159. نماذج لروايات «الْمُنَخَّلِ بْنِ جميل» و«عَمَّارِ بْنِ مَرْوَانَ» التي تكشف ضعفهما وعدم وثاقتهما
اعتبر النجاشيُّ «الْمُنَخَّلَ بْنَ جميل» "ضعيفاً، فاسدَ الرواية"([1])، وقال عنه الكِشِّيّ: "هو لا شيء، مُتَّهَمٌ بالغلو"([2]). وقال عنه العلامة الحلي: "كان كوفياً ضعيفاً وفي مذهبه غلو وارتفاع. قال محمد بن مسعود سألت علي بن الحسن عن الْمُنَخَّلِ بْنِ جميل فقال: هو لا شيء مُتَّهَمٌ"([3]). وقال ابن الغضائري: "نسب إليه الغلاة أحاديث كثيرة".
أما «عَمَّارُ بْنُ مَرْوَانَ» فهو مهملٌ وكان غالباً ما يذيع أحاديث «الْمُنَخَّلِ». ويَتَبَـيَّنُ من رواياته أنه كان شخصاً فاسد العقيدة. فأربعةٌ من أحاديث الباب الفاضح رقم 165 في الكافي من روايته (الأحاديث 25 و26 و27 و31)، كما أنه روى الحديث الثاني في الباب 176 من الكافي. وقد نقل آياتٍ من القرآن بشكل مُحَرَّفٍ في ثلاثة أحاديث من الأحاديث التي رواها في الباب 165 (الأحاديث 25 و26 و27). ففي الحديث رقم 25 من الباب 165 نقل عن «الْمُنَخَّلِ» أنه قال: "نَزَلَ جَبْرَئِيلُ u بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى مُحَمَّدٍ J هَكَذَا...."!!. فإذا كان المسترزقون بالمذهب المتعصبون، يستطيعون أن يدَّعوا بشأن الحديث 31 من الباب 165 أن المقصود من الكلمات المضافة فيه على نص الآية([4]) تفسير الآية، فإنهم لا يستطيعون أبداً أن يدَّعوا هذا الادِّعاء بشأن الأحاديث الثلاثة المذكورة التي تكرَّرَتْ فيها الجملة ذاتُها [يعني جملة: نَزَلَ جَبْرَئِيلُ (ع) بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى مُحَمَّدٍ J هَكَذَا] في الأحاديث الثلاثة!
في الحديث 26 من الباب 165 ذُكِر أن الآية 23 من سورة البقرة نزلت على النحو التالي: (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فِي عَلِيٍّ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ!).
فنسأل: أولاً: أرونا الآيات التي نزلت بشأن عليٍّ في القرآن؟ ثانياً: بأي دليل كان غيرُ المسلمين مرتابين بالآيات المذكورة فقط؟ إن قلتم إنهم كانوا في ريبٍ من الآيات الأخرى أيضاً؟ قلنا: في هذه الحالة لم تكن هناك حاجة إذن لذكر عبارة (فِي عَلِيٍّ) في الآية.
وروى هذان الكذَّابان [أي «عَمَّارُ بْنُ مَرْوَانَ» عن «الْمُنَخَّلِ»] أن الآية 90 من سورة البقرة أُنْزِلَتْ على النحو التالي: (بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فِي عَلِيٍّ بَغْيًا)([5]). وأن الآية 47 من سورة النساء أُنْزِلَتْ على النحو التالي: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا فِي عَلِيٍّ نُوراً مُبيناً)!!([6])
ونكرِّر كلامنا ونسأل: أولاً: أرونا الآيات التي نزلت بشأن علي في القرآن؟ ثانياً: الآية 90 من سورة البقرة كالآيات التي سبقتها، والآية 47 من سورة النساء كلها خطاب لليهود. ومن جملة ذلك أن الله تعالى قال في الآية 86 من سورة البقرة ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ﴾ وعطفاً على ذلك قال في الآية 90 ﴿بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ.....﴾ [البقرة/90].
ورغم أن الشيخ الطَّبْرَسِيّ غالباً ما يذكر أحاديث الكُلَيْنِيّ في تفسيره «مجمع البيان» كأحد الأقوال التفسيرية، ولكنه في شأن الآية 23 والآية 90 من سورة البقرة لم يُشِر أدنى إشارة إلى روايَتَيْ الكُلَيْنِيِّ بل قال: "«بئسما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا بما أنزل الله» يعني اليهود الذين كفروا بالقرآن ودين الإسلام المنزل على محمد J.".
