأَبْنَاءَ فِي تَثْبِيتِ نُبُوَّتِهِ، وَ.......   اللَّهُمَّ وَأَوْصِلْ إِلَى التَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ، الَّذِينَ ﴿يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ﴾([4]) خَيْرَ جَزَائِكَ".

علاوةً على ذلك، كما قال أخونا المحقّق الفاضل والمصلح الناصِّح جناب مصطفى الحسيني الطباطبائي: "يروي آية الله هاشم البحراني في تفسيره المعروف بالبرهان، ذيل تفسيره للآية 195 من سورة الأنعام الحديث التالي عن صادق أهل البيت (ع): "عن زرارة قال: سُئِلَ                  أَبُو عَبْدِ اللهِu وَأَنَا جَالِسٌ عَنْ قَوْلِ اللهِ: ﴿مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها﴾ يَجْرِي لِهَؤُلَاءِ مِمَّنْ لَا يَعْرِفُ مِنْهُمْ هَذَا الْأَمْرَ؟ فَقَالَ: لَا، إِنَّمَا هَذِهِ لِلْمُؤْمِنِينَ خَاصَّةً. قُلْتُ لَهُ: أَصْلَحَكَ اللهُ! أَرَأَيْتَ مَنْ صَامَ وَصَلَّى وَاجْتَنَبَ الْمَحَارِمَ وَحَسُنَ وَرَعُهُ مِمَّنْ لَا يَعْرِفُ وَلَا يَنْصِبُ؟ فَقَالَ: إِنَّ اللهَ يُدْخِلُ أُولَئِكَ الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِه‏"([5]).

61وقال عليٌّ u بشأن قتلى جنوده في معركتي «الجمل» و«صفين» الذين لم يكن معظمهم - على الأقل - من الشيعة الاثني عشرية إذ كان معظمهم ممن بايع الخلفاء الثلاثة من قبل:

"مَا ضَرَّ إِخْوَانَنَا الَّذِينَ سُفِكَتْ دِمَاؤُهُمْ وهُمْ بِصِفِّينَ أَلا يَكُونُوا الْيَوْمَ أَحْيَاءً يُسِيغُونَ الْغُصَصَ ويَشْرَبُونَ الرَّنْقَ قَدْ واللهِ لَقُوا اللهَ فَوَفَّاهُمْ أُجُورَهُمْ وأَحَلَّهُمْ دَارَ الأمْنِ بَعْدَ خَوْفِهِمْ"([6]).

ونضيف أيضاً بالنسبة إلى الرواية الثانية سؤالَنا التالي: ألم يقبل عليٌّu  الخليفةَ الثاني ليكون صهراً له؟ فهل يمكن للمسلم أن يقبل أن يصاهره كافرٌ أو مشركٌ وأن يزوِّجه من ابنته؟!

أيها القارئ الكريم! قُلْ بإنصاف: هل هذا العبد الفقير (الكاتب) وأمثالي من محبي عليٍّu  وأهل البيت حقيقةً أم المُدافعون عن الكُلَيْنِيّ؟

3- 62المثال الثالث لأحاديث «الْحُسَيْنِ الْأَشْعَرِي»: الرواية الرابعة عشرة من الباب 165 التي ينسبها إلى الإمام الصادق u ويقول: "عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (ع) فِي قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ‏ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ﴾  [آل عمران/7]؟ قَالَ: أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ u وَالْأَئِمَّةُ.  ﴿وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ﴾؟ قَالَ: فُلَانٌ وَفُلَانٌ!! [يقصد الشيخين. وقد اعتبرهما الراوي - دون أن يشعر - آيتين من آيات الله، وصدق من قال: السارق الأحمق يسرق من مستودع القش].  [والمقصود من] ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ....﴾ أَصْحَابُهُمْ وَأَهْلُ وَلَايَتِهِمْ [أي أتباع الشيخين]. [والمقصود من:] ﴿وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ﴾؟ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (ع) وَالْأَئِمَّةُ (ع)!!"([7]).

لاحظوا أن هذا الراوي اعتبر في هذا الحديث أن الأئمةَ هم «الآيات المحكمات» وأنهم «الراسخون في العلم» ولم يفهم في الواقع ما يقوله. إذْ لا ريب أن «الراسخون في العلم» هم على أي حال غير «الآيات المحكمات». ولا شك أن الإمام المطَّلِع بنحو وافٍ على آيات القرآن لا يمكنه أن يتفوّه بمثل هذا الكلام، بل إنما نسبه إليه الرواةُ الكذّابون الوضّاعون، وأصبح الكُلَيْنِيُّ للأسف مروِّجاً وناشراً لهذه الخرافات!

علاوة على هذه الروايات، يجب أن نذكر أن الروايات ذوات الأرقام 74 و75 و76 و365 من «روضة الكافي» التي أوردناها كنماذج لروايات «الوشَّاء»، قد رواها الكُلَيْنِيّ عن الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْأَشْعَرِيِّ‏ هذا ذاته!([8])

نعم! هذه هي نماذج ما يقولون إنه: «الآثار الصحيحة عن الصادِقِين» التي وعد الكُلَيْنِيُّ بها في مقدمة كتابه!!



([1])   راجعوا  الصفحة  143 من الكتاب الحالي لمعرفة حاله.

([2])   الكُلَيْنِيّ، أصول الكافي، ج 1، ص143 - 144 .

([3])   الكُلَيْنِيّ، أصول الكافي، ج 1، ص 437.

([4])   سورة الحشر، الآية 10 .

([5])   المجلسي، بحار الأنوار، ج 27، ص 183، نقلاً منه عن كتاب المحاسن للبرقي.

([6])   نهج البلاغة، الخطبة 184. ويُراجع في ذلك أيضاً كتاب «راهى به سوى وحدت اسلامى» القيِّم، تأليف الأستاذ الفاضل والمصلح الناصح  مصطفى الحسيني الطباطبائي، الصفحة 176 فما بعد، فقد ذكر مؤلفه ذي القَدْر الجليل أموراً مهمة في هذا الموضوع أوصي إخواني وأخواتي في الإيمان ألا يغفلوا عن مطالعتها.

([7])   الكُلَيْنِيّ، أصول الكافي، ج 1، ص 415 - 416.

([8])   راجعوا لمعرفة حاله الصفحات  159  من هذا الكتاب فما بعد.