253. بَابُ مَوْلِدِ أَبِي عَبْدِ اللهِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ (ع)
بعد أن ذكر الكُلَيْنِيّ تاريخ ولادة الإمام الصادق u ووفاته ومكان مرقد ذلك الإمام الجليل، قال إن كنية أمه: «أم فروة»، وأنها كانت ابنة القاسم بن محمد بن أبي بكر، وأمها، يعني جدة الإمام الصادق لأمه، أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر([1]).
يشتمل هذا الباب على ثمانية أحاديث اعتبر المَجْلِسِيُّ الحديثين 1 و6 مجهولين والحديث 8 مُوَثَّقَاً وعدّ بقية أحاديث الباب ضعيفةً. أما الأستاذ البِهْبُودِيّ فلم يصحِّح من أحاديث هذا الباب سوى الحديث السادس فقط.
ß الحديث 1 - قال المَجْلِسِيّ تعليقاً على هذا الحديث:
"إن هذا الخبر يدل على مدح «سعيد [بن المسيِّب]» ورُوِيَ أنه من حواري علي بن الحسين، وقد وردت أخبارٌ كثيرةٌ في «اختيار الكِشِّيّ» وفي كتاب «الغارات» للثقفي تدلُّ على ذمِّه، ولعلَّ ذمَّه أرجحُ!"([2]).
ß الحديث 2 - تكلمنا على هذا الحديث فيما سبق (ص 167من الكتاب الحالي) فلا داعي لتكرار الكلام عليه هنا.
ß الحديث 3 - يروي عدد من الضعفاء والمجاهيل هذا الحديث عن «رُفَيْدٍ». ولدينا في كتب الرجال شخصان باسم «رُفَيْدٍ» كلاهما مجهول الحال! ورغم أن الممقاني -في الغالب- يقول عن كل من يروي حديثاً عن الأئِمَّة: إنه إمَامِيٌّ ظاهراً، هذا مع أنَّه لم يكن هناك مذهبٌ إماميٌّ أو غير إماميٍّ في زمن الأئِمَّة، بل وُجِد هذا المذهب فيما بعد.
روى لنا هذا الراوي مجهول الحال معجزةً عن رجل أعرابيٍّ بدوي. وكما قلنا إن كتاب «الكافي» يطفح بالمعجزات المنسوبة لكل من هبَّ ودبَّ!! ولا شك أن المعجزة التي يمكن حتى لبدوي من أهل الصحراء إظهارها لا أهمية لها ويمكن أن نؤلف مئات الكتب مثل كتاب «عيون المعجزات» عن مثل هذه المعجزات! أمَّا رسول الله J فلمَّا كان المشركون يطلبون منه معجزةً كان يقول ليس الأمر بيدي وأنا لست سوى بشر مثلكم، كما قال تعالى: ﴿وَيَقُولُونَ لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِـلَّهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ﴾ [يونس/20]، فلم يكن الأمر أنه كان يُظهِر المعجزة في كل وقت (راجعوا فصل علم الغيب والمعجزات والكرامات في القرآن في الصفحة 124من الكتاب الحالي).
ß الحديث 4 - سنده في غاية الضعف. عِدَّةٌ من الكذَّابين يقولون إن الإمام الصادق u قال: "عِنْدَنَا خَزَائِنُ الْأَرْضِ وَمَفَاتِيحُهَا.....". مع أن الله تعالى أمر نبيّه أن يقول: ﴿قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللهِ﴾ [الأنعام/50]، وقال أيضاً: ﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ﴾ [الحجر/21]. وراجعوا الصفحة ص 425- 426 من الكتاب الحالي.
يقول الأستاذ هاشم معروف الحسني عن هذا الحديث:
"وقد اشترك في هذه الرواية أربعة من المتهمين بالكذب والغلو: الخيبري بن علي الطحَّان..... وعمر بن عبد العزيز، فلقد وصفه الشيخ محمد طه في رجاله بأنه كان مُخلَّطاً، وجاء عن الفضل بن شاذان أنه يروي الغرائب والمناكير، وأما المُفَضَّل بن عُمَر ويونس بن ظَبيان فحالهما [في الكذب] معروفٌ. ويكفيهما ما جاء عن الإمام الصادق في ذمهما والتحذير منهما ولعنهما"([3]).
هنا نعرّف بِـ «أبي سعيد خيبري بن علي الطحان»:
نقل مؤلف كتاب «مجمع الرجال» عن الغضائري قوله: "خيبري بن علي بن الطحان ضعيفُ الحديث، غال المذهب، كان يصحب يونس بن الظَّبيان ويكثر الروايات عنه. وله كتاب عن أبي عبد الله - عليه السلام - لا يُلْتَفَتُ إلى حديثه"([4]).
كما ذمَّه النجاشيّ والعلامة الحليّ أيضاً بهذه الصفات وقالا: "في مذهبه غلو وارتفاع"([5]).
إحدى أكاذيبه أن روى عن «الحسين بن ثُوَيْر بن أبي فاختة» عن «الأصبغ بن نُباتة» حديثاً مع أنّ «الأصبغ» - كما يقول الأستاذ البِهْبُودِيّ - مات شيخاً مُسِنّاً في زمن أمير المؤمنين علي u، فكيف أخذ «الحسينُ بن ثُوَيْر» الذي كان من أصحاب حضرات الصادقَين الحديث عنه؟!
