22. عودٌ إلى نقد أحاديث «كتاب العقل والجهل» في المجلد الأول من أصول الكافي

ß الحديث 19 - أوَّلُ رَاوٍ لهذا الحديث «عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ» الذي عرفنا حاله في الصفحات السابقة. وقد روى عن أبيه مجهول الحال.  والراوي التالي هو «يَحْيَى بْنُ الْمُبَارَكِ» الذي اعتبره علماء الرجال مجهول الحال. والراوي الذي بعده «عَبْدُ اللهِ بْنُ جَبَلَةَ» واقفي المذهب، وروى الحديث عَنْ «إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ» فطحيّ المذهب!

ß الحديث 20 - اعتبر المجلسيُّ هذا الحديث ضعيفاً لأن أحد رواته «أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ السَّيَّارِيُّ». ولذلك يجب أن نتعرَّف على حال هذا الراوي قبل أن ننتقل إلى نقد الحديث الذي بعده.  

40«أبو عبد الله أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ سيار المعروف بالسَّيَّارِيُّ» من الكاتبين لآل طاهر، وكان معاصراً للإمام الحسن العسكري (ع) . اعتبره الغضائري منحرفاً غالياً. واعتبره النجاشي والشيخ الطوسي ضعيف الحديث فاسد المذهب وكثير المراسيل ومطرود الرواية. واعتبره الشيخ الصدوق ضعيفاً وقال: لا أعمل برواياته. وأضاف العلامة الحلي على ما ذُكِر لهذا الراوي من صفات، نقلاً عن محمد بن محبوب قوله إن السَّيَّارِيَّ كان من القائلين بالتناسخ!! والخلاصة إن علماء الرجال اتَّفقوا على اعتبار «السَّيَّاريّ» كذَّاباً فاسدَ العقيدة. ومن المثير للاهتمام أن نعلم أن أكثر من 300 حديث من الأحاديث الموهمة لتحريف القرآن مروية عن هذا الراوي! وقد جمع رواياته الميرزا حسين النُّوري الطَّبْرَسِي (ت 1320 هـ) في كتاب سمَّاه: «فصل الخطاب في تحريف كتاب ربِّ الأرباب»! ويقول آية الله الخوئي في كتابه «معجم رجال الحديث» عن «السَّيَّاريّ» إنه: "فاسد المذهب باتفاق علماء الرجال". ويقول أيضاً في كتابه «البيان في تفسير القرآن»: "إن كثيراً من الروايات [التي رُوِيَت في تحريف اقرآن]، وإن كانت ضعيفة السند ، فإن جملة منها نُقِلَتْ من كتابِ أَحْمَدِ بْنِ مُحَمَّدٍ السَّيَّارِيِّ، الذي اتَّفَقَ عُلماءُ الرجال على فساد مذهبه، وأنه يقول بالتناسخ التحريف في القرآن"([1]).

أنظروا أيَّ أشخاصٍ أوردَ الكُلَيْنِيّ رواياتهم في كتابه! وقد روى عن هذا الراوي أيضاً عدداً من الروايات في فروع الأحكام من جملتها رواية نسب فيها إلى الإمام الحسن العسكري (ع) قوله إن السَّنَةَ الكبيسة تحصل مرة كل خمس سنوات!!!([2]) بالله عليكم! هل من الممكن أن يقول الإمام مثل هذا الكلام مع أن تلاميذ المدرسة الابتدائية يعلمون أن السنة الكبيسة تأتي مرة كل أربع سنوات؟! وعلى كل حال لا بد من الحيطة والحذر في الأخذ بروايات فروع الأحكام كي لا نُخدَع بروايات أمثال هؤلاء الكذَّابين في الفروع أيضاً ولا نهتم برواياتهم أصلاً.

