115. بَابُ الْفَرْقِ بَيْنَ الرَّسُولِ وَالنَّبِيِّ وَالْمُحَدَّثِ
عندما قرأت هذا الباب شعرت بالأسى وتملَّكَني حزنٌ شديدٌ لأن الحديثين الأول والرابع في هذا الباب والحديث الثاني من الباب 112 صريحةٌ في تحريف القرآن.
إن الكُلَيْنِيّ وأمثاله - مع الأسف الشديد - ينقلون آيةً بصورة محرَّفة ثم يستنبطون منها أشياء وينسبونها للأئمة المظلومين. والأمر الثاني في أحاديث هذا الباب أنها تُبَيِّنُ لنا - حسب عنوان الباب - الفرق بين الإمام والنبي والرسول، لكننا لا نصل إلى أي نتيجة حول هذا الموضوع من هذه الأحاديث!
واعلم أن هذا الباب يشتمل على أربعة أحاديث صحَّح الأستاذ البِهْبُودِيّ الحديث الثالث منها فقط، أما المَجْلِسِيّ فصحَّح الحديثين الأوّل والثالث واعتبر الحديث الثاني مجهولاً والحديث الثالث ضعيفاً.
ß الحديثان 1 و4 - رغم أن راوي الحديثين «أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ البرقيُّ» ورواياته غير موثوقة - ومن جملتها هذين الحديثَيْن اللذَيْن يفيدان وقوع التحريف في القرآن([1]) - إلا أن المَجْلِسِيّ صحَّح الحديث الأوَّل كما ذكرنا.
أحد رواة الحديث الرابع هو: «أبو الحسن عَلِيُّ بْنُ حَسَّانَ بْنِ كثيرٍ الهاشِمِيِّ»: رجلٌ واقفيٌّ، وطبقاً لما صرَّح به الأستاذ الشيخ هاشم معروف الحسني:
"وجاء في كتب الرجال إنَّ عَلِيَّ بْنَ حَسَّانَ كان فاسد الاعتقاد، وهو يروي في الغالب عن عمِّه عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كثيرٍ الهاشِمِيِّ، وهو من المتَّهَمين بالكذب([2]) وتأويل القرآن بمثل هذه التأويلات البعيدة عن ظاهره وأسلوبه"([3]).
وكنموذج على ما ذكره، فإن عَلِيَّ بْنَ حَسَّانَ روى 11 حديثاً من أحاديث الباب الفاضح 165 في الكافي عن عمِّهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كثيرٍ الهاشِمِيِّ.
وكما أشرنا سابقاً([4]) ألَّف عَلِيُّ بْنُ حَسَّانَ كتاباً باسم «تفسير الباطن» كله كذب و- حسب قول الغضائري - "لا يتعلَّقُ من الإسلام بسبب!"([5])، وقد عدَّهُ علماؤنا من الغلاة وحكموا بانه ضعيفٌ جداً([6]).
يدَّعي هذا الكذَّاب أن المُراد من عبارة «آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ» في الآية 7 من سورة آل عمران: هم «الأئمَّةُ»! والمُراد من عبارة «أُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ» في الآية: الخلفاء الآخرون!!
الراوي الآخر لهذا الحديث هو «عَلِيُّ بْنُ يَعْقُوبَ الْهَاشِمِيُّ» مجهول الحال.
كلا حديثا الباب والحديث الثاني في الباب 112 تزعم أن الإمام (ع) تلى الآية 52 من سورة الحج على النحو التالي: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ وَلا مُحَدَّثٍ)!!
انتبهوا جيداً، إن الراوي لا يقول إن الإمام فسَّر الآية على هذا النحو، بل يقول: "تَلا هذِهِ الآيةَ". بل في الحديث الرابع يقول الراوي: "قُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ لَيْسَتْ هَذِهِ قِرَاءَتَنَا؟!"، في حين أنه لو كان مقصود الإمام مجرَّد تفسير الآية لما كان الراوي بحاجة إلى أن يسأله مثل هذا السؤال. كما أن الإمام لم يقُلْ له: قصدي هو تفسير الآية.
