20. نماذج لروايات «أَبِي هَاشِمٍ الْجَعْفَرِيِّ» التي تكشف ضعفه وعدم وثاقته
1- من جملة أكاذيب أَبِي هَاشِمٍ الْجَعْفَرِيِّ أنه قَالَ: "دَخَلْتُ عَلَى أَبِي الْحَسَنِ الإمام الهاديu فَكَلَّمَنِي بِالْهِنْدِيَّةِ، فَلَمْ أُحْسِنْ أَنْ أَرُدَّ عَلَيْهِ وَكَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ، رَكْوَةٌ مَلْأَى حَصًا فَتَنَاوَلَ حَصَاةً وَاحِدَةً وَوَضَعَهَا فِي فِيهِ وَمَصَّهَا مَلِيّاً ثُمَّ رَمَى بِهَا إِلَيَّ فَوَضَعْتُهَا فِي فَمِي فَوَ اللهِ مَا بَرِحْتُ مِنْ عِنْدِهِ حَتَّى تَكَلَّمْتُ بِثَلَاثَةٍ وَسَبْعِينَ لِسَاناً أَوَّلُهَا الْهِنْدِيَّة!!"([1]).
وأقول: أولاً: من أين فهم الراوي أنَّ أبا هشام أصبح عالماً بثلاثة وسبعين لغةً؟ هل تكلم أبو هشام معه بثلاثة وسبعين لغة فعلاً؟ ولو فرضنا أن أبا هشام فعل ذلك (وهو لم يفعل بالطبع) فهل كان الراوي يعلم ثلاثةً وسبعين لغةً ويفهمها حتى يدرك أن أبا هشام تكلم فعلاً بهذه اللغات؟ ثم ما فائدة هذه المعجزة! وإذا كان مجرد مص حصاة قد مصها الإمام يجعل الإنسان عالماً باللغات فيجب أن يكون نساء رسول الله o جميعهن وبعض أصحابه الذين كانوا يأكلون من قصعته أو يشربون من إنائه ويأكلون بقية طعامه عالمين بسبعين لغة وأن يتكلم زوجات النبيo اللواتي مصصن لعابَه بسبعين لغة!
ثانياً: جاء في القرآن الكريم (النساء/46) أن اليهود - بهدف الطعن في الدين- كانوا يسيئون استخدام كلمة «راعنا» التي كان يستخدمها المسلمون، فيستخدمها اليهود مع النبيo قاصدين منها معنىً سيئاً باللغة العبرية، ولم يكن الرسول الأكرم o يعلم ذلك بل كان يفهم منها معناها العربي أي راعِ حالنا، إلى أن سمع سعدُ بنُ معاذ ذلك منهم وفهم قصدهم فوبَّخهم وعنَّفهم بشدَّة، ونزلت آية: ﴿لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا﴾ [البقرة/104]. ولم يُظْهِرْ رسولُالله o معجزةً مثل هذه المعجزة بأن يتكلم بعددٍ كبيرٍ من اللغات أو أن يمصَّ شيئاً ويضعه في أفواه أصحابه ليجعلهم يجيدون اللغات الأجنبية!!([2]) وبدلاً من أن يمص النبيّ o حصوةً ويضعها في فم زيد بن ثابت (الأنصاري) قال له: "يَا زَيْدُ! تَعَلَّمْ لِي كِتَابَ يَهُودَ([3]) فَإِنِّي وَاللهِ مَا آمَنُ يَهُودَ عَلَى كِتَابِي"([4]).
2- ومن روايات «أَبِي هَاشِمٍ الْجَعْفَرِيِّ» الأخرى هذا الحديث الخرافي الذي ينسبه إلى الإمام الجواد u بأنه قال: "إِنَّ بَيْنَ جَبَلَيْ طُوسَ قَبْضَةً قُبِضَتْ مِنَ الْجَنَّةِ- مَنْ دَخَلَهَا كَانَ آمِناً يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ النَّار"([5])!!
أقول: بناء على ذلك هل أهالي مدينة مشهد وساكنيها في أمان من النار ويستطيعون أن يفرحوا بهذه الأساطير وأن لا يخافوا عذاب الله؟ هل يمكن بمثل هذه الخرافات أن نتخلّى - نعوذ بالله- عن الآية المباركة التي تقول: ﴿لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى﴾ [النجم/39] أو عن قوله تعالى: ﴿كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ﴾ [المدثر/38] ؟!
