255. بَابُ مَوْلِدِ أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا (ع)
بعد أن ذكر الكُلَيْنِيّ تاريخ ولادة حضرة الرضا (ع) ووفاته، أورد أحد عشر حديثاً، اعتبر المَجْلِسِيُّ الحديثين 1 و7 منها صحيحين والحديث 8 حسناً والحديثين 2 و5 مُرسَلَين والحديث 6 مجهولاً، واعتبر بقية أحاديث الباب ضعيفةً. أما الأستاذ البِهْبُودِيّ فلم يُصحِّح أياً من أحاديث هذا الباب.
ß الحديث 1 - راويه «هشام بن أحمر» مجهول الحال، يقول إن امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ كانت تعيش في أَقْصَى الْمَغْرِبِ رأيت الأمة التي صارت فيما بعد أم الإمام الرضا (ع) فقالت لبائع العبيد التي كانت في حوزته: مَا هَذِهِ الْوَصِيفَةُ مَعَكَ؟ قال: اشْتَرَيْتُهَا لِنَفْسِي. فَقَالَتْ المرأة من أهل الكتاب له: "مَا يَكُونُ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ هَذِهِ عِنْدَ مِثْلِكَ! إِنَّ هَذِهِ الْجَارِيَةَ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ عِنْدَ خَيْرِ أَهْلِ الْأَرْضِ، فَلَا تَلْبَثُ عِنْدَهُ إِلَّا قَلِيلًا حَتَّى تَلِدَ مِنْهُ غُلَاماً مَا يُولَدُ بِشَرْقِ الْأَرْضِ وَلَا غَرْبِهَا مِثْلُهُ!!..".
أقول: المُلفِت والمثير أنه في كتاب «الكافي» حتى نساء أهل الكتاب يعلمن الغيب!! والغريب كيف لم تسلم هذه المرأة من أهل الكتاب رغم كل هذه المعلومات والمعارف التي كانت لديها؟
ولكن لحسن الحظ فإن القرآن الكريم ينفي مثل هذه الخرافات عندما يقول إن الله وحده يعلم ما في الأرحام (لقمان/34).
تذكير: لقد أورد الشيخ المفيد هذا الحديث في كتابه «الإرشاد» (ج 2، ص254)!
ß الحديث 2 - حديثٌ مرسلٌ يدلُّ على علم الإمام بالغيب. وقد أورد الشيخ المفيد هذا الحديث أيضاً في كتابه «الإرشاد» (ج 2، ص255)!
ß الحديث 3 - رجلٌ مجهولٌ يُدعَى «الْحَسَنُ بْنُ مَنْصُورٍ» يروي "عَنْ أَخِيهِ قَالَ دَخَلْتُ عَلَى الرِّضَا (ع) فِي بَيْتٍ دَاخِلٍ فِي جَوْفِ بَيْتٍ لَيْلًا، فَرَفَعَ يَدَهُ فَكَانَتْ كَأَنَّ فِي الْبَيْتِ عَشَرَةَ مَصَابِيحَ، وَاسْتَأْذَنَ عَلَيْهِ رَجُلٌ فَخَلَّى يَدَهُ ثُمَّ أَذِنَ لَهُ".
ونسأل: ماذا كانت فائدة هذه المعجزة؟ لماذا لم يُظْهِر الإمامُ هذه المعجزةَ أمام الواقفة كي يقبلوا بإمامته ويهتدوا؟!
ß الحديث 4 - راويه «عَبْدُ اللهِ بن إبراهيم الْغِفَارِيّ» الذي كان يدَّعي كذباً أنه من ذرية الصحابي «أبي ذر الغفاري»! كان هذا الراوي كذَّاباً ووضَّاعاً للحديث. يقول الأستاذ البِهْبُودِيّ إن الحديث الذي رواه عن الإمام الرضا (ع) وأثبته الشيخ الصدوق في كتابه «عيون أخبار الرضا» (ج 2، ص 218) كذب واضح تماماً. وهذا الحديث أيضاً يدل على علم الإمام بالغيب.
تذكير: أورد الشيخ المفيد هذا الحديث في كتابه «الإرشاد»، ج 2، ص 255، وذكر كلمة «فلان» بدلاً من اسم «طَيس».
ß الحديث 5 - حديثٌ مرسلٌ يدلُّ على علم الإمام بالغيب!
تذكير: أورد الشيخ المفيد هذا الحديث في كتابه «الإرشاد»، ج 2، ص 257.
ß الحديث 6 - يدعي راويه «حمزة بن القاسم» مجهول الحال أن الإمام الرضا (ع) صنع معجزة لأحد أصحابه وقال له اكتمها!!
