117. بَابُ أَنَّ الْأَرْضَ لَا تَخْلُو مِنْ حُجَّةٍ
يحوي هذا البابُ ثلاثةَ عشر حديثاً اعتبرَ الأستاذ البِهْبُودِيّ الحديثين الأول والثاني منها فقط صحيحين. وضعَّف المجلسي الأحاديث 4 و6 و9 و12 و13، واعتبر الأحاديث 3 و7 و8 و10 و11 مجهولةً والحديث 1 حسناً والحديث 2 مُوَثَّقَاً والحديث 5 صحيحاً.
ß الحديث 1 - راويه «الْحُسَيْنُ بْنُ أَبِي الْعَلَاءِ» اعتبره الفاضل الجزائري ضعيفاً، وهو فردٌ مجهولُ الحال([1]) اختلف علماء الرجال بشأنه، وقد ادَّعى أن الإمام الصادق u قال ما معناه: لَا تَكُونُ الْأَرْضُ دون أن يكون فِيهَا إِمَامٌ، فإن وُجِدَ فيها في زمنٍ واحدٍ إِمَامَانِ لابدَّ أن يكون أَحَدُهُمَا صَامِتٌ!
ونقول: إن هذا الكلام افتراء على الإمام. ونحن نقطع يقيناً أن الإمام لم يقل مثل هذا الكلام؛ بدليل ما يلي:
أولاً: قبل مدة من بعثة النبي J، أي في عصر الجاهلية، لم يكن هناك إمام، كما أنّه لم يكن هناك إمام قبل حضرة آدم (ع)، ومع ذلك لم تسخ الأرض بأهلها. يقول تعالى: ﴿قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ﴾ [المائدة/19]، فلماذا بقيت الأرض ولم تنهار في عهد الفترة التي لم يكن فيها حُجَّةٌ؟
ثانياً: إذا كان هناك إمامان في وقت واحد فلماذا يجب أن يكون أحدهما صامتاً؟ أليس الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإرشاد الجاهل وتعليم الناس واجباً عليه؟ في زمن داود وسليمان - عليهما الصلاة والسلام - حيث كان كلاهما نبياً وحجةً، في حادثة الحُكْم بشأن الْحَرْثِ (أي الزرع) إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ، أبدى سليمان حكمه في القضية الذي كان الأصوب (الأنبياء/78-79). وكذلك كان في أنطاكية ثلاثة مرسلين في وقت واحد وكانوا يعملون معاً على إرشاد الخلق وتعليم الشريعة (يس/13-20) فلم يكن أيُّ واحدٍ منهم صامتاً.
ثالثاً: لو كان الكُلَيْنِيُّ مؤمناً بهذا الحديث فلماذا روى الحديثَ الأوَّلَ من الباب 183 الذي يفيد أنه في زمن إمامةِ حضرةِ عليٍّ u - عندما كان هو الإمام القائم - كان وَصِيُّهُ وَالْقَائِمُ بِحُجَّتِهِ الإمامَ الْحَسَنَ u، ولم يكن الحَسَنُ صامتاً في حينها، بل لمَّا سُئِلَ أميرُ المؤمنين عن موضوع الإمامة، أحال السائلَ إلى الإمام الحسن وقال: "يَا أَبَا مُحَمَّدٍ أَجِبْهُ. قَالَ فَأَجَابَهُ الْحَسَنُ....".
ß الحديث 2 - يدَّعي فيه «إِسْحَاقُ بْنُ عَمَّارٍ» فطحي المذهب الذي سبق أن عرفنا حاله([2]) أنه سمع الإمام الصادق u يَقُولُ: "إِنَّ الْأَرْضَ لَا تَخْلُو إِلَّا وَفِيهَا إِمَامٌ؛ كَيْمَا إِنْ زَادَ الْمُؤْمِنُونَ شَيْئاً رَدَّهُمْ، وَإِنْ نَقَصُوا شَيْئاً أَتَمَّهُ لَهُمْ".
فنقول: ففي هذه الحالة إذن لا يجوز للإمام أن يغيب ولابد أن يكون حاضراً دائماً. لكننا منذ مدة مديدة، حيث راجت بين المسلمين مئات المذاهب المليئة بالبدع والخرافات، لم نجد إماماً يُعيد الدينَ إلى حالته الأصلية الأصيلة، ولو كان مثل هذا الإمام موجوداً فلماذا لا يؤدي وظيفته هذه ولا يظهر الحق ولا يدعو الناس إلى طريق الله ويبين لهم الحلال والحرام؟!
ß الحديث 3 - إشكالات الحديث الثاني ذاتها تنطبق على هذا الحديث.
أمام متن الحديث الرابع والأحاديث السادس وما بعده في هذا الباب فتنطوي على الإشكال ذاته الذي ذكرناه في نقدنا للحديث الأول.
ß الحديث 5 - يقول: "إِنَّ اللهَ لَمْ يَدَعِ الْأَرْضَ بِغَيْرِ عَالِمٍ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمْ يُعْرَفِ الْحَقُّ مِنَ الْبَاطِلِ".
فنقول: إذا كان المرادُ من «عالِم» الإمامُ فإن الناس ليس لديهم إمام يتواصلون معه منذ قرون متمادية، وإذا كانت معرفةُ الحق من الباطل منوطةً بوجود حجةٍ وإمامٍ وحضوره، فلا يمكن تبرير غيبته إذن بحال من الأحوال. أما إذا كان المرادُ من «العالِم» غيرُ المعصوم القادر على تمييز الحق من الباطل، فنقول إن مثل هؤلاء العلماء كانوا موجودين منذ زمن بعيد قبل الإمام الغائب، وَمِنْ ثَمَّ فوجود الإمام ليس ضرورياً.
وبقية أحاديث هذا الباب تطرح مضمون الأحاديث التي ذكرناها ذاته، وهي معلولة سنداً ومتناً. وقد سبق أن نقدنا الحديثين الثامن والعاشر من هذا الباب في الصفحة 363 و395 من هذا الكتاب، ونقدنا الحديث الثالث عشر في هذا الباب في الصفحة 148-149 من هذا الكتاب فلتراجع هناك.