147. بَابُ أَنَّ الْمُتَوَسِّمِينَ الَّذِينَ ذَكَرَهُمُ اللهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ هُمُ الْأَئِمَّةُ وَالسَّبِيلُ فِيهِمْ مُقِيمٌ
يشتمل هذا الباب على خمسة أحاديث، لم يُصحِّح الأستاذ البِهْبُودِيّ أياً منها، وضعَّفَ المَجْلِسِيّ الأحاديث 1 و2 و5، ([1])واعتبر الحديث 3 مجهولاً كالصحيح.
الآية التي تمّ التلاعب بمعناها في هذا الباب تتحدّث هلاك قوم لوط الذي قال تعالى عنهم: ﴿فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ 73 فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ 74 إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ 75 وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ 76 إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ [الحجر/73 - 77].
كما لاحظتم حتى الآن وكما سوف تلاحظون في الأبواب التالية، أحد الإشكالات الواضحة والأساسية في أكثر أبواب «الكافي» هي أنه لأجل تطبيق آيات القرآن على الأئِمَّة يتمّ الاستناد في الأحاديث إلى آيات مكّيّة مع أنه في الفترة المكية كان عليٌّ لا يزال شابّاً يافعاً ولم يكن أحد يعرفه حينذاك إلا بوصفه ابن عمّ النبي J وأحد أصحابه، وطبعاً سائر الأئِمَّة لم يكونوا قد وُلِدوا بعد ولم تكن مسألة الوصية والإمامة قد طُرحت بعد أصلاً، ولكن رواة الكُلَيْنِيّ ووضَّاعي الحديث لما رأوا أن أيديَهم فارغةٌ من الدلائل على ما يريدون إثباته، تجاهلوا هذا الأمر وأخذوا بتطبيق الآيات المكّيّة على الأئِمَّة فيأتون إلى آيةٍ فيقتطعون جزءاً منها ويتعامَون عما قبلها وبعدها، ثم يفسرونها على هواهم ويقولون المقصود بها الأئِمَّة!! وهذا الباب من الكافي يعاني من نفس هذه الخطيئة الفاضحة شأنه في ذلك شأن سائر الأبواب. فمثلاً في هذا الباب يقول رواة الكُلَيْنِيّ إن الأئِمَّةَ قالوا: عن آية ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ﴾: نَحْنُ الْمُتَوَسِّمُونَ وَالسَّبِيلُ فِينَا مُقِيمٌ! (كلمة المُتَوَسِّمِينَ معناها لغوياً: الأذكياء وذوي الحصافة والفراسة). فنقول:
أولاً: لا أحد ينكر أن الأئِمَّة -عليهم السلام- أذكياء وبعيدو النظر وحصيفون وذوو فراسة، وإثبات هذه الحقيقة لا يحتاج إلى روايةٍ وحديث.
ثانياً: إن السؤال الذي يطرح نفسه: كيف يمكن لأولئك الأئِمَّة الأجلاء الذين كانوا مظهراً سامياً للأخلاق الإسلامية ورفعة الشأن، أن يثنوا على أنفسهم ويمتدحونها وينفقون أوقاتهم في بيان أوصاف أنفسهم -حسب ما يرويه كتاب «الكافي» وكتب مشابهة مثل بصائر الدرجات و.... - وكلما وجدوا صفة حسنة في القرآن قصروها على أنفسهم أو جعلوا أنفسهم مصداقاً لها؟! فليت شعري! هل القرآن الكريم كتابٌ نزلت معظم آياته في مدح أفراد مُعَيَّنين؟!
