245. أَبْوَابُ التَّارِيخِ -- بَابُ مَوْلِدِ النَّبِيِّ وَوَفَاتِهِ
اعلم أن الكُلَيْنِيّ بيّن في هذا الباب ابتداءً تاريخ ولادة رسول الله J ورحيله، دون ذكر سند ودون بيان الراوي لذلك، ولكن مطابقٌ على كل حال لما ذكره كثير من المؤرخين. واعتبر ولادة رسول الله J في 12 ربيع الأول مخالفاً عقيدة الشيعة الذين يرون أن النبي J وُلِد في 17 ربيع الأول. وقال إن وفاة رسول الله o كانت أيضاً في 12 ربيع الأول وهذا يُخالف قول الشيعة الذين يعتبرون أن رحيل النبي o كان في 28 صفر، ويُوافق قول أهل السنة. ورغم أن علماءنا يُثنون كثيراً على الكُلَيْنِيّ ويُجلُّونه أيما إجلال ويعتبرونه من أكبر علماء الحديث، إلا أنهم في هذا المورد الخاص - رغم أنه كان أقدم من بقية العلماء - لم يقبلوا رأيه في هذا الأمر لأنهم رأوا أن رأيه مُوافق لقول أهل السنة، بل أخذوا بالرأي المخالف الذي ذكره! ولا يخفى أن الأستاذ البهبودي ذكر مقدمة الباب 168 في كتابه «صحيح الكافي».
روى الكُلَيْنِيّ في هذا الباب أربعين حديثاً اعتبر المَجْلِسِيّ الأحاديث 1 و4 و9 و25 و34 مجهولةً واعتبر السند الأول للحديث 21 مجهولاً وسنده الثاني مُرْسلاً، والحديث 16 مُرْسلاً أيضاً، والحديث 22 مرفوعاً والحديث 12 حسناً والأحاديث 26 و30 و31 و37 حسنةً كالصحيح، والأحاديث 17 و22 و40 صحيحةً، والحديث 29 صحيحاً وآخره مرسلاً، واعتبر بقية أحاديث الباب ضعيفةً. أما الأستاذ البهبودي فلم يُصَحِّح من أحاديث هذا الباب سوى الحديث 4 فقط.
ß الحديثان 1 و2 - الحديث الأول مَجْهُولٌ حسب قول المَجْلِسِيّ، والحديث الثاني صحيح.
ß الحديثان 3 و4 - يقول فيهما «مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى» الغالي: "قَالَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَا مُحَمَّدُ إِنِّي خَلَقْتُكَ وَعَلِيّاً نُوراً يَعْنِي رُوحاً بِلَا بَدَنٍ قَبْلَ أَنْ أَخْلُقَ سَمَاوَاتِي وَأَرْضِي وَعَرْشِي وَبَحْرِي!".
هذا في حين أن كل موجود يحتاج إلى إناء ولا بُدّ أن يُخلق في ظرف أو إناء، خاصةً الإنسان الذي لا يتواجد في عالَم البرزخ دون إناء بل يوجد ضمن قالب لطيف. ففي هذه الحالة لم يُخلق النبيُّ قبل خلق العالَم الذي هو مكان وجوده، بل خُلق بعد خلق العالَم (راجعوا ما ذكرناه حول الحديثين 1 و9 من الباب 166).
ثم يقول الحديث: "ثُمَّ جَمَعْتُ رُوحَيْكُمَا [أي محمد وعلي] فَجَعَلْتُهُمَا وَاحِدَةً" وهذا أيضاً مُخالف للعقل لأن الاثنين لا يُمكن أن يُصبحا واحداً. ثم يقول الحديث: "ثُمَّ قَسَمْتُهَا ثِنْتَيْنِ وَقَسَمْتُ الثِّنْتَيْنِ ثِنْتَيْنِ فَصَارَتْ أَرْبَعَةً!". وهذه التقسيمات إنما تصح للجواهر الكثيفة لكن لا معنى لها بشأن الروح التي هي وجود مجرد وليست جسماً كثيفاً مادياً، لكن لما كان واضع الحديث أمياً جاهلاً فقد لفَّق كل ما عنَّ على باله من كلام!
