173. بَابُ أَنَّ الْأَئِمَّةَ (ع) يَعْلَمُونَ عِلْمَ مَا كَانَ وَمَا يَكُونُ وَأَنَّهُ لَا يَخْفَى عَلَيْهِمُ الشَّيْءُ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِمْ
في هذا الباب ستة أحاديث لم يُصحِّح البِهْبُودِيّ أيَّ واحد منها. أما المَجْلِسِيّ فاعتبر الأحاديث 1 و2 و3 ضعيفةً والحديثين 5 و6 مجهولين والحديث 4 صحيحاً.
وقد عرَّفنا في الصفحات الماضية بعدد من رواة أحاديث هذا الباب من قبيل «إبراهيم بن إسحق الأحمر النهاوندي» و«محمد بن سِنَان» و«يونس بن يعقوب» و«سَهْل بن زياد» و«أحمدِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ البَزَنْطِيّ» و«الحسن بن محبوب» و«هشام بن الحَكَم» و«محمد بن الفُضَيل» (راجعوا فهرس الكتاب).
لا يخفى أن جزءاً من عنوان هذا الباب أُخذ من الآية القرآنية: ﴿إِنَّ اللهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ...﴾ [آل عمران/5]، ولكن الرواة الغلاة مع الأسف جعلوا هذه الصفة الخاصة بالله للأئِمَّة!!
والطريف أن الكُلَيْنِيّ يعلم أن الإمام لو كان متصفاً بصفة «لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ» فإن هذه الصفة لا تتسق مع الأحاديث التي رواها هو نفسه في الأبواب 94 و102 و103 ولا يمكن الجمع بينهما، لأنه روى في تلك الأبواب إن الأئِمَّة يجهلون حرفاً واحداً من حروف اسم الله الأعظم التي يعلمون 72 حرفاً منها، وروى أن الله تعالى عنده علم اختص به نفسه ولم يظهره على أحد من خلقه، وروى في الحديث الأول من الباب 103 ما يفيد أن الإمام يقول إن الله يُعْلِمُهُم أحياناً عن شيء من الغيب فيعلموه، ويستأثر بعلم أشياء فلا يُعْلِمُ بها أحداً فلا يعلمونها. ومن البديهي أنه لا يمكننا أن نقول عن شخص لا يعلم الشيء أحياناً أنه لا يخفى عليه شيء ويعلم علم ما كان وما يكون وما هو كائن.
ß الحديث 1 - راويه «سَيْفٌ التَّمَّارُ» الذي رواياته مغالية ومعارضة للقرآن وقال علماء الرجال عنه إنه مشترك بين رجل ضعيف وآخر موثق. وراويه الثاني «عبد الله بن حمَّاد» ضعيف أيضاً ولا يجوز الاعتماد على أحاديثه حسب قول علماء الرجال.
يقول «سَيْفٌ التَّمَّارُ»: "كُنَّا مَعَ أَبِي عَبْدِ اللهِ (ع) جَمَاعَةً مِن الشِّيعَةِ فِي الْحِجْرِ". [ولا ندري هل كان أولـئك الجماعة من الأفراد من الغلاة أم الأعداء الذين يتظاهرون بمظهر الصديق أم لا؟ الله أعلم!]، "فَقَالَ الإِمَامُ [أو بالأحرى سأل]: عَلَيْنَا عَيْنٌ؟؟ فَالْتَفَتْنَا يَمْنَةً وَيَسْرَةً فَلَمْ نَرَ أَحَداً فَقُلْنَا: لَيْسَ عَلَيْنَا عَيْنٌ. فَقَالَ: وَرَبِّ الْكَعْبَةِ وَرَبِّ الْبَنِيَّةِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ لَوْ كُنْتُ بَيْنَ مُوسَى وَالْخَضِرِ لَأَخْبَرْتُهُمَا أَنِّي أَعْلَمُ مِنْهُمَا، وَلَأَنْبَأْتُهُمَا بِمَا لَيْسَ فِي أَيْدِيهِمَا لِأَنَّ مُوسَى وَالْخَضِرَ u أُعْطِيَا عِلْمَ مَا كَانَ وَلَمْ يُعْطَيَا عِلْمَ مَا يَكُونُ وَمَا هُوَ كَائِنٌ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ، وَقَدْ وَرِثْنَاهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ o وِرَاثَةً!!".
