193. بحث حول آية المودَّة: ﴿قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾
يقول الله تعالى في هذه الآية: ﴿قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾ [الشورى/23]. ومعنى الآية أن الله يدعو رسوله Jأن يقول لمشركي مكة: لا أريد منكم أي أجر على إبلاغ رسالة الحق ولكنني أريد أن تعاملوني بالمودة ولا تعادوني، لأجل القرابة التي بيني وبينكم.
أما مشايخنا فيقولون -خداعاً للعوام- إن معنى الآية أن الله تعالى أمر رسوله J أن يقول لمشركي مكَّة: لا أريد منكم أجراً على النبوة سوى مودتكم ومحبتكم لأقربائي- أي أهل بيتي، وضم هؤلاء المشايخ بعض الأحاديث (ومن جملتها الحديث 66 في روضة الكافي)([1]) إلى الآية ليقولوا إن المراد من «القربى» أقرباء النبي الذين كانوا علياً وفاطمة وابنيهما!!
ونقول: أولاً: إن سورة الشورى - كما ذكرنا- مكية وليس من المعقول أن يقول رسولاللهJ لمشركي مكة، في الوقت الذي كان النزاع بينه وبين الكفار قائماً حول أساس الدين وهو كلمة التوحيد وإثبات نبوته J، وكانوا لا يزالون ينكرون رسالته، لا أريد منكم أجراً على رسالتي التي لا تؤمنون بها سوى أن تحبو أقربائي، الذين لم يولد منهم شخصين بعد- يعني حضرات الحسنين!!
ثانياً: أمر الله تعالى رسولَه نوحاً (ع) أن يقول لقومه: ﴿وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الشعراء/109، ونحوه في يونس/72 وهود/29،] وأمر هوداً (ع) أن يقول لقومه: ﴿يَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾ [هود/51، والشعراء/127] وأمر حضرات صالح ولوط وشعيب -صلوات الله وسلامه عليهم- أن يقولوا لأقوامهم: ﴿وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الشعراء/145 و164 و180]، وقال تعالى عن رسله الذين أرسلهم إلى أهل أنطاكيا: ﴿اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ﴾ [يس/21].
وأمر الله تعالى نبيه أن يقول: ﴿مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ﴾ [الأحقاف/9]، وقال: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ﴾ [الأنعام/90].
على ضوء الآيات المذكورة أعلاه لا يمكن لرسول الله J أن يقول في الآية 23 من سورة الشورى: أريد منكم أجراً على رسالتي وهو أن تحبوا أقربائي وتودوهم؟!!
وقد ردّ الشيخ المفيد أيضاً مثل هذا الادّعاء وقال:
"لا يصحّ القول بأن الله تعالى جعل أجر نبيِّه مودَّة أهل بيته - عليهم السلام - ولا أنه جعل ذلك من أجره - عليه السلام - لأن أجر النبيِّ J في التقرُّب إلى الله تعالى هو الثواب الدائم، وهو مستحق على الله تعالى في عدله وجوده وكرمه، وليس المستحق على الأعمال يتعلَّق بالعباد، لأن العمل يجب أن يكون لله تعالى خالصاً، وما كان لِـلَّهِ فالأجر فيه على الله تعالى دون غيره.
هذا مع أن الله تعالى يقول: ﴿وَيَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللهِ ﴾ [هود/29] وفي موضع آخر: ﴿يَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾ [هود/51]؛ فلو كان الأجر على ما ظنه أبو جعفر([2]) في معنى الآية لتناقض القرآن، وذلك أنه كان تقدير الآية: قل لا أسألكم عليه أجراً، بل أسألكم عليه أجراً، ويكون أيضاً: إن أجري إلا على الله، بل أجري على الله وعلى غيره. وهذا محال لا يصح حمل القرآن عليه."([3]).
