189. بَابُ مَا نَصَّ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ وَرَسُولُهُ عَلَى الْأَئِمَّةِ (ع) وَاحِداً فَوَاحِداً
بدءاً من هذا الباب وحتى الباب 133 عَقَدَ الكُلَيْنِيُّ اثني عشر باباً لإثبات النص على الاثني عشر إماماً. إن علماءنا لا يملكون نصوصاً موثوقةً ومعتمدةً تثبت الإمامة الإلـهية (أي المنصوص عليها مِنْ قِبَلِ الله تعالى)، لذلك نجدهم يتشبَّثون بأحاديث غير صحيحة وغير موثوقة، مثل أحاديث هذا الباب والأبواب اللاحقة، والتي هي -كما سنرى- أحاديث واهية لا يمكن التعويل عليها. وبالطبع، هم يتمسَّكون في الغالب بحديث الغدير، لكن حديث الغدير لا يكفي لإثبات مدّعاهم. إذا كان حديث الغدير وجملة: "مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ، اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالَاهُ وَعَادِ مَنْ عَادَاه" تتعلّق فعلاً -كما يُدَّعى- بالإمامة المنصوص عليها مِنْ قِبَلِ الله، لبيَّن رسولُ الله J - على الأقل- عدد الأئِمَّة أو أسماءهم أو قواعد الإمامة الكلية بشكل واضح. كأن يُبيِّن أن أمر الإمامة منحصرٌ باثني عشر نفراً وأنها لا تكون إلا في ابن الإمام السابق ما عدا الإمام الثالث، وأن لكل واحد من الأئِمَّة صحيفة ومهمة خاصة به وإلخ.... كي تتم الحجة على الأمَّة ولا ينشأ كل هذا العدد من الفرق المختلفة التي يخالف بعضها الآخر، ولا يتمكن الآخرون من ادعاء الإمامة ولا تتفرق الأُمَّة كل هذا التفرُّق. إن مثل هذا العمل مناسب تماماً للمقام وهو من أقل لوازم هداية الأمة إلى أصل من أصول الدين.
نعم، يوجد في الباب الحالي 16 حديثاً اعتبر المَجْلِسِيّ الحديث 1 صحيحاً، والأحاديث 2 و5 و8 و9 و11 و14 حسنةً، والأحاديث 3 و6 و7 و10 و15 و16 ضعيفةً والحديث 4 حسناً، والحديث 12 حسناً كالموثَّق والحديث 13 مُوَثَّقَاً. أما الأستاذ البِهْبُودِيّ فلم يُصحِّح أيّاً من أحاديث هذا الباب ما عدا الحديثين الأول والثاني فقط.
ß الحديث 1 - إذا صحَّح المَجْلِسِيّ هذا الحديث فلا غرابة في ذلك، لكن الغريب هو تصحيح البِهْبُودِيّ لهذا الحديث وقبوله له رغم أن في سنده رواة من أمثال: «عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ» المعتقد بتحريف القرآن، و«سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ» الكذَّاب و«الحسين بن سعيد» الغالي ونظائرهم!
وَاُستُدِلَّ في هذا الحديث بالآية 59 من سورة النساء([1]) واُدُّعِيَ أن الآية نزلت بشأن عليٍّ والحسنين -عَلَيْهِمُ السَّلَامُ-. وقد تكلّمنا حول الآية المذكورة في الباب 66 (في الصفحات 411-412 من هذا الكتاب)، ونضيف هنا فقط أن الآية 83 من سورة النساء بينت المراد من «أولي الأمر»، ولا حاجة إلى الروايات.
إضافةً إلى ذلك لو كانت الآية المذكورة قد نزلت بشأن الإمام الحسن، لَدَعَا الإمامُ عليٌّ الناس قطعاً إلى مبايعة ابنه الحسن، في حين أنه طبقاً لما روته الكتب المعتبرة ومن جملتها كتاب «مروج الذهب»: أنه لمَّا ضرب ابنُ ملجم عليّاً دخل الناس على الإمام يسألونه فقالوا: "يا أمير المؤمنين! أرأيت إن فقدناك، ولا نفقدك، أنبايع الحسن؟ فأجاب: لا آمركم ولا أنهاكم، أنتم أبْصَر"([2]).
وجاء في التواريخ المعتبرة([3]) "إنّ عليّاً عليه السّلام لمّا توفّي خرج ابن عبّاس فقال: إنّ أمير المؤمنين u توفّي وقد ترك خلفاً، فإن أحببتم خرج إليكم، وإن كرهتم فلا أحد على أحد. فبكى الناس، وقالوا: بل يخرج إلينا."([4]).
أي أنَّ كلَّ إنسان حرٌّ في انتخاب الحاكم الذي يريده.