هنا علينا أن نسأل «سَيْفاً التَّمَّـارَ»:
أولاً: الإمام الذي لا علم له بأصحابه، ولا يعلم هل ثمَّة جاسوس في الجوار أم لا، كيف يكون عالماً بِمَا يَكُونُ وَمَا هُوَ كَائِنٌ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ؟!
ثانياً: ما الدليل على أن موسى والخضر أُعْطِيَا عِلْمَ مَا كَانَ؟! إن موسى (ع) نفسه لم يدَّعِ مثل هذا الادِّعاء، ويمكننا أن نفهم مما جاء في القرآن أنه لم يكن لديه عِلْمُ مَا كَانَ، لأنه لما كان في الطور لم يعلم بعبادة قومه للعجل، إلى أن قال الله تعالى له: ﴿فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ﴾ [طه/85]. وبعد عودته من جبل الطور لم يكن يعلم أيضاً أن أخاه لم يكن له أي ذنبٍ فيما حدث، بل أخذ بِرَأْسِ أَخِيهِ وَلِـحْيَتِهِ يَجُرُّهُ إليه، إلى أن قال له أخوه: ﴿إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي﴾ [الأعراف/150].
حتى نبي الإسلام J لم يكن لديه عِلْمُ مَا كَانَ - إلا ما أُوحيَ إليه - فلم يكن يعلم عدداً من الأنبياء السابقين (غافر/78).
ثالثاً: قال تعالى مراراً لرسوله في القرآن: ﴿قُلْ إِنْ أَدْرِي﴾ [الجن/25]، ﴿وَمَا أَدْرِي﴾ [الأحقاف/9]، ﴿لَا تَدْرِي﴾ [الطلاق/1]....... الخ، فكيف يمكن لأحد أن يدَّعي خلافاً للقرآن إن رسول الله J كان يعلمُ عِلْمَ مَا كَانَ وَعِلْمَ مَا يَكُونُ؟!
رابعاً: لما كانوا يسألون رسول الله J كان ينتظر نزول الوحي عليه ليجيبهم، فكيف يكون الإمام الذي لم يكن يوحَى إليه عالماً بما كَانَ ومَا يَكُونُ؟!
خامساً: العلم لا يورث وراثةً إلا لدى الرواة الخرافيين!
قال الأستاذ الشيخ «هاشم معروف الحسني»:
"لقد نصَّت هذه الرواية على أن النبيّ عنده بالإضافة إلى علم ما كان، علم ما هو كائن وما سيكون، وقد ورَّثَه للأئمة الأطهار، ومعنى ذلك أن الله سبحانه لم يستأثر بشيء وعلمه بكامله قد انتقل للنبيِّ والأئمَّة، وهو مخالف لنصوص القرآن.
وجاء في بعض المرويات عن النبيِّ أنه كان يقول لأصحابه: ما لي ولكم! تسألوني عمَّا لا أعلم، وإنَّما أنا عبد الله لا علم لي إلا ما علَّمني ربِّي.
وقال لهم مرَّةً: أنا أعلم بأمور دينكم، وأنتم أعلم بأمور دنياكم، إلى غير ذلك من المرويات الكثيرة التي تنصُّ على أنه لم يدَّعِ لنفسه علمَ ما كان وما سيكون كما تنصّ هذه الرواية"([1]).
