214. بَابُ كَرَاهِيَةِ التَّوْقِيتِ
جاءت في هذا الباب سبعة أحاديث، صَحَّحَ المَجْلِسِيّ الحديثين 1 و3 منها واعتبر الأحاديث 2 و5 و6 و7 ضعيفةً والحديث 6 مُرْسَلاً. أما الأستاذ البِهْبُودِيّ فلم يعتبر أياً من أحاديث هذا الباب صحيحةً.
أحاديث هذا الباب متناقضة وفاضحة حقيقةً.
ß الحديث 1- يروي في الحديث الأول عن الإمام الباقر (ع): "إِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَدْ كَانَ وَقَّتَ هَذَا الْأَمْرَ [أي ظهور قائم آل محمَّد] فِي السَّبْعِينَ، فَلَمَّا أَنْ قُتِلَ الْحُسَيْنُ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ، اشْتَدَّ غَضَبُ اللهِ تَعَالَى عَلَى أَهْلِ الْأَرْضِ فَأَخَّرَهُ إِلَى أَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ. فَحَدَّثْنَاكُمْ فَأَذَعْتُمُ الْحَدِيثَ فَكَشَفْتُمْ قِنَاعَ السَّتْرِ وَلَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَقْتاً!!".
أيها القارئ العزيز! انظر أي ترهات وأباطيل يضعها رواة الكُلَيْنِيّ على لسان الإمام ويُتْحِفُونَنَا بها:
أولاً: لاحظ كيف يُفَاجَأُ ربُّ الكُلَيْنِيّ بأعمال عباده فيُغَيِّرُ إرادته؟!! نعوذ بالله الغالب القدير من هذه الخرافات.
ثانياً: ألم يكن الله قادراً على حفظ إمامه من شرِّ الأشرار -كما حفظ موسى من فرعون وآله- ولا يضطر إلى تأجيل ظهور الإمام؟
ثالثاً: لماذا لم يُغيِّب اللهُ تعالى -عندما اشْتَدَّ غَضَبُه لقَتْلِ الإمام الْحُسَيْن (ع)- الإمامَ السَّجَّادَ (ع)، بل غيَّب ابن حفيد حفيد حفيد حفيده!! فأي نوع من الغضب هذا؟!!
رابعاً: أنتم تقولون -من جهة- إن الله تعالى عَيَّنَ لرسوله الأئِمَّة واحداً واحداً، كما في أحاديث النص على الأئِمَّة الاثني عشر، وأنَّه أعطى كلَّ واحدٍ من الأئِمَّة صحيفةً خاصَّةً به، وأنه طبقاً لهذه الصحائف كان معلوماً أن الإمام الثاني عشر سيغيب وأن غيبته ستستمر حتى يمتلأ العالم ظلماً وجُوراً. ولكنكم تقولون في هذا الحديث إنه كان المقرَّر أن يظهر الإمام الغائب سنة 70هـ -أي عندما تمَّت إمامة أربعة من الأئِمَّة فقط!- ثم أُجِّلَ ظُهُوره حتى سنة 140هـ -أي عندما كانت لا تزال ثمان سنوات باقية من فترة إمامة حضرة الصادق ولم تتم إمامة الكاظم ولا الرضا ولا الجواد ولا الهادي ولا العسكري بَعْد!!
ثم كيف يقول الكُلَيْنِيّ: إن اللهَ تَعَالَى اشْتَدَّ غَضَبُهُ لاستشهاد الحُسَيْن (ع)؟ أنسي أنه ادَّعى في الباب 119 أن الإمام الحسين عمل بما في الصحيفة السماوية الخاصة به!([1]) وقد أمره الله تعالى في تلك الصحيفة أن يذهب فيُقْتَل!! فكيف يقول في هذا الحديث إنه لما قتل الحسين (ع) اشْتَدَّ غَضَبُ اللهِ تَعَالَى عَلَى أَهْلِ الْأَرْضِ فأخَّر ظهور الإمام الغائب حتى سنة 140هـ !!