ثالثاً: مرجع ضمير التأنيث «هاء» في الآية 76 هو كلمة «المدينة» التي في الآية 67 أي أن الآية الكريمة تقول في واقع الأمر إنه لا تزال آثار مدينة قوم لوط باقية إلى جانب السبيل الذي يستخدمه الناس في أسفارهم. وعندئذ كيف يمكن للإمام أن يقول «وَالسَّبِيلُ فِينَا مُقِيمٌ» أو يقول «وَإِنَّها لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ قَالَ: لَا يَخْرُجُ مِنَّا أَبَداً». هل كانت الآثار المتهدِّمة لمدينة لوط في الأئِمَّة؟! كيف يمكن توقع أن يفهم مخاطَبو النبي في مكة هذا المعنى من هذه الآية؟
رابعاً: إن هذا التفسير مخالف للواقع لأن نرى سائر المؤمنين أيضاً يأخذون العبرة من رؤية الآثار المهدَّمة لمدينة لوط ونظائرها ولا ينحصر هذا الموضوع بالأئِمَّة.
ومن المناسب هنا أن نُعرِّف ببعض رواة أحاديث هذا الباب:
أحدهم «أبو الفضل سَلَمَةُ بْنُ الْخَطَّابِ البراوستاني» الذي روى الحديث الثاني. ضعَّفه النجاشي والغضائري والعلامة الحلي وابن داوود وقالوا لا يعتمد على رواياته. وقد رُوِيَتْ عنه أربعة أحاديث من أحاديث الباب 165 الفاضح في الكافي. أحد نماذج رواياته الحديث الذي رواه عن «حنَانِ بنِ سَدِير» الواقفي -الذي لم يوثَّق- أن الإمام الصادق u قال:
"يَا سَدِيرُ! تَزُورُ قَبْرَ الْحُسَيْنِ u فِي كُلِّ يَوْمٍ؟ قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ لَا. قَالَ: فَمَا أَجْفَاكُمْ! قَالَ: فَتَزُورُونَهُ فِي كُلِّ جُمْعَةٍ؟ قُلْتُ: لَا. قَالَ: فَتَزُورُونَهُ فِي كُلِّ شَهْرٍ؟ قُلْتُ: لَا. قَالَ: فَتَزُورُونَهُ فِي كُلِّ سَنَةٍ؟ قُلْتُ: قَدْ يَكُونُ ذَلِكَ. قَالَ: يَا سَدِيرُ مَا أَجْفَاكُمْ لِلْحُسَيْنِ u! أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ لِـلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَلْفَيْ أَلْفِ مَلَكٍ شُعْثٌ غُبْرٌ يَبْكُونَ وَيَزُورُونَ لَا يَفْتُرُونَ؟ وَمَا عَلَيْكَ يَا سَدِيرُ أَنْ تَزُورَ قَبْرَ الْحُسَيْنِ u فِي كُلِّ جُمْعَةٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ وَفِي كُلِّ يَوْمٍ مَرَّةً؟ قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ إِنَّ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ فَرَاسِخَ كَثِيرَةً! فَقَالَ لِي: اصْعَدْ فَوْقَ سَطْحِكَ ثُمَّ تَلْتَفِتُ يُمْنَةً وَيُسْرَةً ثُمَّ تَرْفَعُ رَأْسَكَ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ انْحُ نَحْوَ الْقَبْرِ وَتَقُولُ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، السَّلَامُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ. تُكْتَبُ لَكَ زَوْرَةٌ وَالزَّوْرَةُ حَجَّةٌ وَعُمْرَةٌ. قَالَ سَدِيرٌ: فَرُبَّمَا فَعَلْتُ فِي الشَّهْرِ أَكْثَرَ مِنْ عِشْرِينَ مَرَّةً!"([2]).
مثل هذه الأحاديث جعلت ملايين الناس يُهْرَعون إلى القبور ويجتمعون حولها وكم من الأوقات والأموال الهائلة تُصرف على مثل هذه الأعمال التي ليس لها أثر في كتاب الله ولا في سنة رسول الله J، ولم يذكر النبيّ أبداً مثل هذا الأمر لأصحابه. ولكن للأسف فإن الناس يظنُّون أنّ مثل هذه الأمور من الشريعة والإسلام([3]).
