90. بيان حال «مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ » وذكر نماذج لرواياته التي تكشف ضعفه وعدم وثاقته
مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ واحد من الغلاة والكذابين المفتضحين إلى درجة أن الشيخ المفيد قال عنه أنه: "مطعونٌ فيه، لا تختلفُ العصابةُ في تُهْمَتِهِ وَضَعْفِهِ"([1]). وقد عرَّفْنَا به في كتابنا «خرافات وفور در زيارات قبور» [أي: الخرافات الوافرة في زيارات القبور] (ص 281)، ولن نكرر هنا ما ذكرناه هناك([2]). وقد ذكر المرحوم قلمداران في كتابه «زيارت و زيارتنامه» [أي: زيارة المزارات وأدعية الزيارات] (ص 81 فما بعد) نموذجين من أحاديثه الفاضحة، فلتراجع ثمة([3]).
هنا نُذَكِّر أنه من رواة الحديث الذي يقول: إن رمضان ثلاثين يوماً دائماً لا ينقص عن ذلك!! - ووصفه النجاشيُّ في رجاله (ص252): بأنه رجل ضعيف جداً لا يُعَوَّل عليه ولا يُلتفت إلى ما تفرّد به وأن «الفضل بن شاذان» و«أيوب بن نوح» كانا لا يستحلان رواية أحاديث محمد بن سنان.
1- إحدى تُحَف «مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ» الرواية التالية التي نقلها الكشي في رجاله والتي تدل على انحراف «ابن سنان» التامّ وفساد عقيدته:
"عن مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ قال: دخلت على أبي جعفر الثاني (ع) فقال لي: يا محمد! كيف أنت إذا لعنتك وبرئت منك وجعلتك محنة للعالمين أهدي بك من أشاء وأضل بك من أشاء؟ قال، قلت له: تفعل بعبدك ما تشاء يا سيدي! أنت على كل شيء قدير، [أعوذ بالله تعالى من هذه الأباطيل] ثم قال الإمام [بدلاً من أن يعترض على كلمه ذاك]: يا محمد! أنت عبد قد أخلصتَ لِـلَّهِ، إني ناجيت الله فيك فأبى ألا أن يضل بك كثيراً و يهدي بك كثيراً !!"([4]).
ليت شعري! لو كلَّمَ أحدٌ النبيَّ J على هذا النحو وأوصله إلى مقام الربوبية، ألم يكن النبيُّ يعترض عليه ويمنعه من ذلك؟([5])
هل نَسِيَ «ابن سنان» أن الإمام الجواد (ع) هو الحفيد الكريم لحضرة عليٍّ (ع) الذي قال لشخص أطنب في مَدْحِهِ: "إِنَّ مِنْ حَقِّ مَنْ عَظُمَ جَلالُ اللهِ سُبْحانَهُ فِي نَفْسِهِ، وَجَلَّ مَوْضِعُهُ مِنْ قَلْبِهِ، أنْ يَصْغُرَ عِنْدَهُ - لِعِظَمِ ذلِكَ - كُلُّ ما سِواهُ....". (نهج البلاغة، الخطبة 216)، وقال أيضاً: "عِظَمُ الْخَالِقِ عِنْدَكَ يُصَغِّرُ الْمَخْلُوقَ فِي عَيْنِكَ". (نهج البلاغة، الكلمات القصار، رقم 129. و الخطبة 193).
نعم، إن الحفيد الكريم لذلك الإمام الهُمام، أي الإمام الجواد u لم يكن ليسكت قطعاً عن مثل ذلك الكلام المشوب بالشرك.
2- 112ومن أباطيل «مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ» الأخرى الحديث الأول في الباب 72 من الكافي([6])، الذي يدَّعي فيه أن الإمام الصادق (ع) قال: "مَا جَاءَ بِهِ عَلِيٌّ (ع) آخُذُ بِهِ وَمَا نَهَى عَنْهُ أَنْتَهِي عَنْهُ جَرَى لَهُ مِنَ الْفَضْلِ مِثْلُ مَا جَرَى لِمُحَمَّدٍ J".
أي يريد القول إن كل ما أعطاه الله محمداً J من الفضل أُعطِيَ لعليٍّ أيضاً!
