260. بَابُ مَوْلِدِ الصَّاحِبِ (ع)
أورد الكُلَيْنِيّ في هذا الباب 31 حديثاً. لم يُصحِّح الأستاذ البِهْبُودِيّ منها سوى الحديثين 9 و24 فقط. أما المَجْلِسِيّ فاعتبر الحديث 1 ضعيفاً والحديث 9 مجهولاً كالصحيح، والحديث 5 حسناً كالصحيح، والأحاديث 4 و 8 و 20 و 24 و 25 و 26 و 29 و 31 صحيحةً واعتبر بقية أحاديث الباب مجهولةً.
ß الحديث 1 - هو الحديث الخامس من الباب 133 ذاته، كرّره الكُلَيْنِيّ مرةً ثانيةً هنا. يقول المَجْلِسِيّ: يبدو أن «الزبيري» كان من أولاد «الزبير بن العوام»، ولكننا لم نجد في التاريخ حادثة قتله ولا نعلم بأي سنة وقعت تلك الحادثة! وقد ذكر الكُلَيْنِيّ في مقدمة هذا الباب ذاته أن سنة ولادة الإمام الثاني عشر هي 255هـ، ولكن هذا الحديث يقول إن ولادته كانت سنة 256هـ.
ß الحديث 2 - هذا الحديث هو النص الكامل للحديث 133، أورده الكُلَيْنِيّ هنا بتمامه. في هذا الحديث يقول رجل من أهل فارس (إيراني) إن الإمام كان عمره سنتين، أما «ضَوْءُ بْنُ عَلِيٍّ الْعِجْلِيُّ» فقال إن الإمام كان عمره 14 سنة وأما أبو عبد الله وأبو علي فيقولان إن عمره كان إحدى وعشرين سنةً!
يقول المجلسي لو اعتبرنا أن سنة ولادة الإمام 255هـ أو 256هـ، فإن تلك الأقوال التي أُظْهِرَت سنة 279هـ، لن تتوافق مع ولادة الإمام. لأنه في ذلك الزمن كان يجب أن يكون عمر الإمام 24 أو 23 سنة.
ß الحديث 3 - يدّعي فيه رجل مهمل يُدعى «محمد بن محمد العامري» أن رجلاً هندياً مجهولاً باسم «أبو سعيد غانم» ادّعى أنه قرأ التوراة والإنجيل والزبور وصحف إبراهيم وذهب إلى بلخ وسأل هناك عن رسول الله J فأجابوه قائلين إنه نبيٌّ قد رحل عن الدنيا، فسأل: مَنْ وَصِيُّهُ وخليفته فقالوا أبو بكر، فقال لَيْسَ هَذَا صَاحِبِي الَّذِي طَلَبْتُ والذي قرأت أوصافه في الكتب السماوية السابقة وخرجت في طلبه من الهند، لأن "صَاحِبِي الَّذِي أَطْلُبُهُ خَلِيفَتُهُ أَخُوهُ فِي الدِّينِ وَابْنُ عَمِّهِ فِي النَّسَبِ وَزَوْجُ ابْنَتِهِ وَأَبُو وُلْدِهِ لَيْسَ لِهَذَا النَّبِيِّ ذُرِّيَّةٌ عَلَى الْأَرْضِ غَيْرُ وُلْدِ هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي هُوَ خَلِيفَتُهُ". (جلّ الخالق! عجيبٌ جداً أنه لا توجد أيٌّ من هذه العلامات الكثيرة لخليفة نبي الإسلام في القرآن ولكنها جاءت في الكتب السماوية السابقة!! علينا أن نسأل واضع هذا الحديث: ألم يكن من الأفضل بدلاً من أن يذكر الله تعالى كل هذه المعلومات عن خليفة نبيه في التوراة والزبور و.... - حسب قولك - أن يذكرها في القرآن حتى لا تضطر ويضطر أمثالك إلى وضع مثل هذه الأحاديث؟!).
ثم ذهب ذلك الرجل الهندي إلى بغداد والتقى بإمام الزمان وتحدّث معه الإمام باللغة الهندية وسأله عن أربعين من رفقائه واحداً واحداً!! هذا في حين أن النبي الأكرم J لم يكن يتحدّث مع سلمان بالفارسية ولا مع صهيب الرومي بالرومية.
والمثير أن الكُلَيْنِيّ ذَكَر في مقدّمة الباب 182 أن سنة ولادة الإمام 255هـ، وذكر في أول أحاديث الباب أن سنة ولادته 256هـ، ولكن في حديث الرجل الهندي هذا ذُكِر أن سنة ولادة الإمام كانت 264هـ ، وقد التقى بالإمام دون أن يشير إلى أن الرجل الذي التقى به كان طفلاً!! هذا في حين أن الإمام لم يكن يلتقي مباشرةً في زمن الغيبة الصغرى بأي أحد وكان نوّابه هم الواسطة بينه وبين الناس.