3- ومن قصص أَبِي هَاشِمٍ الْجَعْفَرِيِّ الأخرى قوله: "كُنْتُ عِنْدَ أَبِي الْحَسَنِ (الإمام الهاديu) بَعْدَ مَا مَضَى ابْنُهُ أَبُو جَعْفَرٍ [وكان الإمام الهادي قد نص على إمامة ابنه أبي جعفر هذا بالإمامة من بعده] وَإِنِّي لَأُفَكِّرُ فِي نَفْسِي أُرِيدُ أَنْ أَقُولَ: كَأَنَّهُمَا أَعْنِي أَبَا جَعْفَرٍ وَأَبَا مُحَمَّدٍ فِي هَذَا الْوَقْتِ- كَأَبِي الْحَسَنِ مُوسَى وَإِسْمَاعِيلَ ابْنَيْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ [الصادق] (ع)، وَإِنَّ قِصَّتَهُمَا كَقِصَّتِهِمَا، إِذْ كَانَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْمُرْجَى بَعْدَ أَبِي جَعْفَرٍ (ع) فَأَقْبَلَ عَلَيَّ أَبُو الْحَسَنِ [الإمام الهادي (ع)] قَبْلَ أَنْ أَنْطِقَ فَقَالَ: نَعَمْ، يَا أَبَا هَاشِمٍ! بَدَا لِـلَّهِ فِي أَبِي مُحَمَّدٍ بَعْدَ أَبِي جَعْفَرٍ (ع) مَا لَمْ يَكُنْ يُعْرَفُ لَهُ كَمَا بَدَا لَهُ فِي مُوسَى بَعْدَ مُضِيِّ إِسْمَاعِيلَ مَا كَشَفَ بِهِ عَنْ حَالِهِ، وَهُوَ كَمَا حَدَّثَتْكَ نَفْسُكَ وَإِنْ كَرِهَ الْمُبْطِلُونَ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ ابْنِي الْخَلَفُ مِنْ بَعْدِي عِنْدَهُ عِلْمُ مَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ وَمَعَهُ آلَةُ الْإِمَامَة"([6]).
4- وروى أَبُو هَاشِمٍ الْجَعْفَرِيُّ هذا أيضاً أنه كان عِنْدَ الإمام الحسن العسكري (ع) فَاسْتُؤْذِنَ لِرَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ عَلَيْهِ فَدَخَلَ رَجُلٌ عَبْلٌ طَوِيلٌ جَسِيمٌ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ بِالْوَلَايَةِ فَرَدَّ عَلَيْهِ بِالْقَبُولِ وَأَمَرَهُ بِالْجُلُوسِ، فَجَلَسَ مُلَاصِقاً لِي فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: لَيْتَ شِعْرِي! مَنْ هَذَا؟ فَقَالَ الإمام (ع): هَذَا مِنْ وُلْدِ الْأَعْرَابِيَّةِ صَاحِبَةِ الْحَصَاةِ الَّتِي طَبَعَ آبَائِي (ع) فِيهَا بِخَوَاتِيمِهِمْ فَانْطَبَعَتْ، وَقَدْ جَاءَ بِهَا مَعَهُ يُرِيدُ أَنْ أَطْبَعَ فِيهَا. ثُمَّ قَالَ: هَاتِهَا فَأَخْرَجَ حَصَاةً وَفِي جَانِبٍ مِنْهَا مَوْضِعٌ أَمْلَسُ فَأَخَذَهَا أَبُو مُحَمَّدٍ u (أي الإمام العسكري) ثُمَّ أَخْرَجَ خَاتَمَهُ فَطَبَعَ فِيهَا فَانْطَبَعَ فَكَأَنِّي أَرَى نَقْشَ خَاتَمِهِ السَّاعَةَ!!!"([7]).