ß الحديث 5 - يروي «مُعَلَّى بْنُ مُحَمَّدٍ» الكذاب عن «عَبْدِ اللهِ بْنِ إِدْرِيسَ» راوي الحديث 8 من الباب 173 وهو ليس من الشيعة، ولم يُوثِّقْه الشيخ الطوسي ولا ندري عن حاله شيئاً، عن «مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ» الكذَّاب: أن الله تعالى - نعوذ بالله - "خَلَقَ مُحَمَّداً وَعَلِيّاً وَفَاطِمَةَ ..... ثُمَّ خَلَقَ جَمِيعَ الْأَشْيَاءِ فَأَشْهَدَهُمْ خَلْقَهَا وَأَجْرَى طَاعَتَهُمْ عَلَيْهَا [أي جعل جميع الكون وما فيه من أشياء مطيعة لهم] وَفَوَّضَ أُمُورَهَا إِلَيْهِمْ [أي فوض أمور الكون لهم] فَهُمْ يُحِلُّونَ مَا يَشَاءُونَ وَيُحَرِّمُونَ مَا يَشَاءُونَ!".
لاحظوا كيف يُحقِّر هؤلاء الكذَّابون عظمة الله وكبرياءه الذي هو: ﴿كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ﴾ [الرحمن/29]؟! سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا!
هل كان أولئك الرواة مسلمين؟ إن الله تعالى يقول: ﴿وَقُلِ الْحَمْدُ لِـلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا﴾ [الإسراء/111]. ويقول عزَّ شأنه عمَّا سوى الله: ﴿لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ﴾ [سبأ/22].
وأمر مراراً نبيَّه الكريم أن يقول: ﴿إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ﴾ [الأنعام/50، الأعراف/203، يونس/15، الأحقاف/ 9].
لقد اعتبر الله تعالى عقيدة التفويض من عقائد المشركين وقال مُوبِّخاً المشركين بأسلوب الاستفهام الاستنكاري: ﴿أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللهُ؟﴾ [الشورى/21]، أي أن كل شيء في الشريعة لا بُدّ أن يكون بإذن الله وإعلانه ولا أحد يُشارك الله في هذا الأمر، كما قال تعالى: ﴿أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ﴾ [الأعراف/54]، أي أنه ليس لِـلَّهِ شريك في الأمر، ومن جملة الأمر: التشريع والشريعة.
فلماذا يُقدِّم الكُلَيْنِيّ حديثاً مروياً عن مجموعة من الكذابين للمسلمين، يُثبت فيه أن لِـلَّهِ تعالى شركاء في التشريع وأن الله فوَّض التشريع إليهم؟! مع أن القائل بالتفويض كافر. وقد تكلمنا فيما سبق عن هذا الأمر (ص 252) فَلْيُرَاجَعْ ثَمَّةَ.
ß الأحاديث 6 و7 و9 - عدة من الكذابين يروون حديثاً يتحدث عن عالَم الذرّ وعن خلق الأئمة قبل خلق الدنيا! وقد تكلَّمنا عن هذين الموضوعين سابقاً في الباب 166 وفي هذا الباب، فلا نُكرِّر الكلام في ذلك هنا.
ß الحديث 8 - عدَّةُ كذَّابين من أمثال «سهل بن زياد» و «محمد بن الوليد الصيرفي» و«يونس بن يعقوب» الغالي ينسبون إلى الإمام الصادق u قوله: "إِنَّا أَوَّلُ أَهْلِ بَيْتٍ نَوَّهَ اللهُ بِأَسْمَائِنَا. إِنَّهُ لَمَّا خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَمَرَ مُنَادِياً فَنَادَى أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ ثَلَاثاً أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللهِ ثَلَاثاً أَشْهَدُ أَنَّ عَلِيّاً أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ حَقّاً ثَلَاثاً!".