ß الحديث 2 - يقولُ عَدَدٌ من الضعفاء والمجاهيل أن الإمام الصادق u قال: "إِنِّي لَأَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ، وَأَعْلَمُ مَا فِي الْجَنَّةِ وَأَعْلَمُ مَا فِي النَّارِ، وَأَعْلَمُ مَا كَانَ وَمَا يَكُونُ. قَالَ ثُمَّ مَكَثَ هُنَيْئَةً فَرَأَى أَنَّ ذَلِكَ كَبُرَ عَلَى مَنْ سَمِعَهُ مِنْهُ فَقَالَ: عَلِمْتُ ذَلِكَ مِنْ كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ؛ إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: «فِيهِ تِبْيَانُ كُلِّ شَيْءٍ»!".
فنقول: أولاً: لم يدَّعِ رسولُ الله J مثل هذا الادِّعاء، وكما ذكرنا أعلاه خاطب الله تعالى نبيَّهُ مراراً بقوله: (وَمَا أَدْرِي) (وَ قُلْ إن أَدْرِي) و...... وخاطب الله تعالى كافَّة عباده - ومن جملتهم النبي J- قائلاً: ﴿وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا﴾ [الإسراء/85]. وقال رسول الله J نفسه في دعاء يستشير: "أنت العالم وأنا الجاهل".
ثانياً: نسي واضع الحديث الجاهل الذي ادَّعى أن الإمام قال: "عَلِمْتُ ذَلِكَ مِنْ كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ" أن الإمام نفسه قال في الحديث السابق عن هذا العِلْم: "وَرِثْنَاهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ o وِرَاثَةً". والأهم من ذلك أن الآية التي نُسِبَ إلى الإمام الاستشهاد بها نُقِلَت بشكل خاطئ، فالذي جاء في القرآن: ﴿نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ﴾ [النحل/89]، أما إمامُ رواةِ الكُلَيْنِيّ فقد قرأ الآية كالتالي: «فِيهِ تِبْيَانُ كُلِّ شَيْءٍ»!! ولذلك اضطر المَجْلِسِيّ إلى القول: إما أن الإمام نقل الآية بالمعنى أو أن تلك القراءة كانت قراءة الإمام!!
والأهم من ذلك أنه لم يأتِ في القرآن «علمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ، وعِلْمُ مَا فِي الْجَنَّةِ وَمَا فِي النَّارِ، وَعِلْمُ مَا كَانَ وَمَا يَكُونُ». ويُعْلَمُ من قرينة الحال أن المراد من «كُلِّ شَيْءٍ» في قوله تعالى ﴿نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ﴾ [النحل/89]، كلُّ شيءٍ متعلِّقٍ بالشريعة والهداية لا كلُّ شيءٍ بالمعنى الحرفي للكلمة، أي أن القرآن ﴿تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ﴾ من أمور الدين، لا غير.
فمثلاً كل عاقل يعلم، ولا يحتاج إلى من يُوَضِّح له ذلك، أنه لو أشار شخص إلى صيدليةٍ وقال لمُخاطَبه: هنا كل شيء تريده. أو قال له: هناك يوجد كل شيء. يفهم السامع من هذا الكلام أن قصد المتكلِّم هو: كل ما له علاقة بالأدوية ووسائل العلاج، ولن يتوقَّع أن يُباعَ في المحل المشار إليه: اللحاف وكرسي التدفئة والفحم ووجبات الكباب المشوي ومنشار النجار و.......الخ.
كيف يمكن للإمام الصادق (ع) أن يكون جاهلاً بالقرآن إلى درجة قراءته لآية بصورة خاطئة، أو تصوّره أنه لما قال تعالى عن القرآن أنه ﴿تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ﴾ فيمكن إذن أن نجد فيه علم ما كان وما يكون!! لا ريب أن هذا الحديث كَذِبٌ صُرَاحٌ وأن رواة الكُلَيْنِيّ وضعوه على لسان الإمام.