ß الحديث 4 - روى «سعد بن عبد الله» - وهو راوي حديث إرضاع أبي طالب للنبيّ (الحديث 27 من الباب 168)- عن مجهول يُدْعى «الْحَسَنُ بْنُ النَّضْرِ» و«وَأَبَو صِدَامٍ» وَجَمَاعَةٌ كانوا يدّعون النيابة عن الأئمة وأنهم وكلاء لهم ويأخذون بهذا الاسم الأموال من الناس، أنَّ «الْحَسَنَ بْنَ النَّضْرِ» الذي كان في حيرة من أمر الإمامة بعد حضرة العسكري، ذهب إلى سامراء كي يستقصي الأخبار حول الإمام بعد حضرة العسكري، فأخذوه إلى منزل وقال له شخص من وراء سِتْرٍ: "يَا حَسَنَ بْنَ النَّضْرِ احْمَدِ اللهَ عَلَى مَا مَنَّ بِهِ عَلَيْكَ وَلَا تَشُكَّنَّ!!".
نقول: إن الحسن هذا لم يرَ أحداً وليس من المعلوم من الذي ناداه من وراء السِّتْر وما حَسَبُهُ وَنَسَبُهُ؟ ونسأل لماذا لم يلتقِ الإمام بوكيله بل تكلّم معه من وراء السِّتْر؟ لعلّ عدداً من المحتالين أرادوا خداع «الْحَسَنَ بْنَ النَّضْرِ» بهذه الوسيلة! والملفت للنظر أن نذكّر أن المَجْلِسِيّ اعتبر مثل هذا الحديث صحيحاً!
يقول الكاتب: هل هذا يُسمّى حديثاً؟ هل مثل هذا الكلام يمكن أن يكون حُجَّةً؟ هل يمكن للإنسان أن يجيب يوم القيامة أمام الله اعتماداً على مثل هذه الأخبار التي لا اعتبار بها؟ هل يريد الكُلَيْنِيّ أن يهدي الآخرين بأخبار أفراد متحيّرين قليلي العقل مثل هؤلاء؟
ß الحديث 5 - مُهْمَلٌ بِاسْمِ «محمد بن حموية» يدعي أن «مُحَمَّدَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَهْزِيَارَ» الذي كان أبوه يأخذ الأموال من الناس باسم الإمام، وصار هو أيضاً يمتهن هذه المهنة والعمل المريح الذي يدرُّ أموالاً طائلة، وادَّعى النيابة عن الأئِمَّة! يقول: "فَقَدِمْتُ الْعِرَاقَ وَاكْتَرَيْتُ دَاراً عَلَى الشَّطِّ وَبَقِيتُ أَيَّاماً فَإِذَا أَنَا بِرُقْعَةٍ مَعَ رَسُولٍ فِيهَا يَا مُحَمَّدُ مَعَكَ كَذَا وَكَذَا فِي جَوْفِ كَذَا وَكَذَا حَتَّى قَصَّ عَلَيَّ جَمِيعَ مَا مَعِي مِمَّا لَمْ أُحِطْ بِهِ عِلْماً، فَسَلَّمْتُهُ إِلَى الرَّسُولِ وَبَقِيتُ أَيَّاماً لَا يُرْفَعُ لِي رَأْسٌ وَاغْتَمَمْتُ فَخَرَجَ إِلَيَّ قَدْ أَقَمْنَاكَ مَكَانَ أَبِيكَ [أي وكيلاً لنا] فَاحْمَدِ اللهَ!".
كان أمثال أولئك الأفراد، الذين يأكلون أموال الناس البسطاء باسْمِ النيابة عن الإمام، كثيرون! حقاً لو التزم المسلمون بالآية المباركة: ﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ﴾ [الإسراء/36] لكان وضعهم اليوم أفضل من هذا بكثير.
تذكير: أورد الشيخ المفيد هذا الحديث في كتابه «الإرشاد»، ج 2، ص 355.
ß الحديث 6 - أنقص من جميع الأحاديث الأخرى. يقول النَّسَائِيِّ [ولا ندري من هو؟ وماذا كان شغله؟] قَالَ: "أَوْصَلْتُ أَشْيَاءَ لِلْمَرْزُبَانِيِّ الْحَارِثِيِّ [وهو أيضاً مجهول!] فِيهَا سِوَارُ ذَهَبٍ فَقُبِلَتْ وَرُدَّ عَلَيَّ السِّوَارُ، فَأُمِرْتُ بِكَسْرِهِ فَكَسَرْتُهُ فَإِذَا فِي وَسَطِهِ مَثَاقِيلُ حَدِيدٍ وَنُحَاسٍ أَوْ صُفْرٍ، فَأَخْرَجْتُهُ وَأَنْفَذْتُ الذَّهَبَ فَقُبِلَ!".
ينبغي أن نسال الكُلَيْنِيّ: من كان النَّسَائِيُّ والْمَرْزُبَانِيُّ؟ ومن كانت المرأة المسكينة البسيطة صاحبة ذلك السِّوَارِ؟ وكيف وتحت أي عنوان أرْسَلَتْ به إلى أشخاص لا تعرفهم جيداً؟ ولماذا أتيتَ -أيها الكُلَيْنِيّ - بهذا الخبر الذي لا يُعرف له رأس ولا ذَيْل؟! ندعو الله ألا يطّلع أعداء الإسلام الحاقدون على أن في كتبنا الدينية والمذهبية مثل هذه الأوهام.