ومن المثير للانتباه أن الشهادة بالتوحيد والنُّبُّوة في هذا الحديث لم تُعْقَب بكلمة «حقاً» واختُصَّت الشهادة الثالثة وحدها بهذه الكلمة!!
ليس عبثاً أن يلعَنَ الشيخُ الصدوقُ المُفوِّضةَ الذين أضافوا الشهادة الثالثة إلى الأذان والإقامة ويقول عنهم: إنهم ليسوا من الشيعة بل هم من المدلِّسين أنفسهم في جملتنا ([1]). وفي رأينا هذا الحديث من وضع أولئك الغلاة.
ß الحديث 10 - لا أدري هل كان الكُلَيْنِيّ في وعيه لما دوَّن هذا الحديث في كتابه أم لا؟ ولكنني أعلم أن واضع الحديث لم يفهم ما لفَّقه من كلام! يقول «جابر بن يزيد الجُعفي» - الذي عرفنا حاله فيما سبق([2]) - "إِنَّ اللهَ أَوَّلَ مَا خَلَقَ خَلَقَ مُحَمَّداً o وَعِتْرَتَهُ الْهُدَاةَ الْمُهْتَدِينَ فَكَانُوا أَشْبَاحَ نُورٍ بَيْنَ يَدَيِ اللهِ، قُلْتُ: وَمَا الْأَشْبَاحُ؟ قَالَ: ظِلُّ النُّورِ!!".
ما معنى ظِلُّ النُّورِ؟! وهل للنور ظلٌّ؟! إن هذا يدل على أن نور الأشخاص الكذابين نورٌ خاصٌّ له ظلٌّ!
ويتابع الراوي حديثَه قائلاً: "أَبْدَانٌ نُورَانِيَّةٌ بِلَا أَرْوَاحٍ، وَكَانَ مُؤَيَّداً بِرُوحٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ رُوحُ الْقُدُسِ!!! ..... يَعْبُدُونَ اللهَ بِالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالسُّجُودِ وَالتَّسْبِيحِ وَالتَّهْلِيلِ وَيُصَلُّونَ الصَّلَوَاتِ وَيَحُجُّونَ وَيَصُومُونَ!".
وليت شعري! كيف يُؤيَّدون بروح القدس الذي خُلق بعدهم؟! ثم كيف كانوا يصومون في زمن لم يُخلق فيه الليل والنهار بعد، وكيف يحجُّون والكعبة لم تُبنَ بعد؟ ولا ندري كيف عَرَفَتْ تلك الأبدان التي لا روح فيها، اللهَ تعالى فسبَّحته وهلَّلته؟!
ß الحديثان 11 و20 - يرويه كذابان مشهوران أعني «سهل بن زياد» و«محمد بن سنان» فيقولان: "كَانَ فِي رَسُولِ اللهِ o ثَلَاثَةٌ لَمْ تَكُنْ فِي أَحَدٍ غَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ فَيْءٌ وَكَانَ لَا يَمُرُّ فِي طَرِيقٍ فَيُمَرُّ فِيهِ بَعْدَ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ إِلَّا عُرِفَ أَنَّهُ قَدْ مَرَّ فِيهِ لِطِيبِ عَرْفِهِ وَكَانَ لَا يَمُرُّ بِحَجَرٍ وَلَا بِشَجَرٍ إِلَّا سَجَدَ لَهُ". وكان "إِذَا رُئِيَ فِي اللَّيْلَةِ الظَّلْمَاءِ رُئِيَ لَهُ نُورٌ كَأَنَّهُ شِقَّةُ قَمَرٍ!".