ثالثاً: إذا كان مراد الآية من مصدر «القربى» معنى «أولي القربى» أو «ذوي القربى»، فلماذا لم يقل ذلك صراحةً في هذه الآية، أي لماذا لم يقل: لا أسألكم عليه أجراً إلى المودة في «ذوي قرباي» أو في «أولي قرباي»؟! مع أنه استخدم كلمة أولي القربى وذي القربى في عشرات الآيات.
ليت شعري! لماذا كلَّما يصل الدور إلى موضوع الأئِمَّة والإمامة، نجد القرآن -نعوذ بالله- يبتعد عن الفصاحة والصراحة، ولا يستخدم الكلمات في معناها اللغوي بشكل دقيق، ونجد أننا بحاجة إلى الأحاديث لتسعفنا في بيان المراد من الآية، وأننا نضطر إلى العدول عن المعنى اللفظي للكلمات؟!!
من هنا نعلم السبب في اهتمام علماء الشيعة بالحديث ومحبتهم له أكثر من اهتمامهم بالقرآن، لأنهم أدركوا جيداً أن مقاصدهم لا تتحقق إلا بالأحاديث!([4])
رابعاً: لنفترض أن المراد من كلمة «القربى»: ذوي القربى، فبأي دليل حصرتم ذوي القربى بأهل البيت؟ وإذا كان هذا هو المقصود فلماذا لم تقل الآية «إلا المودة في أهل بيتي»؟ ولماذا أخرجتم نساء النبي من شمول الآية لهم وقصرتم مصداقها على عليٍّ وفاطمة وحضرات الحسنين عليهم السلام فقط؟
إن ذوي قربى رسول الله J: هم أقربائه، وأقرباؤه J -حتى لو لم نشمل أقرباءه السببيين واقتصرنا على أقربائه النسبيين فقط - كثيرون، ومنهم بقية بنات النبي وأعمامه وأولاد عمه ومنهم إخْوَةُ عليٍّ والزبير و.....
وأيضاً تم الاستناد في هذا الحديث -كما في سائر أحاديث الكافي- إلى آيات القرآن بصورة خاطئة ولما كنا قد أشرنا في الصفحات السابقة إلى الآيات المذكورة وتكلمنا عنها فلا نكرر ذلك هنا، بل نشير إليه باختصار:
أ) الآية 43 من سورة النحل والآية 44 من سورة الزخرف. (راجعوا ص 461)
ب) الآية 34 من سورة النحل. (راجعوا ص 411)
ج) الآية 59 من سورة النساء. (راجعوا ص 526، وص 755 فما بعد)
د) الآية 67 من سورة المائدة. (راجعوا ص 627حتى 631)
هـ) الآية 33 من سورة الأحزاب. (راجعوا ص 617حتى 625)
ß الحديثان 11 و12 - في سندهما «صالح بن السندي» الذي عرفنا حاله فيما سبق (ص 534) و«بشير الدهان» الذي اعتبره الممقاني مجهولاً. ومن اللازم التذكير بأن الممقاني رغم أنه كتب كتابه الرجالي لتطهير الرجال المذمومين ورغم أنه اعتبر كل من يغلو في مدح الأئمة إمامياً وسعى إلى الدفاع عنه، رغم كل ذلك اعتبر هذا الشخص مجهولاً. وفي سند الحديثين أيضاً «محمد بن إسماعيل الرازي» و«منصور بن يونس» اللذَيْن عرّفنا بهما في نقدنا للحديث الثامن من هذا الباب. ورغم هذا كله، أورد الكُلَيْنِيّ أحاديث أمثال هؤلاء الرواة في كتابه!
ß الحديثان 13 و16 - رَوَى «عليُّ بن الحكم» الأحمق عن «علي بن أبي حمزة» الماكر الذي تعرّفنا عليه فيما سبق (ص 244 فما بعد) حديثاً من المفيد مقارنته مع الأمور التي ذكرناها في ص 710 من هذا الكتاب، كي تعلموا كيف يروي الكذّابون الأحاديث. والحديث 16 مرويٌّ أيضاً عن «سهل بن زياد» الكذّاب و«محمد بن الوليد» الذي عرّفنا به فيما سبق (ص 288).
