213. عودٌ إلى نقد أحاديث الباب 138 من الكافي
ß الحديث 10 - في سنده «أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ» وليس من الواضح هل المُراد منه «أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَرْقِيُّ» أم غيره؟ فإن كان راويه هو الْبَرْقِيُّ فهذه علة تقدح في صحَّة الحديث، وإن كان غيره فإن الحديث سيكون مجهولاً. و على كل حال سواءً كان البَرْقِيّ أم غيره فقد روى الحديث عن «عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ» الأحمق أنه قال إن رجلاً من الواقفة قال: إن أباه سأل الإمام الكاظم (ع) عَنْ سَبْعِ مَسَائِلَ فَأَجَابَهُ فِي سِتٍّ وَأَمْسَكَ عَنِ السَّابِعَةِ، قَاْلَ فَقُلْتُ: وَاللهِ لَأَسْأَلَنَّ أبي الحَسَن الرِّضَا (ع) عَمَّا سَأَلَ أَبِي أَبَاهُ، فَإِنْ أَجَابَ بِمِثْلِ جَوَابِ أَبِيهِ كَانَتْ دَلَالَةً. قال: فَسَأَلْتُهُ فَأَجَابَ بِمِثْلِ جَوَابِ أَبِيهِ أَبِي فِي الْمَسَائِلِ السِّتِّ فَلَمْ يَزِدْ فِي الْجَوَابِ وَاواً وَلَا يَاءً وَأَمْسَكَ عَنِ السَّابِعَةِ".
فأقول: يَتَبَـيَّنُ من هذا أن الكُلَيْنِيّ نسي ما رواه في أبواب «الكافي» السابقة (كأحاديث الأبواب 92 و98 و104 و106 وأمثالها) بل نسي حتى ما رواه في الحديث الثالث من هذا الباب ذاته من أنه لَا يَخْفَى عَلَى الإمَامِ شَيْءٌ! فمثلاً جاء في الحديث الثالث من هذا الباب ذاته: "وَالْإِمَامُ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ شَيْءٌ يُرِيدُهُ"، أو الحديث الأول من الباب 92: "إِنَّ اللهَ لَا يَجْعَلُ حُجَّةً فِي أَرْضِهِ يُسْأَلُ عَنْ شَيْءٍ فَيَقُولُ لَا أَدْرِي!".
ß الحديث 11 - هو الحديث السابع في الباب 130 ذاته الذي كرره الكُلَيْنِيّ مرَّةً ثانيةً هنا. ولم يقض ابن حضرة الرضا على الباطل وأهله بل صار صهراً للمأمون!
ß الحديث 12 - هو أحد الأكاذيب التي نُقِلَت بصور مختلفة. ومن جملة ذلك ما رواه الصدوق في كتابه «عيون أخبار الرضا» من ادِّعاء «صالح بن حماد» -الذي وصفه الغضائري بأنه من الضعفاء- أن «الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الْوَشَّاءِ» قال:
"كُنْتُ كَتَبْتُ مَعِي مَسَائِلَ كَثِيرَةً قَبْلَ أَنْ أَقْطَعَ عَلَى أَبِي الْحَسَنِ [الرضا] (ع) وَجَمَعْتُهَا فِي كِتَابٍ مِمَّا رُوِيَ عَنْ آبَائِهِ (ع) وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَأَحْبَبْتُ أَنْ أَتَثَبَّتَ فِي أَمْرِهِ وَأَخْتَبِرَهُ فَحَمَلْتُ الْكِتَابَ فِي كُمِّي وَصِرْتُ إِلَى مَنْزِلِهِ وَأَرَدْتُ أَنْ آخُذَ مِنْهُ خَلْوَةً فَأُنَاوِلَهُ الْكِتَابَ، ... فَبَيْنَا أَنَا كَذَلِكَ ... إِذَا أَنَا بِغُلَامٍ قَدْ خَرَجَ مِنَ الدَّارِ فِي يَدِهِ كِتَابٌ فَنَادَى: أَيُّكُمُ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْوَشَّاءُ؟ فَقُمْتُ إِلَيْهِ وَقُلْتُ أَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْوَشَّاءُ فَمَا حَاجَتُكَ؟ قَالَ: هَذَا الْكِتَابُ أُمِرْتُ بِدَفْعِهِ إِلَيْكَ فَهَاكَ خُذْهُ. فَأَخَذْتُهُ وَتَنَحَّيْتُ نَاحِيَةً فَقَرَأْتُهُ فَإِذَا وَاللهِ فِيهِ جَوَابُ مَسْأَلَةٍ مَسْأَلَةٍ! فَعِنْدَ ذَلِكَ قَطَعْتُ عَلَيْهِ وَتَرَكْتُ الْوَقْف!!".