أما القرآن الكريم فيقول: إن الناس كانوا يرون الأنبياء - ومن جملتهم الرسول الأكرمo- أشخاصاً عاديين يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق (المؤمنون/23 و24، الفرقان 7)، والأنبياء أنفسهم أيضاً كانوا يُعرِّفون أنفسهم للناس بوصفهم بشراً مثلهم لا يختلفون عنهم في شيء سوى تلقِّيهم الوحي من الله (إبراهيم/11، الكهف/110)، والحال أنه لو كان النبيُّ لا ظل له لما اعتبره الناس شخصاً عادياً. ولم يُؤثَر عن أيِّ شخص من مُعاصري النبيّ أنه أشار إلى أن النبيّ لم يكن له ظلٌّ، ولم يَذكُرْ كُتَّاب السيرة المعروفون من أمثال «ابن إسحاق» و«ابن هشام» مثل هذه الصفة للنبيّ J، مع أن القرآن الكريم اهتمَّ كثيراً بموضوع الظل (الفرقان/45، فاطر/21، الواقعة/30 وآيات أخرى) ولكنه لم يُشر أدنى إشارة إلى هذه المسألة العجيبة وهي عدم وجود ظلٍّ للنبيّ، أو سجود الأحجار والأشجار له. وأساساً لو كان لرسول الله o مثل هذه الصفات الخارقة لما أنكر نبوته أحد ولما استطاع المُعاندون أن يُكذِّبوه، ولما احتاج تبليغ الإسلام إلى كل ذلك الجهاد والمشقات والعذاب والمرارات.
ß الحديث12 - راويه «البزنطي» الذي لا يُعتمد على حديثه.
ß الحديث13 - تكلمنا سابقاً على هذا الحديث (ص 194- 195) فلا نُكرِّر الكلام هنا.
ß الحديثان 14 و17 - يذكران أموراً حول رسول الله o ليس فيها ما يُخالف القرآن والعقل، وذُكِرَتْ في كتب السيرة فلا إشكال فيها.
ß الحديثان 15 و16 - تحدثنا فيما سبق عن الحديث 15 (ص 119). يدّعي الحديث المذكور والحديث 16 أيضاً أن رسول الله o كان يعلم أسماء جميع أفراد أمته وأحوالهم، ويعلم الصالح والطالح منهم، ويعلم من هو من أهل النار ومن هو من أهل الجنة وأن جميع أسمائهم كانت في كفِّهِ!!
ولكن هذا الادعاء مخالف للقرآن الذي بيّن لنا أن النبيّ J لم يكن على علم ببواطن أتباعه حتى أنه قال: ﴿مَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ﴾ [الأحقاف/9] (راجعوا ما ذكرناه حول الحديثين 1 و2 من الباب 167). ومن المناسب هنا أن نُعرّف بأحد رواة الحديث 15 وهو «أبو جميلة مُفَضَّل بن صالح الأسدي»:
قال ابن الغضائري عنه: "ضَعِيْفٌ، كذّابٌ، يَضَعُ الحديثَ. حدّثنا أَحْمَدُ بنُ عَبْد الواحِد، قال: حدّثنا عليُّ بنُ مُحَمَّد بن الزُبَيْر، قال: حدّثنا عليُّ بنُ الحَسَن بن فَضّال، قال: (سمعتُ مُعاوية بن حكيم يقول:) سمعتُ أبا جميلة يقول: أنا وَضَعْتُ «رِسالةَ مُعاوية إلى مُحَمَّد ابن أبي بكر»!".
وقال النجاشيُّ عنه أيضاً: "إنه ضعيف باتفاق جميع الأصحاب". واعتبره آية الله الخوئي غير مُوثَّق.
وأحد رواة الحديث 16 هو «الْحَسَنُ بْنُ سَيْفِ بْنِ عَمِيرَةَ» الذي يروي روايات خرافية. ومن نماذج أحاديثه أنه يقول: "عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (ع) قَالَ: مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَدَعْ أَنْ يَقْرَأَ فِي دُبُرِ الْفَرِيضَةِ بِقُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ فَإِنَّهُ مَنْ قَرَأَهَا جَمَعَ اللهُ لَهُ خَيْرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَغَفَرَ لَهُ وَلِوَالِدَيْهِ وَمَا وَلَدَا!!" ([3]).
