160. بَابُ مَا أُعْطِيَ الْأَئِمَّةُ (ع) مِنِ اسْمِ اللهِ الْأَعْظَمِ
جاءت في هذا الباب ثلاثة أحاديث لم يُصحِّح المَجْلِسِيّ ولا البِهْبُودِيّ أيَّ واحد منها، واعتبر المَجْلِسِيّ الحديثين 1 و 2 مجهولين، والحديث 3 ضعيفاً.
وقد روى أحاديث هذا الباب أشخاص من قبيل «علي بن الحكم» و«محمد بن الفضيل» و«الحسين بن سعيد» و«المُعلّى بن محمد» الذين عرّفنا بهم في الصفحات السابقة. وأحد الرُّواةِ الآخرين هذا الباب «هارون بن الجَهْم». وأكثر رواياته من الأوهام. وأحد نماذج أحاديثه الحديث الثالث في الباب 124 الذي ضعَّفه المَجْلِسِيّ نفسه. وقد استند في الحديث المذكور بصورة واضحة البطلان إلى الآية 53 من سورة الأحزاب على نحو يستحيل من الإمام أن يقول مثل ذلك الكلام، أو استند إلى الآية 3 من سورة الحجرات مع أنّها تتعلّق بزمن حياة النبي J، والإمام بالطبع يعلم هذا الموضوع أفضل من الآخرين. والمثير للانتباه أنّ «هارون بن الجهم» يروي الحديث الثاني في هذا الباب عن شخص لم يعرِّفه لنا!
متون أحاديث هذا الباب خرافية وغير معقولة، وهي تقول "إِنَّ اسْمَ اللهِ الْأَعْظَمَ عَلَى ثَلَاثَةٍ وَسَبْعِينَ حَرْفاً!". وفي الحديث الثاني ادَّعى الراوي "أنَّ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ (ع) أُعْطِيَ حَرْفَيْنِ... وَأُعْطِيَ مُوسَى (ع) أَرْبَعَةَ أَحْرُفٍ وَأُعْطِيَ إِبْرَاهِيمُ (ع) ثَمَانِيَةَ أَحْرُفٍ، وَأُعْطِيَ نُوحٌ (ع) خَمْسَةَ عَشَرَ حَرْفاً، وَأُعْطِيَ آدَمُ (ع) خَمْسَةً وَعِشْرِينَ حَرْفاً، وَإِنَّ اللهَ تَعَالَى جَمَعَ ذَلِكَ كُلَّهُ لِمُحَمَّدٍ o وَإِنَّ اسْمَ اللهِ الْأَعْظَمَ ثَلَاثَةٌ وَسَبْعُونَ حَرْفاً أُعْطِيَ مُحَمَّدٌ o اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ حَرْفاً وَحُجِبَ عَنْهُ حَرْفٌ وَاحِدٌ!!". وفي الحديث الأول والثالث قيل إن آصَفَ بن برخيا كان عنده حَرْفٌ وَاحِدٌ مِنْ حُرُوفِ اسْمِ اللهِ الْأَعْظَمِ!
ونسأل:
أولاً: بناء على الحديث الثاني، هناك تناقُصٌ تديجيٌّ في العدد الذي يمتلكه الأنبياء مِنْ حُرُوفِ اسْمِ اللهِ الْأَعْظَمِ منذ آدم (ع) فمن بعده، أي أنَّ كلَّ نبيٍّ كان يمتلك عدداً أقلَّ مِنْ حُرُوفِ اسْمِ اللهِ الْأَعْظَمِ مما امتلكه النبيُّ الذي قبله، ويبدو أن هذا كان طبقاً لحكمةٍ إلـهيةٍ. فكيف تغيَّر ذلك زمن النبيّ الأكرم J وصعد العددُ فجأةً صعوداً كبيراً؟!