أقول: لست أدري لماذا لا يُظْهِرُ الإمام معجزاته إلا لأفراد ضعفاء ومجهولين! ولقد تحدثنا فيما سبق عن علم الغيب والمعجزات (صفحة 124فما بعد) فلا نعيد الكلام هنا.
ß الحديث 13 - روى الكُلَيْنِيُّ هذا الحديث عن «الحسنِ بْنِ عليٍّ الفَضَّالِ» الذي كان فرداً من أفراد أشهر أسرةٍ من أُسَرِ «الواقفة»، ولم يكن معاصراً للكليني، فلا ندري مَن الواسطة بينه وبين الكُلَيْنِيّ. (روى آخرون أيضاً هذا الحديث بأسانيد واهية لا اعتبار بها). وهذا الحديث - كالأحاديث السابقة - يدل على علم الإمام بالغيب!
ß الحديث 14 - يقول راويه إن "الإمام مَالَ نَحْوِي حَتَّى إِذَا حَاذَانِي أَقْبَلَ نَحْوِي بِشَيْءٍ مِنْ فِيهِ فَوَقَعَ عَلَى صَدْرِي فَأَخَذْتُهُ فَإِذَا هُوَ رَقٌّ فِيهِ مَكْتُوبٌ مَا كَانَ [عبد الله الأفطح] هُنَالِكَ وَلَا كَذَلِكَ!". يعني أن «عبد الله الأفطح» لم يكن إماماً! ونحن أيضاً نقول إنه لم يكن إماماً.
ß الحديث 16 - اعتبر المسلمين كفَّاراً و خاطب زيداً - رحمه الله - قائلاً: "أَتُرِيدُ يَا أَخِي أَنْ تُحْيِيَ مِلَّةَ قَوْمٍ قَدْ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللهِ وَعَصَوْا رَسُولَهُ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللهِ وَادَّعَوُا الْخِلَافَةَ بِلَا بُرْهَانٍ مِنَ اللهِ وَلَا عَهْدٍ مِنْ رَسُولِهِ؟".
ß الحديث 17 - من مرويات «عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحَكَمِ الْأَرْمَنِيِّ» الذي اعتبره الغضائري و النجاشي ضعيفاً. وكان ضعيفاً بنفسه، وينقل عن الضعفاء!
ß الحديث 19 - يقول إن الإمام الكاظم u كتب إِلَى يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ حَسَنٍ كتاباً قال له فيه: "أَتَانِي كِتَابُكَ تَذْكُرُ فِيهِ أَنِّي مُدَّعٍ وَأَبِي [أي مُدَّعٍ للإمامة والولاية] مِنْ قَبْلُ وَمَا سَمِعْتَ ذَلِكَ مِنِّي وَسَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ"! ويدعو الإمام في هذا الحديث للخليفة العباسي ويقول «أبقاه الله!».
وعلى كل حال لم يُذْكَر في كل هذه الأحاديث الفرقُ بين الإمام المحق والإمام المبطل. إن الفرق بين الإمام الحقّ وغيره هو العمل بكتاب الله وسنة رسول الله J القطعية، كما بين أمير المؤمنين علي u وظيفة إمام المسلمين فقال: "إِنَّهُ لَيْسَ عَلَى الإمَامِ إِلا مَا حُمِّلَ مِنْ أَمْرِ رَبِّهِ الإبْلاغُ فِي الْمَوْعِظَةِ والاجْتِهَادُ فِي النَّصِيحَةِ والإحْيَاءُ لِلسُّنَّةِ وإِقَامَةُ الْحُدُودِ عَلَى مُسْتَحِقِّيهَا وإِصْدَارُ السُّهْمَانِ عَلَى أَهْلِهَا". (نهج البلاغة، الخطبة 105).
وقال ابنه: الإمام الحسين (ع) - كما ذكرنا - مخاطباً أهل الكوفة الذين دعوه إلى قيادة المسلمين وإمامتهم: "فَلَعَمْرِي مَا الإمامُ إلا العاملُ بالكتابِ والقَائمُ بالقِسْطِ الدائنُ بِدِيْنِ الحَقِّ والسلام."([1]).
كما يلاحظ فإن حضرة عليٍّ وسيد الشهداء -عليهما السلام- لم يُعَرِّفَا الإمام بأنه ذلك الشخص الذي يطبع في الحصاة أو الذي يشهد الحجر الأسود بإمامته أو الذي تنطق العصا بيده ونظائر ذلك. (فتأمَّل).
تذكير: أورد الشيخ المفيد الحديثين 7 و8 من هذا الباب -وقد تبيَّن أنهما مجهولان - في كتابه «الإرشاد»، ج 2، ص 221 و223.