والأهم من ذلك أن «المُحَدَّث» بتصريح الرواية هو غير النبي وغير الرسول وأن الحديث في صدد بيان نوعٍ ثالثٍ، ولا يستطيع المتعصِّبون المُتَكَسِّبون بالدين أن يدَّعوا أن قصد الإمام من كلامه ذاك هو تفسير الآية أو بيان من تنطبق عليهم (بيان مصاديقها).
وحتى مروِّج الخرافات المَجْلِسِيّ قال في شرحه لهذا الحديث:
"وقيل: يُحتمل أن يكون - [أي ذكر لفظ «المُحَدَّث»] - بياناً للمراد من الآية. أقول: هذا بعيدٌ جداٌ وإن أمكن توجيهه بأن الأئمَّة في هذه الأمَّة لما كانوا بمنزلة الأنبياء الذين كانوا في الأمم السابقة كما قال النبيُّ صلى الله عليه وآله: علماء أمَّتي كأنبياء بني إسرائيل، وفُسِّر بالأئمَّة عليهم السلام، فذكر الأنبياء المتقدِّمين وبيان حكمهم مشتمل على ذكر الأئمَّة عليهم السلام على هذا الوجه، لكن أوردنا في كتابنا الكبير [يقصد بحار الأنوار] أخباراً أصرح من هذه الأخبار، في كون هذه الكلمة في القرآن، ولا استبعاد في سقوط بعض القرآن عمَّا جمعه عثمان (!!!) كما سيأتي تحقيقه في كتاب القرآن إن شاء الله تعالى. "([7]).
وقال في شرحه للحديث الثاني من الباب 112 أيضاً: "ويدلُّ على أنه كان في القرآن «ولا مُحَدَّث» فأسقطوه."([8]).
ليت شعري! ماذا كان قصد الكُلَيْنِيّ من ذكر هذه الروايات المعادية للقرآن في كتابه؟ ماذا يجب أن نقول لمقلِّدِيه المتعصِّبين الذين لا يَكُفُّون عن مدح الكُلَيْنِيّ والثناء عليه؟! ألم يقرؤوا القرآن الذي قال بعبارة تتضمن تأكيدات عديدة: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [الحجر/9]؟؟
لا أدري لماذا يصف الكُلَيْنِيّ أو المَجْلِسِيّ نفسيهما بأنهما من محبي علي (ع)، في حين أنهما في الحقيقة أعداءٌ لذلك الإمام الجليل، لأن القرآن كُتِب في عهد عثمان بتأييد من حضرة عليٍّ (ع) وموافقته، وكما ذكرنا في الفصل السابع من مقدمة تفسير «تابشى از قرآن» [شعاع من القرآن] إن عثمان جمع المصاحف المخالفة للمصحف الأم برأي أمير المؤمنين علي u وإشارته وتأييده، "روى أبو بكر الأنباري (ت 382هـ) عن «سويد بن غفلة» قال: سمعتُ عليَّ بن أبي طالب كرمالله وجهه يقول: "يا معشر الناس! اتقوا الله وإياكم والغلوّ في عثمان وقولكم: حَرَّاقُ المصاحف، فواللهِ ما حرَّقها إلا عن ملأٍ منَّا أصحاب رسول الله J، جمعنا....... فقُلْنا: نِعْمَ ما رأيتَ......."([9]).
