106. بيان حال «مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللهِ عون الأسدي» وذكر نماذج لرواياته التي تكشف ضعفه وعدم وثاقته
«أبو الحسين مُحَمَّدُ بْنُ جعفرٍ أَبِي عَبْدِ اللهِ عون الأسدي الكوفي» تم التعريف به في كتاب «زيارت و زيارتنامه» (صفحة 98).
"[قال النجاشي عنه (ص 289)]: "...روى عن الضعفاء وكان يقول بالجبر والتشبيه". كتب حمزة بن القاسم بن علي بن حمزة العلوي أبو يعلى كتاباً في الردِّ على مُحَمَّدِ بْنِ جعفرٍ الأسديَّ"([1]).
134نذكر هنا نموذجاً من رواياته الخرافية: إنه يدّعي أن الإمام الكاظم (ع) قَالَ([2]):
"الْمُسُوخُ ثَلَاثَةَ عَشَرَ الْفِيلُ وَالدُّبُّ وَالْأَرْنَبُ وَالْعَقْرَبُ وَالضَّبُّ وَالْعَنْكَبُوتُ وَالدُّعْمُوصُ([3]) وَالْجِرِّيُّ وَالْوَطْوَاطُ وَالْقِرْدُ وَالْخِنْزِيرُ وَالزُّهَرَةُ وَسُهَيْلٌ. قِيلَ: يَا ابْنَ رَسُولِ اللهِ o! مَا كَانَ سَبَبُ مَسْخِ هَؤُلَاءِ؟ قَالَ: أَمَّا الْفِيلُ فَكَانَ رَجُلًا جَبَّاراً لُوطِيّاً لَا يَدَعُ رَطْباً وَلَا يَابِساً، وَأَمَّا الدُّبُّ فَكَانَ رَجُلًا مُؤَنَّثاً يَدْعُو الرِّجَالَ إِلَى نَفْسِهِ، وَأَمَّا الْأَرْنَبُ فَكَانَتِ امْرَأَةً قَذِرَةً لَا تَغْتَسِلُ مِنْ حَيْضٍ وَلَا جَنَابَةٍ وَلَا غَيْرِ ذَلِكَ، وَأَمَّا الْعَقْرَبُ فَكَانَ رَجُلًا هَمَّازاً لَا يَسْلَمُ مِنْهُ أَحَدٌ، وَأَمَّا الضَّبُّ فَكَانَ رَجُلًا أَعْرَابِيّاً يَسْرِقُ الْحَاجَّ بِمِحْجَنِهِ، وَأَمَّا الْعَنْكَبُوتُ فَكَانَتِ امْرَأَةً سَحَرَتْ زَوْجَهَا، وَأَمَّا الدُّعْمُوصُ فَكَانَ رَجُلًا نَمَّاماً يَقْطَعُ بَيْنَ الْأَحِبَّةِ، وَأَمَّا الْجِرِّيُّ فَكَانَ رَجُلًا دَيُّوثاً يَجْلِبُ الرِّجَالَ عَلَى حَلَائِلِهِ، وَأَمَّا الْوَطْوَاطُ فَكَانَ رَجُلًا سَارِقاً يَسْرِقُ الرُّطَبَ عَلَى رُءُوسِ النَّخْلِ، وَأَمَّا الْقِرَدَةُ فَالْيَهُودُ اعْتَدَوْا فِي السَّبْتِ، وَأَمَّا الْخَنَازِيرُ فَالنَّصَارَى حِينَ سَأَلُوا الْمَائِدَةَ فَكَانُوا بَعْدَ نُزُولِهَا أَشَدَّ مَا كَانُوا تَكْذِيباً، وَأَمَّا سُهَيْلٌ فَكَانَ رَجُلًا عَشَّاراً بِالْيَمَنِ، وَأَمَّا الزُّهَرَةُ فَإِنَّهَا كَانَتِ امْرَأَةً تُسَمَّى نَاهِيدَ وَهِيَ الَّتِي يَقُولُ النَّاسُ افْتَتَنَ بِهَا هَارُوتُ وَمَارُوتُ"([4]).
[والحديث غنيٌّ عن التعليق].
ونعود إلى حديث الباب الذي رُوي من طريق «مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللهِ».
نعم، إن مثل ذلك الشخص روى وحده حديث هذا الباب! وهذا الحديث لا يخلو متنه من إشكالات عقلية وشرعية. لأنه يقول: "سِتَّةُ أَشْيَاءَ لَيْسَ لِلْعِبَادِ فِيهَا صُنْعٌ الْمَعْرِفَةُ وَالْجَهْلُ وَالرِّضَا وَالْغَضَبُ وَالنَّوْمُ وَالْيَقَظَةُ"!