ومن جملة أكاذيبه الحديث 92 في الباب 165 الفاضح في «الكافي» الذي افترى فيه على الإمام الصادق u أنه قال:
"فِي قَوْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا﴾ [طه/124]، قَالَ: يَعْنِي بِهِ وَلَايَةَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ u! قُلْتُ: ﴿وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى﴾؟ قَالَ: يَعْنِي أَعْمَى الْبَصَرِ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى الْقَلْبِ فِي الدُّنْيَا عَنْ وَلَايَةِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ u، قَالَ: وَهُوَ مُتَحَيِّرٌ فِي الْقِيَامَةِ يَقُولُ ﴿لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً؟ قالَ: كَذلِكَ أَتَتْكَ آياتُنا فَنَسِيتَها﴾ قَالَ: الْآيَاتُ الْأَئِمَّةُ -عليهم السلام- فَنَسِيتَها ﴿وَكَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسى﴾ يَعْنِي تَرَكْتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُتْرَكُ فِي النَّارِ كَمَا تَرَكْتَ الْأَئِمَّةَ -عليهم السلام- فَلَمْ تُطِعْ أَمْرَهُمْ وَلَمْ تَسْمَعْ قَوْلَهُمْ. قُلْتُ: ﴿وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى﴾ [طه/127]؟ قَالَ: يَعْنِي مَنْ أَشْرَكَ بِوَلَايَةِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ u غَيْرَهُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ وَتَرَكَ الْأَئِمَّةَ مُعَانَدَةً فَلَمْ يَتَّبِعْ آثَارَهُمْ وَلَمْ يَتَوَلَّهُمْ! قُلْتُ: ﴿اللهُ لَطِيفٌ بِعِبادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ﴾ [الشورى/19]، قَالَ وَلَايَةُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ u. قُلْتُ: ﴿مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ﴾ [الشورى/20] قَالَ: مَعْرِفَةُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ u وَالْأَئِمَّةِ. ﴿نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ﴾ قَالَ: نَزِيدُهُ مِنْهَا، قَالَ: يَسْتَوْفِي نَصِيبَهُ مِنْ دَوْلَتِهِمْ. ﴿وَمَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ﴾ [الشورى/20] قَالَ: لَيْسَ لَهُ فِي دَوْلَةِ الْحَقِّ مَعَ الْقَائِمِ نَصِيبٌ!!".
أيها القارئ المحترم! هل يمكن لأي عاقل - فضلاً عن شخصِ إمامٍ كريمٍ جليلِ القَدْر كالإمام الصادق u - أن يقول إن اللهَ العليمَ الحكيمَ أنزل جميع تلك الآيات المذكورة - المكية جميعها - كي يَفْهَمَ المُخَاطَبين منها المعاني المذكورة في هذا الحديث؟!
هذا ولم يُصحِّح كلا المَجْلِسِيُّ وَالبِهْبُودِيُّ هذا الحديث، وصرَّحَ المَجْلِسِيُّ بضعفه، كما اعتبره الشيخ «هاشم معروف الحسني» حديثاً ضعيفاً ساقطاً من الاعتبار([4]).
والراوي الآخر من رواة أحاديث الباب 86 هو: «محمد بن أسلم» الذي روى الحديث الخامس في هذا الباب والذي اعتبره النجاشي والعلامة الحلي غالياً فاسد الحديث، وقد روى حديثه عن «إبراهيم بن أيُّوب» وهو شخص مُهْمل!
والحديث الثالث في هذا الباب رُوِيَ عَن «حماد بن عيسى» وقد ذكرنا فيما سبق (الصفحة 218) أنه هو نفسه لا يثق إلا بـ 20 حديثاً فقط من رواياته!
وبالنسبة للحديث الرابع في هذا الباب راجعوا الحديث الثالث في الباب 167
([1]) لا يخفى أن المَجْلِسِيّ لم يقل شيئاً عن الحديث الرابع كما أنه ضَعَّفَ الحديث الخامس، لكنه كتب سهواً أن كلا سندي الحديث الرابع ضعيف، في حين أن الحديث الرابع ليس له سندان بل للحديث الخامس سندان. ولقد أورد المَجْلِسِيّ في الباب 167 من الكافي المتن الكامل للحديث الرابع واعتبره مجهولاً كالحسن.