ووالد «الحسن بن سيف» أي «سَيْفُ بْنُ عَمِيرَةَ» رجل مطعونٌ به أيضاً([4]).
ß الحديث 18 - عدَّةٌ من المجاهيل رووا عن عدَّةٍ من الضعفاء (!!) من أمثال «أَحْمَدَ بْنِ هِلَالٍ العبرتائيِّ» عن «أُمَيَّةَ بْنِ عَلِيٍّ الْقَيْسِيِّ» الذي اتَّفق علماء الرجال على أنه كان كذاباً من الغلاة، عن شخص غير مستقيمٍ باسم «دُرُسْتُ بْنُ أَبِي مَنْصُورٍ» كان واقفيّاً([5])، وهو الذي روى في الحديث 27 من هذا الباب أن أبا طالب أرضع النبيَّ من ثديه عدة أيام!!
ليت شعري! ألم يكن لدى الكُلَيْنِيّ رواة أفضل من هؤلاء يروي عنهم أحاديثه؟!
إن ادعاء هذا الحديث يُخالف القرآن الذي قال: إنه أرسل النبيّ إلى قوم ما أُنذر آباؤهم وما كانوا يعرفون الدين الحق. ﴿لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ﴾ [يس/6، والسجدة/ 3]، ولذلك لا نستطيع القول: إن أبا طالب الذي كان يعيش في عهد الفترة من الرسل (المائدة/19) كانت لديه وصايا أنبياء السلف.
ß الحديث 19 - ادَّعى فيه فرد مجهول أنه بعد وفاة رسول الله o جاء شخصٌ لَا يَرَوْنَهُ وَلَكِنَّهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَهُ، فسلَّم على بيت آل محمد ومدحهم وأثنى عليهم وأخذ يُعزِّيهم ويُسلِّيهم عن مُصابهم! ويجب أن نسأل هؤلاء الرواة المجهولين: هل كان هناك بعد رسول الله o أشخاصٌ يأتون من عند الله حاملين رسائل منه للناس؟!
ß الحديث 21- له سندان وطبقاً لقول المَجْلِسِيّ سنده الأول مَجْهُولٌ وسنده الثاني مُرْسَلٌ.
ß الحديث 22- نقول في نقده: لماذا لم يُشر القرآن أي إشارة إلى عبد المطلب؟! هذا، وأحد رواة هذا الحديث هو «ابن أبي عُمير» الذي روى الحديث 25 من هذا الباب.
ß الحديثان 23 و24 - يقول: إن «عبد المطلب» كان من أول المؤمنين بـ «البداء»! ونسأل: هل كان الأنبياء السابقون يعتقدون أيضاً بالبداء؟ ثم إن النبيّ لم يكن يعلم شيئاً عن نبوته قبل أن يُبعث فكيف علم جده بهذا الأمر؟ وأصبح يعتبر حفيده من «آل الله»؟!
ß الحديث 25 - حديث طريف ومثير للغاية ويُمكن من خلاله أن نُدرك ميزان عقل الكُلَيْنِيّ وفهمه. في هذا الحديث لم يكن عبد المطلب يجيد سوى اللغةَ العربيةَ وكان يتكلم مع أمير الحبشة بواسطة مترجم، وكان يسأل عن معاني كلام الأمير من مترجمه، لكنه كان يعلم لغة الفِيَلَة ولم يكن بحاجة إلى مترجم! وفي رأينا كان من الأفضل لعبد المطلب بدلاً من تعلم لغة الفيلة أن يتعلم لغة أهل الحبشة كي لا يحتاج إلى مترجم! أو يُمكننا أن نقول: من أين تعلم الفيلة الذين قدموا من الحبشة اللغة العربية وكانت لهم أسماء عربية مثل «محمود»؟!