ß الحديث 21 - أحد رواة هذا الحديث 41«مُعَلَّى بْنُ مُحَمَّدٍ»  الذي قال الغضائري عنه إنه ينقل عن الضعفاء، وعرّفه النجاشي بأنه: "مضطرب الحديث والمذهب". وكما ستلاحظون لقد روى الكُلَيْنِيّ مع الأسف عن هذا الفرد الضعيف روايات عديدة في أبواب متعددة!! والراوي الثاني هو «الْوَشَّاءُ» الذي سنعرّف به هنا قبل الانتقال إلى نقد الحديث الثاني والعشرين. والراوي الذي بعده هو «الْمُثَنَّى الْحَنَّاطُ» الذي قال عنه العلامة الممقاني: مجهول. وأما آخر رواة السند المتّصل بالإمام فقد ذُكِر أنه «مَوْلًى لِبَنِي شَيْبَانَ» أي لا نعلم حتى اسمه ولا ندري عادلاً كان أم فاسقاً؟!

الآن لنُلْقِ نظرةً على متن الحديث. يقول الحديث:

"عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (الإمام الباقر) u قَالَ: إِذَا قَامَ قَائِمُنَا وَضَعَ اللهُ يَدَهُ عَلَى رُءُوسِ الْعِبَادِ فَجَمَعَ بِهَا عُقُولَهُمْ وَكَمَلَتْ بِهِ أَحْلَامُهُمْ!!".

تأمّلوا لحظةً أيّ كلامٍ مُبهَم ومغشوش نقله هذا الراوي. هل الإمام القائم يضع يده على رؤوس العباد أم الله؟ الظاهر حسب ادعاء الحديث أن الله هو الذي يضع يده على رؤوس العباد! فهل لِـلَّهِ يدٌ - نعوذ بالله - حتى يضعها على رؤوس العباد؟ فإن قلتَ إن المقصود من اليد: الرحمةَ لا إثبات عُضْوٍ لِـلَّهِ سبحانه، فنسأل: لماذا لم يكن الله يعطي رحمته قبل ذلك ويكمّل عقول عباده وانتظر حتى زمن ظهور الإمام الغائب؟ لماذا لم يضع يد رحمته على رؤوس عباده ليكمِّل عقولهم في زمن النبيّ o الذي وصفه رسول الله o بقوله: خير القرون قرني!

فإن قلتَ خلافاً للظاهر إن الإمام هو الذي يضع يده على رؤوس العباد وأنه تمّ التعبير عن يد الإمام بيد الله مجازاً فإننا نسأل: لماذا لم يضع النبيّ o الذي هو متبوع الإمام ومقتداه يده على رؤوس العباد ليكمل عقولهم ولماذا لم يكن ليد النبي الأكرم o مثل هذا التأثير؟!

والأمر الآخر أن عقول العباد لو كانت غير كاملة إلى ما قبل قيام القائم فلا يجوز إذن مخاطبتها بأمر الشرع ونهيه؟ وهذا يعني إبطال الدين من أساسه!!

وبمعزل عن هذه المسائل، لنفترض أن الإمام القائم قام بهذا العمل، فالآن عدد سكان الدنيا حوالي ستة مليارات نسمة ولا شك أنهم سيكونون أكثر من ذلك زمن ظهور الإمام القائم، في هذه الصورة كيف سيضع الإمام يده على رؤوس كل أولئك العباد وكم سيستغرق ذلك من زمن؟! إن واضع هذا الحديث نفسه لا يفهم ماذا يقول!

والآن قبل الانتقال إلى نَقْد الحديث التالي، نريد - كما وَعَدْنا - أن نُعَرِّف القُرّاءَ المحتَرَمين بِـ «الوشّاء».



([1])   السيد أبو القاسم الموسوي الخوئي، البيان في تفسير القرآن، بيروت، دار الزهراء للطباعة والنشر والتوزيع، 1395هـ/ 1975 م، ص 226. (المُتَرْجِمُ)

([2])   الكُلَيْنِيّ، الكافي، ج 4، كتاب الصيام، ص 81، الحديث الثالث.