تذكير: أورد الشيخ المفيد هذا الحديث في كتابه «الإرشاد»، ج 2، ص 356!
ß الحديث 7 - يقول فردٌ مُهْمَلٌ وَمَجْهُولٌ يُدْعَى «الْفَضْلُ الْخَزَّازُ الْمَدَائِنِيُّ»: "إِنَّ قَوْماً مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مِنَ الطَّالِبِيِّينَ كَانُوا يَقُولُونَ بِالْحَقِّ وَكَانَتِ الْوَظَائِفُ تَرِدُ عَلَيْهِمْ فِي وَقْتٍ مَعْلُومٍ، فَلَمَّا مَضَى أَبُو مُحَمَّدٍ (ع) رَجَعَ قَوْمٌ مِنْهُمْ عَنِ الْقَوْلِ بِالْوَلَدِ فَوَرَدَتِ الْوَظَائِفُ عَلَى مَنْ ثَبَتَ مِنْهُمْ عَلَى الْقَوْلِ بِالْوَلَدِ وَقُطِعَ عَنِ الْبَاقِينَ فَلَا يُذْكَرُونَ فِي الذَّاكِرِينَ وَالْحَمْدُ لِـلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ!!".
أقول: إذاً من هذا نعرف السبب في قول بعض الناس إنه كان لحضرة العسكري وَلَدٌ!
ß الحديث 8 - مُهْمَلٌ أكثر من الحديث الذي قبله، وذلك لأن «علي بن محمد» مجهول الحال يقول: "أَوْصَلَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ السَّوَادِ مَالًا فَرُدَّ عَلَيْهِ وَقِيلَ لَهُ: أَخْرِجْ حَقَّ وُلْدِ عَمِّكَ مِنْهُ وَهُوَ أَرْبَعُمِائَةِ دِرْهَمٍ، وَكَانَ الرَّجُلُ فِي يَدِهِ ضَيْعَةٌ لِوُلْدِ عَمِّهِ فِيهَا شِرْكَةٌ قَدْ حَبَسَهَا عَلَيْهِمْ، فَنَظَرَ فَإِذَا الَّذِي لِوُلْدِ عَمِّهِ مِنْ ذَلِكَ الْمَالِ أَرْبَعُمِائَةِ دِرْهَمٍ، فَأَخْرَجَهَا وَأَنْفَذَ الْبَاقِيَ فَقُبِلَ".
أقول: ما أدرانا أن لا يكون هذا الرجل المجهول كاذباً؟ وإذا كان المقصود أن قائل مثل ذلك الكلام هو الإمام فنسأل: وهل كان يوحى للإمام؟
تذكير: أورد الشيخ المفيد هذا الحديث في كتابه «الإرشاد»، ج 2، ص 356!
ß الحديث 9 - يقول «القاسم بن علاء» -الذي يبدو أنه كان من وكلاء استلام الأموال والحقوق الشرعية من الناس-: "وُلِدَ لِي عِدَّةُ بَنِينَ فَكُنْتُ أَكْتُبُ وَأَسْأَلُ الدُّعَاءَ فَلَا يُكْتَبُ إِلَيَّ لَهُمْ بِشَيْءٍ، فَمَاتُوا كُلُّهُمْ، فَلَمَّا وُلِدَ لِيَ الْحَسَنُ ابْنِي كَتَبْتُ أَسْأَلُ الدُّعَاءَ فَأُجِبْتُ: يَبْقَى، وَالْحَمْدُ لِـلَّهِ".
لم يُبَيِّن لنا «القاسم بن علاء» هذا إلى من كان يكتب الرسائل؟ إن كان قصده أنه كان يكتب الرسائل إلى الإمام فنسأل: وهل كان الإمام يعلم الغيب ويعلم أن أبناءه الآخرين لن يبقوا ولذلك لم يُجِبْهُ بشأنهم، ولكنه أجاب رسالته بشأن الحسن لأنه علم أنه سيبقى؟!
لا شك أن الإمام لم يكن مُنَجِّمَاً وَلا عَرَّافاً يخبر عن المُغَيَّبَات، ولكن صدق المثل القائل "احترام الإمام زاده([1]) بِيَدِ مُتَوَلِّي قَبْره!". نعم، لا بد للوكلاء أن ينسبوا للإمام الإخبار عن المغيبات وصنع المعجزات كي يعطيهم الناس الأموال برغبة أكبر وحماس أشدّ!
تذكير: أورد الشيخ المفيد هذا الحديث في كتابه «الإرشاد»، ج 2، ص 356.