حقاً إن وجود مثل هذا الحديث ونظائره في كتاب ديني أمر مُخجل. ولو سأل شخص: من أين عرف عبد المطلب اسم الفيل؟ أو سأل: لماذا سأل عبد المطلب الفيل؟ وهل كان الفيل مكلفاً؟ فإنهم سيقولون له: كانت تلك معجزة لعبد المطلب؟! فإن قلت لهم: وهل لغير الأنبياء من عامة الناس معجزات أيضاً؟ (إذا كان لسائر الناس معجزات فإن ذلك سيعني أن المعجزة لا تُثبت نبوَّة صاحبها)، قالوا لك: ليس هذا شأنك! أنت وهابيٌّ وعميل، إن عقلك لا يُمكن أن يستوعب هذه الأمور!! وهكذا يُكمِّمون أفواه الناس بتهمة الوهابية.
ß الحديث 26- يقول: "كَانَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ يُفْرَشُ لَهُ بِفِنَاءِ الْكَعْبَةِ لَا يُفْرَشُ لِأَحَدٍ غَيْرِهِ وَكَانَ لَهُ وُلْدٌ يَقُومُونَ عَلَى رَأْسِهِ فَيَمْنَعُونَ مَنْ دَنَا مِنْهُ، فَجَاءَ رَسُولُ اللهِ o وَهُوَ طِفْلٌ يَدْرِجُ حَتَّى جَلَسَ عَلَى فَخِذَيْهِ فَأَهْوَى بَعْضُهُمْ إِلَيْهِ لِيُنَحِّيَهُ عَنْهُ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ دَعِ ابْنِي فَإِنَّ الْمَلَكَ قَدْ أَتَاهُ"
أولاً: قبل أن يبلغ النبي الأربعين من عمره ويُبْعَثَ بالرسالة لم تكن الملائكة تنزل عليه. ثانياً: لنفرض أن الملائكة نزلت عليه فكيف كان عبد المطلب يفهم أن الملائكة تأتي إلى النبي أو لا تأتي إليه؟ هل كان يسمع صوت الملائكة أيضاً؟! هل نسي الكُلَيْنِيّ أنه قال في الباب 61 إن الأئِمَّة «مُحَدَّثون»؟!!
ß الحديث 27- تكلمنا سابقاً على هذا الحديث (صفحة 157) فلا نكرر ذلك.
ß الحديث 28- افترى فيه «هشام بن سالم» - راوي أن القرآن كان 17 ألف آية!! - على أصحاب الكهف بأنهم كانوا يكتمون إيمانهم ويظهرون الشرك. ولم يفهم هذا الراوي الجاهل أنهم رغم كتمانهم إيمانهم إلا أنهم لم يظهروا الشرك لأنهم لو أظهروا الشرك لما احتاجوا إلى اللجوء إلى الكهف والاختباء فيه، بل علة لجوئهم إلى الكهف لم تكن سوى عدم رغبتهم في إظهار الشرك.
ß الحديث 29- يتكلم عن الخلاف بين الشيعة والسنة بشأن إيمان أبي طالب. وجاء في هذا الحديث أن أبا طالب كان مؤمناً.
ß الحديثان 30 و31- يتكلم عن حماية أبي طالب للنبي، والحديث 31 يتحدث عن هجرة النبي J.
ß الحديثان 32 و33 - الأول مرفوع والثاني ضعيف. كلا الحديثين يقولان إن الإمام الصادق u قال: "أَسْلَمَ أَبُو طَالِبٍ بِحِسَابِ الْجُمَّلِ وَعَقَدَ بِيَدِهِ ثَلَاثاً وَسِتِّينَ"!! من الواضح أن واضع هذا الحديث لم يفهم ما لفّقه من كلام بل أراد فقط أن يرهب مخاطَبيه بكلمات عجيبة وغريبة، كي لا يجرُأَ أحدٌ على الاعتراض على كلامه. وقال المَجْلِسِيّ عن هذا الحديث إنه من معضلات الأخبار التي احتار العلماء في حلها!! ثم أخذ بتلفيق وجوه لا فائدة منها سوى إضاعة الوقت. إن الشريعة لا تقوم على الألغاز بل على هداية الناس. ولو أنّ طلاب الشريعة لدينا اهتمّوا بتعلّم القرآن أكثر ولم يضيّعوا أوقاتهم بمثل هذه الأحاديث والروايات لكان وضع المسلمين اليوم أفضل بكثير مما هو عليه.