ثم إنّه لو أنّ «واواً» في القرآن الكريم قُدِّمَت أو أُّخِرَت عن موضعها، لكان من المحال أن يسكت عليٌّ (ع) ولا يعترض في خطبه ورسائله اعتراضاً شديداً على هذا الموضوع. أنتم تعتبرون الخطبة الشقشقية من كلام عليٍّ (ع)، فقولوا لنا: كيف يمكن أن يشتكي علي (ع) من الخلفاء ولا يشير حتى إشارة صغيرة إلى هذه المسألة المهمة جداً؟
في نظرنا إن حضرة حيدرة الكرّار (ع) الذي أرسل الحسنَين - عليهما السلام - إلى منزل عثمان للدفاع عنه، لو عرف أنه قد وقع أدنى تغيير في القرآن، لما توانى هو وابناه العزيزان عن بذل أي تضحية لإصلاح هذا الأمر، إذْ لا شك أن الإمام كان يقدِّم الجهاد في سبيل الدفاع عن القرآن على مجاهدة معاوية والخوارج. إن ذلك الإمام الهمام (ع) لم يُشِر خلال فترة حكومته أي إشارة إلى حدوث أدنى تغيير في القرآن، ولو كان مثل ذلك التغيير في كتاب الله قد حصل لعكف الإمام على إصلاح القرآن قبل أن يعمد إلى إعادة الأموال التي أُخِذَت بغير حق إلى بيت مال المسلمين. في حين أننا نرى في نهج البلاغة أن الإمام علياً (ع) كان يحثُّ الناس مراراً وتكراراً على تعلم القرآن عينه الذي قام عثمان بجمعه وكان يوصيهم بتلاوته والعمل به.
والإشكال الكبير الآخر في أحاديث هذا الباب والباب 112 - التي سندرسها وننقدها هنا أيضاً - أنها لا تنسجم مع ختم الوحي، وأنها تثبت نوعاً من الوحي للأئمة، مع أنه باعتراف العلماء - كما ذكرنا في الباب 60 في الصفحة 378من هذا الكتاب - لا يوحى إلى الأئمَّة. لأنّ الوحي بالأحكام والمعارف الشرعية لأي شخص بعد النبي الأكرم J معناه عدم ختم النبوة. لكن هذه الروايات تدّعي أن الإمام يسمع كلام المَلَك ويتلقّى الخبر. وهذا هو الوحي بعينه كل ما في الأمر أنه لم يُذكَر باسم الوحي. والدليل على ما نقول أنه لا يُشتَرَط في الوحي رؤية المَلَك، لأن القرآن صرَّح أن كثيراً من الأنبياء لم يكونوا يرون المَلَك بل يسمعون صوته فقط ويرتبطون مع عالم الملكوت من وراء حجاب. قال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ﴾ [الشورى/51].
مثلاً حضرة كليم الله (ع) كان يسمع الصوت فقط. فالادعاء أن الأئمَّة يسمعون الصوت فقط ولكنهم غير أنبياء ادّعاء باطل ولا يتَّسق مع ختم الوحي والنبوة. لأن سماع صوت الملاك نوع من أنواع الوحي خاصة أن الملاك يُسْمِعُ الإمامَ «المُحَدَّثَ» مسائلَ اعتقادية وأحكاماً شرعية وهذه هي الرسالة والنبوة بعينها وتغيير الاسم أو عدم ذكره لا يغيّر المسمَّى. لهذا السبب بالذات
نجد أن الراوي في الحديث الخامس من الباب 112 ([10]) بعد أن سمع أنّ الملاك يكلِّم «المُحَدَّث» سأل السؤال الطبيعي: "قُلْتُ تَقُولُ إِنَّهُ [أي «المُحَدَّث»] نَبِيٌّ؟ قَالَ: فَحَرَّكَ يَدَهُ هَكَذَا [أي بالنفي] أَوْ كَصَاحِبِ سُلَيْمَانَ [المعروف بأنه آصف بن برخيا] أَوْ كَصَاحِبِ مُوسَى [المشهور بين الناس باسم الخضر] أَوْ كَذِي الْقَرْنَيْن..".
فأقول: أولاً: أمثال هؤلاء الأفراد يتعلقون جميعهم بفترة ما قبل ختم النبوة في حين أن ما نحن فيه يتعلَّق بفترة ما بعد ختم النبوة.