ß الحديث 10 - يقول «أَبو عَبْدِ اللهِ بْنُ صَالِحٍ» مجهول الحال والذي لا نعلم شيئاً عن حاله ومذهبه: "كُنْتُ خَرَجْتُ سَنَةً مِنَ السِّنِينَ بِبَغْدَادَ فَاسْتَأْذَنْتُ فِي الْخُرُوجِ فَلَمْ يُؤْذَنْ لِي، فَأَقَمْتُ اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ يَوْماً وَقَدْ خَرَجَتِ الْقَافِلَةُ إِلَى النَّهْرَوَانِ، فَأُذِنَ فِي الْخُرُوجِ لِي يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ وَقِيلَ لِيَ اخْرُجْ فِيهِ، فَخَرَجْتُ وَأَنَا آيِسٌ مِنَ الْقَافِلَةِ أَنْ أَلْحَقَهَا، فَوَافَيْتُ النَّهْرَوَانَ وَالْقَافِلَةُ مُقِيمَةٌ فَمَا كَانَ إِلَّا أَنْ أَعْلَفْتُ جِمَالِي شَيْئاً حَتَّى رَحَلَتِ الْقَافِلَةُ فَرَحَلْتُ، وَقَدْ دَعَا لِي بِالسَّلَامَةِ فَلَمْ أَلْقَ سُوءاً وَالْحَمْدُ لِـلَّهِ".
لا ندري ممن أخذ هذا الرجل المجهول الإذن بالخروج؟ كما أنه لم يذكر لنا أنه خلال مدة الاثنين وعشرين يوماً التي لم يكن خلالها مرافقاً للقافلة لماذا وبأي هدف وقعت حادثة سوء لأهل القافلة. حقاً ما الذي يريد الكُلَيْنِيّ إثباته بذكر مثل هذه الحكايات والقصص التي لا يُعْرَفُ رأسُها من ذيلها.
ß الحديث 11 - يروي «النَّضْرُ بْنُ صَبَّاحٍ» المهمل والمجهول عن مهمل ومجهول آخر يُدْعى «محمد بن يوسف الشاشي» أنه قال: "خَرَجَ بِي نَاصُورٌ عَلَى مَقْعَدَتِي فَأَرَيْتُهُ الْأَطِبَّاءَ وَأَنْفَقْتُ عَلَيْهِ مَالًا فَقَالُوا: لَا نَعْرِفُ لَهُ دَوَاءً، فَكَتَبْتُ رُقْعَةً أَسْأَلُ الدُّعَاءَ، فَوَقَّعَ (ع) إِلَيَّ: أَلْبَسَكَ اللهُ الْعَافِيَةَ وَجَعَلَكَ مَعَنَا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. قَالَ: فَمَا أَتَتْ عَلَيَّ جُمْعَةٌ حَتَّى عُوفِيتُ وَصَارَ مِثْلَ رَاحَتِي، فَدَعَوْتُ طَبِيباً مِنْ أَصْحَابِنَا وَأَرَيْتُهُ إِيَّاهُ فَقَالَ: مَا عَرَفْنَا لِهَذَا دَوَاءً!".
إن كان الراوي يريد القول إن الإمام شفاه من مرضه على نحو معجز فكان يجب أن يشفى من مرضه فوراً كي يظهر أثر الإعجاز لا أن يشفى بعد أسبوع، لأن الدُّمَّل والناصور عندما يتم فتحه يتحسن حاله بالتدريج. فمثل هذه الأخبار الضعيفة لا تثبت حقاً ولا تُبْطِلُ باطلاً.
تذكير: أورد الشيخ المفيد هذا الحديث في كتابه «الإرشاد»، ج 2، ص 357.
ß الحديث 12 - رجلٌ مُهْملٌ بِاسْمِ «عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ الْيَمَانِيِّ» يقول: "كُنْتُ بِبَغْدَادَ فَتَهَيَّأَتْ قَافِلَةٌ لِلْيَمَانِيِّينَ فَأَرَدْتُ الْخُرُوجَ مَعَهَا فَكَتَبْتُ أَلْتَمِسُ الْإِذْنَ فِي ذَلِكَ فَخَرَجَ لَا تَخْرُجْ مَعَهُمْ فَلَيْسَ لَكَ فِي الْخُرُوجِ مَعَهُمْ خِيَرَةٌ وَأَقِمْ بِالْكُوفَةِ. قَالَ: وَأَقَمْتُ وَخَرَجَتِ الْقَافِلَةُ فَخَرَجَتْ عَلَيْهِم [قبيلة] حَنْظَلَةُ فَاجْتَاحَتْهُمْ [أي أغارت عليهم وسلبت أموالهم. ونتساءل: لماذا لم يُخْبِر الإمام أهل القافلة أيضاً بعدم الخروج كي لا يتعرضوا لقطاع الطرق؟! ألم يكن الإمام مريداً لخير عامة المسلمين وصالحهم؟].