وليس من المعقول أن يخاطب اللهُ اليهودَ الذين كانوا كافرين بنبوة النبيِّ وكانوا يناصبونه العداء، فيقول لهم: آمنوا بما أنزلنا في عليٍّ!! أو يقول لهم: بئسما صنعتم أن كفرتم بالآيات التي أنزلها اللهُ في عليٍّ!! فليت شعري! هل كانوا قد آمنوا بالآيات الأخرى ولم يكفروا إلا بتلك الآيات فقط؟
وقد نقل هذان الكذَّابان في الحديث 31 من الباب 165 في الكافي، الآية 87 من سورة البقرة - التي هي خطاب من الله لليهود - على النحو التالي: (أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ مُحَمَّدٌ([7]) بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ بِمُوالاةِ عَلِيٍّ فَاسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ!) [البقرة/87].
ونقول: أساساً لم يقتُلْ اليهودُ المخاطَبُون في الآية، آلَ محمدٍ -الذين في ذهن الكُلَيْنِيّ وأمثاله- حتى تقول الآيةُ لهم مثل هذا الكلام. راجعوا بشأن هذه الآية ما ذكره الشيخ الطَّبْرَسِيّ في تفسيره «مجمع البيان».
ومن أكاذيب «عَمَّارِ بْنِ مَرْوَانَ» الأخرى الحديث الثاني في الباب 167 الذي افترى فيه على حضرة باقر العلوم (ع) أنه قال: "إِنَّا لَنَعْرِفُ الرَّجُلَ إِذَا رَأَيْنَاهُ بِحَقِيقَةِ الْإِيمَانِ وَحَقِيقَةِ النِّفَاقِ!". وبطلان هذا الحديث واضح في ضوء ما قلناه في نقدنا للحديث الأول في الباب 91.
ß الحديث 5 - وفي الحديث الخامس من هذا الباب (الباب 93 الذي نحن فيه) يقول عددٌ من الكذَّابين: إن الإمام - بعد أن تلا الآية 40 من سورة النمل - أقسم بالله وقال: "وَعِنْدَنَا وَاللهِ عِلْمُ الْكِتَابِ كُلُّهُ!".
وأقول: إن الآية المذكورة هي التالية: ﴿قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي﴾ [النمل/40].
ولم يبيِّن الإمام - في هذا الحديث - ما يقصده من «الْكِتَابِ» (الذي عِنْدَهُم عِلْمُهُ كُلُّهُ). فإن كان المقصود هو القرآن فلم يكن في زمن سليمان (ع) قرآنٌ حتى يعلم «آصف بن برخيا» جزءاً منه، ويعلمه الإمامُ كلَّه. وإن كان قصده كتاباً آخر فما هو؟ هل كان قصده أن «آصف بن برخيا» كان يعلم جزءاً من الكتاب فاستطاع بذلك أن يأتي بعرش بلقيس، أما نحن (الأئِمَّة) فنعلم الكتاب كله لذلك يمكننا أن نتصرف في السماوات والأرض؟! هل يمكننا أن نتعلق بمثل هذه الأفكار استناداً إلى رواية حفنة من الكذَّابين، ونعتقد بها؟
لا يجوز في فهمنا لآيةٍ من القرآن أن نغفل عن سائر الآيات، ولذلك:
أولاً: عليكم أن تثبتوا أن الذي كان ﴿عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ﴾ كان بشراً؟!! لأن هناك قول راجح بأنه لم يكن بشراً! إذْ يمكننا أن نفهم هذا من سؤال حضرة سليمان (ع) في الآية 38 من سورة النمل مخاطباً جميع الحاضرين، الأمر الذي يُبيِّن أن كبار الحاضرين في مجلسه كانوا يستطيعون أن يحضروا عرش بلقيس -بسرعات مختلفة طبعاً- إلى قصر سليمان وأن هذا العمل لم يكن منحصراً بفرد واحد. ثم إنه لم يكن جنيٌّ واحد فقط حاضراً في خدمة سليمان بل كان في خدمته جنودٌ من الجن (النمل/17، وسبأ/12). وإحضار عرش بلقيس لم يكن العمل العجيب وغير العادي الوحيد الذي كانوا يقومون به لسليمان بل كانوا يقومون له بأعمال