وبناءً على ذلك لو لم يَسْعَ الإنسانُ إلى الحصول على المعرفة بقي جاهلاً، فلا مسؤولية عليه في ذلك، وهذا يخالف العديد من آيات القرآن التي اعتبرت الإنسان مسؤولاً عن عمله كقوله تعالى: ﴿فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ﴾ [الحجر/92]. وقوله سبحانه: ﴿إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا﴾ [الإسراء/36]. وقوله عزَّ وَجلَّ: ﴿وقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ﴾ [الصافات/24]. ثم إنه لو لم يكن للإنسان أي دخل في غضبه، فلماذا أمر القرآن الكريم المؤمنين بكظم غيظهم، وأثنى على من يفعلون ذلك (آل عمران/134)!!
وعلى كل حال، فإن الحديث الذي يرويه دُرُسْتُ بْنُ أَبِي مَنْصُورٍ وسَهْلُ بْنُ زِيَادٍ الكذابان لا يمكن أن يكون أفضل من ذلك. والعجب من الكُلَيْنِيّ الذي يجمع مثل هذه الروايات، ومن مجتهدينا الذين يثنون على كتابه ويُطرونه ليل نهار!
والنقطة الأخرى أنه ليس لهذا الحديث صلةٌ ولا علاقة بعنوان الباب. لاحظوا كيف أن الكُلَيْنِيّ ينقل لنا حديثاً ساقطاً من الاعتبار ويضعه في باب لا علاقة للحديث به.
135أيها القارئ المحترم! لقد تذكَّرْتُ وأنا مشغول بإعادة تحرير كتابي هذا وتنقيحه أن بعض علمائنا يقول خداعاً للعوام إن «صحيح البخاري» - الذي عدد أحاديثه أقل بكثير من عدد أحاديث كتاب الكافي - فيه أحاديث ليس لها علاقة بالباب الذي ذُكِرت فيه، بعكس الكافي الذي ليس فيه حديث مُدرجٌ في باب لا يتعلق به، لكننا لاحظنا هنا أن هذا الادعاء ليس صادقاً، لأن حديث الباب 56 لا علاقة له بعنوان الباب، كما أن أحاديث الباب 57 ليس لها تلك العلاقة الوثيقة بعنوان الباب، والأمر ذاته أيضاً ينطبق على الحديث رقم 50 في الباب 59.
ويقولون أحياناً أيضاً إن البخاري كتب كتابه اعتماداً على حفظه، وأحياناً ينقل الحديث بالمعنى، ولا يأتي بعين ألفاظ الحديث الذي سمعه.
وأقول: نعم، من الممكن أن يدون البخاري حديثاً اعتماداً على ذاكرته، أو يروي حديثاً بالمعنى أو يذكر أحاديث في باب ليس بينها وبينه علاقة، ولا شك أن مثل هذا العمل لا يُعَدُّ من حسن عمل المؤلف، ويستحق النقد. وصحيح أن أحاديث الكافي أكثر عدداً بكثير من أحاديث صحيح البخاري، ولكنه لا يجوز أن نغفل عن أن أكثر روايات الكافي - كما سنرى في كتاب الحجة أو في كتاب الروضة من الكافي - أحاديث ضعيفة وخرافية لا يؤيدها القرآن الكريم، ولا تتفق مع العقل السليم. وَمِنْ ثَمَّ قلا يمكن للإنسان أن يتباهى بجمع الخرافات والأحاديث الساقطة من الاعتبار، فليس في هذا ما يُوجب التميز لصاحبه([5]).
إن الذي نتوقعه من المحدِّث قبل أي شيء آخر أن يروي أحاديث صحيحة وغير خرافية، وإلا فلو روى حديثاً غير صحيح في الباب الذي يتعلق به فعلاً، لن تكون هناك أي قيمة لهذا الحديث، ولو روى حديثاً صحيحاً في باب لا يتعلق به، فهذا لا ينقص من قيمة الحديث الصحيح، ولو نُقِل الحديثُ بالمعنى - وإن كان نقله بعين ألفاظه أفضل بكثير - يبقى أكثر فائدةً من رواية الحديث الخرافي والضعيف الذي تُراعى فيه الألفاظ بدقةٍ تامة، ولكنه لا يفيد إلا في إضلال الناس!
([4]) روى الشيخ الصدوق هذا الحديث في كتابه «علل الشرائع». والمثير في الأمر أن نعلم أن الحديث الذي ذكرناه في الصفحة 430 من الكتاب الحالي هو أيضاً من مرويات الشيخ الصدوق في كتابه المذكور. ويقول ذلك الحديث: كَانَ الْخُفَّاشُ امْرَأَةً سَحَرَتْ ضَرَّةً لَهَا فَمَسَخَهَا اللهُ خُفَّاشاً. ولكن في هذا الحديث يدعي أنها مُسِخِتْ عنكبوتاً، وأن الخفاش كان رجلاً يَسْرِقُ الرُّطَبَ عَلَى رُؤوسِ النَّخْلِ! ألم يكن الشيخ الصدوق ينتبه إلى هذه التناقضات؟! هل يستحق مثل هذا الشيخ كل هذا التمجيد والتبجيل الذي نجده في الكتب والأوساط الدينية عنه؟!.