ويدَّعي فيه أن حضرة عليٍّ (ع) كان يقول مراراً: "... وَلَقَدْ أَقَرَّتْ لِي جَمِيعُ الْمَلَائِكَةِ وَالرُّوحُ وَالرُّسُلُ بِمِثْلِ مَا أَقَرُّوا بِهِ لِمُحَمَّدٍ J!!".
فنقول: إن فضل الله على النبيِّ الأكرم J كان نعمة النبوَّة، التي قَبِلَ بها الملائكة وروح القدس والرسل جميعاً، وأقرُّوا بها، فهل أُعطي هذا الفضل أيضاً لعليٍّ (ع) ولسائر الأئمَّة عليهم السلام؟!
ثم يقول في ذلك الحديث أيضاً: "وَكَذَلِكَ يَجْرِي الْأَئِمَّةُ الْهُدَى وَاحِداً بَعْدَ وَاحِدٍ جَعَلَهُمُ اللهُ أَرْكَانَ الْأَرْضِ أَنْ تَمِيدَ بِأَهْلِهَا".
وأقول: إن الله تعالى يقول في القرآن: إنه أَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ - أي جبالاً - كي لا تميد الأرض بأهلها أي لا تضطرب وتتزلزل، لكن الغلاة يقولون إن الإمام هو ركن الأرض ولو لم يوجد لَمَادَت الأرض بالناس. ونقول لهم: كيف كانت الأرض قبل خلق آدم (ع) أو قبل ولادة نبي الإسلام J؟ إنها بعد الأنبياء والأئمّة أيضاً كما كانت قبلهم.
ثم يقول في ذلك الحديث أيضاً: "وَالرَّادُّ عَلَيْهِ [أي على عليِّ بن أبي طالبٍ] فِي صَغِيرَةٍ أَوْ كَبِيرَةٍ عَلَى حَدِّ الشِّرْكِ بِاللهِ".
113فأقول: لو كان الأمر كذلك فلماذا لم يتَّهِمْ عليٌّ (ع) الخوارجَ وجيشَ معاويةَ و .... أي المخالفين له الذين وصل بهم الأمر إلى حد محاربته وشهر السيوف ضدَّه، بالشرك والنفاق، بل كان يقول عنهم: "هُمْ إِخْوَانُنَا بَغَوْا عَلَيْنَا"([7]).
إن المطلعين على تاريخ الإسلام يعلمون جيداً أن علياً (ع) طبَّق على مخالفيه - أثناء فترة خلافته - حكم المسلمين، فمثلاً بعد معركة الجمل أقام عليٌ (ع) ثلاثة أيام خارج البصرة، وكان يصلي في العائدين من واقعة الجمل - سواءً كانوا من جنده أم من جنود من ثاروا ضده - ولم يعاملهم معاملة غير المسلمين أو المشركين([8]).
وقال حفيد الإمام عليٍّ أيضاً، أعني الإمام الصادق u: "صَلِّ عَلَى مَنْ مَاتَ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ وَحِسَابُهُ عَلَى اللهِ"([9]).
ويواصل «مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ» حديثه ذاك فينسب إلى الإمام قوله: "وَلَقَدْ أُعْطِيتُ خِصَالًا مَا سَبَقَنِي إِلَيْهَا أَحَدٌ قَبْلِي عُلِّمْتُ الْمَنَايَا وَالْبَلَايَا.....".
وأقول: إذا راجعنا ما ذكرناه في فصل «علم الغيب والكرامات والمعجزات في القرآن» تبيِّن لنا بوضوح بطلان هذا الادِّعاء.
والقرآن الكريم قالها بوضوح: ﴿وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ [لقمان/34].
ثم قال «ابْنُ سِنَانٍ» في حديثه ذاك على لسان عليٍّ (ع): "وَأَنَا الْفَارُوقُ الْأَكْبَرُ".
من الواضح أن الذي وضع هذا الحديث سمع أن الخليفة الثاني كان يُلَقَّب بالفاروق، فوضع على لسان الإمام هذه الجملة. بمثل هذه الأحاديث الموضوعة شكَّلوا مذهباً، أصبحت أكثر المذاهب الإسلامية سيِّئة الظن به، فسبَّبُوا ابتعاد المسلمين بعضهم عن بعض.