ونسأل: هل المعجزة في رأي الكُلَيْنِيّ قليلة القدر والأهمية إلى هذا الحد بحيث لا يرويها سوى فرد مجهول الحال ولا يكون للأفراد الثقاة والمنصفون أي خبر عنها أو علم بها؟ ثم ما فائدة المعجزة المخفية؟ ألم يكن من الأفضل أن يعلن الإمام المعجزة كي يهتدي الآخرون -لاسيما الواقفة- إلى إمامته ولا يخدعهم نُوَّابُ حضرةِ الكاظمِ (ع) الخونةُ؟! إضافةً إلى ذلك، لماذا لم يكن الإمام، الذي جاء في الحديثين 4 و10 من هذا الباب نفسه أنه كان يقضي ديون الآخرين وكان قادراً على استخراج الذهب من الأرض أو كان الذهب يتساقط من بين أصابعه، يُعَجِّلُ في قضاء دين نفسه حتى رحل عن الدنيا قبل أن يقضي ما عليه!! ولو كان الإمام قادراً على إخراج الذهب من الأرض أو كان الذهب يتساقط من بين أصابعه لما احتاج إلى الاقتراض من الناس أصلاً، فلماذا كان يقترض من الناس؟!
تذكير: أورد الشيخ المفيد هذا الحديث في كتابه «الإرشاد»، ج 2، ص 257-258!
ß الحديثان 7 و8 - يدعي فيه «ياسر» الخادم، الذي قال علماء الرجال عنه إنه كان من مأموري المأمون العباسي وجواسيسه وأن المأمون هو الذي أمره أن يصبح خادماً لحضرة الرضا، أن الإمام الرضا (ع) قال: "لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَى شَيْءٍ مِنَ الْقُبُورِ إِلَّا إِلَى قُبُورِنَا. أَلَا وَ إِنِّي مَقْتُولٌ بِالسَّمِّ ظُلْماً وَمَدْفُونٌ فِي مَوْضِعِ غُرْبَةٍ، فَمَنْ شَدَّ رَحْلَهُ إِلَى زِيَارَتِي اسْتُجِيبَ دُعَاؤُهُ وَغُفِرَ لَهُ ذُنُوبُهُ"([1]).
ونقول: إن المؤمنين الذين كانوا يزورون النبيَّ والأئِمَّةَ أثناء حياتهم لم تكن تُغفَرُ ذنوبُهُم، فكيف تُغْفَر ذنوبُ من يزور قبورَهُم بعد وفاتهم!؟ أيُّ هَرْجٍ وَمَرْجٍ هذا الذي أحدثوه في دين الله؟! خادم الإمام الرضا «ياسر» هذا ذاته يروي أنه سأل الإمام الرضا (ع): هَلْ يَكُونُ شَهْرُ رَمَضَانَ تِسْعَةً وَ عِشْرِينَ يَوْماً؟ فَقَالَ الإمام: إِنَّ شَهْرَ رَمَضَانَ لَا يَنْقُصُ مِنْ ثَلَاثِينَ يَوْماً أَبَداً!"([2]).
عن مثل هذا الشخص يروون أن الإمام الرضا ذهب إلى المُصلَّى لصلاة العيد حافي القدمين! (ليت شعري! لماذا لم ينتعل حذاءً؟ هل الذهاب إلى صلاة العيد بقدمين حافيتين مُستحبٌّ أم واجبٌ؟ هل النبيّ الأكرم كان يذهب إلى صلاة العيد حافي القدمين؟). ويواصلون الحديث قائلين: "فَتَزَعْزَعَتْ مَرْوُ بِالْبُكَاءِ وَالضَّجِيجِ وَالصِّيَاحِ لَمَّا نَظَرُوا إِلَى أَبِي الْحَسَنِ [الرضا] (ع) وَسَقَطَ الْقُوَّادُ عَنْ دَوَابِّهِمْ وَرَمَوْا بِخِفَافِهِمْ لَمَّا رَأَوْا أَبَا الْحَسَنِ (ع) حَافِياً وَكَانَ يَمْشِي وَيَقِفُ فِي كُلِّ عَشْرِ خُطُوَاتٍ وَيُكَبِّرُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ قَالَ يَاسِرٌ فَتُخُيِّلَ إِلَيْنَا أَنَّ السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَالْجِبَالَ تُجَاوِبُهُ وَصَارَتْ مَرْوُ ضَجَّةً وَاحِدَةً مِنَ الْبُكَاءِ!!". (وليت شعري! لماذا كل هذا البكاء؟ هل التكبير يستدعي البكاء؟ هل الناس تبكي عادةً في صلاة العيد؟).
