146. بَابُ أَنَّ النِّعْمَةَ الَّتِي ذَكَرَهَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ الْأَئِمَّةُ (ع)
يشتمل هذه الباب على أربعة أحاديث لم يُصحِّح الأستاذُ البِهْبُودِيُّ أياً منها، كما ضعَّف المَجْلِسِيُّ الأحاديث الأربعة جميعاً. وعَدَدٌ من رُوَاة هذه الأحاديث في غاية الضعف، مثل «محمد بن جمهور» و«محمد بن أُورَمَةَ» و«علي بن حسان الهاشمي» و«عبد الرحمن بن كثير الهاشمي» الذين تعرفنا عليهم في الصفحات السابقة. وبقية الرواة أيضاً ليسوا في وضع جيد، فمن جملتهم «بِسْطَامُ بْنُ مُرَّةَ» الذي لم يُوثَّق، و«سَعْدٌ الْإِسْكَافُ» ناووسيّ المذهب والذي كان قصَّاصاً يحترف حكاية القصص للناس ويُعْتَبَر ضعيفاً. والقصة الأولى والثالثة في الباب 155 من مروياته.
هذا الباب - كما قلنا سابقاً - يستحق أن نسميه باب «الْمُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ» لأنه روى الأحاديث الأربعة التي فيه. بل الحديث الثاني لم يُروَ عن أي إمام ومسؤوليتُه تقع تماماً على عاتق «الْمُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ» وحده! والعجيب أن يذكر الكُلَيْنِيّ هذا الحديث في كتابٍ قال إنَّه ألَّفه لجمع «الآثار الصحيحة عن الصادِقِين»!!
ß الحديثان 1 و4 - لا ندري كيف روى «سَعْدٌ الْإِسْكَافُ» ناووسيُّ المذهب الذي كان معاصراً للإمامين الباقر والصادق - عليهما السلام- هذا الحديثَ عَنِ «الْأَصْبَغِ بْنِ نُبَاتَةَ» الذي كان من أصحاب أمير المؤمنين علي u؟!
يدَّعي هذا الراوي هنا أن عليَّاً u قال: إن المُراد من «نعمة الله» المُشار إليها في الآية 28 في سورة إبراهيم: "نَـحْنُ" ونصُّ الحديث:
"عَنْ سَعْدٍ الْإِسْكَافِ عَنِ الْأَصْبَغِ بْنِ نُبَاتَةَ قَالَ قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ u: مَا بَالُ أَقْوَامٍ غَيَّرُوا سُنَّةَ رَسُولِ اللهِ o وَعَدَلُوا عَنْ وَصِيِّهِ، لَا يَتَخَوَّفُونَ أَنْ يَنْزِلَ بِهِمُ الْعَذَابُ، ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ جَهَنَّمَ....﴾. ثُمَّ قَالَ: نَحْنُ النِّعْمَةُ الَّتِي أَنْعَمَ اللهُ بِهَا عَلَى عِبَادِهِ وَبِنَا يَفُوزُ مَنْ فَازَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ!".
كما هو ملاحظ، «النعمةُ» التي كفر بها أولئك القوم واستحقوا لذلك جهنم وبئس القرار هي نعمة التوحيد إذْ بدلاً من قبول التوحيد جعلوا لِـلَّهِ أنداداً عبدوهم مع الله، كما ذكر ذلك الشيخ الطَّبْرَسِيّ في تفسيره «مجمع البيان».
في الفترة السابقة للهجرة النبوية، حيث كان المشركون يرفضون الإيمان بنبوَّة النبيِّ نفسه، لم يكن من المناسب ذكر الوصي والخليفة. لكن «الْمُعَلَّى بْنَ مُحَمَّدٍ» يقول إن علياً u قال: نَحْنُ النِّعْمَةُ الَّتِي أَنْعَمَ اللهُ بِهَا عَلَى عِبَادِهِ. هذا في حين أنه لم يكن أحد في مكة قبل الهجرة قد أنكر الوصية لعلي أو ولايته. والحديث الرابع ينطوي على الإشكال ذاته.
ß الحديث 2 - لقد درسنا هذا الحديث ونقدناه في الصفحة 432من هذا الكتاب فلا نعيد نقده هنا.
ß الحديث 3 - في هذا الحديث قُرِئَت الآية 69 من سورة الأعراف بشكل خاطئ، فبدلاً من قوله تعالى في الآية: ﴿فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللهِ﴾ [الأعراف/69]، تلاها الراوي بصورة: (وَاذْكُرُوا آلَاءَ اللهِ) [أي بالواو بدل الفاء]، عمداً أو سهواً. واُدُّعي أن الإمام الصادق u قال: آلَاءُ اللهِ هِيَ أَعْظَمُ نِعَمِ اللهِ عَلَى خَلْقِهِ وَهِيَ وَلَايَتُنَا!!
فنقول: أولاً: لا يمكن أبداً أن يقرأ الإمام الآيةَ بنحو خاطئ.
ثانياً: سورة الأعراف مكية وحضرة هود (ع) يقول لقومه: ﴿وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [الأعراف/69]، وحضرة صالح (ع) يقول لقومه أيضاً: ﴿وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ﴾ [الأعراف/74].
ونسأل: كيف يمكن أن يكون المراد من عبارة «آلَاءَ اللهِ» في هذه الآيات المكية ولاية الأئِمَّة مع أنه لم يكن حين نزلت أي حديث عن موضوع الإمامة أو الإمام؟ هل من الممكن أن يقول الإمام مثل هذا الكلام؟! هل علوم آل محمد J في نظر الكُلَيْنِيّ هي أن يجعلوا كل آية في القرآن تتعلق بهم وبولايتهم، أم أن الرواة الجاهلين هم الذين افتروا مثل هذا الكلام؟