ومن الجُمَل الأخرى في حديث «ابْنِ سِنَانٍ» قوله: "كَانَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (ع) بَابَ اللهِ الَّذِي لَا يُؤْتَى إِلَّا مِنْهُ".
لقد ذكرتُ قبل صفحات أنه لو صحَّ ذلك فلماذا قال أمير المؤمنين (ع) إن الله ليس له بابٌ ولا بوَّاب؟([10]) من هذا يتَّضِح أن واضعي هذا الحديث كانوا جاهلين بكلام أمير المؤمنين عليu.
نعم مثل هذا الشخص روى الحديث الثالث في هذا الباب، واعتبر الأئمَّةَ وجهَ الله! ونقول له: وهل وجه الله يشيخ ويموت؟ وهل قبل ولادة النبي والأئمَّة لم يكن لِـلَّهِ تعالى وجهٌ وعينٌ ويدٌ؟! أيُّ إلـهٍ هذا الذي يكون وجهه ويده أحد عباده الفقراء إليه؟! ألا تتعارض مثل هذه الأحاديث مع قوله تعالى: ﴿وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ﴾ [المدثر/3]. في مواجه هذه الأباطيل علينا أن نقرأ الآية المباركة: ﴿سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ﴾ [الصافات/180].
ß الحديث 4 - لقد نقدنا هذا الحديث فيما سبق في الصفحات من 159إلى 202 من هذا الكتاب فلتُراجَع ثمَّةَ.
ß الحديث 5 - لقد نقدنا هذا الحديث فيما سبق في الصفحات من 102 إلى 106 والصفحة 357 من هذا الكتاب فليُراجَع ثمَّةَ([11]).
ß الحديث 6 - 114راوي هذا الحديث «حَمْزَةُ بْنُ بَزِيعٍ» ضعيف الرواية حسب قول الممقاني. وهو الشخص ذاته الذي أخذ المال من «علي بن أبي حمزة البطائني»([12]) كي يروِّج لمذهب الواقفة. وقد اعتبره الإمام الرضا (ع) شقيّاً وقال: "ما فعل الشقيُّ حَمْزَةُ بْنُ بَزِيعٍ؟ قلت: هو ذا هو قَدْ قَدِمَ. فقال (ع): يزعم أن أبي حيٌّ! هم اليوم شُكَّاكٌ ولا يموتون غداً إلا على الزندقة"([13]).
لاحظ أيها القارئ العزيز كيف ذكر الكُلَيْنِيّ في كتابه خرافات وأحاديث مليئة بالشرك لأمثال هؤلاء الرواة الذين كانوا يلفِّقون أكاذيبهم وينسبونها إلى الإمام!
ß الحديث 7 - في هذا الحديث كالحديث 5 اُعتبر الإمام حجَّةً لله، وأنه باب الله ولسانه ووجهه وعينه، مع أنه من الواضح أنه بعد النبي الأكرم o لم تبق للناس حجة، كما قال عليٌّu : "تَمَّتْ بِنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ (صلى الله عليه وآله) حُجَّتُهُ" (نهج البلاغة، الخطبة 91).
ß الحديث 8 - راويه «هَاشِمُ بْنُ أَبِي عُمَارَةَ الْجَنْبِيُّ» مجهولٌ. وقد افتروا في هذه الرواية على لسان حضرة الإمام عليٍّ u أنه قال: "أَنَا عَيْنُ اللهِ وَأَنَا يَدُ اللهِ وَأَنَا جَنْبُ اللهِ وَأَنَا بَابُ اللهِ!".
ونقول: إن مقام ذلك الإمام الجليل أعلى وأجل من أن يقول مثل هذا الكلام. إن مثل هذه الادعاءات العريضة ومدح الذات يليق أكثر بأشخاص من أمثال «الميرزا علي محمد باب» و «الميرزا حسين علي بهاء»([14]) وأمثاله.