ويواصل الراوي قصَّته فيقول: "وَكَتَبْتُ [مرَّةً ثانيةً] أَسْتَأْذِنُ فِي رُكُوبِ الْمَاءِ فَلَمْ يَأْذَنْ لِي! فَسَأَلْتُ عَنِ الْمَرَاكِبِ الَّتِي خَرَجَتْ فِي تِلْكَ السَّنَةِ فِي الْبَحْرِ فَمَا سَلِمَ مِنْهَا مَرْكَبٌ خَرَجَ عَلَيْهَا قَوْمٌ [يعني قراصنةٌ] مِنَ الْهِنْدِ يُقَالُ لَهُمُ الْبَوَارِجُ فَقَطَعُوا عَلَيْهَا. قَالَ: وَزُرْتُ الْعَسْكَرَ فَأَتَيْتُ الدَّرْبَ مَعَ الْمَغِيبِ وَلَمْ أُكَلِّمْ أَحَداً وَلَمْ أَتَعَرَّفْ إِلَى أَحَدٍ وَأَنَا أُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ بَعْدَ فَرَاغِي مِنَ الزِّيَارَةِ إِذَا بِخَادِمٍ قَدْ جَاءَنِي فَقَالَ لِي: قُمْ. فَقُلْتُ لَهُ: إِذَنْ إِلَى أَيْنَ؟ فَقَالَ لِي: إِلَى الْمَنْزِلِ! قُلْتُ: وَمَنْ أَنَا لَعَلَّكَ أَرْسَلْتَ إِلَى غَيْرِي؟ فَقَالَ لَا مَا أَرْسَلْتُ إِلَّا إِلَيْكَ أَنْتَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ رَسُولُ جَعْفَرِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ فَمَرَّ بِي حَتَّى أَنْزَلَنِي فِي بَيْتِ «الْحُسَيْنِ بْنِ أَحْمَدَ» ثُمَّ سَارَّهُ فَلَمْ أَدْرِ مَا قَالَ لَهُ حَتَّى آتَانِي جَمِيعَ مَا أَحْتَاجُ إِلَيْهِ وَجَلَسْتُ عِنْدَهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَاسْتَأْذَنْتُهُ فِي الزِّيَارَةِ مِنْ دَاخِلٍ فَأَذِنَ لِي فَزُرْتُ لَيْلًا!".
ليس من المعلوم مِـمَّن طلب الراوي الإذن؟ إن كان قد طلب الإذن من الإمام فكيف عرف أن الإذن أو عدم الإذن صدر عن الإمام فعلاً وأن مُدَّعي الوكالة عن الإمام لم يكذبوا عليه؟
ثانياً: من كان «الحسين بن أحمد»؟ ولماذا أسرّ النجوى مع الخادم، وماذا دار بينهما من حديث؟
ثالثاً: هل يجب على كل من أراد الخروج من المدينة أن يطلب الإذن من الإمام؟ فلماذا لم يكن الناس في زمن حضرة علي (ع) أو زمن حضرة الباقر (ع)..... يطلبون الإذن منهما لمثل هذا الأمر؟
رابعاً: إن الادّعاء بأن الإمام كان مطّلعاً على مستقبل الناس مخالف للقرآن الذي قال للرسول J: ﴿قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ﴾ [الأحقاف/9]، وقال أيضاً: ﴿مَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا﴾ [لقمان/34]. وقد أرسل النبي الأكرم J في السنة الرابعة للهجرة عدداً من أصحابه للدعوة إلى الإسلام وتعليم القرآن وذلك في حادثتَي الرجيع وبئر معونة ولم يكن يدري أنهم سيُقتَلون جميعاً، وقد أحزنت تلك الواقعتين الرسول J حزناً بالغاً.
يظن الناس متأثرين بكل تلك الهالة والدعاية التي يقوم بها الشيوخ لصالح كتاب الكافي أنه كتاب علمي ومعقول وموافق للقرآن ولا يحتملون أن تكون فيه مثل هذه المهملات والأباطيل.
تذكير: أورد الشيخ المفيد هذا الحديث في «الإرشاد»، ج 2، ص 358!
ß الحديث 13 - كلامٌ مُهْمَلٌ نظير الحديث 12 يرويه شخصٌ مُهْمَلٌ و مجهولٌ باسْمِ «الْحَسَنِ بْنِ الْفَضْلِ بْنِ زَيْدٍ الْيَمَانِيِّ». يقول المَجْلِسِيّ: "محمد بن أحمد المذكور في الخبر لم يُعَدَّ من السفراء المعروفين!"([2]).
يا خسارة الأوقات والعمر الذي ينفقه الإنسان على مثل هذه الحكايات والقصص التي لا اعتبار لها.
تذكير: أورد الشيخ المفيد هذا الحديث في «الإرشاد»، ج 2، ص 359 فما بعد. وحذفَ منه جملة «وردْتُ طوسَ». ولعل النسخة التي كانت لديه من الكافي لم تُذْكَر فيها تلك العبارة.