ولِـخَيْبَرِيٍّ أحاديثٌ في الزيارات من نماذجها حديثٌ نجده في كتاب «كامل الزيارات» وكتاب «وسائل الشيعة» وغيرهما من الكتب عن الإمام الرضا (ع) أنه قال: "مَنْ زَارَ قَبْرَ أَبِي عَبْدِ اللهِ بِشَطِّ الْفُرَاتِ كَانَ كَمَنْ زَارَ اللهَ فَوْقَ كُرْسِيِّه!!!"([6]).
تلاحظون أن واضع هذا الحديث جعل قبر الحسين مساوقاً في المنزلة للعرش الإلهي وجعل الإمام الحسين - نعوذ بالله - بمنزلة الله المتعال، وليس الله الحاضر في كل مكان بل الله الذي فوق عرشه!!! وكأنه تعالى جالس ليزوره الناس!!
ومن المثير أن نعلم أن الشيخ الطوسي أورد هذا الحديث في كتابه «تهذيب الأحكام»!
ونجد أيضاً في كتاب «وسائل الشيعة» وفي غيره من الكتب حديثاً آخر عجيباً مروياً عَنِ «الْخَيْبَرِيِّ» هذا يروي فيه عن الإمام الكاظم (ع) أنه قال: "أَدْنَى مَا يُثَابُ بِهِ زَائِرُ أَبِي عَبْدِ اللهِ (ع) بِشَطِّ الْفُرَاتِ إِذَا عَرَفَ حَقَّهُ وَحُرْمَتَهُ وَ وَلَايَتَهُ أَنْ يُغْفَرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّر!!"([7]).
نعم، إن مثل هذه الأحاديث تشجع الناس على ارتكاب الذنوب وعلى معصية الله.
ß الحديثان 5 و 6- الحديث الخامس مجهول وضعيف ومن مرويات «مُعَلَّى بن محمد». ومن الطريف والمثير أنّ «أبا بصير» كان ضريراً في الحديث 3 من الباب 175، ولكنه في هذا الحديث أصبح مبصراً إذْ يقول له جاره: "وأنا كما ترى"! وراجعوا بشأن الحديث الخامس ما ذكرناه بشأن الحديث الثالث من الباب 175.
رغم أن القرآن الكريم يقول بوضوح أنه لا يعلم الغيب أحد إلا الله إلا أن أبا بصير يدعي أن الإمام الصادق (ع) "قَالَ لِيَ ابْتِدَاءً مِنْ دَاخِلِ الْبَيْتِ وَإِحْدَى رِجْلَي فِي الصَّحْنِ وَالْأُخْرَى فِي دِهْلِيزِ دَارِهِ يَا أَبَا بَصِيرٍ قَدْ وَفَيْنَا لِصَاحِبِكَ".
ويقصد أن الإمام الصادق الذي كان مطّلعاً على الغيب علم بوفاة صديقه وأنه أصبح من أهل الجنة!
وفي الحديث السادس - ولا أدري لماذا قبل به الأستاذ البِهْبُودِيّ - يقول «جعفر بن محمد بن الأشعث» الذي كان ابن أخ قاتل الإمام الحسن المجتبى (ع) ومن خواص أبي جعفر المنصور الدوانيقي الخليفة العباسي([8])، إن الإمام الصادق لكونه يعلم الغيب قال لأحد مأموري الخليفة الذي أحضر معه مالاً إلى المدينة، كي يعطيه للإمام على أنه حقوقٌ شرعيةٌ: "يَا هَذَا اتَّقِ اللهَ! وَلَا تَغُرَّ أَهْلَ بَيْتِ مُحَمَّدٍ ... فَقُلْتُ وَمَا ذَاكَ أَصْلَحَكَ اللهُ؟! قَالَ: فَأَدْنَى رَأْسَهُ مِنِّي وَأَخْبَرَنِي بِجَمِيعِ مَا جَرَى بَيْنِي وَبَيْنَكَ حَتَّى كَأَنَّهُ كَانَ ثَالِثَنَا ...الخ".
ليت شعري! هل كان راوي هذا الحديث يؤمن فعلاً بالآية القرآنية التي أمر الله فيها رسوله أن يقول: ﴿قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللهُ﴾ [النمل/65]، وأن يقول: ﴿قُلْ ............لَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ﴾ [الأنعام/50]؟
يبدو أن هؤلاء الأفراد كانوا يقبلون ا لحديث إذا روأوا فيه مدحاً للإمام ولو كان مضاداً للقرآن! ولم يكونوا يتورّعون أن ينسبوا لغير الله إحدى الصفات الإلهية!!! فمثلاً في هذا الحديث قال الراوي: "وَأَخْبَرَنِي بِجَمِيعِ مَا جَرَى بَيْنِي وَبَيْنَكَ حَتَّى كَأَنَّهُ كَانَ ثَالِثَنَا"، وهذه هي صفة الله تعالى ذاتها التي بيّنها لنا في القرآن بقوله: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ [المجادلة/7].
ليت الأستاذ البِهْبُودِيّ تأمَّل في متن هذا الحديث السادس جيداً قبل أن يقبل به.