ثانياً: لماذا عرَّفَنَا القرآنُ بذي القرنين الذي يعود إلى عهد ماض ولكنه امتنع عن تعريفنا بالأئمة بصفتهم «مُحدَّثين» ومنصوبين مِنْ قِبَلِ الله، واضطررتم إلى القول بوقوع التحريف في القرآن لتتمكنوا من إثبات مرامكم.
ثالثاً: إن العبد الصالح في سورة الكهف (الآية 65 وما بعد)، والذي أتى بعرش ملكة سبأ إلى قصر سليمان (النمل/40) لم يُبْعَثَا للناس لا بالنبوة ولا بالإمامة ولا كمُحدَّثين. وجناب «ذي القرنين» (الكهف/83 فما بعد) وكذلك جناب «طالوت» (البقرة/247) حكما الناس وقاداهم بصفة «الملِك» ولم يُبْعَثَا للناس بصفتهما معلمي الشريعة والحكمة. وليس لدينا دليل على أن طالوت أو ذا القرنين أو آصف بن برخيا كانوا يسمعون صوت المَلَك.
والحاصل فإن هذه الشخصيات كلها خارجة عن موضوعنا، وقياس الأئمة عليهم قياس مع الفارق.
والإشكال الآخر في مثل هذه الأحاديث، ومن جملتها الحديث الثاني في الباب 112، التي يُنْسَبُ فيها للأئمة ادِّعاؤهم الارتباطَ بالملائكة وعلمَهم بالغيب، مخالفتها لكلام أمير المؤمنين عليu الذي قال إن الوحي وأخبار السماء انقطعت برحلة النبي الأكرم J.([11]) ولا يمكن أن يتفوَّه حضرة السجاد (ع) بما يخالف كلام جدِّه الكريم.
إن الاعتراض الذي يتوجه إلى الحديث الرابع في الباب 61 والحديث الرابع في الباب 112([12]) هو أنهما ذكرا علامةً لا فائدة منها لسماع صوت الملاك!
فلو أعلن شخص قائلاً إنني سمعت صوتاً فشعرتُ باستيلاء حالة من الوقار والسكينة على جوانحي وعلمت أن ملَكاً نزل وأن الصوت كان صوت المَلَك، فهل علينا أن نقبل كلامه ونعتبره إماماً منصوصاً عليه ومنصوباً مِنْ قِبَلِ الله؟! هل هذا دليل؟! حاشا الإمام أن يقول مثل هذا الكلام.
ß الحديث 2 - مجهول، ومتنه يعاني من عيوب الحديثين 1و4 ذاتها.
ß الحديث 3 - الحديث الذي ذُكرَ أعلاه، رواه «الْأَحْوَلُ» عديم الإنصاف، وراويه الآخر: «أحمد البرقي». والحديث الثالث في الباب 112 رواه «البرقيُّ» غير الموثوق برواياته، أيضاً، وراويه الآخر: «يعقوب بن يزيد»([13])، ومع ذلك صحَّح المجلسي والبهبودي كلاهما الحديث!
يدَّعي «الْأَحْوَلُ» أن حضرة باقر العلوم (ع) قال: "وَ أَمَّا الْمُحَدَّثُ فَهُوَ الَّذِي يُحَدَّثُ [أي للاطلاع على أمور الشريعة والأخبار الغيبية] فَيَسْمَعُ [أي صوت المَلَكِ] وَلَا يُعَايِنُ [أي لا يرى المَلَكَ] وَلَا يَرَى فِي مَنَامِهِ".
ونقول: إن هذا الحديث الذي رواه «مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى» للكُلَيْنِيّ، معارض للحديث 6 من الباب 105 في الكافي، الذي رواه للكُلَيْنِيّ «مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى» نفسه أيضاً، إذ يذكر فيه أن الإمام الرضا (ع) اطلع في رؤيا رآها في منامه على خبر وفاته، كما يعارض الحديث 14 من الباب 119 الذي يذكر أن الإمام الكاظم (ع) عُرِّف من خلال الرؤيا بخليفته، ويخالف الحديثين 8 و9 من الباب 178 اللذان يذكران أن الإمام الرضا (ع) نُهي في المنام عن الذهاب إلى الحمَّام، كما أُعْلِنَ له في المنام أن «هارون بن المسيِّب» سوف يُهْزَم.