ثالثاً: من الواضح تماماً أنه ليس في القرآن الكريم علم الجراثيم ولا علم الإلكترونيات أو علم الوراثة الجينية أو علم الجبر والهندسة والكيمياء و....الخ، وإلا لو كانت تلك العلوم في القرآن ولم يبينها رسول الله J للمسلمين حتى جاء غير المسلمين فاكتشفوها، لكان رسولاللهJ قد بخل بنشر هذه العلوم - نعوذ بالله - مع أن الله تعالى يقول: ﴿وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ﴾ [التكوير/24].
وبالمناسبة لم يقبل الأستاذ الشيخ هاشم معروف الحسني أيضاً هذا الحديث([2]).
ß الحديث 3 - كان «جَمَاعَةُ بْنُ سَعْدٍ» فرداً ضعيف الرواية وخبيثاً خرج مع «أبي الخطَّاب» الذي لُعِنَ على لسان الإمام الصادق (ع)، فقُتِلَ. مثل هذا الشخص يقول إن الإمام الصادق u قال: "اللهُ أَكْرَمُ وَأَرْحَمُ وَأَرْأَفُ بِعِبَادِهِ مِنْ أَنْ يَفْرِضَ طَاعَةَ عَبْدٍ عَلَى الْعِبَادِ ثُمَّ يَحْجُبَ عَنْهُ خَبَرَ السَّمَاءِ صَبَاحاً وَمَسَاءً".
ونقول لرفيق أبي الخطاب الملعون هذا: إن الله أوجب طاعة رسوله على العباد مع أنه لم يكن للرسول أي علمٍ بأخبار السماء - سوى ما أوحاه الله إليه- كما قال تعالى: ﴿مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ﴾ [ص/69].
لم يكن لرسول الله J علمٌ بمسائل الأرض إلى أن يتنزَّل عليه الوحي بذلك، فما بالك بمسائل السماء! (راجعوا فصل «علم الغيب والمعجزات والكرامات في القرآن»، ص 124فما بعد من هذا الكتاب).
ثم إن الله تعالى أوجب طاعة «أولي الأمر»، أي الحكَّام والوُلاة وأمراء الجُند والقادة العسكريين - بشرط عدم تخطِّيهم لأحكام الكتاب والسنَّة - مع أنه لا علم لهم اتفاقاً بأخبار السماء والأرض.
ß الحديث 4 - يقول صدر هذا الحديث - كالحديث الثالث - على لسان الإمام الباقر (ع): "أَتَرَوْنَ أَنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى افْتَرَضَ طَاعَةَ أَوْلِيَائِهِ عَلَى عِبَادِهِ ثُمَّ يُخْفِي عَنْهُمْ أَخْبَارَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَقْطَعُ عَنْهُمْ مَوَادَّ الْعِلْمِ فِيمَا يَرِدُ عَلَيْهِمْ مِمَّا فِيهِ قِوَامُ دِينِهِمْ؟ فَقَالَ لَهُ حُمْرَانُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ! أَرَأَيْتَ مَا كَانَ مِنْ أَمْرِ قِيَامِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَالْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ u وَخُرُوجِهِمْ وَقِيَامِهِمْ بِدِينِ اللهِ عَزَّ ذِكْرُهُ، وَمَا أُصِيبُوا مِنْ قَتْلِ الطَّوَاغِيتِ إِيَّاهُمْ وَالظَّفَرِ بِهِمْ حَتَّى قُتِلُوا وَغُلِبُوا؟؟! فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ u: يَا حُمْرَانُ! إِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَدْ كَانَ قَدَّرَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ وَقَضَاهُ وَأَمْضَاهُ وَحَتَمَهُ عَلَى سَبِيلِ الِاخْتِيَارِ ثُمَّ أَجْرَاهُ [أي ترك لهم الخيار أن يقبلوا ذلك أو لا يقبلوه، فاختاروا أن تحل بهم تلك المصائب بدلاً من اختيارهم النصر على