ß الحديثان 14 و15 - لو كان للكُلَيْنِيّ عِلمٌ بالقرآن الكريم لعرف أن العودة إلى الدنيا بعد الموت وقبل القيامة مستحيلة. وعندئذ لما روى أحاديث مجهولة وضعيفة تقول إن النبي J قال لعلي (ع): "يَا عَلِيُّ إِذَا أَنَا مِتُّ فَغَسِّلْنِي وَكَفِّنِّي ثُمَّ أَقْعِدْنِي وَسَلْنِي وَاكْتُبْ!!". وليت شعري! أكان هناك إشكال في أن يقوم عليٌّ بهذا العمل قبل وفاة النبي J؟!
إن ما نستنتجه من دراسة أبواب الكافي المختلفة، أن هناك مجموعة من الأفراد الكارهين للإسلام الذين يريدون أن يُفْقِدوا القرآن تأثيره ويُبعدوا الناس عن كتاب الله، لذلك قاموا بابتداع إمامٍ تخيُّليٍّ، أعلى مقاماً من القرآن والنبيُّ J(!) ثم نسبوا إلى هذا الإمام كل ما مالت إليه أهواؤهم. ولهذا فهم يقولون بشكل غير مباشر إن القرآن والإسلام لا شيء، والإمام كل شيء! ويقصدون بالإمام الإمام الذي في خيالهم والذي لا مستند قرآني ولا تاريخي لوجوده!
يقول الوُعّاظ ورجال الدين - متأثرين بأمثال «سلطان محمد گنابادي» و«سيد أبو الفضل النبوي القمي»([5]) و..... - على المنابر: يا أيها الناس لا فائدة من القرآن من دون الإمام، ويقولون - استناداً إلى بعض الأحاديث كتلك التي رواها الكليني في الباب 84 من الكافي - إن القرآن يهدي إلى الإمام! إنهم يقولون ذلك للناس لأن مثل هذا الكلام يوافق مقاصدهم. ولكنهم لا يقولون للناس إنّ علياً u كان له ابنان اسم أحدهما عمر واسم الآخر عثمان، وكان له ابن اسمه محمد ويُكنّى بأبي بكر (الإرشاد، ج 1، ص 354)، وقد استُشْهِد الأخيران في كربلاء تحت راية الحسين (ع). رضي الله عنهم.
([1]) روى الحديث 66 من روضة الكافي «علي بن الحكم»، أي ذلك الأحمق ذاته الذي قال أن القرآن نزل سبعة عشر ألف آية! وهذا الحديث يتضمن الإشكالات ذاتها التي اشرنا إليها في المتن.. أولاً لم ينتبه راويه أن سورة الشورى مكية ولم يكن علي قد أصبح صهر النبي بعد ولك يكن حضرات الحسنين قد ولادا بعد حتى يعرفهم أهل مكة ويحبونهم! ثانياً جعل كلمة «قربى» بمعنى «ذوي القربى» دون أن يكون عنده أي دليل على ذلك! ثالثاً حصر الراوي أقرباء النبي الذين ليسوا بالقلة بأهل البيت وحصر أهل البيت بالزهراء وعلي والحسنين وبالنتيجة أخرج منها الأئِمَّة اللاحقين!
ولا يخفى أن «علي بن الحكم» هذا هو راوي حديث «من بلغه الثواب» أيضاً الذي هو مستند قاعدة «التسامح في أدلة السنن»، والتي كانت الأساس الذي اعتمد عليه علماؤنا -كما يقول المجلسي- للعمل بالأحاديث الضعيفة والمجهولة لإثبات كراهية الأعمال واستحبابها!!
([2]) يقصد الشيخ الصدوق في كتابه اعتقادات الإمامية الذي يعلق عليه الشيخ المفيد في كتابه، «تصحيح اعتقادات الإمامية». (المُتَرْجِمُ)