ß الحديث 14 - مَرْوِيٌّ عن شخص مُهْمَلٍ ومجهولٍ يُدعى «الْحَسَنُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ» يقول: "شَكَكْتُ فِي أَمْرِ حَاجِزِ بْنِ يَزِيدَ [وهو شخصٌ مجهولُ الحال كان يدَّعي الوكالة والنيابة عن الإمام الغائب]، فَجَمَعْتُ شَيْئاً ثُمَّ صِرْتُ إِلَى الْعَسْكَرِ. فَخَرَجَ إِلَيَّ [رسالةٌ]: لَيْسَ فِينَا شَكٌّ وَلَا فِيمَنْ يَقُومُ مَقَامَنَا بِأَمْرِنَا، رُدَّ مَا مَعَكَ إِلَى حَاجِزِ بْنِ يَزِيدَ!".
لاحظوا أنه في هذا الذي يُسمَّى حديثاً، قال شخص مجهول إني شككت في أمر شخص مجهول آخر لذا ذهبت إلى سامراء فأرسل إليَّ شخص لم أره رسالةً مُفادها: أعط الأموال التي أخذتَها من الناس إلى ذلك الشخص الذي شككت به ولا تشكّ به! فقام هذا الشخص - طبقاً لادّعائه - بتسليم الأموال لذلك الشخص الذي كان يشك به دون أن يطلب منه أي دليل وبيّنة على ادّعائه!
هل يُعدُّ هذا حديثاً ومُستنداً دينياً؟ هل علوم الأئِمَّة التي تتشدّقون بامتلاككم لها هي هذه الأمور؟! من الواضح أنه لما كان المدعو «الحسن بن عبد الحميد» يقوم بجمع الأموال من الناس، علِم جماعةٌ من المحتالين بذلك فلما وصل الحسن إلى سامرّاء قاموا بانتزاع الأموال منه من خلال إرسالهم تلك الرسالة إليه. هذا إن لم يكن الحسن بن عبد الحميد نفسه قد بلع الأموال التي جمعها ثم اخترع قصة إعطاء المال لوكلاء الإمام تلك!
أيها القارئ العزيز! تأمل قليلاً في هذه المسألة: هل يمكن أن تكون الحجة الإلهية التي وُجِدَت لأجل هداية الناس وإرشادهم على هذا القَدْر من الضعف والتهاوي وفقدان الأساس المحكم بحيث أنه يغيب ويطلب من الناس المال من خلال إرسال الرسائل ثم لا يظهر منه أي نوع من التعليم والإرشاد؟ هل هذا دين؟!!
هذا في حين أن القرآن الكريم لم يُشِر إلى أي حجة غائبة، وليس هذا فحسب بل نفى أن يكون بعد الأنبياء حجة (النساء/165).
آمل ألا يضع الناس مثل هذه القصص التي لا يُعرَف رأسها من ذيلها في حساب القرآن الكريم والإسلام العزيز. آمين يا رب العالمين.
تذكير: أورد الشيخ المفيد هذا الحديث في «الإرشاد»، ج 2، ص 361!
ß الحديث 15 - يرويه «مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحٍ» الذي لا نعرف عن حاله شيئاً كثيراً، واختلف الرجاليون بشأنه، وكان من الذين يقوم - مثل أبيه - بجمع الأموال الشرعية من الناس، أما مصير تلك الأموال وأين كان يذهب بها فهذا ما لا نعلم عنه شيئاً، لأن الإمام الذي غاب لم يعد بحاجة إلى أموال الناس (ليس لدينا أي دليل على أن الإمام غير المرئي والغائب يُنفق تلك الأموال المأخوذة على بناء الجسور أو الطرق أو المدارس أو يستخدمها في محاربة الخرافات!). وعلى كل حال يقول «مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحٍ» هذا: "لَمَّا مَاتَ أَبِي وَصَارَ الْأَمْرُ لِي كَانَ لِأَبِي عَلَى النَّاسِ سَفَاتِجُ مِنْ مَالِ الْغَرِيمِ([3]) فَكَتَبْتُ إِلَيْهِ أُعْلِمُهُ، فَكَتَبَ طَالِبْهُمْ وَاسْتَقْضِ عَلَيْهِمْ. فَقَضَّانِيَ النَّاسُ إِلَّا رَجُلٌ وَاحِدٌ كَانَتْ عَلَيْهِ سَفْتَجَةٌ بِأَرْبَعِمِائَةِ دِينَارٍ فَجِئْتُ إِلَيْهِ أُطَالِبُهُ فَمَاطَلَنِي وَاسْتَخَفَّ بِيَ ابْنُهُ وَسَفِهَ عَلَيَّ [أي أهانني وشتمني]. فَشَكَوْتُ إِلَى أَبِيهِ فَقَالَ: وَكَانَ مَاذَا؟ [أي أن أباه دافع عنه]، فَقَبَضْتُ عَلَى لِحْيَتِهِ وَأَخَذْتُ بِرِجْلِهِ وَسَحَبْتُهُ إِلَى وَسَطِ الدَّارِ وَرَكَلْتُهُ رَكْلًا كَثِيراً (!!)، فَخَرَجَ ابْنُهُ يَسْتَغِيثُ بِأَهْلِ بَغْدَادَ وَيَقُولُ: قُمِّيٌّ رَافِضِيٌّ قَدْ قَتَلَ وَالِدِي. فَاجْتَمَعَ عَلَيَّ مِنْهُمُ الْخَلْقُ فَرَكِبْتُ دَابَّتِي وَقُلْتُ: أَحْسَنْتُمْ يَا أَهْلَ بَغْدَادَ تَمِيلُونَ مَعَ الظَّالِمِ عَلَى الْغَرِيبِ الْمَظْلُومِ أَنَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ هَمَدَانَ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَهَذَا يَنْسُبُنِي إِلَى أَهْلِ قُمَّ وَالرَّفْضِ لِيَذْهَبَ بِحَقِّي وَمَالِي. قَالَ: فَمَالُوا عَلَيْهِ وَأَرَادُوا أَنْ يَدْخُلُوا عَلَى حَانُوتِهِ حَتَّى سَكَّنْتُهُمْ وَطَلَبَ إِلَيَّ صَاحِبُ السَّفْتَجَةِ وَحَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَنْ يُوَفِّيَنِي مَالِي حَتَّى أَخْرَجْتُهُمْ عَنْهُ".