والتناقض الآخر أنه جاء في هذا الحديث أن زَمَنَ ظهور الإمام حُدِّدَ مرتين، لكن في الأحاديث التالية جاء: "كَذَبَ الْوَقَّاتُونَ، إِنَّا أَهْلُ بَيْتٍ لَا نُوَقِّتُ"!!([2])
ß الحديث 5- يدَّعي الحديث الخامس أن حضرة باقر العلوم (ع) قال: "فَإِذَا حَدَّثْنَاكُمُ الْحَدِيثَ فَجَاءَ عَلَى مَا حَدَّثْنَاكُمْ بِهِ فَقُولُوا صَدَقَ اللهُ وَإِذَا حَدَّثْنَاكُمُ الْحَدِيثَ فَجَاءَ عَلَى خِلَافِ مَا حَدَّثْنَاكُمْ بِهِ فَقُولُوا صَدَقَ اللهُ تُؤْجَرُوا مَرَّتَيْنِ!".
رغم أن رواة الكُلَيْنِيّ سهلوا الأمر على أنفسهم، وكلما لم يتحقق ما قالوه وحصل خلافه قالوا «بدا لِـلَّهِ»، إلا أنه ينبغي أن نردَّ عليهم ونقول إنه في الحالة الثانية يَتَبَـيَّنُ أن كلام الإمام لم يكن كلام الله وأنه إذا كان من الممكن حصول البداء في جميع حالات وعود الأئِمَّة فعندئذ لا يمكن الاطمئنان إلى كلامهم ثم إنكم تقولون -طبقاً لأحاديث الباب 98 من الكافي- إن الإمام كان ينظر في الجفر والجامعة و... وكل ما يقولونه مستند إلى تلك المصادر فكيف يمكن أن لا يتحقَّق كلامُهُم ويقع خلافُهُ؟!
يقول في هذا الحديث أيضاً: "إِنَّ مُوسَى u لَمَّا خَرَجَ وَافِداً إِلَى رَبِّهِ وَاعَدَهُمْ ثَلَاثِينَ يَوْماً، فَلَمَّا زَادَهُ اللهُ عَلَى الثَّلَاثِينَ عَشْراً قَالَ قَوْمُهُ قَدْ أَخْلَفَنَا مُوسَى فَصَنَعُوا مَا صَنَعُوا". [أي عبدوا العجل].
أولاً: رغم أن مدة غياب حضرة موسى (ع) لم تزد عن 40 يوماً، عشرة أيام منها فقط غيابٌ لم يتم الإخبار عنه مُسبقاً، إلا أنه خلَّف في قومه أخاه هارون (ع)، كما قال تعالى: ﴿قَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ﴾ [الأعراف/142].
ثانياً: عاش موسى وهارون -عليهما السلام- سنوات طويلة بين قومهما وكان بنو إسرائيل يعرفونهما جيِّداً، ولم يحصل أن والدة موسى وأخاه قالا إن عمران لم ينجب ابناً ثم جاء شخص فقال أنا وكيل ذلك الابن وهو موجود ولكنه غائب وصار هذا الوكيل يأخذ الأموال باسم ذلك الابن ويقول: إنه لا يلتقي بكم مباشرةً بل جعلني الواسطة بينكم وبينه، ثم أخذ يُظْهِرُ رسائلَ للناس ويدَّعي أن الإمام الغائب هو الذي يقوم بكتابتها ويجيب فيها عن أسئلتكم، ثم لم يستخدم العوام الذين كالأنعام عقولهم التي منحهم الله إيّاها([3]) ولم يقولوا: نحن لم نشاهد من قبل خطَّ الإمام فكيف نعلم أنه هو الذي يكتب لنا هذه الرسائل حقيقةً؟! وعندما أدركَتْ هذا المدعي للنيابة عن الإمام الوفاةُ قال: إن الإمام سيغيب الآن إلى أجل غير مسمَّى!!
ثالثاً: رجع حضرة موسى (ع) إلى قومه الذين كان قد أخبرهم عن غيابه ثلاثين يوماً وكان قد أخبرهم لماذا سيغيب تلك المدة. ولم يكن مكان غيبته غير معروف أبداً، ولو لم يُخلِّف فيهم هارون (ع) وغاب ولم يرجع حتى نهاية حياة معاصريه فقال قومه إن موسى أخلف وعده معنا لما كان عليهم في ذلك لومٌ.