غير عادية وعجيبة أخرى (الأنبياء/82، سبأ/12، و ص/87)، إضافة إلى ذلك لما كان الفرد الأول في الآية 39 جِنِّـيّاً فبأي دليل تقولون إن الفرد الثاني في الآية 40 لم يكُنْ جِنِّـيّاً أيضاً. وإلا لو كان الفرد الثاني بشراً فلا شك أن حضرة سليمان النبي (ع) كان أولى منه بامتلاك ﴿عِلْمٍ مِنَ الْكِتَابِ﴾. في حين أنه طبقاً للآية القرآنية لم يحضر سليمان (ع) عرش ملكة سبأ بنفسه، بل طلب من الأفراد الذين تحت امرته أن يقوم أحدهم بإحضار عرش ملكة سبأ إليه، أي أن سليمان لم يكن ممن ﴿عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ﴾، فكيف يكون الأئِمَّة الذين يفتقدون مقام النُّبُوَّة عندهم عِلْمُ كُلِّ الْكِتَابِ؟! هل يريد رواة الكُلَيْنِيّ أن يقولوا إن الأئِمَّة لم يكونوا بشراً؟!
ثانياً: أنتم الذين ترفضون القياس في الدين، لماذا تستعملون القياس هنا؟ إذا كان حضرة سليمان u لديه في حاشيته مَنْ ﴿عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ﴾ فكيف تقيسون غير الأنبياء عليه؟! أضف إلى ذلك - كما ذكرت في تفسير «تابشى از قرآن» [شعاعٌ من القرآن] - أنه طبقاً لما يُفهَم من الآية 35 من سورة ص فإن تسخير الجن لسليمان كان أمراً استثنائياً خاصَّاً به وليس لدينا أي دليل على تعميم ذلك إلى غيره من الأنبياء والأولياء.
ثالثاً: استدلّ الغلاة بهذه الآية على إثبات الولاية التكوينية للأئمَّة على كل ذرات الكون في حين أنّ هذا الاستدلال غير صحيحٍ لأن عمل ذلك الفرد المذكور كان نقل شيء من مكان إلى آخر في أقل مدة ممكنة، ولا علاقة لهذا العمل بالتصرّف في عالم الخليقة ولا يثبت الولاية التكوينية لغير الله.
رابعاً: كيف يمكن لإنسان أن يكون لديه ولاية تكوينية ويكون تحت إمرة شخص فاقد لمثل هذه الولاية التكوينية، ومطيعاً له.
خامساً: يَتَبَـيَّنُ من كلام حضرة سليمان u الذي شكر الله قائلاً: ﴿هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي﴾ [النمل/40] أنه اعتبر إحضار عرش بلقيس من عمل الله ولم يعتبره من عمل ذلك الشخص الذي أحضره.
سادساً: إذا كنتم تعتقدون بناء على هذا الحديث وأمثاله أنّ الأئمَّة كانوا أصحاب علم بكل الكتاب، فالولاية التكوينية إذن فُوِّضَت إليهم، فلماذا لا تنتبهون إلى كلام علي u الذي قال إن الشخص المذكور دعا الله وطلب منه فأحضر الله له عرش بلقيس؟ وذلك في قول علي u: "أسألك باسمك الذي سألك به عبدك الذي كان عنده علم من الكتاب فأتيته بالعرش قبل أن يرتدّ إليه طرفه". (الصحيفة العلوية، دعاؤه في اليوم الخامس عشر من الشهر).
ß الحديث 6 - نقدنا هذا الحديث في الصفحة 140 من الكتاب الحالي فَلْيُرَاجَعْ ثَمَّةَ.
([4]) نص الحديث 31 في الباب 165 من الكافي هو: "عَنْ عَمَّارِ بْنِ مَرْوَانَ عَنْ مُنَخَّلٍ عَنْ جَابِرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (ع) قَالَ: (أَفَكُلَّما جاءَكُمْ مُحَمَّدٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ) بِمُوَالَاةِ عَلِيٍّ فَـ (اسْتَكْبَرْتُمْ) (فَفَرِيقاً) مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ (كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُون)".