أيها القارئ المحترم! انظر كيف كانوا يكذبون بكل بساطة باسم الوكيل ونائب الإمام ويأخذون الأموال من الناس بالقوة والإكراه!
لقد أورد الكُلَيْنِيّ هذه القصص والحكايات في كتابه «الكافي» الذي يعتبرونه من أفضل كتب الحديث، على أنها من علوم الأئِمَّة ومعارفهم!!
تذكير: أورد الشيخ المفيد هذا الحديث في «الإرشاد»، ج 2، ص 362.
ß الحديث 16 - يروي فيه «الْعَلَاءُ بْنُ رِزْقِ اللهِ» المهمل ومجهول الهوية عن فرد مجهول الحال يُدعى «بدر» كان غلاماً لأحد موظفي حكومة بني العباس ويُدعى «أحمد بن الحسن»، يروي حصول معجزة تدل على أن الإمام كان مطّلعاً على ما في ضمائر الناس. وقد قلنا مراراً إن هذا الادّعاء مخالفٌ للقرآن. وفي هذا الحديث أيضاً وطبقاً للعادة يطلب الإمام -الذي لا يراه أحدٌ- المالَ!
ß الحديث 17 - رُوِيَ عَنِ فردٍ مجهولٍ، وأرادوا أن يثنوا بشكل غير مباشر على فردٍ ضعيفٍ باسم «محمد بن أبي عبد الله بن عَوْن الْأَسَدِيِّ»! (راجعوا بيان حاله في الصفحات 357فما بعد، و ص 676 من الكتاب الحالي).
تذكير: أورد الشيخ المفيد هذا الحديث في «الإرشاد»، ج 2، ص 363-364!
ß الحديث 18 - حديث مجهولٌ يقول إن الإمام طلب المال من شخصٍ!
تذكير: أورد الشيخ المفيد هذا الحديث في «الإرشاد»، ج 2، ص 364!
ß الحديث 19 - حديث مَرْوِيٌّ عَنِ «الْحَسَنِ بْنِ عِيسَى الْعُرَيْضِيِّ» المجهول الذي لا اعتبار به.
ß الأحاديث 20 و 22 و 26 - كالعادة: إمامٌ غيرُ مرئيٍّ يُطالبُ بالمال!
ß الحديث 21 - مَرْوِيٌّ عَنِ شخصٍ مجهولٍ يُدعى «الْحَسَنُ بْنُ خَفِيفٍ»!
ß الحديثان 23 و28 - كما ذكرنا فيما سبق، طبقاً لأحاديث هذا الباب كان جُلُّ اهتمام الإمام الغائب إرسال الرسائل والمطالبة بسهم الإمام، وكان يأخذ هذه الأموال من الناس بكُلِّ حزمٍ و جدٍّ، فإذا أُرسلت إليه أموالٌ إضافيةٌ لم يَرُدَّها إلى أصحابها!! طبقاً للحديث 23 تم جمع مبلغ أربعمئة وثمانون درهماً من سهم الإمام لدى شخصٍ فأضاف إليها الرجل عشرين درهماً من عنده، فأصبح المجموع خَمْسُمِئَةِ دِرْهَمٍ وأرسل المبلغ إلى الناحية. ورُغم أنه قيل له: "وَصَلَتْ خَمْسُمِئَةِ دِرْهَمٍ لَكَ مِنْهَا عِشْرُونَ دِرْهَماً"، إلا أنه لم يتم إرجاع العشرين درهماً الزائدة له! وكذلك يقول الحديث 28 إن الناحية طالبت بخَمْسُمِئَةِ دينار، لذا تمَّ أَخْذُ حَوَانِيتَ قيمتها خَمْسُمِئَةٍ وَثَلَاثِينَ دِينَاراً دون أن تَتِمَّ إعادةُ الثلاثين ديناراً الزائدة!!
تذكير: أورد الشيخ المفيد هذا الحديث في «الإرشاد»، ج 2، ص 356 و366 و367 !