ثم إن أحاديث هذا الباب، والحديث الرابع من الباب 112، تقول إن «المُحَدَّث» لا يرى المَلَكَ بل يسمع صوته فقط، أما في الأحاديث 1 و2 و3 و6 من الباب 150 فتقول إنه إذَا أَرَادَ اللهُ أَنْ يَخْلُقَ الْإِمَامَ مِنَ الْإِمَامِ بَعَثَ مَلَكاً فَأَخَذَ شَرْبَةً مِنْ مَاءٍ تَحْتَ الْعَرْشِ ثُمَّ أَوْقَعَهَا أَوْ دَفَعَهَا إِلَى الْإِمَامِ فَشَرِبَهَا - قبل أن يقارب زوجته -، فَإِذَا وَضَعَتْهُ أُمُّهُ بَعَثَ اللهُ إِلَيْهِ ذَلِكَ الْمَلَكَ الَّذِي أَخَذَ الشَّرْبَةَ فَكَتَبَ عَلَى عَضُدِهِ الْأَيْمَنِ أو بين عينيه، وهو حديث الولادة، آيةً من القرآن!
وفي أحاديث الباب 154 التي رواها «مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى» أيضاً، يدَّعي أنَّ الْمَلَائِكَةَ تَدْخُلُ بُيُوتَ الْأَئِمَّةِ وَتَطَأُ بُسُطَهُمْ وَتُصَافِحَهُمْ وأحياناً تُزاحمهم في أرائكهم التي يتَّكئون عليها، وأن زغب (ريش) الْمَلَائِكَةِ يملأ وسائدهم!! ونسأل: هل صوت الْمَلَائِكَةِ فقط هو الذي يأتي بالشربة ليسقيها الإمام، وهل صوت الْمَلَائِكَةِ فقط هو الذي يصافح الأئمَّةَ ويزاحمهم في المكان أو يملأ وسائدهم من الزغب؟! إن هذه الأحاديث تدل على تجسُّم الْمَلَائِكَةِ وتجسُّدهم وأن جسميّتهم قابلة للرؤية.
استناداً إلى ما ذُكر أعلاه، يَتَبَـيَّنُ بطلان أحاديث الباب 61 والباب 112 من الكافي بكل وضوح. لكن المستغرب هو تصحيح الأستاذ البِهْبُودِيّ الحديث الأول من الباب 112 الذي ضعَّفه المَجْلِسِيّ، وذكره للحديث في كتابه «صحيح الكافي» بصفة الحديث رقم 94 ! كما أن المَجْلِسِيّ اعتبر الحديث الخامس من الباب 112 كما ذكرنا([14]) حَسَناً مُوَثَّقَاً!
ولا يخفى أنه لا يَتَبَـيَّنُ من أحاديث البابين 61 و112 الفرق بين الإمام والرسول والنبي، وحتى المَجْلِسِيّ اعترف في شرحه للحديث الثالث في الباب 61 قائلاً:
"واعلم أن تحقيق الفرق بين النبيّ والإمام عليهم السلام واستنباطه من تلك الأخبار لا يخلو من إشكال، وكذا الجمع بينهما وبين سائر الأخبار التي سيأتي بعضها وأوردنا أكثرها في كتاب البحار، في غاية الإشكال، ..... وبالجملة لابُدَّ لنا من الإذعان بعدم كونهم أنبياء، وأنهم أفضل وأشرف من جميع الأنبياء سوى نبيِّنا صلوات الله عليه وعليهم، ومن سائر الأوصياء عليهم السلام، ولا نعرف سبباً لعدم اتصافهم بالنبوة إلا رعاية جلالة خاتم الأنبياء صلى الله عليه وآله، ولا يصل عقولنا إلى فرق بين النبوة والإمامة، وما دلت عليه الأخبار فقد عرفته والله يعلم حقائق أحوالهم صلوات الله عليهم!"([15]).