رابعاً: لقد ذكر الله تعالى غياب موسى أربعين يوماً في القرآن، فلماذا لم يُشِرْ أيَّ إشارةٍ إلى هذا الإمام الثاني عشر وإلى غيبته، مع أن ذلك يتعلَّق بمستقبل المؤمنين بآخر الأديان، ومع ذلك لم ينبِّه اللهُ المسلمين إلى هذا الأمر الخطير!
خامساً: لم يقل حضرة موسى (ع) أبداً إنه غاب خوفاً من الأشرار وخشيةً من القتل، أو أنكم لما لم تكونوا أهلاً لإرشاده وزعامته غاب عنكم ومتى ما أصبحتم أهلاً لظهوره، وامتلأ العالم ظلماً وجوراً ظهرَ عندئذٍ!
ß الحديث 6- يرويه «عَلِيُّ بْنُ يَقْطِينٍ»، الذي لم يُوَثِّقْهُ النجاشيُّ وقال إنه توفي سنة 182هـ ([4]). قال ابن الأثير في كتابه «الكامل في التاريخ» في بيان وقائع سنة 169 هجرية: "فيها اشتدَّ طلب المهدي [العباسي] للزنادقة، فقتل منهم جماعةَ عليِّ بن يقطين".
ادَّعى «عَلِيُّ بْنُ يَقْطِينٍ» هذا أن الإمام الكاظم (ع) قال: "الشِّيعَةُ تُرَبَّى بِالْأَمَانِيِّ مُنْذُ مِائَتَيْ سَنَةٍ". ثم قال «عَلِيُّ بْنُ يَقْطِينٍ» نفسه: "فَلَوْ قِيلَ لَنَا إِنَّ هَذَا الْأَمْرَ لَا يَكُونُ إِلَّا إِلَى مِائَتَيْ سَنَةٍ أَوْ ثَلَاثِمِائَةِ سَنَةٍ لَقَسَتِ الْقُلُوبُ وَلَرَجَعَ عَامَّةُ النَّاسِ عَنِ الْإِسْلَامِ وَلَكِنْ قَالُوا مَا أَسْرَعَهُ وَمَا أَقْرَبَهُ تَأَلُّفاً لِقُلُوبِ النَّاسِ وَتَقْرِيباً لِلْفَرَجِ!!".
ونسأل: هل يجوز للشرع أن يخدع الناس بوعود غير صادقة ويشغلهم بها؟! قال بعض الشيوخ إن هذا يشبه قول القرآن: ﴿اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ﴾ [الأنبياء/1]، وقوله: ﴿اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ﴾ [القمر/1] وأمثالها. لكن هذا غير صحيح لأن المقصود من الآيتين المذكورتين وأمثالهما -كما صرَّح بذلك المفسِّرون- بيان حتمية وقوع ما أخبرت عنه وأنها أمورٌ قطعيّةٌ، كما أنه من الشائع جداً في المحاورات العرفية أن يُقال مثلاً لِمَن يُراد إيقاظه إلى صلاة الفجر قبل طلوع الشمس: استيقظ فقد أشرقت الشمس، والكل يفهم أن المراد أن شروق الشمس أصبح وشيكاً، فليس هناك وعد بأملٍ كاذب، بعكس ما جاء في الحديث من تصريح بقرب موعد ظهور الإمام القائم لأجل إشغال الناس بذلك وتأليف قلوبهم! فلا وجه لتشبيه هذه الوعود الكاذبة بما جاء في الآيات.
ß الحديث 7- ضعيف ولا يتضمَّن أي موضوع مهم.
([1]) من المُلْفِت أن نعلم أن الحديثين 2 و3 من الباب 119 رواهما «أحمد بن محمد» و«الحسن بن محبوب». والرواية الأولى في هذا الباب مروية عنهما أيضاً.
([2]) من المُلْفِت أن نعلم أن المجلسي ألف كتاباً باسم «الرجعة»، وحدَّد في مقدمته -بعد أن كال المدائح والثناء للملوك الصفويين السفاكين للدماء -زَمَنَ ظهور الإمام الغائب!