الطواغيت!! فحقَّق الله لهم ما اختاروه!] ، ... وَلَوْ أَنَّهُمْ يَا حُمْرَانُ حَيْثُ نَزَلَ بِهِمْ مَا نَزَلَ مِنْ أَمْرِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَإِظْهَارِ الطَّوَاغِيتِ عَلَيْهِمْ سَأَلُوا اللهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَدْفَعَ عَنْهُمْ ذَلِكَ وَأَلَحُّوا عَلَيْهِ فِي طَلَبِ إِزَالَةِ مُلْكِ الطَّوَاغِيتِ وَذَهَابِ مُلْكِهِمْ إِذاً لَأَجَابَهُمْ وَدَفَعَ ذَلِكَ عَنْهُمْ ثُمَّ كَانَ انْقِضَاءُ مُدَّةِ الطَّوَاغِيتِ وَذَهَابُ مُلْكِهِمْ أَسْرَعَ مِنْ سِلْكٍ مَنْظُومٍ انْقَطَعَ فَتَبَدَّدَ....". (كلام مشابه لما جاء في الحديث الثامن في الباب 105).
أولاً: إن ربَّنا كما وصف نفسه: ﴿لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ﴾ [الإسراء/111]. ولذلك نسأل: متى أوكل الله مقدرات العالم إلى اختيار مخلوقاته وانتقائهم، ولم يعلم بذلك إلا رواة الكُلَيْنِيّ الكذَّابون؟!
ثانياً: لو كانت الهزيمة وظهور الطواغيت سبباً لرفع الدرجات في الآخرة فلماذا لم يطلبها النبيُّ من الله تعالى بدلاً من طلبه النصر على الأعداء؟
ثالثاً: كما ذكرنا في الباب 105 نقلاً عن نهج البلاغة (الرسالتان 39 و 45) قلنا: إن هذه الأكاذيب مخالفة لأقوال علي (ع) الذي كان يسعى حقيقة إلى الانتصار على أعدائه من قبيل معاوية وعمرو بن العاص.
ß الحديثان 5 و6 - فيهما عيوب الأحاديث التي جاءت قبلهما ذاتها. أحد رواة الحديث السادس هو «عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزيزِ» الذي قال عنه النجاشي والكِشِّيّ إنه مُخلِّطٌ [أو مختلط] وكذَّابٌ يروي المناكير. وكذب هذا الراوي في الحديث الخامس أوضح من الشمس إذ يقول: "سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ u بِمِنًى عَنْ خَمْسِمِائَةِ حَرْفٍ مِنَ الْكَلَامِ فَأَقْبَلْتُ أَقُولُ: يَقُولُونَ كَذَا وَكَذَا قَالَ فَيَقُولُ: قُلْ كَذَا وَكَذَا. قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ! هَذَا الْحَلَالُ وَهَذَا الْحَرَامُ أَعْلَمُ أَنَّكَ صَاحِبُهُ وَأَنَّكَ أَعْلَمُ النَّاسِ بِهِ وَهَذَا هُوَ الْكَلَامُ؟ فَقَالَ لِي: وَيْكَ يَا هِشَامُ! لَا يَحْتَجُّ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَى خَلْقِهِ بِحُجَّةٍ لَا يَكُونُ عِنْدَهُ كُلُّ مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ".
من المناسب هنا أن ننقل لكم تلخيص لما ذكره العالم المجاهد المرحوم قلمداران في كتابه الشريف: «راه نجات از شر غلاة» (بخش علم غيب) [طريق النجاة من شر الغلاة، قسم العلم بالغيب]، إذ قال:
"لقد عقد الكُلَيْنِيّ في كتاب «الكافي» الذي يُعتَبَر من أفضل كتب الحديث لدينا معشر الشيعة وأهمها بعد القرآن، أبواباً بخصوص علم الأئمة -تصلح مستنداً للمسترزقين بالدين على دعواهم علم الأئمة بالغيب- فذكر في الباب 104 ([3]) ثلاثة أحاديث، اعتبر العلَّامةُ المَجْلِسِيُّ في كتابه «مرآة العقول» الحديث الأول منها ضعيفاً والحديثين الثاني والثالث مجهولين فالنتيجة صفر!!