([1]) راوي الحديث الثاني في هذا الباب أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ البرقيُّ أيضاً، ولم يصحِّحه كلا المجلسي والبِهْبُودِيّ.
([2]) قال الأستاذ هاشم معروف الحسني مبيِّنَاً مصادره في ذلك: «إتقان المقال في أحوال الرجال» لآية الله الشيخ محمد طه نجف، ص 326 و339، وانظر رجال الميرزا محمَّد الاسترآبادي، حرف الميم.
([6]) قال العلامة ابن الغضائري في رجاله (ج 4، ص 176): " علي بن حسان بن كثير مولى أبي جعفر الباقر عليهما السلام أبو الحسن، روى عن عمه عبد الرحمن، غال ضعيف رأيت له كتاباً سماه تفسير الباطن لا يتعلق من الإسلام بسبب، ولا يروي إلا عن عمه".
وقال عنه العلامة الحلي في رجاله (ص 233 - 234): "... الهاشميّ يروي عن عمه عبد الرحمن بن كثير.. كذَّابٌ، وهو واقفيٌّ أيضاً لم يدرك أبا الحسن عليه السلام .... وقال النجاشيُّ: عليُّ بن حسان بن كثير الهاشمي مولى عباس بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس، ضعيفٌ جداً، ذكره بعض أصحابنا في الغلاة فاسد الاعتقاد.". انتهى. (المُتَرْجِمُ)
([9]) انظر: محمد عبد العظيم الزرقاني (ت 1367هـ)، مناهل العرفان في علوم القرآن، ط3، القاهرة، مطبعة عيسى البابي الحلبي، ج 1، ص 262. (المُتَرْجِمُ)
([10]) ذكر الكُلَيْنِيّ هذه الرواية بصورة مختصرة في الحديث الرابع من الباب 111 أيضاً وراويها أحد الغلاة المسمى بِـ (الحسين بن سعيد) ومع ذلك اعتبره المَجْلِسِيّ حديثاً حسَناً مُوَثَّقَاً.
([11]) كقوله عليه السلام: "انْقَطَعَ بِمَوْتِكَ مَا لَمْ يَنْقَطِعْ بِمَوْتِ غَيْرِكَ مِنَ النُّبُوَّةِ والإنْبَاءِ وأَخْبَارِ السَّمَاءِ". (نهج البلاغة، الخطبة 235). وقوله: "فَقَفَّى بِهِ الرُّسُلَ وخَتَمَ بِهِ الْوَحْيَ" (نهج البلاغة، الخطبة 133). وقوله: "بَعَثَ اللهُ رُسُلَهُ بِمَا خَصَّهُمْ بِهِ مِنْ وَحْيِهِ" (نهج البلاغة، الخطبة 144). راجع ص 485 من هذا الكتاب.
([12]) كلا المَجْلِسِيّ والبِهْبُودِيّ اعتبرا الحديث الرابع من الباب 112 غير صحيح، وقال المجلسي عنه إنه مرسل.
([13]) بَيَّـنَّا فيما سبق حال «يعقوب بن يزيد» في الصفحة 294من الكتاب الحالي. وهو الذي روى حديث: "مَنْ زَارَ قَبْرَ أَبِي عَبْدِ اللهِ (ع) يَوْمَ عَاشُورَاءَ عَارِفاً بِحَقِّهِ كَانَ كَمَنْ زَارَ اللهَ تَعَالَى فِي عَرْشِه!!". (وسائل الشيعة، كتاب الحج، أبواب المزار وما يناسبه، ص 371 - 372، الحديث 1.