ثم إن إجابة الإمام عن سبب عدم ذكر أسماء الأئِمَّة في القرآن ضعيفة إلى درجة أنه لا يمكن أن نصدِّق أن يجيب الإمام بمثل هذا الجواب الضعيف الواهي! لأنه من الواضح أنه:
أولاً: ليس هناك بين الناس خلاف في عدد ركعات الصلاة أو في عدد أشواط الطواف الواجب حول الكعبة أو في ميزان الزكاة و..... في حين أن بينهم اختلافاً عميقاً وخطيراً حول خلفاء النبي J.
ثانياً: الإمامة من أصول الدين والحالات التي نُسب إلى الإمام ذكرها في الحديث كلها من فروع الدين! مع أن السؤال كان لماذا لا يوجد في القرآن أي كلام صريح حول هذا الأصل من أصول الدين. كما يقول جناب الأستاذ «قلمداران» (رحمه الله):
"هل أهمية أصل الإمامة أقل من أهمية حادثة زيد الذي ذكر اسمه صريحاً في القرآن؟!! هل يمكن للشرع أي يفرق كل هذا الفرق بين أصول الدين فيبين أحدها بوضوح تام ويترك الأصل الآخر مبهماً غير واضح ؟!!.... هل أهمية مسألة الإمامة أقل من أهمية قصة أصحاب الكهف التي لم يوفر القرآن حتى ذكر كلبهم؟!"([5]).
حقَّاً، كيف يذكر القرآن كلب أصحاب الكهف ولا يذكر أسماء الأئِمَّة الذين هم في نظر الشيعة معلمي الأمة المنصوبين مِنْ قِبَلِ الله؟!! لا يخفى على أحد أنه إذا لم يكن من المتوقع أن يذكر القرآن -الذي هو آخر الكتب السماوية- تفاصيل فروع الدين فإنه من المُتوقَّع والمُنتظَر منه قطعاً أن يبيِّن بشكل واف وواضح المسائل المتعلقة بأصول الدين. (فتأمَّل)
وقد تمَّ الاستناد في هذا الحديث إلى قول رسول الله J: "أوصيكم بالثقلين كتاب الله............. وعترتي أهل بيتي، وإني سألتُ اللهَ - عزَّ وَجَلَّ - أن لَا يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الحَوْضَ".
ونقول: نحن مؤمنون بهذا القول قطعاً، ونقبل به تماماً، ولهذا نسأل: لماذا ملأ الكُلَيْنِيُّ كتابه بالأحاديث المضادَّة للقرآن والعقل، حتى جعل مشرب أهل البيت -عَلَيْهِمُ السَّلَامُ- ومنهجهم ومرامهم يبدو وكأنه مفترقٌ تماماً عن القرآن وبعيدٌ عن كتاب الله؟! وإلا فلماذا ينسب رواة الكُلَيْنِيّ هذه الأحاديث إلى الأئِمَّة -عَلَيْهِمُ السَّلَامُ- ؟!
لذلك لا نجد إلا أن نقول: إن الكُلَيْنِيَّ ورواتِه لم يكونوا يؤمنون فعلاً بقول النبي J هذا، أو أنهم كانوا يتعمَّدون إظهار الأئِمَّةِ بعيدين عن القرآن!
علاوة على ذلك فإن عبارة «أهل البيت» تعني عائلة النبيِّ، وهي لا تنحصر بحضرات علي والحسنين -عَلَيْهِمُ السَّلَامُ-، بل زوجات النبي J هنَّ أيضاً جزء من أهل بيت النبيِّ J وعائلته.
وقد تمَّ الاستدلال في هذا الحديث بآية التطهير لإثبات إمامة عليٍّ والحسنين -عَلَيْهِمُ السَّلَامُ-. لذا سنوضِّح هنا هذا الموضوع ونشرح الآية كي تتضح حقيقتها للقرَّاء.
([1]) أي قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾ [النساء/59]. (المُتَرْجِمُ)
([2]) المسعودي، مروج الذهب، ج2، ص 425، والطبري، تاريخ الأمم والملوك، ج5، ص 146- 147، وابن كثير، البداية والنهاية، ج7 ، ص 327 . (المُتَرْجِمُ)
([3]) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، ج 4، ص 8، [أو ج16، ص22 من طبعة قم، نشر مكتبة آية الله المرعشي النجفي، 1404هـ، في 20 جزءاً في عشر مجلدات]. و في والبداية والنهاية لابن كثير، ج 8، ص 13.
[ملاحظة من المترجم: لم أجد النص المذكور في البداية والنهاية، وهو موجود في كتاب: أنساب الأشراف، البلاذري، تحقيق د. سهيل زكار، ود. رياض زركلي، بيروت، دار الفكر، 1417هـ/1996م، ج3، ص 279 . وفي كتاب: بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة، الشيخ محمد تقي التستري، ج 3، ص 218. ] (المُتَرْجِمُ)