5- ويروي أَبُو هَاشِمٍ الْجَعْفَرِيُّ أيضاً أنه دَخَلَ عَلَى أَبِي جَعْفَرٍ (ع) [أي الإمام الجواد] وَمَعِي ثَلَاثُ رِقَاعٍ غَيْرُ مُعَنْوَنَةٍ وَاشْتَبَهَتْ عَلَيَّ فَاغْتَمَمْتُ، فَتَنَاوَلَ إِحْدَاهُمَا وَقَالَ هَذِهِ رُقْعَةُ زِيَادِ بْنِ شَبِيبٍ ثُمَّ تَنَاوَلَ الثَّانِيَةَ فَقَالَ هَذِهِ رُقْعَةُ فُلَانٍ فَبُهِتُّ أَنَا فَنَظَرَ إِلَيَّ فَتَبَسَّمَ ...... الخ. .......
[ويُتابع قائلاً في جزء تالٍ من روايته]
وَكَلَّمَنِي جَمَّالٌ أَنْ أُكَلِّمَهُ لَهُ يُدْخِلُهُ فِي بَعْضِ أُمُورِهِ فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ لِأُكَلِّمَهُ لَهُ فَوَجَدْتُهُ يَأْكُلُ وَمَعَهُ جَمَاعَةٌ وَلَمْ يُمْكِنِّي كَلَامَهُ فَقَالَ يَا أَبَا هَاشِمٍ كُلْ وَوَضَعَ بَيْنَ يَدَيَّ ثُمَّ قَالَ ابْتِدَاءً مِنْهُ مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ يَا غُلَامُ انْظُرْ إِلَى الْجَمَّالِ الَّذِي أَتَانَا بِهِ أَبُو هَاشِمٍ فَضُمَّهُ إِلَيْكَ..... الخ"([8]).
6- ويروي حديثاً آخر أيضاً يقول فيه: "شَكَوْتُ إِلَى أَبِي مُحَمَّدٍ (الإمام الحسن العسكري)u ضِيقَ الْحَبْسِ وَكَتَلَ الْقَيْدِ فَكَتَبَ إِلَيَّ أَنْتَ تُصَلِّي الْيَوْمَ الظُّهْرَ فِي مَنْزِلِكَ فَأُخْرِجْتُ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ فَصَلَّيْتُ فِي مَنْزِلِي كَمَا قَالَ (ع) وَكُنْتُ مُضَيَّقاً فَأَرَدْتُ أَنْ أَطْلُبَ مِنْهُ دَنَانِيرَ فِي الْكِتَابِ فَاسْتَحْيَيْتُ فَلَمَّا صِرْتُ إِلَى مَنْزِلِي وَجَّهَ إِلَيَّ بِمِائَةِ دِينَارٍ وَكَتَبَ إِلَيَّ إِذَا كَانَتْ لَكَ حَاجَةٌ فَلَا تَسْتَحْيِ وَلَا تَحْتَشِمْ وَاطْلُبْهَا فَإِنَّكَ تَرَى مَا تُحِبُّ إِنْ شَاءَ اللهُ"([9]).
7- 33ويروي حديثاً آخر أيضاً يقول فيه: "صَلَّيْتُ مَعَ أَبِي جَعْفَرٍ (الإمام الجواد) u فِي مَسْجِدِ الْمُسَيَّبِ، وَصَلَّى بِنَا فِي مَوْضِعِ الْقِبْلَةِ سَوَاءً، وَذُكِرَ أَنَّ السِّدْرَةَ الَّتِي فِي الْمَسْجِدِ كَانَتْ يَابِسَةً لَيْسَ عَلَيْهَا وَرَقٌ فَدَعَا بِمَاءٍ وَتَهَيَّأَ تَحْتَ السِّدْرَةِ فَعَاشَتِ السِّدْرَةُ وَأَوْرَقَتْ وَحَمَلَتْ مِنْ عَامِهَا!!!"([10]).
لاحظوا أنه يحاول أن يوحي إلينا - بواسطة أحاديثه- أن الإمام كان عالماً بضمائر العباد وبما في صدورهم، وأنهم كان يصنع معجزات لم يثبت للنبيّ مثلها. ولم يكن وحده في هذا بالطبع، بل - كما سترون- معظم رواة الكافي كانوا يحاولون، مثله، أن يشيعوا مثل هذه الخرافات والأمور المناقضة للقرآن والغلو في الصالحين، مخالفين بذلك وصية القرآن للمؤمنين التي تقول: ﴿لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ﴾ [المائدة/77].