ثم عقد الباب 105 ([4]) وذكر فيه ثمانية أحاديث، ليس فيها - حسب تشخيص العلامة المَجْلِسِيّ في «مرآة العقول» - حديثاً صحيحاً واحداً، هذا بمعزل عن مخالفة الأحاديث لنص القرآن.
وذكر في الباب 106([5]) ستة أحاديث اعتبر العلامة المَجْلِسِيُّ الحديث الرابع منها فقط صحيحاً، وليس في هذا الحديث كلامٌ عن علم الأئمة بما كان وما يكون وكل ما فيه أن الإمام الباقر (ع) عاتب تلاميذه لأنهم كانوا يساوون بين علم أئمتهم وعلم أئمة مخالفيهم..... ومن الواضح تماماً أن المراد من أخبار السموات والأرض الأخبار التي فيها قوام الدين وليس علم ما كان وما يكون بالمعنى الذي يذهب إليه الغلاة، بل هو العلم المتعلق بأحكام الدِّين والذي لا شكّ أنّ الأئمّة الأطهار كانوا كاملي المعرفة به.
أجل، تلك هي الأحاديث التي جاءت في كتاب «الكافي » في هذا الموضوع ورأينا أنه لا يوجد منها حديث صحيح واحد، رغم أنه حتى لو فرضنا أن بعضها صحيح السند وحتى لو بلغ عدد هذه الأحاديث الصحيحة المئات لما غيَّر ذلك من الأمر شيئاً، لأنه طبقاً لأمر الأئمة أنفسهم -سلام الله عليهم أجمعين- لابُدَّ أن نضرب بها عرض الحائط لأن متونها تخالف مخالفة صريحة آيات القرآن الكريم، كما رأينا في استعراضنا للآيات التي تؤكد بكل وضوح وصراحة اختصاص علم الغيب بالله وحده وتنفيه عن أي أحد من البشر.
وأما ما جاء في كتاب «بصائر الدرجات» المنسوب لـ«محمد بن الحسن الصفّار» فقد ذكرنا فيما سبق عدم وثاقة هذا الكتاب حسب ما قاله الشيخ الجليل «محمد بن الحسن بن الوليد» أستاذ الشيخ الصدوق الذي كان يُعْرِضُ عن ذلك الكتاب وربما لم يكن يعتبره من تأليف الصفار أساساً، وقد ذهب بعض علماء الرجال مثل «ابن داوود» و«الشيخ البهائي» إلى وجود شخصين باسم الصفار أحدهما ثقة والآخر غير ثقة وهو مؤلف «بصائر الدرجات». فإذا كان الأمر كذلك فهل يمكننا أن نحارب القرآنَ كتابَ ربِّنَا وندع عقلنا ووجداننا لأجل أحاديث مذكورة في كتاب مثل كتاب «بصائر الدرجات» هذا؟!" انتهى([6]).
([3]) الذي عنون له بـ: «بَابُ أَنَّ الأَئِمَّةَ -عَليهِمُ السَّلام- إِذَا شَاءُوا أَنْ يَعْلَمُوا عُلِّمُوا»! (المُتَرْجِمُ)
([4]) الذي عنون له بـ: «بَابُ أَنَّ الأَئِمَّةَ -عَليهِمُ السَّلام- يَعْلَمُونَ مَتَى يَمُوتُونَ وَأَنَّهُمْ لَا يَمُوتُونَ إِلَّا بِاخْتِيَارٍ مِنْهُم»! (المُتَرْجِمُ)