ثانياً: طبقاً للحديث الثاني، الأنبياء هم الذين يمتلكون أعداداً معيَّنةً مِنْ حُرُوفِ اسْمِ اللهِ الْأَعْظَمِ، فكيف كان عند «آصف بن برخيا» حَرْفٌ وَاحِدٌ مِنْه مع أنه لم يكن نبيَّاً؟! هل كان «آصف» نبياً أيضاً؟! وإن لم يكن نبياً فكيف لم يكن عند سليمان (ع) أيُّ حَرْفٍ مِنْ حُرُوفِ اسْمِ اللهِ الْأَعْظَمِ وكان عند أحد نُوَّابه العاملين لديه حرفٌ منه؟! يبدو أن امتلاك عددٍ مِنْ حُرُوفِ اسْمِ اللهِ الْأَعْظَمِ في هذه الأحاديث ليس له قاعدة ولا حكمة مُعيَّنة. لأننا إذا قلنا إن الأنبياء أولي العزم فقط كان لديهم عددٌ مِنْ حُرُوفِ اسْمِ اللهِ الْأَعْظَمِ، ففي هذه الحالة كان ينبغي أن لا يمتلك حضرة آدم (ع) أيَّ حرف مِنْه، وإن قلنا: بل جميع الأنبياء كان لديهم عددٌ مِنْ حُرُوفِ اسْمِ اللهِ الْأَعْظَمِ، ففي هذه الحالة لماذا لم يكن عند سليمان (ع) أيُّ حرفٍ مِنْه في حين كان عند أحد نُوَّابه العاملين لديه حرفٌ منه؟!
ثالثاً: يقول رواة الكُلَيْنِيّ الكذَّابون في هذا الباب إن الأئِمَّة "عندهم مِنَ الِاسْمِ الْأَعْظَمِ اثْنَانِ وَسَبْعُونَ حَرْفاً، وَحَرْفٌ وَاحِدٌ عِنْدَ اللهِ تَعَالَى اسْتَأْثَرَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَهُ"، ولكن هذا الادِّعاء يتعارض تعارضاً لا يقبل الجمع مع أحاديث الباب 106 الذي عنوانه: "بَابُ أَنَّ الْأَئِمَّةَ (ع) يَعْلَمُونَ عِلْمَ مَا كَانَ وَمَا يَكُونُ وَأَنَّهُ لَا يَخْفَى عَلَيْهِمُ الشَّيْءُ". فأحاديث الباب 93 تقول إن حرفاً مِنْ حُرُوفِ اسْمِ اللهِ الْأَعْظَمِ حُجِبَ عن الأئِمَّة فهم لا يعلمونه، وهذا لا يتماشى مع القول بأنهم لَا يَخْفَى عَلَيْهِمُ أيُّ شَيْءٍ، ولا مع القول بأنهم عالمون بكل شيءٍ لَا يَجْهَلُون (كما يدَّعي الحديث الأول الطويل في الباب 73)([1]) إذْ لو كانوا كذلك فعلاً لَوَجَبَ أن يعلموا حروفَ اسْمِ اللهِ الْأَعْظَمِ جميعها!
رابعاً: إن ادِّعاء معرفة الأئِمَّة باسمِ اللهِ الأعظم مخالفٌ لما جاء في كتاب «مفاتيح الجنان» في دعاء «المشلول» وفي دعاء ليلة التاسع من ذي الحجة.
فيقول الإمام في دعاء «المشلول»: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِكَ أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ..". ويقول في دعاء ليلة التاسع من ذي الحجَّة (أي ليلة يوم عرفة): "وَأَسْأَلُكَ بِاسْمِكَ الْمَخْزُون في خزائنك الذي اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ لم يَظْهَرْ عَلَيْهِ أحَدٌ مِنْ خَلْقِكَ لَا مَلَكٌ مُقَرَّبٌ وَلَا نَبِيٌّ مُرْسَل وَلَا عَبْدٌ مُصْطَفَى".
خامساً: يتجاهل هؤلاء الرواة الكذَّابون أن الأسماء الإلـهية التي جاءتنا عن طريق الوحي أسماءٌ عربيةٌ، وأن الأسماءَ في العربية إما ثلاثية أو رباعية أو خماسية، وحتى الاسم الخماسي المزيد لا يكون أكثر من ستة أحرف، أي يقبل حرفاً مزيداً واحداً فقط. فالاسم الذي يتكون من ثَلاثَةٍ وَسَبْعِينَ حَرْفاً ليس سوى اسمٍ خياليٍّ ولا تحقُّقَ له في عالم الخارج. أضف إلى ذلك أن الحرف الواحد من الاسم لن يكون له تأثير الاسم ولا فائدته، فمثلاً لو أخذنا حرف الألف أو حرف الحاء من اسم أحمد فهل يكون هذا الحرف الذي أخذناه من الاسم هو ذات الاسم نفسه؟ بالطَّبْعِ لا. لكن الرواة الجهلة لم يكونوا يفهمون ما يلفِّقونه!