وقبل أن ننتقل إلى دراسة ونقد الحديث التاسع في هذا الباب، نرى من اللازم قبل ذلك أن نتعرف على أحد الرواة، لأن ذلك ضروري للتعرف على حال الراوي الثالث في سند الحديث التاسع.
([1]) الشيخ المفيد، رسالة «جوابات أهل الموصل في العدد والرؤيا» الصفحة 20 ، في معرض تعليقه على رواية (شهر رمضان ثلاثون يوماً لا ينقص أبداً)، التي في سندها «محمد بن سنان».
([2]) من المفيد الإشارة السريعة لأهم ما ذكره الرجاليون حول «محمد سنان» :
ألف) يقول النجاشي في رجال (ص252): "هو رجلٌ ضعيفٌ جداً لا يُعَوَّل عليه، ولا يُلتفت إلى ما تفرّد به".
ب) ويقول ابن الغضائري في رجاله (ج 5، ص 229) عنه: " محمد بن سنان أبو جعفر الهمداني مولاهم هذا أصح ما ينسب إليه، ضعيفٌ غالٍ يَضَعُ، لا يُلْتَفَتُ إليه.".
ج) وقال الشيخ أبو عمرو الكشيّ في رجال (ص332): عن أيوب بن نوح أنه كان يقول: "لا أستحلّ أن أروي أحاديث محمد بن سنان". وفي الصفحة 427 قال: "روى حمدويه بن نصير عن أيوب بن نوح أن «محمد بن سنان» قال حين وفاته: «كل ما حدثتكم به لم أسمعه من أحد بل وجدته!»".
د) وقال ابن داوود في رجاله (ص505) بعد ذكره لمحمد بن سنان في قسم الضعفاء: "إن محمد بن سنان كان يقول: «لا تَرْوُوا عنِّي مما حدثتُ شيئاً، فإنَّما هي كُتُبٌ اشتريتُها من السوق!» ثم قال: والغالب على حديثه الفساد وعلماء الرجال متَّفِقُون على أنه من الكذَّابين.".
هـ) قال عن الشيخ الطوسيُّ في رجاله: إنه ضعيفٌ. وقال عنه في «الفهرست» (ص143): "محمد بن سنان: له كتب وقد طُعِنَ عليه وضُعِّفَ. وكُتُبُه مثل كتب الحسين بن سعيد على عددها وله كتاب النوادر وجميع ما رواه إلا ما كان فيها من تخليط أو غلوّ ...".
([5]) من المفيد الرجوع حول هذا المضوع إلى كتاب «خيانت در گزارش تاريخ»، [خيانة في رواية التاريخ] (الطبعة الأولى)، انتشارات چاپخش، ج 1، ص 26 -27.
([6]) أصول الكافي، ج 1، ص 196. لم يصحح كلا المجلسي و البهبودي هذا الحديث، وصرح المجلسي بضعف سَنَدَيْهِ.
([7]) الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج ، ص ، كتاب الجهاد، باب 26، الحديث العاشر، ونصُّه: "هَارُونَ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ مَسْعَدَةَ بْنِ زِيَادٍ عَنْ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَلِيّاً (ع) لَمْ يَكُنْ يَنْسُبُ أَحَداً مِنْ أَهْلِ حَرْبِهِ إِلَى الشِّرْكِ وَ لَا إِلَى النِّفَاقِ وَ لَكِنَّهُ كَانَ يَقُولُ هُمْ إِخْوَانُنَا بَغَوْا عَلَيْنَا ".
أقول: وكان عليٌّ (ع) يقول أيضاً عن مخالفيه: «إِنَّمَا أَصْبَحْنَا نُقَاتِلُ إِخْوَانَنَا فِي الإسْلامِ عَلَى مَا دَخَلَ فِيهِ مِنَ الزَّيْغِ والاعْوِجَاجِ والشُّبْهَةِ والتَّأْوِيلِ» (نهج البلاغة، الخطبة 122).
([8]) انظر الكامل في التاريخ لابن الأثير، ج 4، ص 131. والبداية والنهاية لابن كثير، ج 7، ص 245، وانظر إلى ترجمة تاريخ الطبري إلى الفارسية، ج 6، ص 2470-2471 (ترجمة أبو القاسم باينده).