ß الحديث 37- يقول «ابن أبي عُمَيْر»: "أَتَى الْعَبَّاسُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ (ع) فَقَالَ: يَا عَلِيُّ إِنَّ النَّاسَ قَدِ اجْتَمَعُوا أَنْ يَدْفِنُوا رَسُولَ اللهِ J فِي بَقِيعِ الْمُصَلَّى وَأَنْ يَؤُمَّهُمْ رَجُلٌ مِنْهُمْ ..... الخ".
لم يعلم هذا الراوي الكذّاب أن الشيعة والسنّة متّفقون على أن حضرة علي (ع) شارك في غسل الرسول الأكرم J وكفنه، وفي ذلك الزمن كان بيت النبي J مغلقاً أمام الناس ولم يتدخّل أحد في أمر تعيين مدفن النبي J، بل عمل الذين كانوا حاضرين في بيت النبي J حينئذ بحديث «ما قُبِض نبيٌّ إلا دُفِن حيث يُقْبَض».
ß الحديث 40- لا عجب أن يقبل شخص مروِّجٌ للخرافات وحارسٌ للبدع كالمَجْلِسِيّ مثل هذا الحديث، لكن العجيب قبول الأستاذ البِهْبُودِيّ لهذا الحديث رغم أن الرواة بين الكُلَيْنِيّ و«ابن محبوب» غير مذكورين في سنده!
ومتن الحديث معلول أيضاً لأنه يقول إن الرسول الأكرم J «مُدَبِّر الأمر». هذا في حين أن الله تعالى قال: ﴿بَلْ لِـلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا﴾ [الرعد/31]، وقال: ﴿أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ [الأعراف/54]، وقال: ﴿يُدَبِّرُ الْأَمْرَ﴾ [يونس/3، الرعد/13، السجدة/5]، أي أن الله هو الذي يدبّر الأمور، وبيّن أنه حتى المشركين كانوا يقرّون بأن الله هو مدبّر الأمور: ﴿قُل ....... وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ؟ فَسَيَقُولُونَ اللهُ....﴾ [يونس/31].
ويجب أن ننتبه، بالطبع، إلى أنه لو اُعتُبِرَت الملائكة مدبِّرةً للأمر (النازعات/5) فإن هذا سببه أن الملائكة لا يتنزَّلون إلا بأمر الله وإذنه ولا يقومون بأي عمل من عند أنفسهم (مريم/64، والتحريم/6)، فهم مطيعون تماماً وبشكل كامل لأمر الله في تدبير الأمور مثل قبض أرواح العباد وغير ذلك.
ثانياً: القرآن ذاته وصف بعض الملائكة بأنهم ﴿الْمُدَبِّرَات أَمْرًا﴾ [النازعات/5]، ولكنه لم يقل مثل هذا الأمر عن النبي J إطلاقاً فلا يمكننا أن نعتبر النبي «مُدَبِّر الأمور» دون دليل شرعي قويم!
فكما أنّ قيام بعض الملائكة بقبض أرواح العباد لا يتيح لنا القول بأن النبي أيضاً كان يقبض أرواح العباد! كذلك تدبير الملائكة لبعض الأمور بأمر الله وإذنه لا يتيح القول بأن النبي أيضا كان يدبِّر الأمور.
([1]) راجعوا الصفحة 84 من الكتاب الحالي. وانظروا كتاب «من لا يحضره الفقيه»، ج 1، ص 290 - 291. (المُتَرْجِمُ)