ß الحديث 24 - يقول «الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْأَشْعَرِيُّ» الذي نعرف حاله([4]): "كَانَ يَرِدُ كِتَابُ أَبِي مُحَمَّدٍ (ع) [أي حضرة الحسن العسكري] فِي الْإِجْرَاءِ عَلَى الْجُنَيْدِ قَاتِلِ فَارِسَ وَأَبِي الْحَسَنِ وَآخَرَ، فَلَمَّا مَضَى أَبُو مُحَمَّدٍ (ع) وَرَدَ اسْتِئْنَافٌ مِنَ الصَّاحِبِ لِإِجْرَاءِ أَبِي الْحَسَنِ وَصَاحِبِهِ وَلَمْ يَرِدْ فِي أَمْرِ الْجُنَيْدِ بِشَيْءٍ، قَالَ: فَاغْتَمَمْتُ لِذَلِكَ، فَوَرَدَ نَعْيُ الْجُنَيْدِ بَعْدَ ذَلِكَ!
ß الحديثان 25 و29 - من النماذج البارزة لمقولة: «المعنى في بطن الشاعر»! راوي الحديث 25 هو «محمَّد بن صالح» ذاته الذي روى الحديث 15 في هذا الباب. والحديث 29 ليس بأحسن حالٍ منه.
ß الحديث 27 - يقول شخص مُهْمَلٌ باسم «أَبِي عَقِيلٍ عِيسَى بْنِ نَصْرٍ» أن شخصاً (مُهْملاً) يُدعى «عَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ الصَّيْمَرِيُّ» كَتَبَ إلى الإمام الغائب يَسْأَلُهُ كَفَناً. فَكَتَبَ إِلَيْهِ: إِنَّكَ تَحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي سَنَةِ ثَمَانِينَ فَمَاتَ فِي سَنَةِ ثَمَانِينَ وَبَعَثَ إِلَيْهِ بِالْكَفَنِ قَبْلَ مَوْتِهِ بِأَيَّامٍ!
هذا في حين أن الله تعالى يقول: ﴿وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا﴾ [لقمان/34]. وراجعوا ما قلناه بشأن الحديث 12 من هذا الباب.
تذكير: أورد الشيخ المفيد هذا الحديث في «الإرشاد»، ج 2، ص 366.
ß الحديثان 30 و31 - في الاحتمال الغالب أنه كان لمدّعي الوكالة والنيابة عن الإمام جواسيس لدى الحكم العباسي كانوا يُطلِعونهم قبل أي أحد آخر على القرارات التي يتم اتّخاذها في قصر الحاكم. لذا يقول هذان الحديثان أنه قد جاء أمرٌ من الناحية بعدم أخذ الأموال من الناس والامتناع عن زيارة قبور قريش والحائر كي لا يتم التعرف عليهم واعتقالهم.
كما لوحِظ، لقد تم تدوين القصص التي رأيناها أعلاه في أهم كتابٍ من كتب الحديث، بوصفها أدلة على وجود الإمام الغائب وإمامته! هذا في حين أنه لا علاقة لتلك القصص بالإمامة والزعامة. لم يكن الإمام - أو في الواقع مدّعو الوكالة والنيابة عنه - يقومون بعمل سوى أخذ الأموال من الناس، ولم يكن يصدر مِنْ قِبَلِهم إلا نادراً كلام يتعلق بمعارف الدين أو أحكام الشريعة مما فيه إرشاد للعباد. والأحاديث التي مرت معنا في هذا الباب كلها مرويةٌ - كما رأينا - عن أفراد مجهولي الحال فاقدي الاعتبار. إضافة إلى ذلك، ورغم أن الشيعة تدّعي أن نوّاب الإمام الغائب كانوا أربعة، لكننا وجدنا في هذا الباب أفراداً كثيرين يدّعون الوكالة والنيابة عنه!! هذا رغم أنه ليس لدينا أي دليل قوي حتى على ثقة وصدق أولئك النوّاب الأربعة سوى بعض الروايات التي نقلها أشخاص مجروحون وغير موثوقين! (فتأمل جداً).
ولا يفوتنا القول إن الأحاديث التي مرّت معنا هي كل ما يملكه الكُلَيْنِيّ - الذي يُعدُّ أقدم محدّثي الشيعة - من رأس مال في هذا الأمر وقد دوّن كل ما وصل إلى يديه في الباب 133 و 182! ولكنه لم يذكر القصص التي ذكرها الشيخ الصدوق في كتابه «كمال الدين»- علما أن الصدوق توفِّي بعد وفاة الكُلَيْنِيّ باثنين وخمسين عاماً تقريباً -، ولا القصص التي ذكرها الشيخ الطوسي في كتابه «الغيبة»، علماً أن الشيخ الطوسي عاش في القرن الهجري الخامس. من هذا يَتَبَـيَّنُ أن القصص المذكورة في الكتابين الأخيرين إنما وُضِعَت عهد بعد الكُلَيْنِيّ!