بما أن سنصادف في «الكافي» كثيراً من أمثال هذه الروايات الملئية بالغلوّ والمخالفة للقرآن؛ لذا أرى من الضروري أن أقوم - قبل مواصلة نقد وتمحيص بقية أحاديث المجلد الأول من الكافي - بتحقيق مسألة العلم بالغيب وإظهار المعجزات كي يتمكن القارئ المحترم من مطالعة الكتاب الحاضر ببصيرة أكبر:
([1]) الشيخ عباس القمي، سفينة البحار، طبع النجف، ج2، ص 718. وله أيضاً في منتهى الآمال (بالفارسية)، چاپ اسلاميه، (أي طبع المطبعة الإسلامية)، ج2، ص367. (البرقعي). أقول (المُتَرْجِمُ): و رواه أمين الإسلام الطبرسي(ت 548هـ) في كتابه «إعلام الورى بأعلام الهدى»، وقطب الدين الراوندي (ت 573هـ) في كتابه «الخرائج والجرائح»، وابن شهرآشوب المازندراني (ت 588هـ) في كتابه «المناقب»، ونقله عن الثلاثة المجلسي، في بحار الأنوار، ج 50، ص 136.
([2]) يجب أن ننتبه إلى أنه لا يجوز لنا أن نقول بما أن حضرة سليمان u كان يعلم منطق الطير (أي لغة الطيور) فلماذا لا يكون النبي الأكرم o كذلك أيضاً؟ وذلك لأن كل نبي اختصه الله بمعجزة تتناسب مع ظروف زمانه، وكما أن النبي الأكرم o لم يولد دون أب وأن حضرة موسى u لم يتكلم في المهد وحضرة عيسىuلم يحول العصا ثعباناً، فلا يمكن أن ننسب -دون دليل- معجزة نبيٍّ من الأنبياء إلى الأنبياء الآخرين أيضاً.
([4]) وتتمّة الحديث: "قَالَ زَيْدٌ فَتَعَلَّمْتُ كِتَابَهُمْ، مَا مَرَّتْ بِي خَمْسَ عَشْرَةَ لَيْلَةً حَتَّى حَذَقْتُهُ، وَكُنْتُ أَقْرَأُ لَهُ كُتُبَهُمْ إِذَا كَتَبُوا إِلَيْهِ وَأُجِيبُ عَنْهُ إِذَا كَتَب". أخرجه أحمد، 5، 186 رقم (21658). والترمذي، السنن (5، 67 رقم 2715) وقال: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. (المُتَرْجِمُ)
([6]) الكُلَيْنِيّ، أصول الكافي، ج 1، ص 327، حديث 10. ومن الطريف والمثير - كما أشار إلى ذلك جناب الأستاذ «قلمداران» في كتابه القيم «شاهراه اتّحاد» (طريق الاتِّحاد) - أن أبا هاشم الجعفري هذا نفسه الذي يظهر من الحديث المروي أعلاه أنه ما تعرف على إمامة الإمام الحسن العسكري إلا بعد أن بين له الإمام الهادي ذلك، هو ذاته يروي رواية أخرى أوردها الكليني في الكافي (ج 1 ، ص 525، حديث 1) يذكر فيها أن الإمام الجواد (ع) بين له - على لسان الخضر - أسماء الأئمة الاثني عشر جميعاً، ومن جملة ذلك أنه قال له: "وَأَشْهَدُ عَلَى الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ بِأَنَّهُ الْقَائِمُ بِأَمْرِ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ". مما يعني أن أبا هاشم الجعفري كان يعرف أسماء الأئمة جميعاً - بما في ذلك الإمام الحسن العسكري (ع)- حتى قبل إمامة حضرة الإمام الهادي (ع) ، وَمِنْ ثَمَّ فلم يكن بحاجة إلى أن يقوم الإمام الهادي (ع) بتعريفه بإمامة الحسن العسكري من بعده!! يُراجع كتاب «شاهراه اتّحاد» (طريق الاتِّحاد)، ص 257 فما بعد.