ويواصلون القصة قائلين إن المأمون خشي على حكمه من هذه الأوضاع. فنسأل: لماذا خشي؟ لقد كان المأمون رجلاً ذكياً ومُدبِّراً فلماذا لم يصبر حتى يُقيم الإمام الصلاة ويعود ويبقى اعتباره وحيثيته محفوظة أمام الناس؟ لماذا لم يُقِم الإمام الصلاة بل انصاع لأمر المأمون المخالف للشرع وعاد أدراجه ون أن يُصَلِّي؟! مع أن الإمام - طبقاً للحديث التالي- ردَّ أمر المأمون مرتين ولم يقبل به؟!
ثم إذا كان الناس مؤمنين إلى هذا الحد بحيث أنهم بمُجرد أن يُكبّر الإمام ينهمرون بالبكاء فلماذا لم يُبيّن لهم الإمام حقائق الولاية والإمامة؟ ولماذا لم ينهض بمساعدتهم، خاصةً أنهم - كما يدل على ذلك الحديث التالي - بمجرد أن أشار الإمام إليهم تفرقوا وعادوا أدراجهم حتى كاد بعضهم يقع فوق الآخر، فلماذا لم ينهض الإمام بهؤلاء الجماهير إلى خلع المأمون وأخذ زمام الخلافة بيديه كي لا يحرم الناس من إمامته الإلهية؟!
وفي الحديث الثامن يدّعي «ياسر» أنَّ الْجُنْدَ وَالْقُوَّادَ وَمَنْ كَانَ مِنْ رِجَالِ الْفَضْلِ ذي الرِّياسَتَيْن قصدوا اغتيال المأمون - الذي كان غاصباً للخلافة على حدِّ قولكم -، فَقَالَ الْمَأْمُونُ [الذي لم يكن قادراً على فعل شيء] لِأَبِي الْحَسَنِ [الرضا] (ع) يَا سَيِّدِي تَرَى أَنْ تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ وَتُفَرِّقَهُمْ. قَالَ فَقَالَ يَاسِرٌ: فَرَكِبَ أَبُو الْحَسَنِ [الرضا] (ع) وَقَالَ لِيَ ارْكَبْ فَرَكِبْتُ فَلَمَّا خَرَجْنَا مِنْ بَابِ الدَّارِ نَظَرَ إِلَى النَّاسِ وَقَدْ تَزَاحَمُوا فَقَالَ لَهُمْ بِيَدِهِ تَفَرَّقُوا تَفَرَّقُوا قَالَ يَاسِرٌ فَأَقْبَلَ النَّاسُ وَاللهِ يَقَعُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَمَا أَشَارَ إِلَى أَحَدٍ إِلَّا رَكَضَ وَمَرَّ".
وهكذا نجا المأمون من الخطر!!
وأُكرّر وأقول: يا ليت الإمام الذي كان يستطيع أن يُفرق الجنود والقادة بإشارة منه، فرّق أنصار المأمون وأخذ زمام أمور الخلافة بيديه ولم يحرم الناس من خلافته الإلهية؟! وأساساً لماذا ساعد الإمام غاصب الخلافة مع أنه كان يستطيع على الأقل أن لا يقوم بأي عمل؟
تذكير: أورد الشيخ المفيد هذا الحديث السابع في الجزء الثاني من كتابه «الإرشاد»، ص 264- 265، والحديث الثامن في الصفحة 266-267!
ß الحديث 9 - نقول: حاشا للإمام الرضا (ع) أن يأمر شخصاً أن يقول كذباً أنه رأى في منامه أمراً ما، وذلك لأنه لو صَدَقَ المسافرُ في كلامه لما كان هناك خطرٌ على حياته، وحتى لو قال صادقاً إنه سمع الخبر من الإمام فلربَّما تأمل «هارون بن المُسيّب» أكثر وأخذ الموضوع على نحو جدي أكثر.
والجزء الأخير من الحديث يدل على علم الإمام بالغيب وهو أمر واضح البطلان على ضوء ما قلناه في الصفحات السابقة.
تذكير: أورد الشيخ المفيد بداية هذا الحديث في الجزء الثاني من كتابه «الإرشاد»، ص 267- 268، وأورد نهاية هذا الحديث في الصفحة 258 من ذلك الجزء.
ß الحديث 10 - درسنا هذا الحديث ونقدناه في الصفحة 82- 83 من الكتاب الحالي.
ß الحديث 11- هو أحد الأقوال المروية حول زمن وفاة حضرة الرضا، ومخالف للقول الذي ذكره الكُلَيْنِيّ في مقدمة هذا الباب.